ملاحظات على مسودة قانون يستثني معتقلات الشاباك من الرقابة والمساءلة القانونية
Date:
22 septembre 2020
Auteur: 
Thématique: 

قدّمت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً مسودّة (تعليمات موقتة-  2020) لتعديل قانون العقوبات (صلاحيات الاعتقال) لسنة 1996، الذي ينطبق على مراكز الاعتقال والتحقيق التابعة لجهاز الأمن العام المسمّى "الشاباك". يهدف التعديل إلى استثناء معتقلات الشاباك من مجمل المعتقلات التي ينطبق عليها قرار المحكمة العليا المعروف بقضية رقم 1892 /14 القاضي بضرورة رفع الحدّ الأدنى لـ"حيّز المعيشة"، أي المساحة المتاحة لكل معتقل في تلك المعتقلات من 3.5 م الى 4.5 م للشخص، ويطالب التعديل بإعفاء الدولة من الالتزام بهذا التحديد.

ينص مقترح التعديل على أن يسري مفعول هذا الاستثناء مدة تصل إلى سبع سنوات في المجمل (3 سنوات بناء على التعليمات الموقتة فضلاً عن فترتين إضافيتين تكون مدة كل واحدة منهما سنتين).  أي أنه في حال تم إقرار هذا التعديل، فإن المعتقلين في أقسام الشاباك سيمضون فترة التحقيق التي يمكن أن تصل إلى 35 يوماً في زنازين لا تفِ بالحد الأدنى مما يوفره القانون الحالي للمعتقلين، ولن يكون في الإمكان الاعتراض عليها كونها تطبق وفق القانون، بل وممكن أن تمتد هذه الفترة إلى أشهر.[1]

يواجه هذا التعديل المُقترح معارضة من عدة جهات، منها مؤسسات وجمعيات حقوقية وشخصيات تنشط في مجال حقوق الإنسان، وذلك لكونه ينتهك الحق الأساسي للمعتقل، ويميز سلباً وبشكل فاضح بين معتقل سياسي وآخر. ويتيح استمرار انتهاك حق المعتقلين ومعظمهم من الفلسطينيين والعرب. وبذلك، فإن اقتراح التعديل الحكومي هو مسعى قانوني عنصري بصورة صارخة، إذ يطالب المقترح القانوني بشكل واضح بإبقاء حيّز المعيشة في زنازين "الشاباك" دون  حده الأدنى، الأمر الذي رفضته حتى محكمة العدل العليا في قرارها المذكور أعلاه، وفرضت على الدولة تغييره لمصلحة زيادة تلك المساحة وحددت للدولة موعداً لتطبيق قرارها.

إن إبقاء حجم الزنازين في معتقلات "الشاباك" دون الحد الأدنى يزيد من انتهاك حق المعتقل ليصل إلى حد التعذيب، وخصوصاً حين يضاف إلى ظروف الاعتقال السيئة التي يعاني جرّاءها المعتقلون في أثناء فترة التحقيق في مراكز الشاباك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: إبقاء النور مضاءً في الزنزانة ليلاً ونهاراً، وحين يتم إطفاؤه أحياناً تتحول الزنزانة إلى ما يشبه القبر؛ تشغيل التبريد بدرجات برودة عالية غير محمولة؛ جدران الزنازين الرمادية ذات النتوءات الحادة، فضلاً عن  المراحيض السيئة والروائح الكريهة المنبعثة منها، والانتهاكات في التحقيق، كالصراخ في وجه المعتقل أو في أذنه مباشرة والتسبب له بآلام، والابتزاز والتهديد باعتقال أفراد العائلة، والشبح ساعات طويلة على كرسي صغير الحجم وقليل الارتفاع بأوضاع ووضعيات مؤلمة، والتحقيق المستمر المتواصل ولا سيما في الأيام الأولى للاعتقال، ومنع النوم والضغوط النفسية كالقول للمعتقل: "إنك ستقضي هنا باقي أيام حياتك"، "لن تخرج من هنا حيّاً"، "ستخرج على عكازة"، ومنع الاجتماع بمحامٍ، والعزل...إلخ.  

