السير ضد التيار: إشكاليات التخطيط الحيزي وتحدياته في منطقة الأغوار الفلسطينية نموذجاً
Date:
21 août 2020

بعد إعلان ترامب صفقته واتخاذ الحكومة [الإسرائيلية] قراراً بضم منطقة الأغوار إلى السيادة الإسرائيلية حتى تموز/يوليو 2020، وُضعت منطقة الأغوار الفلسطينية في واجهة الصراع. تستمر المواجهة والصراع بين مشروعين متناقضين، كما هي الحال في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة: مشروع صهيوني كولونيالي احتلالي إحلالي مفروض من فوق ومدعوم من قوة الدولة المحتلة مستخدمة مواردها، ومشروع فلسطيني وطني تنموي يحاول تطوير أدوات من تحت ويعاني شحاً في الإمكانات والدعم. يمارس المشروع الاحتلالي مصفوفة ضبط ذكية ذات مركبات خشنة وناعمة في سبيل تهويد الحيز وإحكام السيطرة على المكان والإنسان. جزء من هذه المصفوفة هو ممارسة الاحتلال العرقي الديموغرافي للحيز، والذي يتم من خلال تطبيق سياسة الهجرة والتهجير الإثنو-ديموغرافية وهي تتمثل في دفع وتحفيز هجرة صهيونية إيجابية وتكثيف ديموغرافي وزيادة تمدده الجغرافي، وفي المقابل ممارسة سياسة الحصر والتهجير ضد الوجود العربي الفلسطيني لتقليل وزنه الديموغرافي وخفض مساحة الجغرافيا التي يمارس عليها صراع بقائه تمهيداً لضم رسمي لمنطقة غور الأردن (الغور الفلسطيني)، وهو ما تطالب به جهات صهيونية. في هذا الواقع تُسْتَخدَم عملية منح رخصة البناء وإصدار كوشان الطابو كجزء من الأدوات المستخدمة في مصفوفة الضبط الممارسة للتهجير والحصر الفلسطيني، وفي المقابل لتحقيق أهداف جيوسياسية وتنموية لدولة إسرائيل بواسطة المستعمرات والمستوطنين الصهيونيين. والسؤال المطروح هو كيف يمكن مواجهة هذه المصفوفة وتحقيق الصمود والتنمية الفلسطينية، في منطقة الأغوار؟ طبعاً الإجابة عن هذا السؤال مركبة ومعقدة في الحالة الفلسطينية. ومع ذلك فسنحاول طرح إطار نموذج تخطيطي تنموي يستثمر الوجود الفلسطيني وتطوره، ويحاول دعم رباطه وتنميته لمواجهة بعص مركبات مصفوفة الضبط.

تهدف هذه المقالة إلى عرض هذه الإشكاليات والتحديات من خلال طرح نموذج تخطيطي إقليمي ومحلي في المنطقة المسماة "ج"، والتي تشكل أغلبية منطقة الأغوار. ويهدف هذا النموذج بدوره إلى المساهمة في إخراج الحالة الفلسطينية من ردة الفعل إلى المبادرة والفعل، بما في ذلك تجهيز المجتمع الفلسطيني لمواجهة مصفوفة الضبط التي يمارسها الاحتلال، والاستعداد لحالة استمرار الاحتلال أو لواقع ما بعد إنهائه.

 مقدمة 

وضعت مسألة مستقبل الغور الفلسطيني بشكل مكثف على طاولة نقاش الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي والعالمي، وخصوصاً بعد إعلان ونشر ما يُسمى "صفقة القرن"، وقرار الحكومة الإسرائيلية ضمها إلى السيادة الإسرائيلية حتى تموز/يوليو 2020. هذا النقاش بشأن مستقبل منطقة الأغوار الفلسطينية وعلاقتها بإسرائيل ليس بجديد، إذ أعلن كثير من القادة الإسرائيليين أطماعهم بضم الأغوار لتكون تحت السيادة الإسرائيلية، وأن تشكل حدود إسرائيل الشرقية على امتداد نهر الأردن. وقد لخصت هذا المطلب خطة يغآل ألون التي وضعها سنة 1970، بعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967، والتي شكلت الأساس لإقامة المستعمرات الإسرائيلية في منطقة الغور وتوسعها لاحقاً. ومن أجل إنجاز خطة ألون مارس الاحتلال الإسرائيلي سياسات كولونيالية تشمل فرض تغيرات ديموغرافية واحتلال عرقي للجغرافيا باستخدام التخطيط المكاني (الإقليمي والمحلي) لعقلنة وترشيد إحكام السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بصورة عامة، ومنطقة الأغوار الفلسطينية بصورة خاصة. وتُعتبر هذه الممارسات الاحتلالية الإحلالية ترجمة لأيديولوجيا جيوسياسية وعسكرية أمنية تسعى لحصر الوجود الفلسطيني في أقل مساحة من الأرض، وزيادة السيطرة الصهيونية العبرية على الموارد، وتأمين تبعية الفلسطينيين لدولة إسرائيل. ويتم هذا الحصر بواسطة نهج عملية قديمة جديدة تمارسها الحركة الصهيونية منذ بداية مشروعها الاستعماري في فلسطين (Kimmerling, 1983 )، والتي تتلخص بداية في سياسة "دق ود"، أي إقامة نقطة عسكرية تشكل ثَغْر/ مستعمرة، تتحول إلى بؤرة استيطانية، تترنح بين كونها موقعاً عسكرياً تؤدي وظيفة مَدَنِية/ أمنية. وتخصص لهذا الموقع أراضٍ يتم سلبها والاستيلاء عليها بآليات وأدوات متعددة (خمايسي، 2018) وبذلك تتوسع دوائر السيطرة، كما هو شأن إلقاء حجر في بئر أو بركة ماء. ويتوسع هذا الموقع وحوله دوائر مقامة فيها نقاط استعمارية إضافية لتشكل معاً عنقوداً من المواقع والمستعمرات تحيط بمضارب، وضياع، وقرى ومدن فلسطينية. ومن شأن هذا العنقود الاستعماري أن يحصر امتداد وتوسع الوجود الفلسطيني ويرصده (Zurik, Lyon, and Abu-Laban, 2011; Khamaisi, 2011)، ويقلل موارد الأرض التي تحتاج إليها البلدات الفلسطينية للصمود والتوسع والتطور والتنمية. وبعدها تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مستخدمة قوة الدولة في إقامة عناقيد استعمارية تُجزئ الوجود الفلسطيني وتقسّمه إلى مناطق، تم تحديدها وتعريفها في اتفاقيات مرحلية (اتفاق أوسلو)، وتشمل منطقتي "أ" و"ب" اللتين تقعان تحت الإدارة الأمنية المدنية الداخلية للسلطة الوطنية الفلسطينية وتشكلان نحو 40% من مساحة الضفة الفلسطينية، بينما الـ-60% تقريباً المتبقية تُعرف بمنطقة "ج"، وهي ما زالت تخضع للاحتلال الإسرائيلي وتضم 144 مستعمرة قروية ومدنية، ويعيش فيها حالياً اكثر من 400 ألف مستعمر (Arile, 2017)،[1]  وهذه المنطقة تشمل أغلبية منطقة الأغوار.

ويجري تحقيق الأيديولوجيا الصهيونية والأهداف المنبثقة منها وممارستها المستمرة في الضفة الفلسطينية، بما في ذلك منطقة الأغوار من خلال استراتيجيا يمكن تلخيصها في أربع مراحل: الأولى: وضع ثغر، وإحاطة، وتقطيع وتغلغل. وهذا يعني، دق ود/ إقامة ثغر استعماري في موقع مطلوب، وإحاطته بدوائر مستعمرات تشكل عنقوداً، وتقطع الامتداد والتواصل الحيزي والوظائفي الفلسطيني وتتغلل بين الوجود الفلسطيني لتجزئته وتجنب تشكيل تواصل وتكامل بين مدنه وقراه. وهذه الاستراتيجيا والسياسات المطبقة ليست وليدة اليوم، بل انطلقت في تطبيق المشروع الصهيوني (رايخمن، 1977)، وعُززِتْ بعد إقامة دولة إسرائيل واحتلالها الضفة الفلسطينية، وتستمر في تطبيقها في منطقة الأغوار الفلسطينية منذ سنة 1968، كما سنوضح في هذا المقال الموجز، وهي مطبقة حالياً في القدس الشرقية، وتمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المُجَزأة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه المناطق والمجموعات السكانية الفلسطينية التي تسكنها (الأطرش، 2015). وقد فرضت إسرائيل قواعد هذه الخصوصيات بالقوة، أو بموجب اتفاقيات مفروضة بظرفية غير ندية ومن دون تناظر في القوة وتأمين المصالح بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي المدعوم بصورة مباشرة وغير مباشرة من أطراف دولية ذات نفوذ. وخصوصية تطبيق وممارسة السياسات الإسرائيلية هي نِتاج تَميُز مكانة وواقع منطقة الأغوار الفلسطينية الأيديولوجية والرمزية، والجيوسياسية، والوظائفية، والبنيوية التي تصيغ أو على الأقل تؤثر في الصراع الإقليمي وتحديد الحدود الجيوسياسية. في ظل هذا الواقع يقوم الفلسطينيون، شعباً وسلطة، باتباع سياسات ردة الفعل وتحقيق الصمود والحضور المدني المقاوم لإنجاز سياسات صراع البقاء الفردي والجمعي مستخدمين أدوات تسير ضد تيار السيطرة، مطبقين أدوات دفاع مفروضة، تشمل التخطيط الحيزي والتنموي والمقونن، للدفاع عن وجودهم وحفظه وتنميته. لكن هذا التخطيط الحيزي المُبادَر إليه فلسطينياً، وكذلك في منطقة الأغوار يواجه إشكاليات وتحديات تُعوق تبنيه وإقراره وتطبيقه.

