كيف استغل أريئيل شارون "الحرب على الإرهاب" كي يلحق "الهزيمة" بالفلسطينيين؟
Date:
13 septembre 2021
Auteur: 

أحيت الولايات المتحدة الأميركية يوم السبت الفائت الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 التي شنها تنظيم "القاعدة" وأودت بحياة 2977 أميركياً وأميركية، كان من بينهم 343 من رجال الإطفاء الذين لقوا مصرعهم أثناء أداء واجبهم. وقد ظهرت أسماء ضحايا هذه الجريمة البشعة على شاشة عملاقة عُلقّت عند نصب مانهاتن التذكاري في نيويورك، حيث كان يوجد برجا مركز التجارة العالمي اللذان دمرتهما تلك الهجمات.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن وجّه، يوم الجمعة في 10 أيلول/سبتمبر، رسالة عبر الفيديو إلى مواطنيه دعاهم فيها إلى الوحدة باعتبارها "أعظم" قوة لهم، وذلك بعد أن قرر طي صفحة أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، بدأت في أفغانستان في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2001، وانتهت، بعد عشرين عاماً، بتنظيم جسر جوي ضمن انسحاباً مخزياً للقوات الأميركية من هذا البلد رافقه هجوم على بوابات مطار كابول تسبب في مقتل أكثر من مئة شخص بينهم 13 جندياً أميركياً، وسبقته عودة "مظفرة" لحركة طالبان إلى الحكم الذي كانت القوات الأميركية قد اقتلعتها منه. كما قرر بايدن "إنهاء المهمات القتالية" للقوات الأميركية من العراق قبل أواخر هذا العام، وذلك بعد أن شنت الولايات المتحدة الأميركية حربها على هذا البلد، في 20 آذار/مارس 2003، بذريعة امتلاك نظامه "أسلحة دمار شامل"، وهو ما نفاه تحقيق أجرته هيئة الأمم المتحدة في حزيران/يونيو 2003، وخلص إلى عدم وجود دليل على وجود أسلحة كيمياوية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في العراق.

ومن المعروف أن الحرب الأميركية على أفغانستان، ثم على العراق، قد جرت في إطار ما أسماه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن بـ "الحرب الشاملة على الإرهاب"، وهي حرب قد تكون جعلت الولايات المتحدة الأميركية "أكثر أماناً"، لكن تكاليفها البشرية والاقتصادية والبيئية كانت، بحسب جامعة براون، كارثية، إذ أفضت إلى أكثر من 929 ألف قتيل من بينهم 387 ألف مدني، و 38 مليون لاجئ وأكثر من 8 تريليونات دولار أنفقتها واشنطن، ناهيك عن التكلفة الأخلاقية لتلك الحرب، وخصوصاً بعد ظهور "جانبها المظلم: سجون سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية، وعمليات خطف وتعذيب للسجناء، و"مقاتلون أعداء" يعاملون مثل الحيوانات في معسكر غوانتانامو العسكري"[1].

"عن وهم الحرب على الإرهاب"

تحت هذا العنوان نشر آلان غريش، مدير مجلة "أوريان 21" الإلكترونية"، في 9 أيلول/سبتمبر مقالاً مطولاً، قدّر فيه أن "الحرب الشاملة على الإرهاب"، التي أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بعد تفجيرات الحادي عشر من إيلول/سبتمبر قد استغلها "عدد من السياسيين وكتاب الرأي ومن نصّبوا أنفسهم “خبراء” في الإرهاب والمفكرين" لتعبئة الرأي العام "ضد عدو جديد -الإرهاب- والذي كثيراً ما يتم خلطه بالإسلاموية، أو حتى بالمسلمين". وبعد أن أشار إلى أن "الإرهاب" هو "شكل من أشكال العنف شهدته الإنسانية على مدى تاريخها بمظاهر مختلفة، وقد استعمله عدد من الفاعلين ذوي القناعات المتناقضة"، اعتبر أن التعريف الواسع لـ "الخطر الإرهابي" الذي تبنته إدارة جورج بوش الابن، والذي "شمل تنظيم القاعدة، وعدداً كبيراً من المجموعات المسلحة ومن “الدول المارقة”، من حزب الله إلى كوريا الشمالية"، و"تعدد الأعداء وضبابية الأهداف"، ساهما "في الفشل المتكرر لـ "الحرب على الإرهاب"، التي صبت في الواقع "في مصلحة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي" .