ويأتي مقترح التعديل ليرسخ استمرار انتهاك حقوق المعتقلين والتمهيد لبقائهم في سيطرة "محققي الشاباك" وتحت إمرتهم. فما الحاجة من بقاء حجم الزنازين أقل من المعدل القانوني المطلوب غير كسر إرادة المعتقل وروحه والتنكيل به؟

خلفيّة

جاء في مسودة التعديل المقترح (تعليمات موقتة)، أنه بناء على قرار المحكمة المذكور بشأن شروط احتجاز الأسرى والمعتقلين، حددت المحكمة الحد الأدنى بثلاثة أمتار (لا يشمل مساحة الحمام والمرحاض) كحيز المعيشة المقبول لكل أسير ومعتقل في سجون إسرائيل (في المرحلة الأولى)، يتم تعديله ورفعه إلى 4 أمتار (أو إلى 4.5 م بما يشمل مراحيض وحمام) في المرحلة الثانية من تنفيذ القرار في قضية رقم 1892/14.

كما حددت المحكمة موعداً نهائياً لتطبيق التعديلات المطلوبة لرفع الحدّ الأدنى لمساحة الزنازين، وهو ما تم تعديله مجدداً وفق قرار صدر في 1/11/2018، الذي حدد موعد تنفيذ المرحلة الأولى يوم 30/4/2019 والمرحلة الثانية لغاية 2/5/2021، وأكدّ القرار أنه يشمل معتقلات أجهزة الأمن- الشاباك.

من أجل تطبيق القرار كان على الدولة تنفيذ أعمال بناء وتصليحات شاملة لملاءمة واقع المعتقلات والزنازين للقرار. تدّعي الدولة أنه عند البدء ببلورة خطة لتنفيذ قرار المحكمة العليا، "اكتشفت" أنه لم يؤخذ في الاعتبار الوضع في المعتقلات الأمنية التابعة لأجهزة الأمن-الشاباك التي يتم التحقيق فيها مع من تسميهم الدولة "مشبوهين بتنفيذ عمليات أمنية". وعليه، تدعي الدولة أنه لا يمكن تطبيق المعايير التي أقرها قرار المحكمة في المدة الزمنية المُعطاة، وأن هناك "حاجات خاصة" في هذه المعتقلات وهذه التحقيقات التي تمنع تطبيق المعايير المطلوبة التي أقرتها المحكمة.

تدّعي الدولة في مسودة القانون المقترح أن التحقيق مع المتَهمين في القضايا الأمنية يختلف بماهيته عن التحقيقات الأُخرى، وذلك لتجمع عدة أسباب هي: مواصفات خاصة للقضايا الأمنية، ودوافع منفذي العمليات، وتورط من تسميهم الدولة "التنظيمات الإرهابية" في كثير من هذه القضايا. وبالتالي، ومن هذا المنطلق فإن التحقيقات التي تجريها أجهزة الأمن ليست فقط تحقيقات عادية تهدف إلى التحقيق في العملية التي حدثت، وإنما تختلف في جوهرها عن باقي أنواع التحقيقات في المخالفات العادية، إذ هي في جوهرها تحقيقات ذات طابع وقائي تهدف إلى منع عمليات أمنية أُخرى.

تؤكد الدولة أن هذه "المواصفات الخاصة للتحقيقات الأمنية التي ممكن أن تصل إلى أشهر" لها علاقة مباشرة بظروف الاعتقال في أقبية الشاباك، التي يتقاسم مسؤولية إدارتها كل من مصلحة السجون وجهاز الأمن العام. ومن هنا تدّعي الدولة أنه خلافاً للمعتقلين الجنائيين الآخرين- لا يمكن نقل المشتبهين بجرائم أمنية، خلال فترة قصيرة، إلى المعتقلات الأُخرى العادية لتحسين ظروف اعتقالهم.

وبالتالي تدّعي الدولة أيضاً أنه في ظل "الصعوبات" المذكورة، والتي تتطلب على حد قولها "جهوزية خاصة" لمراعاة الشروط التي أقرتها المحكمة العليا بشأن المساحة المتاحة لكل معتقل في معتقلات الشاباك، فإنها لن تتمكن من تنفيذ التعديلات المقرة في الموعد المحدد 2/5/2021.

ما تطرحه الدولة - الاستثناء هو القاعدة

مواصلة نهج الانتهاكات

من هنا وكي تتيح الدولة استمرار الوضع كما هو في معتقلات الشاباك، اقترحت تعديل القانون المذكور الذي يستثني هذه المعتقلات ويعفيها من تنفيذ قرار المحكمة، غير آبهة لأن في ذلك انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والمعتقل، وفي مقترحها عملياً التفاف على قرار محكمة العدل العليا. تتحدث الدولة في مسودة تعديل القانون عن "ترتيب موقت" إلى حين "انتهائها من الإجراءات"، وعند التدقيق في معنى كلمة "موقت" يتبيّن أن المقترح يتحدث عن فترة زمنية تصل إلى سبع سنوات.

