لا يختلف اثنان على أن واقع ذوي الإعاقة في قطاع غزة يزداد تدهوراً على صعيد الحرمان من الكثير من الحقوق المكفولة قانوناً، فماذا لو أضيف إلى هذا كله انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي التي ضاعفت فاتورة الإعاقة في القطاع، وخصوصاً خلال العدوان الأخير على غزة.
تفيد الإحصاءات بأن ستة أشخاص من ذوي الإعاقة استشهدوا خلال العدوان الذي شنته إسرائيل في العاشر من أيار/مايو الماضي على غزة، خمسة من الذكور وواحدة من الإناث، وذلك من أصل 128 ألف حالة إعاقة، بنسبة تصل إلى 6.7% من عدد السكان.
ووفقاً لورقة الحقائق التي صدرت عن الإغاثة الطبية الفلسطينية، أسفر العدوان عن 50 إعاقة جديدة، بينما بلغت حالات البتر حتى تاريخ التاسع من أيار/مايو 10 حالات، و35 حالة شلل رباعي ونصفي وطولي، إلى جانب نزوح 3000 مواطن من ذوي الإعاقات.
يتضح من ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي يضرب بالإطار القانوني الخاص بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة عرض الحائط، إذ نصت المادة 11 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على أن: "تتعهد الدول الأطراف وفقاً لمسؤولياتها الواردة في القانون الدولي، بما فيها القانون الإنساني الدولي، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، اتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين تتسم حالاتهم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية".
ويصف مسؤول برنامج التأهيل في الإغاثة الطبية مصطفى عابد هذا الانتهاك بأنه يرتقي إلى "جرائم حرب ضد الإنسانية، وعليه، يجب ملاحقة الاحتلال في المحافل الدولية، وكبح جماحه عن تجاوز قانون حماية الأشخاص ذوي الإعاقة" كما قال.
وأشار عابد إلى أن واقع ذوي الإعاقة ازداد سوءاً في أعقاب العدوان الأخير على القطاع، إذ أعاق الاحتلال فرص وصول الأطفال من ذوي الحاجات الخاصة إلى المدارس، فضلاً عن أن إغلاق المعابر قلص من الخدمات الصحية الأساسية اللازمة لهذه الفئة، وبصورة خاصة العلاج والأدوات المساعدة".
لمواجهة هذا الواقع، يقول عابد، نحن بحاجة إلى برامج تأهيلية من خدمات الدعم النفسي والعلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي والتمريض والرحلات الترفيهية ومواءمة المنازل والأدوات التي يستخدمها الأشخاص ذوو الحاجات الخاصة، وعقد برامج لتمكينهم ورفع الوعي لديهم، وبصورة خاصة تأهيل ما بعد الصدمة للتأقلم داخل الأسرة وداخل المجتمع.
كما شدد مسؤول التأهيل في الإغاثة الطبية على ضرورة الإسراع في تنفيذ برامج التدريب المهني تبعاً للإعاقة التي لحقت بهؤلاء الأشخاص وتوفير فرص عمل لهم، إذ أصبح العديد منهم لا يستطيع ممارسة أمور حياته الطبيعية.
وتسبب الاحتلال الإسرائيلي قبل العدوان على غزة بثلاثة أعوام تقريباً بزيادة نسبة الإعاقة، من خلال "مسيرات العودة" على حدود قطاع غزة، والتي كان يستهدف المشاركين فيها من المدنيين بشكل مباشر.
وأسفرت الانتهاكات الإسرائيلية خلال تلك المسيرات عن 192 حالة إعاقة: 128 حالة إعاقة بتر؛ و22 حالة إعاقة صُنفت إصابات في الحبل الشوكي، و26 حالة إصابة في العين، نتج منها حالات فقدان للعين ومشاكل صحية تمنع من الرؤية.
في سياق آخر، وضمن قراءة متفحصة لواقع وظروف ذوي الإعاقة وحجم التدخل الرسمي والأهالي لدعم ومساندة هذه الفئة، يتبين أنه لا يتم إعمال معظم الحقوق الواردة في قانون المعاق الفلسطيني، بما في ذلك تخصيص نسبة 5% من الوظائف لذوي الإعاقة.
ويشتكي ذوو الإعاقة في قطاع غزة من التمييز ضدهم في العمل، إذ إن العشرات منهم محرمون من فرص التوظيف، ولا يحظون كذلك بتكافؤ الفرص، والحصول على أجر متساوٍ أسوة بغيرهم.
وقد جاءت جائحة كوفيد 19 لتزيد في معاناة ذوي الإعاقة، وخصوصاً أن العديد من مؤسسات التأهيل أغلقت برامجها أو قلصت خدماتها لذوي الإعاقة، فضلاً عن تعطل الكثير من الأعمال، وفق إفادة عدد من ذوي الإعاقة.
وتشير إحصاءات صادرة عن المركز الفلسطيني للإحصاء إلى أن معدل البطالة بين ذوي الإعاقة بلغ نحو 37% في سنة 2017، هذا يعني أن الأرقام زادت باضطراد خلال العام المنصرم والنصف الأول من العام الحالي، بفعل تراجُع الكثير من فرص العمل نتيجة تفشّي الجائحة.
يتفق مع هذا القول مدير شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة أمجد الشوا الذي أكد بدوره أن واقع ذوي الإعاقة في قطاع غزة يزداد تدهوراً في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعانيها السكان بسبب الاحتلال والحصار والانقسام الفلسطيني، وكذلك انتشار جائحة كورونا.
وقال الشوا: "يجب مراجعة قانون المعاق الفلسطيني، وتشكيل أداة للضغط والمناصرة من أجل تحسين أوضاع ذوي الإعاقة وصون حقوقهم"، مشدداً على أهمية أن تكفل القوانين الفلسطينية حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الحصول على فرص العمل والعلاج والمأوى وبرامج الرعاية والتعليم وخلق بيئة آمنة وصديقة لهم.
في نهاية الأمر، لا بد من التشديد على أن واقع ذوي الإعاقة لن يتغير إلى الأفضل إلا بأمرين أساسيين: الأول، إلزام الاحتلال الإسرائيلي باحترام حقوق ذوي الإعاقة ومعاقبته وتجريمه على انتهاكها، وذلك عبر المؤسسات الأممية، والثاني، إجراء تعديل قانوني يضمن صون وكرامة حقوق هذه الفئة المجتمعية ويراعي متطلباتها وحاجاتها وظروفها.