يهدف هذا المقال إلى طرح نموذج تخطيط حيزي مقاوم متحدٍ، يُنجز بالمشاركة مع المجتمع المحلي بدعم فلسطيني ودولي/ أممي يتم تبنيه، وإذا كان في الإمكان إقراره من جانب ذوي العلاقة ليعزز المشروع الوطني الفلسطيني في الأغوار.[2]  كما تعرض هذه الورقة النموذج التخطيطي وإشكالياته بشكل أولي وموجز، وتطرح أدوات لكيفية مواجهة الإشكاليات والتحديات على المستويين النظري والعملي. وتعتمد الورقة منهجية وصفية سردية نقدية، لمشروع تخطيطي قدمناه (ر.خ) لبعض القرى، والمدن والأقاليم الفلسطينية بما ذلك منطقة الأغوار، وحالياً أنهينا إعداد مخطط هيكلي إقليمي لمنطقة في شمالي الأغوار. أي أن منهجية "الباحث كلاعب ومشارك" تشكل أساس الورقة. بالإضافة إلى وضع الإطار النظري المعرفي ومراجعة نقدية لخطط محلية وإقليمية حيزية وتنموية وضعت لمنطقة الأغوار أو لأجزاء منها. كما تعرض الورقة بعص التبصرات والفوائد التي يمكن أن نبني عليها للتقدم بشأن تدعيم واستدامة المكانة والحال الفلسطينية ومواجهة بعض مركبات مصفوفة الضبط الذكية والمركبة الممارسة (خمايسي، 2018ج؛ (Khamaisi, 2017   كذلك في منطقة الأغوار تحديداً. نستهل هذه الورقة بوضع إطار نظري معرفي يتناول مركبات الرصد بواسطة مصفوفة ضبط يمارسها الاحتلال الكولونيالي، نتبعها بعرض موجز لمبادئ ومركبات نموذج التخطيط المقاوم المتحدي. ولاحقاً نرصد بإيجاز حالة منطقة الأغوار وواقع التخطيط الحيزي فيها، ثم نتبعها بعرض ملخص لنموذج تخطيط محلي لقرية فصايل، ونموذج تخطيط إقليمي في مرحلة الإنجاز والاقرار لمنطقة شمالي شرقي محافظة طوباس، ونناقش مركبات السير ضد التيار التي انكشفت لنا خلال عملية إعداد التخطيط وتبنيه وإقراره من ذوي العلاقة، ونختم الورقة بتلخيص، واستنتاجات وتوصيات مستفادة من التجربة.

 مصفوفه الضبط والرصد: إطار مفاهيمي

يطرح الاحتلال الإسرائيلي خاصية وتميزاً لمشروعه الكولونيالى لتفريقه عن مشاريع كولونيالية تقليدية (Ophir, Givoni and Hanafi; 2009)، وتعود هذه الخاصية إلى كيفية تعريف مكانة وحالة اليهود الصهيونيين وربطهم بين الدين والقومية والإثنية والثقافة والارتباط بالمكان الجغرافي (Lentin, 2017; Shenhav and Berda, 2009). وتشكل هذه الخاصية إطاراً جامعاً أخلاقياً وعقائدياً للصهيونية ولتطبيق مشروعها في فلسطين. وعلى الرغم من تلك الخاصية التي يطرحها الصهيونيون لتبرير مشروعهم، والذي يحتاج إلى مقال ودراسة أُخرى لمناقشته، (لا مجال لمناقشته في هذه المقالة)؛ فإن دولة إسرائيل الصهيونية تستخدم أساليب وآليات كولونيالية تقليدية أو تلك المستحدثة في الدول القومية/ الوطنية/ الإثنية في سبيل تأمين سيطرتها على موارد الأرض وإقامة مستعمرات إثنية تابعة لها لتحقيق مشروعها وصيانته بموجب استراتيجيا أوجزنا وصفها في المقدمة. وكجزء من استخدام ودمج الأساليب التقليدية والحديثة تقوم السلطات الإسرائيلية باستخدام أدوات الرصد الفردي والجمعي، والتي تسخّر في سبيل ذلك المستعمرات والمعسكرات وتقنيات الرقابة اللينة والقاسية على السلوك الفردي والحيزي للفلسطينيين Zureik, 2016) Lentin, 2017;). ويتم هذا الرصد كذلك بواسطة تسخير واستخدام مصفوفة الضبط والسيطرة الذكية. ونقصد بمصفوفة الضبط مجموعة من الآليات، والأدوات والأجهزة التي توظف وتفعّل عند الحاجة من جانب القوة المسيطرة على الحيز الحضري من أجل تحقيق أهدافها. ويتم تطبيق هذه المصفوفة بعد أخذ اعتبارات المكانة والظرفية لذوي العلاقة في الصراع على الحيز والمكان، وتحقيق إنجاز أهداف الدولة المسيطرة عليه وفيه. والصراع على الأغوار الفلسطينية هو جزء من الصراع على الهوية والثقافة والوطن، الذي تسعى الحركة الصهيونية للسيطرة عليه وبسط سيادتها وحضورها وهيبتها وثقافتها وخطابها ولغتها عليه Khamaisi, 2010)). 

لإنجاز السيطرة على منطقة الأغوار وعبرنتها وتطبيق الأيديولوجيا الجيوسياسية الإسرائيلية كدولة مؤسسات مجندة، تعمل السلطات الإسرائيلية بتنسيق لترجمة السياسات إلى أدوات عمل تُشَكل معاً مصفوفة ضبط وسيطرة مركبة يوجد بينها تكامل وتراكم لتحقيق الأهداف الموضوعة من مؤسسات الدولة  (Lustick, 1980) والمجالس البلدية المحلية والإقليمية المنشأ وأذرعها المتعددة في الضفة الغربية، بما في ذلك التخطيط الحيزي، إذ يشكل إصدار رخصة بناء وشهادة تثبيت الحق في الملكية على الأرض وإصدار وثيقة إثبات ملكية (كوشان طابو) أدوات ضبط ورصد يومية. كما تشمل مركبات هذه المصفوفة عوامل مؤثرة في السلوك الديموغرافي الفردي والمجتمعي الفلسطيني، وفي التغيرات الجغرافية والحضرية وفي وجود وأنماط عمل المؤسسات الرسمية والأهلية والعرفية الفاعلة. هذه المركبات مُكَّونة من أجهزة وأدوات خشنة وناعمة، مرئية وغير مرئية (Khamaisi, 2017) لتطويع، وإضعاف واحتواء المجتمع الفلسطيني. ويتم التعبير عنها من خلال مصادرة الأراضي، وإقامة المستعمرات، وهدم المباني، وإقامة جدار الفصل، وحصر الامتداد والتوسع الحضري، وتطبيق قوانين ضبط الزيادة السكانية الفلسطينية، ومصادرة الهويات الفردية، وتخطيط وشق شبكة طرق مُقَطِعة للمناطق وللأحياء الفلسطينية ومحاصرة لها (يونان، 2018). أمّا المركبات الناعمة فتشمل مَديَّنة العسكرة، أي تغير السيطرة العسكرية على الحيز إلى سيطرة مدنية، بواسطة فرض اللغة العبرية في المشهد الحيزي، وتغيير الأسماء من العربية إلى العبرية، وإنتاج وصوغ خطاب ولغة تذنيب واتهام مُستَخدمة نحو المجتمع الفلسطيني وبينه وداخل المشهد الإقليمي، والقروي والمديني، بما في ذلك في منطقة الأغوار، وهندسة الوعي والذهنية الفردية والجمعية لإيقاعهم في دائرة سحرية من العجز وصراع البقاء وتجنب المأسسة واغتيال المؤسسات الوطنية ودفعها إلى الخروج من دوائر التأثير وإنتاج الحيز، لتلبية حاجات ومتطلبات المجتمع الفلسطيني المُقاد والمُدار بواسطة الهيئات المحلية، والمجالس القروية والبلديات الخاضعة لإدارة السلطة الوطنية الفلسطينية. كما أن من مركبات مصفوفة الضبط إنتاج خطاب وأدوات ومفردات ولغة من جانب القوي المحتل، يستهلكها الطرف الضعيف المحتل ويرددها على أنه ضحيته ويبقى في دائرة ردة الفعل التي أدخلها الطرف القوي وأسره بها (خمايسي، 2019). أحدث تطبيق هذه المصفوفة تغيرات ديموغرافية وجغرافية وحضرية في الأراضي الفلسطينية وفي منطقة الأغوار والقدس Meiron and Bar, 2009)). نتناول بعض هذه التغييرات ونضع الأصبع على بعض مؤشراتها بإيجاز بعد عرض خصوصية حالة منطقة الأغوار، وبعد أن حددت أغلبيتها إدارياً كجزء من الأراضي المسماة منطقة "ج".  جزء من مركبات مصفوفة الرصد والضبط ومكون لها هو مفهوم وأدوات التخطيط الحيزي والمكاني الحداثي وموروثه الانتدابي المُستَخدم في التخطيط الفيزيائي الرسمي المقونن بيد المؤسسة الإسرائيلية لحصر الفلسطينيين وتطبيق مركبات مصفوفة الضبط عليهم.  

نموذج التخطيط المقاوم المتحدي

تستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلية التخطيط الهيكلي التقليدي لضبط استخدامات الأراضي وتقليص المساحات التي يُسمح إصدار رخص للبناء فيها من السلطات الإسرائيلية صاحبة الصلاحيات القسرية للتخطيط وإقراره رسمياً، وإصدار رخص بناء بموجبه في المنطقة المسماة "ج". إذ تُفرَض على الأراضي والمجتمعات الفلسطينية في هذه المنطقة من الضفة الفلسطينية حالة، يمكن تلخيصها بفصل تعسفي مُمأسس بين الإنسان والأرض التي يعيش عليها وفي حيازته على الرغم من الارتباط العضوي والوظائفي بينهما (Khamaisi, 2019). وشكل هذا الفصل نموذجاً Paradigm)) بُنَيَ على أساسه اتفاق أوسلو الموقت وأصبح شبه ثابت، إذ إن ما يزيد على نحو 60% من أراضي الضفة الفلسطينية، ونحو 90% من منطقة الأغوار يخضع بالكامل لسلطات الاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك سياساته وقوانينه ومؤسساته، ويترجم ذلك بشكل واضح من خلال التخطيط الحيزي. أمّا السكان الفلسطينيون في المنطقة "ج" فلا يحظون بتوفير متطلباتهم الأساسية كما يفرضها ويُمكّنها ويطلبها القانون الدولي الإنساني من سلطات الاحتلال وكيفية تعاملها مع السكان الأصلانيين المحتلين. لذلك، تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية بواجبها الأخلاقي والوطني بتقديم خدمات للمواطنين الفلسطينيين، مع أن الاتفاقيات الجيوسياسية في المرحلة الانتقالية، والتي تجاوزت الفترة التي حددت لها بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، تَحُول دون تطبيق التزامات السلطة الوطنية الفلسطينية لواجبها.

