تفاوتت ردات فعل الدول الأوروبية، منذ أن أعلن بينامين نتنياهو موعداً لضم 30 بالمئة من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن، المقامة عليها 100 مستعمرة إسرائيلية. وكانت بلجيكا وفرنسا وإسبانيا قد نددت بالقرار باعتباره خرقاً لكل القوانين الدولية، ونهاية لحل الدولتين، بينما عارضت الجمهورية التشيكية والمجر هذا الموقف من موقع الدفاع عن سياسات إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي.
وكما يبدو، لم تستطع دول الاتحاد الأوروبي، اتخاذ موقف موحد من سياسة الضم الإسرائيلية، كفرض عقوبات اقتصادية شبيهة بالتي تُفرض على روسيا بعد ضمها أراضٍ في أوكرانيا، (تجدد كل 6 أشهر)، وقد ساهم تأجيل إعلان الضم من جانب الحكومة الإسرائيلية في إرجاء إضافي لاتخاذ موقف أوروبي نهائي، وهذا التأجيل كان في الغالب بسبب مطالب ترامب الإضافية، كاشتراط توفر موقف إسرائيلي موحد بين قطبي الائتلاف الإسرائيلي الحاكم من الضم، إضافة إلى تداعيات انتشار وباء كوفيد-19 في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، والمصاعب الأميركية الداخلية. ويقول دومينيك فيدال، مؤرخ وصحافي فرنسي متخصص بالشؤون السياسية للشرق الأوسط في حلقة إذاعية خصصت للحديث عن إمكان الضم الإسرائيلي ضمن حلقات الإذاعة الرسمية الفرنسية بتاريخ 19 حزيران/يونيو: "لن يمر الضم الإسرائيلي (إذا حدث فعلاً) من دون عواقب، ربما ليس بصورة عقوبات، فهناك صعوبة في اتخاذ قرار مشترك يتضمن عقوبات، بسبب مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي القريبة من إسرائيل، ولا سيما الدول التي يقودها الشعبويون والمعادون للسامية ومنكرو المحرقة، وعلى الرغم من ذلك فإن صورة إسرائيل في تدهور مستمر."
ولم ترجح افتتاحية صحيفة اللوموند فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل في حال حدوث الضم، مستشهدة بتقديرات نواب ألمان في البرلمان الأوروبي، تتوقع حدوث نتائج عكسية في حال تطبيق العقوبات. ويعود ذلك إلى التحالفات بين إسرائيل ودول شرق أوروبية مثل المجر والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا ولاتفيا وقبرص وبولندا، تلك الدول التي ستدافع عن استمرارية مشاريعها المشتركة مع إسرائيل في مجالي التعاون الاقتصادي والعلمي. فضلاً عن وجود اتفاقيات تعاون ومشاريع مشتركة في مجال الطاقة بين إسرائيل واليونان وقبرص، إذ تم وضع أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من شرقي البحر المتوسط إلى اليونان ودول أوروبية أُخرى. في هذا السياق نشرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الفرنسية على موقعها تفصيلات برنامج أفق لسنة 2020، بين إسرائيل وأوروبا، وهو البرنامج الذي سيقدم دعماً مالياً لـ 846 مشروعاً علمياً بلغت قيمتها هذه السنة 592.9 مليون يورو بحسب موقع الوزارة وصحيفة الليبراسيون الفرنسية (Libération). وفي الوقت ذاته، يرتفع صوت المدافعين عن سياسات إسرائيل، فقد حذر وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيغارتو على صفحته في فيسبوك في 10 حزيران/ يونيو، من أن "هنغاريا ستواصل معارضة أي نهج سياسي دولي 'غير عادل' ومن جانب واحد ضد إسرائيل."
ضغوط رسمية لمنع الضم
-
طالب أكثر من مئة برلماني فرنسي من مختلف التوجهات السياسية الرئيس إيمانويل ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين، وبفرض عقوبات دولية على مشروع الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربيةالمحتلة، الذي يدخل ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
-
بعث وزراء خارجية 11 دولة أوروبية (فرنسا وإيطاليا وهولندا وإيرلندا وبلجيكا ولوكسمبورغ والسويد والدانمارك وفنلندا والبرتغال ومالطا) رسالة عاجلة إلى جوزيف بوريل، منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، يحثونه على الإسراع في صوغ قائمة بالردود المحتملة على مخطط الضم الإسرائيلي في الضفة الغربية، وقد أعربوا عن قلقهم من أن "فرصة ردع إسرائيل عن تطبيق الضم تتقلص،" وأشار الوزراء إلى أن "قائمة الردود يجب أن تتضمن كل ما يتعلق باتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل،" مشددين على أن "وثيقة الخيارات" ستساهم في جهود ردع "إسرائيل" عن الضم، لذلك من المهم تقديمها، حتى توفر أساساً قوياً لمزيد من المناقشات.
