سطّر أهالي بيتا، جنوبي شرق نابلس، نموذجاً يُحتذى به في المقاومة الشعبية لمحاولات احتلال أراضيهم ومصادرتها لمصلحة بؤرة استيطانية أُقيمت في شهر أيار/مايو على جبل صبيح. ويقاوم أهالي القرية بؤرة المستوطنين هذه وجيش الاحتلال الصهيوني بإمكاناتهم البسيطة، مشكّلين نموذجاً في مواجهة الاحتلال والمستوطنين، ومستلهمين دروساً من المقاومة في غزة.
لم تُثنِ إصابة المئات من أهالي القرية، التي يُقدَّر عدد سكانها بنحو 12 ألف نسمة، برصاص الاحتلال الاسرائيلي، بل زادت في عزيمتهم. وعلى الرغم من سقوط خمسة شهداء منذ أيار/ مايو الفائت هم: زاهي بني شمسة، وعيسى برهم، وزكريا حمايل، ومحمد حمايل، وطارق صنوبر، إلاّ إن أهل القرية مصرون على استعادة أرضهم المسلوبة.
وتزداد في الليل وتيرة فعاليات ما بات يُعرَف بـ "الإرباك الليلي"، والمتمثلة في إحراق عدد كبير من إطارات السيارات حول البؤرة الاستيطانية على قمة الجبل، وإطلاق العنان لأبواق المركبات ومكبرات الصوت، وتوجيه أضواء الليزر إلى تلك البؤرة، في محاولة لإقلاق راحة المستوطنين وبث الخوف في نفوسهم. وأضحت المقاومة الشعبية في هذه القرية الصغيرة نموذجاً ملهماً لمواجهة الاحتلال ومستوطنيه يتكلل في العمل الجماعي ومثابرة أهل القرية بكل مكوناتهم على إقامة فعاليات يومية تقض مضاجع المستوطنين.
ويقول أحد أبناء البلدة خالد مفلح إن الحراك بدأ في أيار/مايو، وصار أهالي البلدة ينظّمون فعالية مركزية كل يوم جمعة، يقيمون فيها الصلاة في منطقة قريبة من الجبل، قبل أن يصطدموا بجيش الاحتلال الذي يمنعهم من الاقتراب، ويطلق عليهم الرصاص وقنابل الغاز المسيّل للدموع.
ويوضح مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة غسان دغلس أن المستوطنين استغلوا العدوان على غزة وانشغال وسائل الإعلام في ذلك الوقت لإقامة بؤرة استيطانية في جبل صبيح تتألف من 40 وحدة استيطانية في غضون عشرة أيام. من جهته، يشير أمجد أبو العز، وهو محاضر في الجامعة العربية الأميركية وأحد أبناء البلدة، إلى أن المستوطنين أقاموا كرافانات ومباني وشقوا طريقاً بحماية جيش الاحتلال. وأشار إلى أن 55 عائلة تسكن هذه البؤرة اليوم، التي أصبحت تضم مركزاً صحياً ومدرسة دينية.
ويؤكد أنه "كان هناك عدة محاولات لإقامة بؤرة استيطانية على الجبل نظراً إلى موقعه الاستراتيجي وقربه من حاجز زعترة جنوبي نابلس، لكن أهالي البلدة تصدوا لهذه المحاولات وأفشلوها، وكان آخرها قبل عام عندما بدأ المستوطنون بإقامة احتفالات دينية على قمة الجبل، وكان أهالي البلدة لهم بالمرصاد."
ويشير مفلح إلى أن الجبل يمتد على مساحة 700 دونم تقريباً، وتبلغ مساحة قمته التي أُقيمَت عليها البؤرة الاستيطانية 20 دونماً، مؤكداً: "نحن على يقين من أن أطماع المستوطنين لا تتوقف، وأنها بالتأكيد ستمتد لتسيطر على الجبل كاملاً مع مرور الوقت، إذا ما سمحنا لهذه البؤرة الاستيطانية بالبقاء."
وأضاف: تعود ملكية نحو 20% من أراضي الجبل إلى ستة مزارعين من بيتا، بينما تعود ملكية الأراضي الباقية إلى سكان قريتيْ يتما وقبلان. وكانت المنطقة تضم نقطة عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حقبة الثمانينيات قبل أن تتم إزالتها.
ويقع الجبل على امتداد مستوطنة "أريئيل"، أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، وحاجز زعترة جنوبي نابلس، ويصل حتى الأغوار؛ وإقامة مستوطنة فيه تهدف إلى فصل الجزء الشمالي من الضفة عن جزئها الجنوبي.
ويذكر أبو العز، أن هناك قراراً رسمياً صادراً عن الحكومة الإسرائيلية السابقة قبل أكثر من أسبوعين بشأن إخلاء البؤرة، لكن ذلك لم يحدث. ويضيف: بررت الحكومة الإسرائيلية المماطلة في إخلاء البؤرة إلى الحاجة إلى التأكد من النواحي القانونية، بالإضافة إلى عدم امتلاك الشرطة صلاحيات تنفيذ مسألة الإخلاء، وهو أمر يبعث على السخرية ويدل على أن المؤسسة الرسمية الإسرائيلية غير جادة في الإخلاء.
وعلى الرغم من معرفتهم بحقيقة أن القضاء الإسرائيلي تابع للمؤسسة الصهيونية وأداة في يدها، إلّا إن أصحاب الأراضي توجهوا إلى القضاء الإسرائيلي، مزوّدين بكافة وثائق الملكية التي تثبت أنها أراضيهم.
وبينما تستمر الفعاليات المناهضة للمستوطنة المقامة على جبل أبو صبيح، لا يخفي أهالي بيتا تطلعهم إلى مزيد من الإسناد والدعم الشعبي من القرى والمناطق المجاورة، لإفشال المحاولة الاستيطانية. ويرى مفلح أن إسناد أهالي بيتا أمر حيوي لإفشال المحاولات الاستيطانية. وأبدى سعادته لمشاركة نحو 2000 فلسطيني من عدة محافظات في الضفة في الفعالية التي أُقيمَت يوم الجمعة الماضي. ويضيف مفلح: إن وجود 30 وسيلة إعلامية عربية وأجنبية في الفعالية أثلج صدورنا، لأنه ساهم في نقل صورة الوضع إلى العالم وإيصال رسالة حقيقية بشأن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني جرّاء السياسات والممارسات الإسرائيلية، وتابع قائلاً: إن الفعاليات ستتواصل خلال الفترة المقبلة، على الرغم من فرض حصار مشدد على البلدة مؤخراً وانتشار الجيش على مداخلها.