وعلى الرغم من المحددات والمعوقات، ومصفوفة الضبط الذكية القاسية واللينة التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية تقوم في الأساس بتقديم خدمات للإنسان الفلسطيني في المنطقة "ج"، بينما تمانع سلطات الاحتلال الإسرائيلي نقل صلاحيات، حتى ولو موقتة، إلى الجانب الفلسطيني لإدارة الأرض. هذا الفصل الفعلي بين إدارة الإنسان والأرض التي يعيش عليها يشكل عبئاً كبيراً على عملية التخطيط والتنمية في المنطقة "ج".  وفي سبيل مواجهة هذه الممانعة أُنجزت بعض المبادرات لتشكيل مؤسسات توفق بين إدارة الإنسان والأرض التي يعيش عليها، أو يحتاج إليها الفلسطيني لاستدامة عملية تنميته، حتى الوصول إلى تسوية جيوسياسية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة. ونموذج التخطيط المقاوم المتحدي هو جزء من هذه المبادرات وساهم في تمكينها؛ فالمبادرة إلى إنجاز التخطيط الحيزي هي مركب مركزي من انتقال الإنسان الفلسطيني من حال المؤقت التابع إلى حال الثابت المستقل الذي يسعى لإنتاج حيزه. كما أن العمل التخطيطي هو واجب وحق ويشكل حلبة لمواجهة ومقاومة ومصارعة الاحتلال بالموازاة مع بناء الذات وصوغ المستقبل المطلوب والمرغوب.  

ونتيجة الفصل التعسفي الرسمي والفعلي بين إدارة الإنسان الفلسطيني والأرض في المنطقة المسماة "ج"، ما زالت معظم القرى والتجمعات الفلسطينية في مناطق "ج" تعاني جرّاء مشكلة انعدام المخططات الهيكلية، والتي بموجبها يمكن إصدار رخص بناء وتقسيم أراضٍ وتسويتها، أو فتح تطوير الطرق والمرافق العامة. كما أن المخططات اللوائية الانتدابية (Coon, 1992; Khamaisi, 1997) أو تلك المخططات الجزئية التي أعدها الحكم العسكري الإسرائيلي لتحديد منطقة البناء (انظر الشكل رقم 4)، لا تلبي حاجات القرى التي نمت وتطورت على أساس الازدياد الطبيعي والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والبنيوية والوظائفية التي تجري في هذه القرى بصورة خاصة، والمجتمع الفلسطيني بصورة عامة، بما في ذلك توسع المدن والقرى الفلسطينية الموجودة في منطقتي "أ" و "ب" وفي المنطقة "ج" التي تشمل منطقة الأغوار. 

ونظراً إلى حالة وموقع ومكانة هذه القرى في المنطقة "ج"، فإن معظمها يقع تحت طائلة تهديد مصادرة الأراضي وهدم المنازل، وحتى التطهير أو الترحيل الحيزي لبعضها، ونقلها قسرياً من مواقعها إلى موقع مرشح غير مقبول من السكان. ولمواجهة سياسيات الاحتلال الإسرائيلي، انطلقت المبادرة المنظمة والموجهة الأولى من نوعها لإعداد مخططات هيكلية محلية بديلة للقرى الفلسطينية في مناطق "ج" للدفاع عنها وفتح آفاق التطوير والتنمية فيها ولها. وقد باشر ممثلو المجتمع المحلي بموافقة السلطة الوطنية الفلسطينية وبدعم دولي مثل الاتحاد الأوروبي العمل بهذه المبادرة. وقد أشرف كاتب هذه المقالة (ر.خ)[3] على عملية التخطيط وتطوير نموذج التخطيط المقاوم المتحدي التنموي لتطبيق وإنجاز عملية  التخطيط الفعلي والبديل المتحدي المقاوم. وتأسست منطلقات هذه المبادرة على النقاط التالية التي تشكل سيراً ضد التيار الجيوسياسي، والإداري والوظائفي السائد:

  • تحدي Paradigm نموذج الاتفاقيات المرحلية التي ربطت بين تصنيف مكانة الحيز وبسط الصلاحيات والمسؤوليات السيادية/الإدارية من التعامل فقط مع الإنسان لتشمل الأرض والإنسان.
  • من التركيز على المحددات الحيزية الجيو- سياسية إلى توفير الخدمات الإدارية والوظائفية
  • بالموازاة مع مواجهة/ مقاومة الاحتلال، والإعداد لإدارة وتنظيم المجتمع بموجب تخطيط هيكلي.
  • عرض نموذج تخطيط تصاعدي والعمل بموجبة بدلاً من النموذج الرسمي التقليدي التنازلي.
  • الانتقال من نموذج التخطيط المحلي النقطي المتقطع إلى إعداد التخطيط الإقليمي المتواصل والمتكامل.
  • الانتقال من التخطيط القطاعي التنموي الاستراتيجي إلى التخطيط الرسمي المقونن لاستخدامات الأراضي.
  • تطوير الثقافة التخطيطية المبادرة بدلاً من الاستمرار في ممارسة ردة الفعل والتطوير العضوي العشوائي.
  • أخذ المسؤولية المدنية الخدماتية ومواجهة مصفوفة الضبط والرصد الإسرائيلية.
  • تخطيط مع المجتمع المحلي وليس فقط له.
  • تكامل وتراكم ومشاركة بين المبادرة الفاعلة من المجتمع والدعم الدولي العام والقطاعي.

 

شملت عملية التخطيط التي بادرنا إليها، والتي أطلقنا عليها اسم "De-facto Planning “ توعية مجتمعية، ومشاركة جمهور فاعلة، وتدريب طواقم تخطيطية، وتطوير عملية تبني مخططات وإقرارها من المجتمع المحلي من ناحية، ومن الجانب الإسرائيلي المحتل الذي يملك الصلاحية لإقرار المخططات رسمياً من ناحية أُخرى. وبعد مسيرة التخطيط التي قمنا بها في مناطق "ج" لمدة تجاوزت العقد من السنين وما رافقها من نجاحات وإخفاقات وتبعها في ذلك مؤسسات ومكاتب استشارية أُخرى، لا بد من تعميم تجربة إنجاز المخططات وعملية تصديقها ليس فقط من الجانب الإسرائيلي، بل نسعى لأن يتم تبني وإقرار هذه المخططات من مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية كمقدمة لبسط صلاحياتها ومسؤولياتها على هذه المناطق كجزء من إقامة الدولة الفلسطينية. كما أن مفهوم التخطيط المقاوم المتحدي سعى لأن يبني على هذه التجربة لتطوير نموذج تخطيط وإنجاز، يوفر ويؤمن الحق الفلسطيني في التخطيط والتطوير والتنمية وإنتاج الحيز، والذي يبدأ بالمبادرة إلى التخطيط حتى إصدار الرخص والتطوير الفعلي بموجب المخططات الهيكلية المحلية التفصيلية المعدة والتي تم تبنيها وإقرارها من المجتمع المحلي وممثليه في القرى والبلدات الفلسطينية، على أساس أنها أعدت معهم، حتى ولو أنها لم تصدق رسمياً ونهائياً للتنفيذ من الجانب الإسرائيلي، لكن تم التوافق المبدئي عليها معه كلياً أو جزئياً. وأظهرت التجربة أن الجانب الإسرائيلي يعوق تصديق المخططات لاعتبارات نكديه غريبة، ولذلك نقترح ونسعى لأن يتم تبني المخططات وإقرارها من مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل تجاوز أي فراغ مؤسساتي، أو تجاوز استمرار التبعية وهيمنة الاحتلال الإسرائيلي.

بعد مسيرة التخطيط الطويلة الشاقة التي وصلت إلى مرحلة تصديق مخططات في مناطق "ج" من الجانب الإسرائيلي، تبلور عن ذلك عدة حالات للمخططات، وخصوصاً عند تشكيل حكومة التوافق الوطنية الفلسطينية سنة 2012، فأصبح موضوع المخططات ذا مركب جيوسياسي أكثر وضوحاً. فبعد أن تم تصديق مخططات هيكلية لقرى الضبعة ورأس الطيرة وأمنيزل ووادي النيص وتعنك وعزبة الطبيب للتنفيذ، وتصديق العديد من مخططات القرى الأُخرى للإيداع مثل مخطط قرى حرملة والتوانة وعبدالله اليونس، أخذ الجانب الإسرائيلي يماطل في عملية تصديق المخططات على الرغم من اكتمالها من ناحية الجوانب الفنية. وبما أن وزارة الحكم المحلي الفلسطينية حريصة على استكمال العملية التخطيطية وتطبيقها بنجاح، فقد بادرت إلى ضرورة تبني المخططات مبدئياً ودفع تطبيقها من المجتمع المحلي والمصادقة عليها من لجان التنظيم والبناء في وزارة الحكم المحلي لتجنب إمكان نشوء فراغ إداري وتخطيطي وتنظيمي، أو/ وتجنب استمرار التبعية للجانب الإسرائيلي. وما زالت وزارة الحكم المحلي تدرس الأمر، -تبني وتصديق المخططات من مجلس التنظيم الأعلى الفلسطيني العامل في المنطقة المسماة "أ" و"ب"- وذلك لإسقاطاته وتبعاته الإدارية والسياسية. ولأن الوضع الإداري لمناطق "ج" مختلف من الناحية السياسية والإدارية، فقد تم التوصل إلى ضرورة أن يكون هناك مبادرة لاتخاذ قرار لتشكيل لجان تنظيم وبناء مشتركة لهذه القرى والتجمعات الفلسطينية يتمحور دورها حول تنظيم القرى واستصدار رخص البناء. ويتركز دور الحكم المحلي على ضرورة إعطاء هذه اللجان الصلاحية والقوة من الناحية الأمنية لضمان تطبيق القانون وفرض العقوبات على المخالفين.[4]  وما زال الإقرار الرسمي للمخططات الهيكلية المحلية والإقليمية المعدة من مؤسسات السلطة الفلسطينية غير منجز بحسب القانون، ومع ذلك تم تشكيل لجان تنظيم محلية بعد مرحلة دراسة إنجازية،[5]  ولذلك أهميته الاستراتيجية والوظائفية لتجاوز ضوابط أنموذج الاتفاقيات المرحلية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ولا شك في أن لهذا القرار الفلسطيني-تصديق المخططات الهيكلية، وتشكيل اللجان المحلية وترخيص المباني-  أبعاداً جيوسياسية وإدارية، ويتطلب إنجازه تنسيقاً بين ذوي الشأن.

يتلخص منطلق التخطيط المقاوم المتحدي وتطبيقه بعدم الانتظار حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ليقوم الجانب الفلسطيني (المجتمع، والهيئات والمؤسسات المحلية الأهلية والبلدية والسلطة المحلية) بالمبادرة إلى إعداد مخططات هيكلية محلية وإقليمية، وتبنيها وتصديقها والعمل بموجبها، بل بالموازاة مع مقاومة ومواجهة الاحتلال والسعي لإنهائه يقوم الفلسطينيون بإعداد المخططات لتشكل بوصلة تخطيطية لتطوير استخدامات الأراضي وبناء المجتمع حتى خلال فترة استمرار الاحتلال، والاستعداد لمرحلة ما بعد زواله. هذا التخطيط يتم بالمشاركة مع المجتمع ويشكل أساساً لتطوير الحيز الفلسطيني، وفيصلاً لفض خلافات حول استخدامات أراضٍ في المدن والقرى الفلسطينية من دون الرجوع أو الاعتماد على الجانب الإسرائيلي.

