حرب البطيخ: المزارع الفلسطيني بين مطرقة الاحتلال وغياب الحماية
Date:
10 juillet 2020

بالنسبة إلى كثير من الفلسطينيين، تتطابق ألوان البطيخ: الأحمر والأسود والأخضر والأبيض، مع ألوان العلم الفلسطيني، وهو ما يعطي البطيخ معنى رمزياً.

لكن هذا المعنى الرمزي للبطيخ، يمتد إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصاً في ظل نية حكومة الاحتلال تطبيق خطة الضم للأراضي الفلسطينية ولا سيما في الأغوار، موطن زراعة البطيخ الفلسطيني، حيث يمثل تقلص الأراضي المتاحة لزراعة البطيخ معاناة للمزارع الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى التوزيع غير العادل للمياه، ولا سيما أن نبات البطيخ يحتاج إلى الكثير من الماء للنمو.

 

بطيخ تالف في قرية بردلة بسبب غياب التسويق، تصوير فريد طعم الله

 

خلال فترة الثمانينيات كان الفلسطينيون في الضفة الغربية بصورة عامة، وفي الأغوار الشمالية بصورة خاصة، ينتجون نحو 100.000 طن من البطيخ سنوياً، وكان موسم سنة 1983 ذروة الإنتاج الفلسطيني منه. لكن هذا الرقم أخذ ينخفض ​​بثبات منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ولغاية سنة 2014 حين أعاد الفلسطينيون الاعتبار لزراعة البطيخ من جديد، وبدأت كميات إنتاجه بالتصاعد إلى أن وصل هذا العام إلى 13.000 طن. وعلى الرغم من أن إنتاج هذا العام قياسي، فإن الكمية المنتجة منه لا تتجاوز ربع الحاجات المنزلية السنوية لاستهلاك البطيخ بحسب معطيات وزارة الزراعة الفلسطينية.

وبينما تخطط الحكومة الإسرائيلية لضم غور الأردن هذا الصيف، يواجه المزارعون الفلسطينيون في الأغوار صعوبات كبيرة في تسويق منتوجاتهم بصورة عامة والبطيخ بصورة خاصة، بسبب السياسات الإسرائيلية المتعمدة وغياب الحماية من جانب الحكومة الفلسطينية، إذ يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة أراضي المزارعين الفلسطينيين وحرمانهم من المياه التي يتم تخصيصها للمستوطنين اليهود مجاناً.

 

المزارع سليمان صوافطة وسط حقله، تصوير فريد طعم الله

 

المزارع الفلسطيني سليمان صوافطة، زرع هذا العام نحو 60 دونماً من البطيخ في قرية بردلة الواقعة شمالي وادي الأردن، لكنه لم يستطع تسويق معظم المحصول الذي بقي في أرضه. وعن سبب امتناعه عن قطف المحصول، قال: "نضجت ثمار البطيخ في موعدها، لكني لم أجد الصناديق اللازمة لتعبئتها، لأن جميع الصناديق كانت محجوزة للبطيخ الإسرائيلي الذي يغرق السوق المحلية." وقد تكبد صوافطة خسائر كبيرة تمثلت في تلف 150 طناً من البطيخ، ويعود ذلك إلى الانخفاض المفاجئ في السعر بسبب إغراق السوق ببطيخ الاحتلال.

انخفاض أسعار البطيخ

ينضج البطيخ في الأغوار الشمالية في منتصف شهر أيار/مايو، وهو الوقت الذي تبدأ الأسعار بالانخفاض بسبب اجتياح البطيخ الإسرائيلي من الدرجة الثانية والرخيص السوق الفلسطينية، في حين يُباع البطيخ الإسرائيلي عالي الجودة في السوق الإسرائيلية وبسعرٍ عالٍ.

يتحدث سليمان بحزن وهو يقف في مزرعته وسط البطيخ التالف، فيقول: "بقي معظم البطيخ في الحقل، بينما تمكنت من بيع كمية قليلة جداً في السوق، ففي حين كانت تقديراتنا أن يكون سعر الكيلو ثلاثة شواقل، انخفض فجأة إلى أقل من شيقل واحد بسبب غزو البطيخ الاسرائيلي."

من جهته، يؤكد مقبل أبو جيش، مدير دائرة إعادة تأهيل الأراضي في لجان الإغاثة الزراعية، أن هذه سياسة متعمدة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، "فالإسرائيليون يغرقون السوق بالبطيخ لأنهم يريدون تشريد المزارعين، وخصوصاً عندما يرون أن العديد من المزارعين الفلسطينيين قد عادوا لزراعة المناطق الحدودية المستهدفة في وادي الأردن."

