تخوفات من انهيار النظام الصحي: هل فلسطين قادرة على مواجهة موجة كورونا ثانية؟
Date:
22 décembre 2020
Auteur: 

في ظل الحديث عن موجة ثانية من انتشار فيروس كوفيد-19 (كورونا) في فلسطين، وتحذير منظمة الصحة العالمية من سلالة جديدة للفيروس، لا يبدو الوضع الوبائي في فلسطين بأفضل حال؛ فأرقام الإصابات والوفيات في تصاعد مستمر بينما بدت الإجراءات الرسمية من إغلاقات محدودة وشاملة عاجزة عن الحد من هذا الارتفاع.

بعد إغلاق شامل امتد لأسبوع في أربع محافظات في الضفة الغربية (بيت لحم والخليل جنوباً، ونابلس وطولكرم شمالاً) لم يطرأ أي تغيير على الوضع الصحي في هذه المحافظات. وكشفت تصريحات مديرة صحة بيت لحم يوم الأحد (20 كانون الأول/ديسمبر) عن صعوبة الوضع الوبائي في المحافظة، وأن 40% من مجمل أعداد المصابين في المحافظة يحتاجون إلى العلاج في المستشفيات، وأن ذلك ينطبق على الوضع في الخليل ونابلس. تقابل هذه الحاجة مستشفيات وطواقم طبية منهكة زاد الضغط عليها في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى روايات قاسية يتناقلها المرضى الذين يضطرون إلى دخول المستشفيات.

روايات قاسية

فمثلاً، تبين إصابة الصحافية رنين صوافطة بالفيروس، هي ووالدتها في 9 كانون الأول/ديسمبر الحالي، وهو ما اضطرها إلى المبيت في القسم المخصص لعلاج الفيروس في مستشفى طوباس التركي الحكومي مع والدتها التي تعرضت لنكسة صحية. وتقول صوافطة إن الوضع في المستشفى لا يمكن وصفه؛ فالحالات التي يتم التعامل معها بالعشرات، يحتاج عدد كبير منها إلى المبيت في المستشفى، لكن يتعذر ذلك بسبب عدم وجود أسرّة فارغة. ويترافق ذلك مع عمل متواصل للطواقم الطبية، التي تصل الليل بالنهار في محاولة للسيطرة على الحالات في القسم. وتضيف: "رأيت مرضى يقعون أرضاً لعدم قدرتهم على الوقوف أو الوصول إلى الحمام، وأجهزة الأكسجين ترافقهم باستمرار".

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد حذرت من موجة ثانية أكثر صعوبة من الإصابات بالفيروس خلال فصل الشتاء وتوقعت أن تمتد حتى شباط/فبراير المقبل، إذ ستكون أعداد الإصابات أعلى، مع ظهور الأعراض بنسبة أكبر، وتزداد الحاجة إلى تدخل طبي، وأيضاً مع توقعات بارتفاع أعداد الوفيات.

ويحذر مدير الطب الوقائي في الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الدكتور سامر الأسعد من أن الوضع الوبائي الآن دخل مرحلة الانتشار المجتمعي، مع ارتفاع في نسبة الإصابة التي تجاوزت في بعض المحافظات 30% من نسبة عدد الفحوصات. وانعكس عدد الإصابات المرتفع، وظهور أعراض على معظم المصابين وحاجتهم إلى الرعاية الطبية، على نسبة الإشغال في المستشفيات والمراكز الطبية والتي وصلت في بعضها إلى 100% . ولم تقتصر نسبة الإشغال العالية حالياً على المستشفيات والمراكز الطبية التي خصصت لعلاج الفيروس فحسب، بل امتدت أيضاً إلى الأقسام التي خصصت لعلاج الفيروس في المستشفيات الحكومية والخاصة كافة.

50 حالة وفاة يومياً

وتابع الأسعد في حديث خاص: "كنا نتوقع هذه الزيادة في فصل الشتاء لكن الأمور فاقت توقعاتنا فكل إجراءاتنا بلا فائدة مع عدم التزام المواطنين". وتوقع الأسعد ارتفاعاً أكبر في عدد الإصابات والوفيات في الفترة المقبلة في حال استمر عدم التزام المواطنين، ويقول إنه خلال الإغلاق يلتزم الناس في قلب المدن، بينما يقل الالتزام في أطرافها وينعدم في مناطق الأرياف والمخيمات، مضيفاً أنه يتوقع أن تصل أعداد الوفيات إلى 50 حالة يومياً في حال استمر الوضع على ما هو عليه الآن.

وأبدى الأسعد تخوفه من الوصول إلى مرحلة من عدم السيطرة، الأمر الذي ينعكس على عدم قدرة الطواقم الطبية على التعامل: "كل الإجراءات التي نقوم بها هدفها الحد من الإصابات كي لا تصل إلى مرحلة لا يستطيع نظامنا الصحي استيعابها وبالتالي تؤدي إلى انهياره." وبالإضافة إلى حجم العبء الكبير على هذه الطواقم، فإن الإصابات بالفيروس في صفوفها وصلت إلى 1500 إصابة حالياً منها 260 حالة ناشطة، بينما وصل عدد الوفيات إلى 13 حالة.