يشمل السير بموجب مفهوم التخطيط الحيزي تطوير ثقافة متحدية ومقاومة للإقصاء وللاحتلال على أنواعه، وبديلة للتخطيط التقليدي المعمول به بحسب النموذج "العقلاني" المسيطر، الذي يركز على النواحي الفيزيائية لتنظيم استخدام الأراضي، ويطرح صورة ساكنة مستقبلية لواقع تخصيص استخدام الأراضي المقترح، من دون التدخل في طرح أدوات وآليات ثقافية، ومجتمعية واقتصادية وقانونية لكيفية الوصول إلى صورة لاستخدامات أراضٍ مطلوبة ومرغوبة بموجب التصور الفلسطيني المطلوب. أنتجت هذه العملية مخططات هيكلية لاستخدامات الأراضي الساكنة مستقبلاً والتي تشمل عملية مقلصة في صنع المخططات، نقترح استبدالها بعملية تخطيط حراكية تستخدم التخطيط كجزء من عملية تغيير مجتمعي توفر وتؤمن حق الفلسطيني في وطنه، ومدنه وقراه، وتكون لديه القدرة على امتلاك الحيز العام، وإدارته وإنتاجه لما في مصلحته ومنفعته.

إن النهج المتعارف عليه في إنتاج المخططات في بلادنا يعتمد على أن المخطط هو أداة بيد السلطة المركزية والبلدية، تحدد أهدافه ومضامينه من جانبهما، وكلاهما مسؤول عن تصديقه وإنجازه، أي أنها تخطط للمجتمع دون مشاركة هذا المجتمع المستهلك والمحتاج إلى هذا المخطط والتخطيط. وبدلاً من هذا النهج المهيمن في التخطيط، هناك حاجة ماسة إلى مشاركة فاعلة وفعالة للمجتمع في التخطيط، وأن يكون التخطيط مع المجتمع المحلي وليس له بحسب ما هو متعارف عليه حالياً. إن مبادئ التخطيط البديل المقاوم المتحدي الذي نقترحه تعتمد على تغيير ثقافي وسلوكي، وجزء من مركباته هو خلاصة ونتيجة ممارسة طويلة في عملية التخطيط، وخصوصاً لدى المجتمع العربي الفلسطيني في مختلف مواقعه داخل الوطن (خمايسي، 2018ب). 

 

شكل 1: دمج مركبات التخطيط المقاوم  المتحدي المشمولة في نهج التخطيط الفعلي De-facto Planning

 

 

يدمج نموذج التخطيط المقاوم المتحدي بين مركبات الدعم الإنساني التي تمارسها الهيئات الأممية لدعم صمود الفلسطينيين في المناطق المهددة بواسطة هبات ومنح غير منظمة وتعتمد على مبدأ ردة الفعل وتوفير الحاجة المجتمعية ومنع ترحيل فلسطينيين من ضياعهم ومضاربهم. ويشمل المركب الثاني التخطيط المدافع البديل الذي يُعد من أجل استخدامه للدفاع عن الوجود الفلسطيني ومنع هدم المباني الموجودة. يستخدم التخطيط البديل المدافع من المحامين لعرضه على أجهزة التخطيط والمحاكم الإسرائيلية للدفاع ومنع، أو على الأقل إعاقة هدم وترحيل فلسطينيين من أرضهم كما في نموذج مخططات قرى سوسيا والدقيقة وظهر المالح.[6]  أمّا المركب الثالث الذي يشمله التخطيط المقاوم فيتلخص في ضبط وتوجيه استخدامات الأراضي في محيط القرية أو المدينة يتم من خلاله تحديد الحيز العام في مقابل الخاص وحجم حقوق البناء الممنوحة بحسب المخطط المقونن/ الرسمي الضابط على المستويين المحلي والإقليمي (انظر جدول رقم 1). أمّا المركب الرابع فهو تنموي تطويري يترجم استراتيجيا تنموية قطاعية عند تعيين وتحديد استخدامات الأراضي في حيز معين يحدد للتخطيط. ويشكل تطبيق هذا النموذج من التخطيط البديل المقابل (Counter Planning) (Khamaisi, 2019; Qurt, 2014)، جزءاً من استراتيجيا السير ضد التيار المعمول به وبموجبه والمتعارف عليه في إعداد مخططات جزئية ضابطة تقوم بها الإدارة المدنية الإسرائيلية لضبط وحصر الوجود الفلسطيني أو منعه وترحيله، كما أنها تسعي لدفع الجانب الفلسطيني للمبادرة إلى إعداد مخططات تختلف عما تقوم به في المنطقة المعرفة تحت تصنيف "أ" و"ب" بحسب اتفاق أوسلو إن كان ذلك من حيث المنهجية في عملية التخطيط والإقرار، أو مضامين التخطيط وآليات إنجازها وهو ما نحاول الإشارة إليه من خلال نموذجين في التخطيط في منطقة الأغوار. 

 منطقة الأغوار الفلسطينية

 تشكل الأغوار منطقة أطراف في الأراضي الفلسطينية وهي تمتد من بيسان شمالاً حتى منطقة عين جدي جنوباً، ومن نهر الأردن شرقاً حتى بداية السفوح الشرقية للضفة الغربية/ الفلسطينية غرباً. وتبلغ مساحة منطقة الأغوار نحو ربع مساحة الضفة الفلسطينية، ويعيش فيها نحو 65 ألف مواطن فلسطيني، بما فيها مدينة أريحا، وهو ما نسبته نحو 2% من مجموع السكان الفلسطينيين في الضفة الفلسطينية. يبلغ عدد التجمعات الفلسطينية في منطقة الأغوار 27 تجمعاً قروياً ومدنياً ثابتاً تمتد على مساحة 10 آلاف دونم، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية. وتتبع تجمعات الأغوار إدارياً ثلاث محافظات فلسطينية هي: محافظة طوباس (الأغوار الشمالية)، بواقع 11 تجمعاً؛ محافظة نابلس (الأغوار الوسطى)، وتشمل 4 تجمعات؛ محافظة أريحا (الأغوار الجنوبية)، وتضم 12 تجمعاً. تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة الأغوار قرابة 280 ألف دونم؛ أي ما نسبته نحو 38.8% من المساحة الكلية للأغوار، يستغل الفلسطينيون منها 50 ألف دونم؛ فيما يستغل سكان مستعمرات الأغوار 27 ألف دونم من الأراضي الزراعية فيها. وتسيطر إسرائيل على 400 ألف دونم بذريعة استخدامها مناطق عسكرية مغلقة؛ أي ما نسبته 55.5% من المساحة الكلية للأغوار، ويحظر على السكان الفلسطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني أو أي نشاط آخر في هذه المناطق. وقد أنشأت إسرائيل 90 موقعاً عسكرياً في الأغوار منذ احتلالها سنة 1967، كما تجثم على أراضي الأغوار 31 مستعمرة، وأغلبيتها زراعية، أُقيمت على نحو 12 ألف دونم، إضافة إلى نحو 60 ألف دونم ملحقٍ بها، ويسكنها قرابة 8300 مستوطن. وتقسم مناطق الأغوار إلى: مناطق "أ"، وتخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومساحتها نحو 85 كم2، ونسبتها 7.4% من مساحة الأغوار الكلية؛ مناطق "ب"، وهي منطقة تقاسم مشترك في إدارتها المدنية والأمنية الداخلية بين السلطة الوطنية الفلسطينية  وإسرائيل، ومساحتها نحو 50 كم2، ونسبتها 4.3% من المساحة الكلية للأغوار؛ مناطق "ج" وتخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة، ومساحتها نحو 1155 كم2، وتشكل الأغلبية العظمى من منطقة الأغوار (بنسبة88.3%).[7]

للأغوار أهمية جيوسياسية ووظائفية، تكمن في كونها منطقة طبيعية دافئة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام. وبالإضافة إلى خصوبة التربة، وتوفر مصادر المياه فيها، فهي تتربع فوق أهم حوض مائي في فلسطين، وتنتج نحو 50% من إجمالي الإنتاج الزراعي في الضفة الفلسطينية، ونحو 60% من إجمالي ناتج الخضروات الفلسطيني. كما أنها تشكل امتداد فلسطين مع الوطن العربي من خلال الأردن. هذه المكانة الاستراتيجية دفعت إسرائيل إلى وضع استراتيجيا السيطرة عليها، فتبنت حكومات الاحتلال المتعاقبة نظرية يغآل ألون عن الأهمية الأمنية لغور الأردن، الذي قال "لكي يتحقق الدمج بين حلم سلامة البلاد وإبقاء الدولة يهودية يجب فرض نهر الأردن كحدود شرقية للدولة اليهودية" (مذكور عند: شريدة، 2010: 3). كما أن مراجعة مخططات الاحتلال تجاه الأغوار تفيد أن هناك كثيراً من المخططات المعلنة وغير المعلنة من الاحتلال بحق المنطقة ومواطنيها الفلسطينيين، وقد عبّر المسؤولون الإسرائيليون بمناسبة وبغير مناسبة عن تصورهم للتسوية النهائية التي لن تشمل غور الأردن مع الجانب الفلسطيني، فقد قال شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق كما نقلت عنه صحيفة "هآرتس" "الحدود المستقبلية لإسرائيل سوف تشمل الكتل الاستيطانية وغور الأردن"[8]  كذلك كان رئيس حكومة الاحتلال الأسبق "يتسحاق رابين" كرر أن مساعي إسرائيل يجب أن تصب في منع قيام كيان فلسطيني مشاطيء للبحر الميت (شريدة، 2010: 7).