ويضيف أنه تم إحياء زراعة البطيخ في شمالي وادي الأردن قبل 7 سنوات، وهي تُزرع الآن على طول الحدود الأمر الذي يساهم في الحفاظ على هذه الأراضي من المصادرة والضم، وهذا هو سبب إعلان الحرب على البطيخ الفلسطيني.

السياسات الإسرائيلية لتهجير المزارعين

وعلى الرغم من أن نهر الأردن يوفر لإسرائيل ما يقدر بـ 450 مليون متر مكعب سنوياً، فإن الفلسطينيين في الأغوار محرومون من الوصول إلى مياهه.

ويقول المزارع سليمان إن السلطات الإسرائيلية "أبرمت اتفاقية مع أسلافنا من المزارعين، تنص على عدم استخراج المياه من الآبار الارتوازية في القرية في مقابل قيام السلطات الإسرائيلية بمنحهم المياه بسعر مخفض جداً." ويضيف: "بعد أن نفذ الفلاحون الاتفاقية وتوقفوا عن استخدام آبار المياه الخاصة بهم، بدأت سلطات الاحتلال بالتدريج تقليل كمية المياه الممنوحة لهم وتعريض زراعتهم للخطر".

وبحسب أبو جيش، فالهدف من هذه الاتفاقيات الموقعة سنة 1976 مع سكان التجمعات الفلسطينية في الأغوار، جعل المزارعين يعتمدون على شركة المياه الإسرائيلية ليصبحوا تحت رحمة الاحتلال، وهو على ثقة تامة بأن اليوم سيأتي عندما تتوقف إسرائيل عن تزويد المزارعين بالمياه لإرغامهم على المغادرة.

ويضيف أبو جيش أن أداة أُخرى تستخدمها السلطات الإسرائيلية لإبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم الغورية، تتمثل في إعلان الأراضي مناطق عسكرية ومنع المزارعين الفلسطينيين من زراعتها. ومن الأمثلة لذلك منطقة "الساكوت" التي ظلت على هذه الحال على مدى 38 عاماً، وقبل ست سنوات نجح أصحاب الأراضي الفلسطينية -بعد سنوات عديدة من المحاولة- في الحصول على قرار من المحكمة بإلغاء الحظر. ومع ذلك، سمحت السلطات الإسرائيلية بزراعة المحاصيل البعلية فقط، وحظرت المحاصيل المروية، وهو ما جعل الزراعة شبه مستحيلة في منطقة شديدة الحرارة والجفاف.

غياب الحماية للمزارعين الفلسطينيين

يشعر المزارعون الفلسطينيون بأنهم متروكون وحدهم في مواجهة سياسات الاحتلال الشرسة، بينما يحظى المزارعون الإسرائيليون بحماية سلطات الاحتلال ودعمها، الأمر الذي يجعل المنافسة غير عادلة وغير متكافئة بين المزارع الفلسطيني والإسرائيلي. فالسلطات الإسرائيلية تخصص الأراضي الزراعية مجاناً للمزارعين اليهود في المستعمرات، وتزودهم بالمياه المجانية والأسمدة والمبيدات الحشرية، وفي الوقت نفسه، تعوضهم عن أي خسارة أو ضرر قد يصيب محصولهم.

ويؤكد محمد الفايز، مزارع بطيخ فلسطيني من قرية عين البيضا في الأغوار الشمالية، أن "البطيخ الفلسطيني أفضل بكثير من البطيخ الإسرائيلي من حيث الجودة، لكن لا توجد حماية على الإطلاق من الإغراق المتعمد للسوق الفلسطينية بالبطيخ الإسرائيلي." ويضيف أن "المزارعين الإسرائيليين في المستعمرات المجاورة يتلقون الدعم والحماية بشكل كبير من سلطات الاحتلال، وهذا يمكّنهم من بيع المنتج بسعر منخفض في السوق الفلسطينية وهو ما يجعلنا كمزارعين فلسطينيين غير قادرين على المنافسة."

من ناحيته، يعتقد أبو جيش أنه "إذا أردنا منع ضم غور الأردن، فيجب أن نعزز صمود المزارعين الفلسطينيين، وبالتالي يجب منع البطيخ الإسرائيلي من دخول السوق الفلسطينية، على الأقل خلال فترة الموسم من 15 أيار/مايو إلى منتصف شهر حزيران/يونيو، لتمكين المزارعين الفلسطينيين من تسويق منتوجاتهم."