وبعد أن توقف غريش عند "الهزيمة النكراء" التي لحقت مؤخراً بالولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، ولاحظ أن "رفض الهيمنة الأجنبية أصبح القاعدة، حتى وإن تزيّنت هذه الهيمنة بخطابات “الديمقراطية” و“حقوق الإنسان”"، وأنه راحت تبرز قوى دولية جديدة "تساهم في تقرير مستقبل البلاد، مثلها مثل الولايات المتحدة، وأكثر مما يفعل الاتحاد الأوروبي"، خلص إلى أن الولايات المتحدة، التي "ستبقى لعقود أخرى قوة أساسية"، لم تعد اليوم تملك الوسائل الكافية "لتسيير العالم، ناهيك عن تقرير مصير بلدان مثل أفغانستان والعراق، حتى وإن كانت قادرة -كما رأينا- على تدميرها"، وإلى أن الحرب على الإرهاب "هي آخر وهم لهذا الغرب الذي يرفض القبول بوضع العالم الجديد ويرغب في تحويل مجرى التاريخ؛ إنها مهمة خيالية طبعاً، لكن السعي لتحقيقها لن يؤدي إلا إلى تفاقم الفوضى العالمية، وإلى تغذية فكرة “صراع الحضارات” وزعزعة استقرار عدد من المجتمعات، بما فيها الغربية، من خلال تقسيمها وفق معايير دينية"[2].                                                                                   

إسرائيل تنخرط في "الحرب الشاملة على الإرهاب"

وقعت تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 بعد نحو عام من اندلاع الانتفاضة الثانية التي عُرفت باسم "انتفاضة الأقصى"، والتي صارت تتجه نحو عسكرة فاعلياتها رداً على القمع الوحشي الذي لجأت إليه حكومة أريئيل شارون بغية وضع حد لها. وقد جاءت تلك التفجيرات، التي نددت بها السلطة الفلسطينية وأكدت دعمها الولايات المتحدة، لتعطي بعداً خطيراً لظاهرة العسكرة هذه؛ فقبل ذلك التاريخ، كانت سياسة إدارة الرئيس جورج بوش الابن، التي لم تهتم بإعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى سكة الحوار بعد إخفاق القمة التي جمعت في كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000 ياسر عرفات وإيهود باراك، تتمثّل في دعم حكومة أريئيل شارون ومطالبته بـ "عدم الإفراط" في الرد على الفلسطينيين، واحتواء المواجهة الدائرة فوق الأرض الفلسطينية بحيث لا تؤثر سلباً في السياسة الأمريكية في المنطقة، التي كانت تحضّر لغزو العراق. وقد استنتج أريئيل شارون فوراً، بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، أن الوضع الجديد يتيح له الإدعاء أنه يقف في الخطوط الأمامية لـ "الحرب على "الإرهاب"، وأنه بات في وضع طليق اليدين ليضع قواعد جديدة للعبة تنسف الخطوط الحمراء التي كانت قائمة سابقاً. ومع أن الإدارة الأمريكية لم تساير في المرحلة الأولى هذا التوجه الإسرائيلي، وحثت الحكومة الإسرائيلية على ضبط النفس، بل وضغطت لوقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات، وأعلنت على لسان رئيسها أمام الأمم المتحدة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2001 تحبيذها قيام "دولتين"، إلا أنّ تصاعد المواجهة المسلحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولّد توجهاً أمريكياً أشد تعنتاً تجاه الفلسطينيين، وعزّز التفاهم السياسي بين اليمين المحافظ الأميركي واليمين القومي الإسرائيلي[3]. ففي الخامس من نيسان/أبريل 2002، وبينما تسارعت وتيرة المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ألقى الرئيس الأمريكي باللوم على ياسر عرفات لعدم وفائه بوعده بـ "وقف أعمال العنف" وحمله مسؤولية "الوضع المزري" الذي يعاني منه شعبه، ثم أعلن في خطابه في 24 حزيران/يونيو 2002 أن "السلام يتطلب قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة" عن قيادة ياسر عرفات، الذي كان رهن الإقامة الجبرية في مقره في رام الله منذ كانون الأول/ديسمبر 2001. وكان أريئيل شارون قد استغل هذا التحوّل في الموقف الأميركي كي يوعز إلى جيشه، في 29 آذار/مارس 2002، بإعادة احتلال مدن الضفة الغربية في عملية أُطلق عليها اسم عملية "السور الواقي"، جمعت ما بين تدمير البنى التحتية في هذه المدن وتقييد حرية سكانها من خلال نصب مئات الحواجز على الطرقات وفرض الحصار عليهم، وتقسيم أراضي الحكم الذاتي إلى جيوب منفصلة. كما أوعز، في حزيران/يونيو 2002، ببدء بناء "جدار أمني" على طول الخط الأخضر بين الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل، رأت فيه منظمات حقوق الإنسان الدولية جداراً للفصل العنصري، وأدانته محكمة العدل الدولية في سنة 2004[4].