هناك شبه إجماع صهيوني إسرائيلي يهدف إلى استمرار السيطرة على منطقة الغور التي تشمل السفوح الشرقية لجبال نابلس، وجبال القدس وبرية الخليل والمخدوم بطريق قطري رقم 60 (طريق ألون بحسب التعريف الإسرائيلي) وحتى نهر الأردن والبحر الميت شرقاً والمخدوم بطريق قطري رقم 90 (بحسب التعريف الإسرائيلي). ومنذ احتلال منطقة الأغوار الفلسطينية سنة 1967 صاغ يغآل ألون أحد القادة الصهيونيين استراتيجيا السيطرة عليها وربطها بمدينة القدس بواسطة مصادرة الأرض، وإقامة المستعمرات واستخدام قوة الدولة وضخ مواردها لتحقيق استراتيجيا السيطرة وتطبيق مصفوفة الضبط. وأعد افراهم فاخمن (1975) مخططاً تصورياً لإسرائيل أطلق علية اسم "العمود الفقري المزدوج" والذي يعني تطوير إسرائيل واستيطانها بحسب نظرية السُلَم؛ أي إقامة عمودين: الغربي هو الاستيطان الإسرائيلي المدني على الساحل، والثاني في منطقة الغور من شمالي البلد حتى جنوبها بتوطين أكثر من مليون إسرائيلي فيه. وبين العمودين تربط محاور (درجات سُلَم) طرق عرضية في مركزها طريق قطري رقم 5 (قاطع السامرة بحسب التعريف الإسرائيلي)، وطريق رقم 1 يربط تل أبيب بالقدس وبأريحا. وبموجب هذه الاستراتيجيا أُقيمت مستعمرات وشُقَت طرق شكلت أساساً لاستراتيجيات تخطيطية استعمارية تبعتها ما قامت به الوكالة اليهودية، ومنظمة غوش إيمونيم ولاحقاً رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون. وقد ترجمت هذه المخططات وأنجزت عملياً بإقامة شبكة من المستعمرات الإسرائيلية في مجمل مواقع الضفة الفلسطينية، بما في ذلك بين منطقة الجبل على محور جنين، ونابلس، والقدس والخليل (Ariel, 2017).   

وبموجب التصور والخطط الإسرائيلية التي تسعى لتثبيت السيطرة على منطقة الغور بادر الاحتلال إلى إعداد مخططات هيكلية للمستعمرات التي أُقيمت وفق تخطيط هيكلي محلي مبادر لنحو 31 مستعمرة بالإضافة إلى المناطق التشغيلية. هذه المخططات عدلت المخططات الإقليمية الانتدابية S-15   و RJ-5 التي ما زالت سارية المفعول وبموجبها تمنح/ تضبط/ تمنع السلطات الإسرائيلية الترخيص والتطوير خارج المخططات الهيكلية التفصيلية المصدقة. أمّا للقرى والمدن الفلسطينية فهناك مخططات هيكلية جزئية محلية محاصرة، أعدت لنحو 8 تجمعات سكنية قروية ومدنية من الجانب الإسرائيلي، بينما لم تُعد مخططات هيكلية لباقي التجمعات التي يصل عددها إلى 19 مجمعاً قروياً، وهناك تجاهل كامل لباقي التجمعات الرعوية والمضارب البدوية. وهكذا فعلى الرغم من الحاجة والمطلب، والخطاب الفلسطيني بتنمية وتطوير منطقة الأغوار، فإن ظروف ومعوقات جيوسياسية، واتفاقيات مرحلية وبنى اجتماعية وشح موارد تعوق توفير الاستراتيجيا الفلسطينية المناقضة للاستراتيجيا الإسرائيلية التي تستخدم قوة الدولة لفرض مصفوفة ضبطها على شبكة القرى والمدن الفلسطينية والمجتمعات التي تعيش فيها كما وجدناه وواجهناه في محاولة إعداد وإنجاز التخطيط المقاوم المتحدي، وفي إعداد مخططات وإقرارها في المنطقة المسماة "ج"، من خلال نموذج قرية فصايل ومنطقة شمالي شرقي طوباس كما سنعرضه بإيجاز فيما يلي.

نموذج تخطيط قروي لقرية فصايل

قرية فصايل، هي إحدى قرى محافظة أريحا، وتقع شمالي مدينة أريحا على بعد نحو 18 كم هوائي منها. يحدها من الشرق نهر الأردن، ومن الشمال قرية الجفتلك، ومن الغرب قرية المغَيّر (من محافظة رام االله والبيرة)، ومن الجنوب بلدة العوجا. تقع فصايل على ارتفاع نحو 280 متراً تحت مستوى سطح البحر، ويبلغ معدل الأمطار السنوي فيها نحو 240 ملم سنوياً، ومناخها شبة صحراوي وحار، ومعدل الرطوبة النسبية فيها نحو 50%. تم تأسيس مجلس قروي فصايل سنة 1994، وبحسب دائرة الإحصاء الفلسطينية وصل عدد سكانها سنة 2007 إلى 1029 شخصاً، موزعين على 182 أسرة. وحالياً (2020)، وصل عدد السكان إلى نحو 1850 نسمة، وبحسب المتوقع فإن عدد السكان سيصل في سنة 2030 إلى نحو 2500 نسمة استناداً إلى الزيادة الطبيعية. يعتمد نحو 80% من اقتصاد القرية على الزراعة، وتعاني القرية مشكلات اقتصادية وتنموية ومضايقات إسرائيلية، أدت إلى دفع أسر كثيرة إلى الهجرة (أريج، 2012). وتنقسم القرية إلى قسمين، الجزء الجنوبي الشرقي المحاذي لطريق 90، وتم إعداد وإقرار مخطط هيكلي له سنة 1996 محاذٍ لمستعمرة تومر التي تحد القرية من الجهة الجنوبية (انظر شكل 2 و3). أـمّا الجزء الشمالي الغربي الذي يقع كامتداد لقسم من القرية القائم والمخطط والذي يشمل مدرسة ومسجداً وعيادة، فقد تطور بشكل عضوي من دون تخطيط أو توجيه مسبق، وجرى حيازة الأرض بوضع اليد عليها. بلغت مساحة الأراضي التابعة لقرية فصايل نحو 46,593 دونماً، منها نحو 233 دونماً، شملت بمنطقة "ب" بحسب اتفاق أوسلو المرحلي والانتقالي سنة 1995، وتشكل نحو 0.5% من مساحة أراضي القرية. وعانت القرية بسبب عملية حصر ومصادرة أراضٍ بلغت نحو 3363 دونماً لإقامة أربع مستعمرات تحيط بالقرية وتحد من توسعها وهي بيتسائيل وتومر وجلجال ونتيف هجدود.

 وبعد أن قامت الإدارة المدنية التابعة للحكم العسكري الاسرائيلي بإعلان مخطط هيكلي لقرية فصايل معدل للتصديق، كما هو شأن أربع عشرة قرية فلسطينية أُخرى أعدت لها مخططات هيكلية جزئية محاصرة لتطور القرى، كان يجب الاعتراض عليها لأنها لا تلبي أبسط المتطلبات وتوفير الحاجات للقرية. تمت المبادرة إلى إجراء تواصل مع المجلس القروي خلال ورش عمل[9]  لزيادة الوعي التخطيطي أشرفت عليها وزارة الحكم المحلي. وفي سنة 2011 وافق المجلس القروي على إعداد مخطط هيكلي بديل بحسب نموذج التخطيط المقاوم المتحدي يلبي حاجات القرية وليس فقط تقديم اعتراض إجرائي على المخطط المعد والمقدم من الإدارة المدنية الإسرائيلية. وهكذا فإن المخطط البديل أُعد بمبادرة المجتمع المحلي بموجب مبادئ نموذج التخطيط المقاوم المتحدي، وشمل تخطيط استخدامات الأراضي في القرية نحو سنة 2030. هذا المخطط البديل المعد بمبادرة المجلس القروي وبحسب المناهج والمعايير المهنية الدولية[10] وبتبني ومشاركة ذوي العلاقة من أجل استخدام المخطط لإيقاف ومواجهة هدم مباني وغرامات تفرض من الجانب الإسرائيلي على البناء الذي عرفه كبناء غير مرخص لأنه مقام على أراضٍ زراعية، وأراضٍ أعلنها الحكم العسكري منطقة آثار. كما أن سلطات الاحتلال تَدّعي أن السكان أقاموا بيوتهم على أراضٍ ليست ملكهم ولا يوجد لهم عليها إثباتات ملكية قانونية. هذا المخطط البديل تم إقراره من المجلس القروي وتقديمة إلى مؤسسات التخطيط ذات الصلاحية القانونية لدى الجانب الإسرائيلي والتي منحته رقم 1412/1 (انظر شكل 3). وقرر الجانب الإسرائيلي بعد دراسته أن المخطط الهيكلي لقرية فصايل المبادر إليه فلسطينياً من تحت، يتعارض مع مصفوفة الضبط الممارسة من جانبه. لذا قام بتجميد إقرار المخطط، وبادر إلى إعداد مخطط هيكلي جديد للقرية مفروض من فوق على المجتمع، يضع به الجانب الإسرائيلي سياساته ويترجم ضوابطه ونظرته إلى حاجات قرية فصايل (Zeid and Thawaba, 2018). وهكذا تحول الصراع بين مشروع هيكلي مبادر إليه من المجتمع المحلي ويلبي حاجاته، ومشروع هيكلي أعد بإشراف الإدارة المدنية الإسرائيلية. هذا المشروع الذي قدم من الإدارة المدنية كان مختلفاً عما تم اقتراحه وإعلانه للاعتراضات، قبل أن يقوم المجلس القروي بالمبادرة إلى إعداد مخطط بحسب منهجية التخطيط المقاوم المتحدي (انظر شكل رقم 3)، ومع ذلك ما زال المجلس القروي الذي وضع مخططه الهيكلي بلغة ومنهجية تتناسب مع القانون والأعراف التخطيطية، ويتحدى من خلاله مؤسسات الإدارة المدنية لدى الجانب الإسرائيلي، يوجه تطوير القرية بموجبه من خلال التواصل مع المواطنين ومع الهيئات والمؤسسات الوطنية والدولية للعمل بموجبة لإنجازه، على الرغم من المعارضة الإسرائيلية  للمخطط المعد من المجتمع المحلي. وفي المقابل قام الجانب الإسرائيلي بإعداد مخطط هيكلي وصدقه على جزء من الأراضي المشمولة في المخطط الفلسطيني. وهذا المخطط الإسرائيلي قسم البلد إلى جزئين منفصلين (Zeid and Thawaba, 2018).        

 

شكل 2 : موقع قرية فصايل بقسميها بين مستعمرتي بيسائيل شمالاً وتومر جنوباً اللتين لهما مخطط هيكل مصدق يقترح توسيعهما (من اليمين) بينما تفتقر فصايل إلى ذلك، كما يظهر الشكل من جهة اليسار المخطط الجديد المعد من الإدارة المدنية سنة 2017. 