 حرب البطيخ

تعترف وزارة الزراعة ممثلة بالوكيل المساعد للقطاع الاقتصادي طارق أبو لبن بأنه "وعلى الرغم من قرارات الحكومات الفلسطينية المتتالية بمنع استيراد البطيخ من المستعمرات، فإن هذا لا يزال قائماً لأن بعض التجار والموردين لديهم علاقات تجارية مع الإسرائيليين، ويقومون بتهريبه إلى السوق المحلية." لكنه يؤكد أن "الوزارة لم تصدر أي تصريح باستيراد البطيخ إلى السوق الفلسطينية،" ويرى أن فشل الوزارة في ضبط السوق يرجع إلى غياب السيطرة الفلسطينية على مداخل المدن والمناطق "ج" بسبب وقف التنسيق الأمني وحالة الطوارئ، إضافة إلى نقص الكوادر البشرية بسبب أزمة فيروس كورونا. ووصف أبو لبن الحملة الإسرائيلية بأنها "حرب البطيخ"، مشيراً إلى أن الخطة الإسرائيلية لضم وادي الأردن قد بدأت بالفعل على الأرض وأن الفلاح الفلسطيني سيكون الضحية الأولى.

وبسبب خسارته الكبيرة، فإن المزارع سليمان صوافطة - مثل كثيرين غيره- لن يعود لزراعة البطيخ مرة أُخرى، وهو ما يعني أنه إمّا أن يتحول إلى عامل في إحدى المستعمرات الزراعية الإسرائيلية المجاورة، أو يهجر الريف وينتقل إلى العمل والعيش في إحدى المدن. وفي الحالتين، فهو سيترك أرضه لتصبح فريسة سهلة أمام احتمال ضمها إلى إحدى المستعمرات المجاورة، وهو بيت القصيد للسياسات الإسرائيلية على مدار سنوات الاحتلال. لكن هذه ليست نهاية القصة!!

 مبادرات شعبية لتشكيل حاضنة شعبية للمزارعين

يرغب العديد من المستهلكين الفلسطينيين وبشدة في شراء البطيخ الفلسطيني، لكنهم لا يستطيعون العثور عليه في الأسواق. إلهام هشام، ربة بيت فلسطينية تعيش في رام الله ، تقول: "أبحث باستمرار عن البطيخ الفلسطيني في السوق، لكن للأسف معظم البطيخ المتوفر في السوق هو إسرائيلي، ولا أريد أن أشتريه."

ومن أجل التغلب على هذه المعضلة، نظم متطوعون محليون حملات شعبية لتسويق بطيخ الأغوار في المدن الفلسطينية بهدف دعم صمود المزارعين في الأغوار من جهة، وإتاحة المجال للمواطنين لشراء البطيخ الفلسطيني من جهة أُخرى.

 

متطوعو شراكة وحكي القرايا في حملة تسويق البطيخ في رام الله، تصوير فريد طعم الله

 

ويوضح مراد سرطاوي، أحد المتطوعين في حملة "حكي القرايا" ومجموعة "شراكة" التطوعية، إنهم نجحوا في تسويق نحو 30 طناً من البطيخ الفلسطيني للمواطنين، وهو ما ساهم في لفت الانتباه إلى معاناة المزارعين الفلسطينيين في الأغوار، وتشجيع جهات تطوعية أُخرى على القيام بهذا العمل، والنتيجة دعم مزارعين فلسطينيين وتشجيعهم على البقاء في أراضيهم وفلاحتها لجعل الزراعة ذات جدوى اقتصادية لهم.

وتُعتبر مثل هذه المبادرات الشعبية ذات أهمية رمزية ومعنوية عالية، لكنها طبعاً ليست كافية لتكون بديلاً من الجهد الرسمي الذي يجب أن تقوم به الجهات المختصة لحماية المزارع، وتشجيعه للبقاء في أرضه بصفته خط الدفاع الأول في مواجهة مخططات الضم.

وفي هذا الإطار، يعتبر المزارع محمد الفايز، أحد المزارعين المستفيدين من حملة التسويق، أن الحملة نجحت في تحسين سعر البطيخ الفلسطيني، وكذلك في لفت الانتباه إلى معاناتهم كمزارعين، وهذا أعطاه بارقة أمل تجعله يتحمس لزراعة أرضه بالبطيخ مرة أُخرى في السنة المقبلة.