-
صوت البرلمان الهولندي، على مشروع قرار قدمه الحزب الاشتراكي يعتبر خطة الضم الإسرائيلية بمثابة انتهاك للقانون الدولي، وطالب الحكومة الهولندية والاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل في حال أقدمت على تنفيذ مخطط الضم.
-
هاتف رؤساء حكومات فرنسا وألمانيا وبريطانيا رئيس الحكومة الإسرائيلية، وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام فإنهم حذروا نتنياهو من الضم وأكدوا التزامهم حل الدولتين والتفاوض، وفي الوقت نفسه اتصلوا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤكدين له رفضهم الضم بحسب التلفزيون الرسمي الفلسطيني.
-
وتطرقت دراسة أجراها ونشرها المركز الأوروبي للإصلاح (C.E.R) وهو مركز أبحاث مكرّس لتقوية دور الاتحاد الأوروبي في العالم، إلى ردة فعل الاتحاد الأوروبي تجاه مخطط الضم الإسرائيلي، فتوقع فريق البحث أن يتم تنسيق ردة الفعل الأوروبية بين بضعة دول، ولا سيما بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا مع إمكان اتخاذ سلسلة من الإجراءات القانونية على أساس فردي. وشبّهت الدراسة الإجراءات التنسيقية بالشكوى التي قادتها بلجيكا سنة 2017 إضافة إلى ثماني دول أعضاء، وطالبت فيها وزارة الخارجية الإسرائيلية بتعويضات تقدر بـ 30 ألف يورو كخسائر مالية تكبدتها بلجيكا نتيجة تدمير الجيش الإسرائيلي الألواح الشمسية في قرية الخان الأحمر. يُذكر أن إسرائيل دمرت بين سنتي 2001 و2015 العديد من المشاريع التي مولها الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وقطاع غزة بما فيها مقر الإذاعة والتلفزيون، ومكتب الإحصاء الفلسطيني، والميناء، والمطار، ومختبر لمكافحة الإرهاب، ومدارس وغيرها. وعلى الرغم من الاحتجاجات العريضة التي قدمتها مجموعة من الدول الأوروبية، لم تتم معاقبة إسرائيل كما لم تقدم أي تعويضات لإصلاح الأضرار. وتقدر المجموعة الأورومتوسطية إجمالي خسارة الاتحاد الأوروبي بـ 65 مليون يورو، منها 23 مليون يورو خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2014.
-
أفصح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في خطابه في جلسة علنية لمجلس الشيوخ في باريس، بعنوان "الرد الفرنسي على الضم الإسرائيلي"، عن إمكان اتخاد سلسلة من الإجراءات على الصعيد الفرنسي، وهي إعادة النظر في مشاركة إسرائيل في برامج التعاون المتعددة، ولا سيما الجزء الذي يتم إعداده في الإطار المالي المتعدد السنوات 2021-2027، إضافة إلى التشديد بوضع تدابير منهجية للتحكم بالمنتوجات الإسرائيلية القادمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، اعتماداً على حكم ملزم بإشعار صادر عن محكمة العدل للاتحاد الأوروبي هذا العام. وطالب وزير الخارجية تنسيق هذه الإجراءات مع دول أوروبية أُخرى كبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. وكانت المفوضية الأوروبية قد أصدرت تشريعاً في سنة 2011، يلزم إسرائيل بذكر مصدر المنتوجات، وخصوصاً إذا كان منشأها المستعمرات. وأوضحت محكمة العدل أن ذكر مصدر المنتوجات إلزامي وذلك "لتفادي تضليل المستهلكين بشأن كون إسرائيل موجودة في الأراضي الفلسطينية كقوة محتلة لا ككيان سيّد". ووفقاً للموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي (http://europa.eu/) تخضع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل للعديد من الاتفاقيات، بدءاً من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، والتي دخلت حيز التنفيذ في حزيران/يونيو 2000، وتحصل إسرائيل بموجبها على رسوم تفضيلية للمنتوجات المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي، والتي تبلغ نحو 34٪ من مجموع صادراتها.