 

شكل 3 : المخطط الهيكلي المحلي رقم 1412/1 الذي أعد لقرية فصايل بمبادرة المجلس القروي وقدم كمخطط بديل للمخطط الذي أعده الحكم العسكري

 

نموذج إقليمي- مخطط إقليمي شمالي شرقي طوباس

كجزء من سياسة السلطة الفلسطينية التدخل في دعم وتنمية الوجود الفلسطيني في المنطقة المسماة "ج" قامت وزارة الحكم المحلي بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وبتمويل من الاتحاد الأوروبي بدعم مشروع يهدف إلى تعزيز وتحسين القدرة على الصمود والمنعة وحيازة المسكن في التجمعات الفلسطينية في المنطقة المسماة "ج" في الضفة الفلسطينية من خلال إعداد مخطط هيكلي إقليمي مقونن يقر من مؤسسات التخطيط كاستكمال لإعداد مخططات تنموية استراتيجية (انظر جدول مقارن رقم 1).  وتشكل هذه المبادرة تقدماً في الحضور الفلسطيني المبادر إلى التخطيط الإقليمي بروح منطلقات ومنهجيات التخطيط المقاوم المتحدي، ويتلخص في التقدم والانتقال في عملية التخطيط من التخطيط البلدي/ النقطي إلى التخطيط الإقليمي.  ويتضمن إعداد التخطيط الهيكلي الإقليمي تدخلات على صعيد التخطيط المكاني والاقتصادي وتطوير استخدام الأرض، ومن ضمنها إعداد مخططات هيكلية محلية للتجمعات الفلسطينية، إذ يتضمن المشروع إعداد مخطط هيكلي لمنطقة شمالي شرقي طوباس، وتشمل منطقة شمالي الغور الفلسطيني، وتم تحديد حدودها التخطيطية خلال عملية التخطيط، لتكون هذه الحدود نافذة ومتكاملة إقليمياً ووظائفياً مع محيطها.

وتتمثل الفكرة الرئيسية من المشروع، بحسب ما حددته وزارة الحكم المحلي الفلسطيني، بإعداد مخطط هيكلي إقليمي يكمل ويوجه مخططات التنظيم الهيكلي التفصيلي لاستخدامات الأراضي في التجمعات السكانية المستهدفة، بهدف تطوير سياسات وإرشادات للتطوير والتنمية في مختلف القطاعات (السكان، والصحة، والتعليم، والبنية التحتية، والاقتصاد، والأراضي، والزراعة، والسياحة، والمياه، والطرق والمواصلات، والأشغال العامة، والبيئة، ... إلخ)، وذلك يتم ضمن إطار مخطط تنموي مكاني على مستوى شبه إقليمي، بما يحقق التوازن بين المناطق الريفية المهمشة والمناطق الحضرية، وبما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد المتوفرة في المنطقة من دون الأخذ بعين الاعتبار التصنيفات الجيوسياسية لها ("أ"، "ب"، "ج"). ولضمان نجاح المشروع وتحقيق الأهداف المرجوة، فإن ذلك يتطلب التعاون والتكامل مع جميع المؤسسات الفلسطينية القطرية والمحلية ذات العلاقة، من أجل إرفاد خططها التنموية للمنطقة وإثراء المخطط المقترح بالتوجهات المستقبلية الخاصة بالقطاعات التنموية الرئيسة.

تتلخص المخرجات الأساسية لهذا المشروع، كما صاغتها وزارة الحكم المحلي، بإعداد مخطط تنظيم هيكلي إقليمي يحدد استخدامات الأراضي للتجمعات السكانية المستهدفة من أجل وضع الخطوط العريضة للتطوير والتنمية في القطاع السكاني والصحي والتعليمي والبنية التحتية بما يشمل الطرق وشبكات المياه والمجاري والحفاظ على الموروث الثقافي والطبيعي وتوفير فراغات ومنشآت عامة. كما تشمل المخرجات إعادة صوغ الهيكلية الهرمية لتقديم الخدمات الاجتماعية-الاقتصادية والتكامل الوظائفي الحيزي فيما بينها، بالإضافة إلى تحديد الأجندة التنموية المحلية للمنطقة المستهدفة ووضع خطة تنفيذ متكاملة ضمن إطار زمني محدد ومنهجية لمراقبة آليات التنفيذ ورسم استراتيجيات لتحقيقها بما يتماشى مع مخطط التنظيم الهيكلي الإقليمي والموجه للتخطيط المحلي التفصيلي. تم إعداد المخطط بشكل تشاركي مع المجتمعات المحلية وهيئات الحكم المحلي والمؤسسات المعنية وبما يتماشى مع أجندة السياسات الوطنية (2017-2022) والاستراتيجيات الحكومية القطاعية ذات العلاقة.

تقع التجمّعات المستهدفة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة طوباس في الجزء الشمالي من الغور الفلسطيني، إذ من المفترض أن يشمل هذا المخطط ستة عشر تجمعاً فلسطينياً، تغطي المساحة المبنية فيها  2724دونماً، وهي: البرج، والميتة، وحمامات المالح، وأم الجمال، وعين الحلوة، وواد الفاو، والفارسية، والفارسية-حمير، والفارسية-خلة خضر، والعقبة، وتياسير، وخربة تل الحمة، وإبزيق، وكردلة، وعين البيضا، وبردلة. وهذه التجمّعات ممثلة إدارياً في ستة مجالس قروية، بالإضافة إلى إبزيق التي تتبع المجلس البلدي في طوباس.

وتضمن المشروع إكمال إعداد مخططات هيكلية محلية في المنطقة المسماة "ج" لأربع تجمعات فلسطينية وهي: حمامات المالح، والفارسية، والعقبة، وكردلة، وقد حظيت هذه المخططات بدعم من وزارة الحكم المحلي. وعلاوة على ذلك، بلغ عدد السكان المستفيدين من عملية التخطيط التي قامت بها وزارة الحكم المحلي ضمن المنطقة المستهدفة نحو 6700 نسمة. ومن الجدير ذكره أن المنطقة المستهدفة في عملية التخطيط هي منطقة مرشحة لاستقطاب المشاريع من مختلف الجهات الدولية والوطنية والمحلية المانحة لتنفيذ مشاريع بنية تحتية اجتماعية وتنموية.

بالاعتماد على ما تقدم تم تكليف طاقم تخطيط بقيادة كاتب هذا المقال (ر.خ)[11]  ليقوم بإعداد المخطط معتمداً على منهجية التخطيط العقلاني، وتوجيهات دليل التخطيط الفيزيائي الفلسطيني 2010، مطبقاً تعليمات قانون تنظيم المدن والقرى والمباني رقم 79 لسنة 1966 الذي ما زال ساري المفعول على الضفة الفلسطينية. وقد أجريت المسوحات، بعد أن تم التوافق على حدود المنطقة المشمولة في التخطيط، ووضع الرؤية التخطيطية ووضع بدائل تخطيطية تم تقييمها من لجنة توجيه وأعضاء لجنة التنظيم الإقليمية لمحافظة طوباس. ولاحقاً قام طاقم التخطيط بالعمل على تطوير بديل التخطيط الهيكلي الإقليمي (انظر شكل رقم 5) وبالموازاة تم إعداد مخططات هيكلية تفصيلية للقرى المشمولة في الإقليم وتحديثها بموجب مفهوم ومركبات التخطيط المقاوم المتحدي لتلبي حاجات سكان القرى.

تُعتبر عملية إعداد مخطط تنظيم هيكلي إقليمي جزئي معدل لمخطط تنظيم إقليمي انتدابي S-15  (انظر شكل رقم 4 ) بمبادرة وإشراف وإقرار وزارة الحكم المحلي وبدعم أممي تجربة رائدة. وقد واجهت هذه التجربة إشكاليات تتلخص في تحديد حدود المخطط وتعريف الإقليم، وإعداد المخطط وتوزيع استخدامات الأراضي على خلفية التنافس بين مجموعات مصلحية ممثلة برؤساء القرى والهيئات المحلية، وتخوف فلسطيني من استخدام انتهازي إسرائيلي لقرارات تخطيطية إجرائية واستخدامات أراضٍ معينة، مثل مناطق محميات طبيعية، ومناطق مفتوحة، وشبكة طرق. كما أن إشكاليات تصديق المخططات وإقرارها رسمياً شكلت تحديات فلسطينية في كيفية الدفاع عن قرارها الذي يولّد توقعات لدى الفلسطينيين ومؤسسات تخطيطهم. وهذه الإشكاليات كشفت عن تحديات داخل المجتمع الفلسطيني، وخارجية مع الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من عدم التناظر بين التحديات الخارجية والداخلية، فإنها تؤثر بشكل تراكمي في تبني، وتصديق وإنجاز مخططات التنظيم الحيزية في ظل احتلال يسعى لاستمرار تطبيق مصفوفة الضبط على ما تتضمنه من مركبات لها علاقة مباشرة بالحيز وكيفية تخطيطه وتطويره. وتضعنا هذه التحديات في ظرفية السير ضد تيارات متعددة في تخطيط وتنمية منطقة الأغوار نموذجاً. 

 

شكل 4: مخططات تنظيم هيكلي لوائي انتدابي مصدقه رسمياً (S-15  و  (RJ-5وما زالت سارية المفعول قانونياً في تحديد استخدامات الأراضي بما في ذلك في منطقة الأغوار الشمالية وفصايل.

 

شكل 5: خريطة المخطط الهيكلي الإقليمي لإقليم شمالي شرقي محافظة طوباس وشمالي الأغوار وقد تم تبنية وإقراره من ممثلي المجتمع المحلي، ومؤسسات التخطيط الفلسطينية (اللجنة الإقليمية لمحافظة طوباس، ومجلس التنظيم الأعلى الفلسطيني بجلسته يوم  15.1.2020)

 

جدول 1: مقارنة بين نموذج التخطيط الهيكلي الإقليمي المعد بموجب نموذج ومنهجية التخطيط المقاوم المتحدي لإقليم شمالي شرقي طوباس وبين التخطيط المكاني التنموي الاستراتيجي الذي أُعد للمنطقة نفسها.