في غزة الوضع أصعب

الحالة الوبائية الصعبة في الضفة تقابلها كارثة صحية في قطاع غزة، نظراً إلى الاكتظاظ الكبير والنظام الصحي المتهالك بسبب الاستهداف الإسرائيلي العسكري وسنوات من الحصار.

وحذر مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في قطاع غزة د. عبد الناصر صبح، من الوضع الوبائي في قطاع غزة، مشيراً إلى أنه إذا بقيت نسبة العدوى ضمن المعدل الحالي فإن إصابة جميع سكان القطاع هي مسألة وقت قد لا يتعدى الشهر. ويتحدث صبح عن أرقام رصدتها منظمته ووزارة الصحة الفلسطينية، إذ وصلت نسبة الإصابة في بعض الأيام إلى 45% من مجمل الفحوصات اليومية، وبالتالي ارتفعت نسبة عدد الأشخاص الذين قد تنتقل العدوى إليهم من الشخص الواحد المصاب. فالنسب العالمية هي شخص إلى ثلاثة أشخاص، لكنها في القطاع وصلت إلى سبعة أشخاص.

وتابع في حديث خاص: "إذا بقي الوضع على ما هو عليه ستتضاعف الإصابات وسنتعدى حاجز الـ 1000 حالة يومياً." وأضاف أن كسر سلسلة الفيروس في القطاع أصبح اليوم تحدياً كبيراً في ظل لامبالاة المواطنين، حتى بدت إجراءات الإغلاق الشامل الأخيرة، يومي الجمعة والسبت بلا جدوى. أمّا التحدي الثاني كما يقول صبح، فهو محدودية الإمكانات البشرية للتعامل مع الحالات التي تستدعي الدخول إلى المستشفيات، وأنه على الرغم من عمل وزارة الصحة على زيادة الإمكانات المادية، لا توجد طواقم طبية مُدربة تستطيع التعامل مع هذه الحالات. ومع الإعلان الأخير لمنظمة الصحة العالمية عن ظهور سلالة جديدة للفيروس، يخشى صبح كارثة صحية حقيقية، فمقومات النظام الصحي الحالي لا تزال عاجزة عن مواجهة السلالة الأولى.

 إغلاقات جزئية ومضاعفة العقوبات

كان من المتوقع أن يقابل المؤشرات الواضحة عن صعوبة الوضع الوبائي في فلسطين، صدور قرار من الحكومة بالإغلاق الشامل كما في كثير من الدول، لكن في المقابل كان الإعلان يوم الخميس الماضي (17 كانون الأول/ ديسمبر) بإغلاق كامل يومي الجمعة والسبت، مع إغلاق المدارس والجامعات والمطاعم وإعلان بروتوكول خاص بالصلاة في دور العبادة والحد من الحركة بين المحافظات، حتى الثاني من كانون الثاني/يناير المقبل.

وفي تصريحات صحافية للمتحدث باسم وزارة الداخلية غسان النمر، أوضح أن عدم الذهاب إلى خيار الإغلاق الشامل كان مراعاة للوضع الاقتصادي الصعب، وهو ما جعل لجنة الطوارئ تتجه إلى إغلاق القطاعات التي من الممكن أن ينتقل فيها الفيروس مثل المدارس والجامعات والمطاعم والمقاهي. وبحسب النمر فإنه في المقابل ستتم مضاعفة العقوبات بحق من يخالف إجراءات السلامة في المحال التجارية أو المناطق العامة.

الأعياد بلا احتفالات شعبية...

وتتوافق فترة الإغلاق مع أعياد الميلاد المجيدة وما يرافقها من فعاليات وطقوس دينية وشعبية، فالفلسطينيون من أبناء الطوائف المسيحية يخشون إغلاقات وإجراءات تحرمهم المشاركة في طقوس هذا العيد كما حدث في عيد الفصح إذ أغلقت الكنائس أبوابها وحُرم المصلون من القداديس وصلوات العيد. ورافق إعلان الحكومة الأخير قرار بفتح دور العبادة من مساجد وكنائس في غير أيام الإغلاق "الجمعة والسبت" على أن يتم اتباع بروتوكول صحي خاص لتنظيم هذه الصلوات.

وأكد الأب جوني أبو خليل، راعي كنيسة اللاتين في قرية الطيبة شمال شرق رام الله أن توجه رجال الدين، بعد الحصول على موافقة الفاتيكان، أن يتم تنظيم أكثر من قداس ليلة العيد، قد تصل إلى أربعة قداديس، على أن يحضر كل قداس عدد قليل من المصلين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى صلاة يوم العيد، وبهذا يتم ضمان التباعد الاجتماعي من جهة، ومن جهة أُخرى تتاح المشاركة لعدد أكبر من المصلين، لكن في مقابل ذلك سيتم إلغاء الاحتفالات الشعبية كافة.