يتحدث مقترح التعديل القانوني عن منح رئيس الحكومة، صلاحية تحديد الأنظمة فيما يتعلق بمساحة المعيشة  للمعتقلين الأمنيين في زنازين الشاباك، وذلك بمصادقة وزير القضاء وإقرار اللجنة الوزارية الخاصة بقضايا الأمن العام، وهو ما يعني تركيز الصلاحية بيد مجموعة ضيقة من دون الرجوع إلى الكنيست أو المحكمة. كما يشمل تعديل القانون أيضاً تحديد تعليمات سرية فيما يتعلق بالأنظمة المذكورة وتطبيق إجراءات السرية عليها، إذ من المحتمل أن تتطرق هذه الأنظمة إلى الوضع في بعض المعتقلات الأمنية، وكذلك متطلبات خاصة تتعلق بالتحقيق، من دون الكشف عنها بحجة أن هذا يُضرّ بالتحقيق. ومن هنا تؤكد أنه يجب تحديد تعليمات وأنظمة سرية فيما يتعلق بحجم مساحة المعيشة في الزنازين الأمنية باعتبارها جزءاً من بُنية التحقيق يُمنع نشرها في كتاب القوانين أو في أي وسيلة أو طريقة علنية أُخرى.

ما علاقة السرية بحجم الزنزانة؟!

ما يطرحه تعديل القانون عملياً هو إلغاء أي شفافية ورقابة تتعلق بشروط الاعتقال، وهي مسألة حاسمة في مدة قانونية التحقيقات. إن الهدف يبدو جليّاً وهو استمرار انتهاك حق المعتقل واستخدام العنف المفرط والتعذيب في هذه الزنازين وتعريضه للمعاناة نتيجة ضيق مساحة الزنزانة. فزنزانة يمكن أن يقضي داخلها المعتقل أياماً قد تمتد أشهراً طويلة معزولاً لا يمكنه الحركة داخلها، تتحول إلى ما يشبه القبر حين إطفاء الإضاءة، كما تفيد شهادات كثير من المعتقلين، وتتحول في حد ذاتها إلى وسيلة تعذيب نفسي إضافة إلى التعذيب الجسدي.  

****

 أكد القاضي روبينشتاين في قرار المحكمة المذكور أن مساحة المعيشة تشكّل بالنسبة إلى المُعتقل إحدى مُقومات حاجاته المعيشية الأساسية، وأنه من الضروري جداً أن تكون هذه المساحة معقولة. هذا الأمر يُعتبر جوهرياً في لُب موضوع كرامة الإنسان التي يُفترض أنها محفوظة في "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته".

بالتالي، ما حاجة الدولة إلى أن تحول هذا الأمر إلى جزء من الأمن يخضع لمقاييس ومعايير السرية إن لم تكن هذه السرية تخدم انتهاك حقوق المعتقلين وتعذيبهم! إن التعتيم لا يجري في هذه الحالة فقط على ظروف الزنزانة، بل على مُجمل ظروف التحقيق وأساليب وأدوات الانتهاك المُمنهجة، في أماكن تغيب أساساً عن أعين الجمهور والرقابة ويُمنع داخلها المعتقلون من لقاء محامين.

هذا التعديل القانوني عُنصري ولا يخضع لمعايير الشفافية، كما يمس كرامة الإنسان والشروط الأساسية للاعتقال ولا يتماشى مع المعايير الدولية الخاصة بظروف وشروط الاعتقال ومنع الانتهاك والتعذيب.

 

[1]  وفق "قانون محاربة الإرهاب- لسنة 2016" (بند 47 "2" )  يمكن احتجاز معتقل قبل تقديم لائحة اتهام ضده مدة 35 يوماً، ومن الممكن تمديدها بموافقة المستشار القضائي بناء على بند 17 لقانون الاعتقالات. وأيضاً وفق "أمر تعليمات الأمن – يهودا والسامرة رقم 165- لسنة 2009" الذي يتيح اعتقال فلسطينيين بتهم أمنية من الضفة الغربية في معتقلات الشاباك لعدة أشهر.