التخطيط المكاني التنموي الاستراتيجي

التخطيط الهيكلي الإقليمي

نوع المخطط

معيار المقارنة

دليل التخطيط التنموي الاستراتيجي

قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية رقم (79) لسنة 1966 والتعديلات المصدقة التي جرت عليه وأقرت رسمياً   

الإطار المرجعي

توجيهي تنموي/قطاعي

قانوني رسمي

نوع التخطيط

متوافق عليها مع ذوي العلاقة

مقرة رسمياً (لواء، محافظة، منطقة تخطيط) ومحددة بخط أزرق ملزم

منطقة التخطيط

معاني موجهة يمكن تحديدها دون الالتزام بدليل ضابط وملزم

لكل لون معنى يحدد ما هو مسموح أو ممنوع ويكون فيصلاً في استخدامات الأراضي وتحديد حقوق البناء

معاني الألوان والكلمات في المخطط

تبني وتوافق مؤسسات بلدية ومشاركة في التخطيط ومستفيدة منة

قانوني (إيداع، اعتراضات، تنفيذ) ينشر في الجريدة الرسمية ومؤسسات التخطيط الرسمية

التصديق

خريطة توجيهية لاستخدام أراضي

رزمة مشاريع إنجازية

صندوق أدوات توجيهي إنجازي

جدول زمني للإنجاز مع تحديد موارد

مخطط استخدامات أراضٍ قانوني،

 1. خريطة استخدام أراضٍ بحسب الدليل، 2. نظام المخطط الهيكلي، 3. ملحقات ملزمة وموجهة

المخرجات

ممكنة بشروط أن يتم التوافق عليها دون وجود مسار قانوني ملزم

محدود جداً، ويجري بحسب مسار قانوني معدل يمر مسار الإقرار نفسه من جانب مؤسسات التنظيم الرسمية

ليونة وتعديل

محددة من ذوي العلاقة وبحسب نوع المخطط ومضمونه

مفتوحة بعد منح حقوق تخطيط أو ضبطها ومنعها

فترة الإنجاز

يتم توفير موارد مالية

يتم بواسطة رخصة بناء رسمية تصدر من مؤسسات التخطيط

إيجازة التطوير

تبني، وتضمين ودمج

ملزم محدد وضابط أو معدل

علاقة مع تخطيط هيكلي قطري أو محلي

 

تظهر نظرة فاحصة إلى التحول من التخطيط التنموي الاستراتيجي التوجيهي إلى التخطيط الهيكلي الإقليمي المقونن في سياق معوقات التخطيط والتطوير في المنطقة المسماة "ج"، بصورة عامة، وفي منطقة تخطيط شمالي الغور، أننا أمام مرحلة جديدة في تطبيق نموذج تخطيط كان قد أُنجز بمبادرة المجتمع المحلي، وبإشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، وترأس طاقم التخطيط كاتب هذا المقال (ر.خ) مثل منطقة مسافر يطا سنة 2014، ومنطقة الدقيقة سنة 2016. لكن الإضافة النوعية والإجرائية المتعلقة بمخطط هيكلي إقليمي شمالي الغور كان مشاركة وتبنى وإقرار المخطط من مؤسسات التخطيط الفلسطينية الرسمية. هذه المخططات الهيكلية المحلية والإقليمية المعدة بموجب نموذج ومنهجية التخطيط المقاوم المتحدي واجهت معوقات على رأسها الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى لاستمرار تطبيق محددات اتفاق أوسلو المرحلية. لكن نموذج التخطيط المقاوم المتحدي تجاوز محددات أوسلو، وانتقل فعلياً إلى ممارسة الحق الفلسطيني في التخطيط والتصديق والإنجاز متجاوزاً تصنيفات أوسلو وما ترتب عنها من حصر وضبط حيز تطوير الفلسطينيين، وخصوصاً في المنطقة "ج"، بما في ذلك منطقة الغور الفلسطيني- غور الأردن.   

تلخيص وتوصيات

التخطيط هو عملية ذهنية فكرية تترجم إلى أدوات وأجهزة تسعى لرسم صورة المستقبل وترجمة التصورات المرغوبة إلى أهداف عينية وخطة عمل لإنجازها. أي أن التخطيط الهيكلي الحيزي ليس عملية ميكانيكية إجرائية محايدة، بل هي عملية قِيَمِية سياسية اجتماعية مجندة لتحقيق أهداف مصاغة لإنتاج المكان وخدمة الإنسان الذي يسكنه. وهذا يعني أن الشخص المخطط أو المجتمع المخطط له يجب أن يعي أن المجتمع المخطط له سوف ينمو ويتطور وتتوفر لديه حالة الاستقرار والطمأنينة، إذ كيف يمكن أن نخطط إيجابياً وتنموياً لمجتمع وجوده مهدد؟ صحيح أن حالة الصراع القومي والوطني تؤدي إلى استخدام التخطيط الحضري والقطري كأداة وجزء من مصفوفة السيطرة التي تسعى لفرض ضبط حيزي وتقليل فرص التنمية والنمو الفلسطيني. وهذا الواقع يتطلب منا، كمخططين فلسطينيين فهم أهداف التخطيط الإسرائيلي المهيمن وكيفية استخدامه لأجل تحديه ومواجهته. وأن مواجهته لا تتم فقط بشتمه ووصفه؛ بل بطرح بدائل تتحداه وتقاومه، وتعتمد على منظومة أخلاقية قيمية تسعى لتحقيق العدل والإنصاف ومواجهة الظلم وتوفير الحياة الكريمة المحترمة للإنسان العربي الفلسطيني في وطنه، آخذة بعين الاعتبار التنوع في التوجهات والحاجات، لكن من دون أن يكون هذا التنوع أساساً لحرمان فرد أو مجموعة مجتمعية من حقوقها الأساسية في الحياة الكريمة. لهذا يشكل نموذج التخطيط المقاوم المتحدي أحد الوسائل لتغيير طريقة التعامل مع مصفوفة الضبط التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي. وتطبيق نموذج التخطيط المقترح والذي مورس فلسطينياً في المنطقة "ج"، وتم عرض بعض سماته بإيجاز فيما تقدم من هذا المقال، يشكل حالة السير ضد التيار وضد استخدام قوة الدولة المحتلة التي وضعت استراتيجيا تخطيطية تنموية إسرائيلية مترجمة إلى إنجازات على الأرض، متجاهلة وحاصرة للوجود الفلسطيني. ومع ذلك فإن مناطق الأغوار الفلسطينية تعاني حالة وقوعها في الأطراف الفلسطينية. فعلى الرغم من مميزاتها وأفضلياتها النسبية وأهميتها الإقليمية والجيوسياسية والاقتصادية، فإن معوقات بنيوية تحول دون التطوير الوظائفي فيها. كما أن معظم المجتمع الفلسطيني في منطقة الغور هو مجتمع قروي وريفي ورعوي وبدوي يميل إلى، ويتبنى النماذج السلوكية التقليدية، ولديه تجربة تخطيط محدودة وتتخوف من التخطيط لعلاقته بالأرض ووضع ضوابط عليها. لذا فإن تطبيق نموذج تخطيط مقاوم متحدٍ في ظل حالة احتلال عسكري طويل يمارس الكولونيالية، يشكل جزءاً من حالة السير ضد التيار على مستويين غير متناظرين من حيث امتلاك موارد القوة والأهداف، ومستوى الاحتلال الإسرائيلي في مقابل مستوى المجتمع المحلي التقليدي.

  إن المبادرة إلى إعداد، وتبني وإقرار المخططات الهيكلية بواسطة مؤسسات فلسطينية، بما في ذلك إقامة مؤسسات تنظيم وتخطيط محلية فلسطينية عاملة في المنطقة "ج" لها إسقاطات وتبعات جزء منها اجتماعية واقتصادية وجيوسياسية، حاولنا إيجاز بعضها في هذا المقال. فبالنسبة إلى الأبعاد الجيوسياسية، فهي على سبيل المثال، ستولد تحدياً فلسطينياً للاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك تشكيل لجان تنظيم محلية إقليمية فلسطينية، بدلاً من المطالبة بتغيير الوضع الراهن من خلال التوجه إلى الجانب المحتل ورفضة، كما كان في حالة رفض محكمة العدل العليا الإسرائيلية تعديل أمر عسكري رقم 418 لتحقيق وجود تمثيل فلسطيني في مؤسسات التخطيط العاملة في المنطقة المسماة "ج" بموجب طلب التماس رقم 5667/11. وكجزء من عملية الاستعداد الفوقي بالاعتماد على تجربة تطبيق التخطيط المقاوم المتحدي، يجب إعداد المفاوض الفلسطيني لتناول قضية تغيير الوضع الراهن، وتأمين الدعم الدولي لإنجازه. أمّا على المستوى المجتمعي المحلي فإن تجهيز المجتمع المحلي وزيادة وعيه ومسؤوليته لإنتاج حيزه وتغيير ثقافة التطوير العضوي العشوائي واستبداله بتطوير ممأسس منظم بحسب تخطيط مسبق يتطلب إنجازه إصدار رخص من مؤسسات التنظيم الفلسطينية، وهو أمر جديد على المجتمع القروي أو البدوي بصورة خاصة، بما في ذلك في منطقة الغور. كما أن إقامة هذه المؤسسات التخطيطية يتطلب توفير موارد مالية وبشرية وإدارية لتفعيلها بشكل ناجح. لذا فإننا نقترح المبادرة إلى تطبيق مشروع توعوي وتجهيزي لهذه المجتمعات بالموازاة مع عملية إقامة وتفعيل لجان التخطيط المحلية والإقليمية وتصديق مخططات هيكلية محلية وإقليمية أُعدت فلسطينياً.

عرض هذا المقال نموذج مركبين متكاملين ومتآزرين من التخطيط الهيكلي الحيزي: المحلي والإقليمي، وبموجبهما تتم ممارسة تسوية حيازة الأرض وتأمين التصرف الفلسطيني فيها وفض الخلافات عليها. ويواجه تطبيق هذا المشروع معارضة الاحتلال بشكل بنيوي، وربما تكون بعض المعوقات فلسطينية. وعلى الرغم من عدم التماثل والتناظر بين قوة الاحتلال ومعارضته وبين المعوقات المحلية، فإن تجربة دراسة وإنجاز النموذج التخطيطي المطروح في المقال كشفت إشكاليات وتحديات في عملية التخطيط وطرح نموذج تخطيطي يتم تبنيه والأخذ به فلسطينياً واستخدامه لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا فإن إنجاز التخطيط المقاوم المتحدي هو جزء من حال السير ضد قوى وتيارات كثيرة عاملة في الحيز وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي وسعيه لاستمرار تطبيق نموذج الفصل بين الإنسان والأرض والمؤسسات بحسب نموذج اتفاق أوسلو المرحلي.

وعلى الرغم من وعينا للإشكاليات والتحديات في تطبيق نموذج التخطيط المقاوم المتحدي المبادر، فإننا نوصي باستمرار العمل به في قرى مناطق أُخرى، وخصوصاً في منطقة الأغوار، وفي سائر الأراضي الفلسطينية بصورة عامة. كما أننا نوصي بتوسيع صلاحيات اللجان الإقليمية وتشكيل لجان تنظيم محلية عاملة.