صهيونية "جديدة" ترمي إلى "كي وعي الفلسطينيين"

عبّرت السياسة التي انتهجها أريئيل شارون، بعد وصوله إلى السلطة في إسرائيل في مطلع سنة 2001، عن تبلور "صهيونية جديدة"، اتسمت بطابع قومي وديني، وهدفت إلى فرض الاستسلام الكامل على الشعب الفلسطيني، معتبرة أن على المجتمع الإسرائيلي أن يعيد تربية الجيل الفتي بـ "روح حرب 1948" ويعزز "الإجماع القومي". وتبيّن هذا الهدف، الذي لم تتخلَ عنه في الواقع الحركة الصهيونية منذ نكبة 1948، بوضوح خلال عملية "السور الواقي" في سنة 2002، وذلك عندما صرّح رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك، الجنرال موشيه يعلون، أن المطلوب هو "كي الوعي الفلسطيني"، كي "يعرف الفلسطينيون في أعماق وعيهم أنهم شعب مهزوم"[5]. أما العقيدة التي استند إليها الجيش الإسرائيلي لتحقيق هذا الهدف، فقد قامت على أساس توجيه قوة تدميرية هائلة إلى مواقع "العدو" تكبده خسائر بشرية ومادية كبيرة جداً، واتخذت هذه العقيدة، خلال العدوان الإسرائيلي في سنة 2006 على لبنان، اسم "عقيدة الضاحية" استناداً إلى تجربة الدمار الهائل الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية بضاحية بيروت الجنوبية في تلك السنة. والواقع، أن هذه العقيدة لم تكن جديدة، وإنما هي قديمة قدم بدايات تنفيذ المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، والذي لم يستهدف التدمير المنتظم لهوية الفلسطينيين السياسية فحسب، بل استهدف أيضاً تدمير جميع مقوماتهم المجتمعية: قراهم، ومدنهم، وبيوتهم، وبناهم التحتية، واقتصادهم وثقافتهم، وهو ما أطلق عليه بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان، منذ أعوام، مصطلح "الإبادة المجتمعية".