موقف شعبي وغير حكومي أقوى
"لا أستطيع الوقوف جانباً، هذه المرة سيكون الضم بمثابة أبارتهايد للفلسطينيين، والحكومة الفرنسية في حال انتظار وترقب دائم، هناك خطابات من دون أي أفعال." تقول ميشيل رواروند، البالغة 75 عاماً، والتي تعرّف نفسها كناشطة في الجمعية الفرنسية الفلسطينية للتضامن، وتضيف في مقابلة خاصة على الهاتف الخلوي "أواظب منذ فك قيود الحجر الصحي في فرنسا، على التظاهر كل نهاية أسبوع احتجاجاً على الضم الإسرائيلي في مدينة نانت الفرنسية،" و"في كل مرة تنجح إسرائيل بالتملص من العقوبات لكن صورتها لم تعد مثل الأول، وهناك مزيد من المناصرين لمقاطعة إسرائيل في فرنسا بعد أن أصبح متاحاً بعد إسقاط الدعوة عن (BDS)، أرغب كثيراً، في أن تتدخل الحكومة الفرنسية بممارسة الضغط على المؤسسات والبنوك والشركات الفرنسية التي تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل، وخصوصاً داخل المستوطنات الإسرائيلية."
بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية عزمها ضم الضفة خرج آلاف الفرنسيين في احتجاجات ومسيرات ضد خطة الضم الإسرائيلية جابت معظم المدن الكبرى كباريس، وليون، ومونبيلييه، ومرسيليا وغيرها، كما شارك في الاحتجاجات مجموعات حقوقية ومنظمات أهلية وعدد كبير من المناصرين للقضية الفلسطينية. وحمل المتظاهرون لافتات حملت شعارات مثل "فلسطين ستنتصر" و"لا للضم الإسرائيلي"، و"قاطعوا إسرائيل"، وغيرها من العبارات إضافة إلى رفع أعلام فلسطين بكثافة.
وتعمل مجموعة من المؤسسات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان، ومنظمات التضامن الدولية، والنقابات على مطالبة الحكومة الفرنسية والاتحاد الأوروبي، باتخاذ إجراءات عقابية إضافية لإسرائيل منها مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات منها وغير ذلك. وقد نشرت مجموعة من المؤسسات بياناً في صحيفة الليبراسيون بتاريخ 21 حزيران/ يونيو بعنوان "إسرائيل وفلسطين: العمل على منع ضم مزيد من الأراضي." وجهته إلى الحكومة الفرنسية وطالبتها بالشجاعة السياسية، ووصفت الضم الإسرائيلي بالخطر الكبير الذي لا يحتمل اتباع نهج حذر وانتظار ومتابعة. وجاء في البيان: "في غياب إجماع أوروبي، نتوقع من فرنسا أن تكون لديها الشجاعة السياسية لتتخذ إجراءات على المستويين الوطني والأوروبي. لقد حان الوقت أيضاً للالتزام بعدم المساهمة في تطوير المستوطنات الإسرائيلية، وبالتالي استبعاد منتوجات المستوطنات من السوق الفرنسية، واستبعادها من نطاق المعاهدات الثنائية."
يُلاحظ وجود فرق بين الموقف الرسمي الأوروبي والموقف الشعبي الأوروبي لمصلحة الأخير؛ فالموقف الرسمي يمارس ضغوطاً سياسية ويلمح بالعقوبات من أجل تراجع الحكومة الإسرائيلية عن الضم. فالتراجع عن الضم والعودة إلى المفاوضات هو أقصى ما يرومه الاتحاد الأوروبي، وهذا الموقف من شأنه الحفاظ على ماء الوجه لدول الاتحاد الأساسية. وفي حالة الضم فإن دور السياسة الأوروبية الخاصة بالصراع الفلسطيني -الإسرائيلي سيكون سلبياً، لأن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادراً على معاقبة إسرائيل، أو ستكون العقوبات محدودة ورمزية ولا تقارن بالعقوبات المتخذة ضد روسيا في أعقاب ضمها إلى شبه جزيرة القرم، وستكون المصالح الاقتصادية والأمنية التي أنشأها الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل أهم وأقوى من المواقف الأوروبية المناهضة للضم والأبارتهايد الإسرائيلي. هذا هو المتوقع في شروط عدم امتلاك فلسطين سلاح الضغط على المصالح الأوروبية بفعل التحول المعلن في العلاقة العربية الرسمية/الإسرائيلية. ضمن هذه المعادلة فإن العنصر الذي في مقدوره إحداث فرق، هو ازدياد حجم الضغوط الشعبية الأوروبية على حكوماتها وتماسك الموقف الفلسطيني في مقاومة الضم. لكن، ما هو مؤكد أن صورة إسرائيل تتدهور أكثر فأكثر، فقد أصبحت جزءاً من "الترامبية" المرفوضة، وهو ما يفتح أفقاً لتطوير أساليب الاحتجاج والاعتراض على السياسة الكولونيالية العنصرية الإسرائيلية.