وفي سبيل إنجاز ما تقدم يجب: 1. اتخاذ قرارات من الحكومة الفلسطينية لإكمال التخطيط الإقليمي في المنطقة المسماة "ج" وترجمتها إلى برنامج عمل. 2. توفير موارد مالية وإدارية. 3. توعية المجتمع المحلي وقيادته. 4. وضع أطر تنسيق مع ذوي العلاقة لتجنب الازدواجيات والمعاناة للمواطنين وتأمين الثقة في العملية لبسط صلاحيات التنظيم والبناء من وزارة الحكم المحلي الفلسطينية على الأقاليم والقرى الفلسطينية، بما في ذلك المنطقة المسماة "ج"  والأغوار الفلسطينية.  

 

 *قدم الباحث صيغة من هذه الورقة في مؤتمر مؤسسة الدراسات الفلسطينية السنوي تحت عنوان "واقع ومستقبل منطقة ج والأغوار"، الذي عُقد في جامعة بيرزيت وجمعية الشبان المسيحية في أريحا في 2 و3 و4 تشرين الثاني/نوفمبر، 2018.

 

المراجع

 الأطرش، أحمد (2015). "جغرافيا الاستيطان: كيف يتم تحويل الضفة الغربية إلى كانتونات". رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، مدار.

 خمايسي، راسم (2018 أ). "المستوطنات الإسرائيلية وأساليب سلب الارض وتخطيطه"، "قضايا إسرائيلية"، العدد 68، ص، 48- 61.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2018 ب). "التخطيط الهيكلي كأداة تحد ومقاومة مدنية". نُشر في  3/8/2018.

 https://www.arab48.com

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2018 ج). "مصفوفة الضبط الممارسة لإحداث التغييرات الديمغرافية والحضرية الفلسطينية في القدس." ورقة مقدمة لندوة "القدس" يوم 24 شباط/فبراير 2018. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2019). "بين المكان والإنسان والعقيدة الدينية/ الجيوسياسية/ استشراف لتحديات التخطيط الحيزي الإسرائيلي." "استشراف"، العدد الرابع، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، ص، 34- 66.

 "دليل قرية فصايل"، معهد الأبحاث التطبيقية - أريج- (2012)،

http://vprofile.arij.org/jericho/ar/pdfs/vprofile/fasail.pdf

 رايخمن، ش. (1977). "من القبض إلى أرض مستوطنة" (ممأحاز لايرتس موشاف). القدس: يد بن تسفي (بالعبرية).

 شريدة، عبد الستار(2010). "الأغوار الفلسطينية.. في مهب التسريب." لندن: مركز الشرق العربي- للدراسات  الحضارية والاستراتيجية. http://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/ag-10.doc

 وزارة الحكم المحلي الفلسطيني (2016). "استراتيجية الحشد والمناصرة للمنطقة المسماة 'ج'  في فلسطين (2016-2018)". رام الله.

 يونان، ميخائيل (2018). "الطرق والمواصلات كمركب رئيسي بمصفوفة السيطرة والضبط الحيزي في القدس". فلسطين: رسالة ماجستير، جامعة القدس، أبوديس.

 Ariel Shaul (2017).  Messianism Meets Reality: The Israeli Settlement Project in Judea and Samaria: Vision or Illusion, 1967-2016. Tel Aviv: Economic Cooperation Fund.

 Coon, Anthony (1992). Town Planning Under Military Occupation. Aldershot: Dartmouth

 Hasson Shlomo, ed. (2016). Israel 2048: Spatial Development and Planning. Jerusalem: Ministry of Finance, Planning Administration and The Hebrew University of Jerusalem. (in Hebrew). 

 Khamaisi, Rassem (July 1997). “Israel: Use of the British Mandate Planning Legacy as Tool for the Control of Palestinians in the West Bank,” Planning Perspectives, vol. 12, no. 3, pp. 312‐340.

 _______ (2010). “The Israeli-Palestinian Conflict: Building the Future Palestine,” Eurasian Geography and Economics, vol. 51, no.6, pp. 716-732.

_______ (2011). “Territorial Dispossession and Population Control of the Palestininas.” In Surveillance and Control in Israel/ Palestine: Population, Territory and Power. Edited by Elia Zureik, David Lyon and Yasmeen Abu-Laban. New York: Routledge. pp. 335- 352.

 _______ (2016). “One Country Two States: Planning the Alternative Spatial Relations between Palestine and Israel from Back to Back to Face to Face.” In Israel and Palestine: Alternative Perspectives on Statehood. Edited by John Ehrenberg & Yoav Peled.  New York: Rowman & Littlefield, pp. 159-184.

 _______ (2017). “De-facto Counter Planning against the Sophisticated Matrix of Control: The Palestinian and Israeli Case in Area C,” in Report for the JSPS Grant-in-Aid Challenging Exploratory Research 2015-16 (No. 15K12954) Cultural Practices against Militarization: The Compilation Regional Geographies and the Restoration of Landscapes in Okinawa and Palestine. Edited by Yamaza Takashi. Osaka: Osaka City Universtiy, pp. 48-80.

 _______ (2019). “Development-Oriented Counter-Planning Versus

Restrictive Planning in Area C of the West Bank, Palestine,” The Arab World Geographer, Vol. 22, no. 1, pp. 47- 65.

 Kimmerling, Baruch (1983). Zionism and Territory. Berkeley, California: Institute of International Studies, University of California.

 Lentin Ronit (2017).  “Race and Surveillance in the Settler Colony: the Case of Israeli Rule over Palestine,” PALGRAVE COMMUNICATIONS | 3:17056 |DOI: 10.1057/palcomms.2017.56 | www.palgrave-journals.com/palcomms

 Lustick, Ian (1980). Arabs in the Jewish State: Israel's Control of a National Minority. Austin: University of Texas Press, pp. xiv, 385.

 Margalit, Meir (2006). Discrimination in the Heart of the Holy City. East Jerusalem: IPCC, International Peace and Cooperation Center.

 Ophir Adi, Michal Givoni and Sari Hanafi, eds. (2009). The Power of Inclusive Exclusion: Anatomy of Israeli Rule in the Occupied Palestinian Territories. New York: Zone Books.

 Qurt, Husni S. (2014). “The Exercise of Power: Counter Planning in Palestine”University of New Orleans Theses and Dissertations. 1885,  http://scholarworks.uno.edu/td/1885.

 Shenhav, Yehouda and Yael Berda (2009). “The Colonial Foundations of the State of Exception: Juxtaposing the Israeli Occupation of the Palestinian Territories with Colonial Bureaucratic History.” In: The Power of Inclusive Exclusion: Anatomy of Israeli Rule in the Occupied Palestinian Territories. Edited by Adi Ophir, Michal Givoni and Sari Hanafi. New York: Zone Books.

 UN-Habitat Report (May 2015). “Spatial Planning in Area C of the Israeli occupied West Bank of the Palestinian territory.”

http://unhabitat.org/spatial-planning-in-area-c-of-the-israeli-occupied-west-bank-of-thepalestinian-territory/

 Zeid, Maali and Salem Thawaba (2018). “Planning under a Colonial Regime in Palestine: Counter Planning\ Decolonizing the West Bank.” Land Use Policy, volume 71, pp. 11-23.

 Zureik, Elia, David Lyon and Yasmeen Abu-Laban, eds. (2011). Surveillance and Control in Israel/ Palestine: Population, Territory and Power. New York: Routledge.

 Zureik, Elia (2016). Israel’s Colonial Project in Palestine: Brutal Pursuit.  London; New York: Routledge.

  

[1] هذه المساحات والسكان لا تشمل القدس الشرقية المحتلة التي تخضع بقرار إسرائيلي لسيادتها وإدارتها.

[2] المقصود بإيجاز أن تكون منطقة الأغوار أرضاً وإنساناً، وميراثاً وتنمية جزءاً من الدولة الفلسطينية.

[3] مخطط المدن والأقاليم، البروفسور راسم خمايسي الذي قاد ودرّب طواقم مهنية عاملة في إعداد وإنجاز مخططات هيكلية محلية من خلال مؤسسات ومكاتب استشارية متعددة بإشراف وزارة الحكم المحلي.  

[4] أقرت وزارة الحكم المحلي إقامة لجنة تنظيم محلية إقليمية لمنطقة برطعة سنة 2019، وأُخرى في منطقة بردلة شمالي منطقة الغور سنة 2020. هذه اللجان أصبحت تدير العملية التخطيطية بالاعتماد على مخططات هيكلية أُعدت بموجب منهجية التخطيط المتحدي المقاوم، وحتى الآن لم تقر من الاحتلال الإسرائيلي: انظر في هذا السياق: راسم خمايسي (2015)، "نحو تشكيل لجان تنظيم محلية واعتماد مخططات هيكلية محلية في مناطق 'ج' من قبل وزارة الحكم المحلي في السلطة الفلسطينية كجزء من تطبيق نموذج تخطيط وإنجاز فعلي،" (كفركنا: مركز التخطيط والدراسات) (دراسة لم تنشر).

[5]  راسم خمايسي (2019)، "إقامة وتشكيل لجنة تنظيم محلية: منطقة برطعة نموذجاً. دراسة أُعدت ضمن مشروع: دعم الهيئات المحلية الفلسطينية لأداء الوظائف التخطيطية في التجمعات الواقعة في المناطق المسماة 'ج' من الضفة الغربية – حالة تجمع برطعة." (كفركنا: مركز التخطيط والدراسات) (دراسة لم تنشر).

[6]  تم إعداد مخططات هيكلية تفصيلية لهذه القرى بمبادرة المجتمع المحلي الذي أوكل مهمة إعداد المخطط للمخطط راسم خمايسي. هذه المخططات قدمت إلى أجهزة التخطيط في الجانب الإسرائيلي، وشكلت أساس دفاع أمام المحاكم الإسرائيلية لحماية السكان وبيوتهم.

[7] مركز المعلومات الوطني الفلسطيني – وفا 

http://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=9663

[8] صحيفة "هآرتس" 27 شباط/فبراير 2006

[9] خلال فترة 2009 – 2015 تم تنظيم ورش عمل تدريبية لرؤساء وأعضاء المجالس القروية والبلدية الفلسطينية بإشراف وزارة الحكم المحلي، وقاد هذه الورش مع زملاء آخرين كاتب هذا المقال.

[10] UN-Habitat 2015

[11] تم إعداد هذا المخطط من طاقم تخطيط متعدد الاختصاصات في مكتب مركز الهندسة والتخطيط، رام الله، ورأس طاقم التخطيط البروفسور راسم خمايسي، مركز التخطيط والدراسات-كفركنا.