حكام إسرائيل: "لا حل للصراع مع الفلسطينيين"

منذ توقيع ما عُرف بـ "اتفاق السلام" في أوسلو، قام الجيش الإسرائيلي بشن خمس حروب كبرى على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، كانت كل واحدة منها، في نظر حكام إسرائيل، بروفة للحرب القادمة، وليست استمراراً للسياسة بطرق أخرى، وذلك استناداً إلى قناعة مترسخة لدى هؤلاء الحكام، فحواها أن الصراع مع الفلسطينيين هو صراع وجودي لا حل له، وهو ما أعلنه صراحة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو في حوار مغلق مع كُتّاب إسرائيليين، نظمته صحيفة "هآرتس" في سنة 2014، وذلك عندما سأله الكاتب والسينمائي إتغار كيريت عن الحل الذي يتصوره للصراع في الشرق الأوسط، فقدم نتنياهو "جواباً طويلاً، تطرق فيه إلى التهديد النووي الإيراني وإلى حالة عدم الاستقرار التي يواجهها العديد من الأنظمة في المنطقة"؛ وأمام إلحاح الكاتب على ضرورة الحصول على رد واضح منه، اعترف نتنياهو – كما يكتب كيريت- بأنه "لن يفعل شيئاً لحل هذا النزاع، لأنه نزاع لا يمكن حله"[6].

ولم يختلف موقف نفتالي بينت، الذي يندرج فكره في إطار هذه "الصهيونية الجديدة"، عن موقف سلفه بنيامين نتنياهو، إذ تفاخر في آب/أغسطس 2013 بقوله: "لقد قتلت الكثير من العرب في حياتي، ولا مشكلة لدي في ذلك"، وصرّح في أكثر من مناسبة أن الصراع مع الفلسطينيين "غير قابل للحل"، وأن الخيار الوحيد لإسرائيل هو "فرض إرادتها عليهم، بينما تقدم للفلسطينيين الراغبين في ذلك تحسيناً مشروطًا بطيئاً لحياتهم اليومية"، وكان آخر تصريحاته هذه، خلال زيارته بصفته رئيساً للوزراء إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل أسابيع، إذ صرّح لصحيفة "نيويورك تايمز" أنه لن يكون قادراً "على حل هذا الصراع المستمر منذ 130 عاماً"، وأن حكومته "لن تنشئ دولة فلسطينية"، كما أنها ستواصل عمليات النمو الاستيطاني في "يهودا والسامرة"، ولن تستأنف الحوار مع السلطة الفلسطينية، كما أنها ستستمر في فرض الحصار على قطاع غزة"، مبدياً استعداده "لشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد حماس، إذا لزم الأمر، حتى على حساب خسارة دعم نواب حزب راعم [القائمة العربية الموحدة][7].

بيد أن حكام إسرائيل سيكونون واهمين إذا ظنوا بأنهم قادرون على فرض إرادتهم على الشعب الفلسطيني، الذي أثبت أن كل الحروب التي شنتها إسرائيل عليه، منذ عملية "السور الواقي" في سنة 2002، لم تفلح في كسر مقاومته التي ما زالت مستمرة بأشكال مختلفة، مبيّنة أنه شعب يرفض الاستسلام ولن يقبل أبداً بأن يكون شعباً "مهزوماً".

 

[1] https://www.liberation.fr/international/amerique/11-septembre-pour-les-etats-unis-vingt-ans-de-fuite-en-avant-

[2] https://orientxxi.info/magazine/article5021

 [3]  انظر: كميل منصور. "أحداث 11 أيلول 2001 والمواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية "، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 49 ( شتاء 2002)، ص 16-27 .

[4] Jalal Al-Husseini, “Les attentats du 11 septembre 2001 et la question palestinienne”, Politique étrangère 2011/3 (Automne), pages 547 à 558,

https://www.cairn.info/revue-politique-etrangere-2011-3-page-547.htm

[5] Yehuda Shaul. «prétendant se défendre, Israël attaque », Le Monde (23 juillet 2014), p. 17.

[6] Etgar, Keret. «Proche-Orient: les mots de la trêve », le Monde (13-14 juillet 2014). P. 16.

[7] https://orientxxi.info/magazine/naftali-bennett-le-triomphe-du-nationalisme-mystique-juif,4828

"بينت: لن نُجري أي مفاوضات مع السلطة الفلسطينية وسنواصل توسيع المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية"