مخططات ضم أراضٍ فلسطينية محتلة في ميزان القانون الدولي
Date:
15 juin 2020

تقديم

شكلت الشرعية الدولية في ضوء النظام الدولي المعاصر، منجزاً أممياً – على الرغم من الإشكالات التي تعتريه- وجعلت من القانون الدولي ومقرراته حكماً وإطاراً ناظماً للعلاقات الدولية، قائماً على مرتكزات قيمية ترمي إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين.

وتستمد الشرعية الدولية صفتها الإلزامية والقانونية والأخلاقية من منظمة الأمم المتحدة وما يصدر عن أجسامها وهيئاتها من قرارات دولية، ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن  باعتبارهما المظلة التي تجمع أغلبية دول العالم. وهي بذلك تضطلع بوظيفة استكمال بناء أحكام القانون الدولي، المكون من ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية التعاقدية وغير التعاقدية والقرارات الدولية، ونقل قواعده من حيز السكون إلى حيز الحركة. وفي هذا السياق احتلت القضية الفلسطينية حيزاً مهماً على أجندة الأمم المتحدة والتي أصدرت بشأنها جملة من القرارات المستمدة من أحكام القانون الدولي وقواعده الآمرة، التي لا يجوز لأي من أعضاء الأسرة الدولية مخالفتها، وإلاّ فإنها تخرج عن الإجماع الدولي، وسوف تجد نفسها موضع مساءلة ومحاسبة في حال توافرت الإرادة الدولية لذلك.

أضحت القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والمتعلقة بقضية احتلال الأراضي الفلسطينية، بمثابة المرجعية القانونية والتخوم التي يُحرم تجاوزها، ومن أبرزها القرار (242) الذي أقره مجلس الأمن بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1967م، وأُمرت من خلاله قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها سنة 1967م. وهي بذلك أرست حدوداً جغرافية، تمثل الحد المقبول من الأراضي الفلسطينية التي تُعد أساس الدولة الفلسطينية المنشودة. وعلى الرغم من عدم انصياع سلطات الاحتلال للقرار المذكور، فإنها، وعلى نحو يخالف الشرعية الدولية ومقرراتها، تسعى لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية -وهي من بين الأراضي التي احتلتها سنة 1967م- في مشهد يؤكد استمرار تموضع دولة الاحتلال في المربع الذي يخالف القانون الدولي وأحكامه، ويعيد إلى الأذهان جميع المحطات والسياسات التي تبين مدى إصرار دولة الاحتلال على لي ذراع الشرعية الدولية في مقابل إشباع أطماعها التي تتنافى مع أبسط مبادئ القانون الدولي، إذ لم تعرف المجموعة البشرية قاطبة عملية تهجير قسري لسكان الأقاليم المحتلة بحجم تلك التي حدثت للشعب الفلسطيني، وما نتج منها من تغيير ديموغرافي.

إن التحول غير المسبوق الذي تسعى دولة الاحتلال لإنفاذه من خلال عملية الضم، يضع المجتمع الدولي لا محالة أمام اختبار أخير، يتعلق بمدى قدرته على حماية المنجزات الأممية والقيم الإنسانية والمبادئ العامة للقانون الدولي التي عبَّدتها الأسرة البشرية بعد مخاض عسير وحروب حصدت أرواح عشرات الملايين من البشر، ويختبر مدى أهليته في صون ميثاقه الصادر في سنة 1945م، والذي كفل حق الشعوب في تقرير مصيرها، وجرَّم مسألة ضم أراضي الغير بالقوة.

تأتي جريمة الضم التي تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها، وسط انشغال العالم بالتصدي لمخاطر جائحة كورونا، وفي مسار عززت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة من المكانة السياسية والقانونية لدولة فلسطين بعد أن منحتها صفة دولة مراقب في سنة 2012م، وأصبحت العضو رقم  194، وأصبح لديها الصفة القانونية للتوقيع على الاتفاقيات الدولية. لكن وفي مسار مضاد، هيأت فيه الولايات المتحدة الأميركية البيئة السياسية لعملية الضم من خلال دعمها المباشر لدولة الاحتلال على المستويات كافة، والتي كان آخرها خطة ترامب للسلام (صفقة القرن) التي تخالف أحكام القانون الدولي والقرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة في هذا الشأن.

تأتي هذه الورقة في إطار جهود مركز الميزان لحقوق الإنسان، الرامية إلى تعزيز أحكام القانون الدولي وحمايتها، وهي بمثابة دعوة إلى جميع الأطراف والأجسام الدولية المتخصصة للقيام بدورها بشكل عاجل لوقف مخططات الضم، والحد من الانتهاكات الإسرائيلية التي قوضت أحكام القانون الدولي في هذا المكان من العالم، والذي أضحى أكبر شاهد على غياب العدالة الدولية، واستمرار معاناة الضحايا فيه.

  • الطابع التدريجي لجريمة الضم والصراع الانتخابي

اتسمت إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية بالطابع التدريجي. وتُعتبر فكرة الضم قديمة جديدة، فقد تجسدت في بناء المستعمرات الإسرائيلية على مدار السنوات السابقة، فمنذ سنة 1967 وحتى نهاية سنة 2017 أُقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستعمرة على النحو التالي: (131) مستعمرة اعترفت بها وزارة الداخلية الإسرائيلية كبلدات، ونحو (110) مستعمرة أُقيمت دون مصادقة رسمية (بؤر استيطانية)، لكن بدعم ومساعدة وزارات حكومية، وفي الخليل أُقيم عدد من الجيوب الاستيطانية داخل المدينة، وفي القدس الشرقية أُقيم (11 حياً) على أراضٍ في الضفة الغربية ضمّتها دولة الاحتلال إلى منطقة نفوذ القدس، بالإضافة إلى عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. وهناك (16) مستعمرة أُخرى أُقيمت في قطاع غزة، وأربع مستعمرات في شمال الضفة الغربية تمّ تفكيكها سنة 2005، ضمن تطبيق (خطة الانفصال أحادي الجانب)[1].

هذا وقد أقر الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 6/2/2017م، مشروع قانون يشرعن آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية بأثر رجعي، والتي تطبق دولة الاحتلال من خلاله للمرة الأولى قانونها المدني لا على الأفراد فحسب، بل أيضاً على أراضٍ محتلة يقر المجتمع الدولي بأنها فلسطينية. وهي أراضٍ محتلة كانت تتم إدارتها في السابق بموجب القانون العسكري الإسرائيلي والأوامر العسكرية الصادرة عن الحاكم العسكري وإدارته.

كما أقر الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 12/2/2018م، قانون فرض السيادة على المؤسسات التعليمية داخل المستعمرات المقامة على أراضي الضفة الغربية، وكان مشروع القانون قدم من جانب وزير التربية والتعليم الإسرائيلي في حينه، ويأتي القانون المذكور في سياق الإجراءات التدريجية لضم أراضٍ من الضفة الغربية.

كما أن عملية الضم دفعت بالتنافس السياسي على السلطة، إذ أظهرت الانتخابات الأخيرة[2] في دولة الاحتلال الإسرائيلي كيف وظفت الأحزاب السياسية، وخصوصاً حزب أزرق أبيض وحزب الليكود من خلال وعودهما للجمهور بضم الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال، من أجل كسب ود الناخبين، الأمر الذي هيأ المجتمع في دولة الاحتلال لهذا الإجراء، وأنشأ دافعاً إضافياً لدى المستوى السياسي من أجل إتمام عملية الضم.

كما اتفق الحزبان سالفا الذكر بقيادة بنيامين نتنياهو وغانتس بتاريخ 20/4/2020م على جملة من الأمور أهمها ضم الضفة الغربية في مطلع تموز/يوليو 2020م بعد تشكيل حكومة الوحدة، والبدء في إعداد الخرائط من قبل فريق إسرائيلي/أميركي مشترك، الأمر الذي يعكس مدى تصميم الساسة في دولة الاحتلال على إتمام الجريمة. ومن جانب آخر يبين مدى دعم الإدارة الأميركية لفكرة الضم.

وتقدم عضو الكنيست عن حزب الليكود ماي غولان، بتاريخ 4/5/2020م، بمشروع قانون جديد لتطبيق سيادة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مناطق غور الأردن وشمالي البحر الميت والمستعمرات في الضقة الغربية، وجاء في مداخلته: "إن هذه المنطقة بالأساس ذات ذخر سياسي وأمني واقتصادي، وهي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ومن الضروري تصحيح الوضع الحالي، ولا يساورني شك في أن هناك إجماعاً واسعاً لدى الجميع في الكنيست بدعم الاقتراح وتأييده وتمريره، والعمل على تنفيذه[3]".

يأتي ذلك وسط استمرار تجاهل دولة الاحتلال للمناشدات الدولية الداعية إلى وقف مساعي الضم، إذ جاء في بيان أصدرته لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بتاريخ 6/5/2020م، "حتى خلال حالة الطوارئ الصحية غير المسبوقة، واصلت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ترسيخ الاحتلال غير القانوني وأعلنت بصورة جلية نيتها ضم مناطق واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة، بينما تواصل حصار قطاع غزة"، وأكدت في هذا السياق مسؤولية المجتمع الدولي في وقف الإجراءات الإسرائيلية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني[4].

كما أصدر مقرر الأمم المتحدة الخاص بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مايكل لينك بياناً بتاريخ 1/5/2020م، جاء فيه: "إن قرار إسرائيل التحرك بشكل أحادي الجانب نحو الضم المخطط له في الأول من تموز/يوليو، يقوّض حقوق الإنسان في المنطقة، وسيكون ضربة قاسية للنظام الدولي القائم على القواعد، ويقوّض أي احتمال متبقٍ لتسوية عادلة متفاوض عليها."[5]

  • أبعاد مخططات الضم وتداعياتها

تبلغ مساحة الضفة الغربية (5860 كم2)[6] من مساحة فلسطين التاريخية، وتقع غربي نهر الأردن، وتسعى مخططات الضم لفرض سيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي على منطقة الأغوار التي تقع شرق الضفة الغربية وعلى طول نهر الأردن، وفرض السيادة على المستعمرات الإسرائيلية المحيطة بمدينة القدس والتي تُعرف بالمنطقة (E1)، ومن أبرزها (كفار أدوميم)، (مشور أدوميم)، (معاليه أدوميم). هذا بالإضافة إلى فرض السيادة على المنطقة G))، والتي تقع غرب الضفة الغربية، وتحتفظ دولة الاحتلال بالسيطرة الأمنية عليها بحسب اتفاق أوسلو الموقع بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1993م، ويتبقى للسلطة الفلسطينية المنطقة ( (Aالتي تفرض عليها سيطرة أمنية ومدنية كاملة، إضافة إلى المنطقة ((B التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية المشتركة.

يتضح من خلال ما سبق أن المخططات الإسرائيلية تتجه نحو فرض السيادة على مناطق معينة دون غيرها، وبالرجوع إلى تلك المناطق فإنها تُعد أكثر حيوية واستراتيجية، فالسيطرة على منطقة الأغوار سوف تعود بالنفع الاقتصادي على دولة الاحتلال، وتحديداً فيما يتعلق بالمياه، هذا على الرغم من أنها، وعلى مدار السنوات السابقة، تسيطر على مصادر المياه وتنتفع من نهر الأردن، إلى جانب الموارد الاقتصادية كالزراعة وغيرها.

كما أن السيطرة على منطقة الأغوار تؤدي إلى حرمان السكان من مواردهم الطبيعية، وإلى انحسار الجغرافيا الفلسطينية وتقليصها، وهدم المساعي الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مع المملكة الأردنية، وضرب أية حلول مستقبلية تستند إلى أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، إذ تحول مثلاً دون إمكان جلاء دولة الاحتلال عن الأراضي التي احتلتها سنة 1967م، وتُعتبر عرقلة إضافية تحول دون تنفيذ القرار (242) الصادر عن مجلس الأمن.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن فرض السيادة على المستعمرات الإسرائيلية المحيطة بمدينة القدس، من شأنه أن يؤدي إلى تقويض جميع القرارات والرؤى الدولية المتعلقة بالقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين المنشودة. أمّا عن فرض السيادة على المنطقة G))، فإنها سوف تؤدي إلى نسف ما تبقى من اتفاق أوسلو.

وفي ضوء ما سبق، وارتباطاً بالأوضاع الراهنة المتعلقة بانشغال العالم في التصدي لجائحة كورونا، وفي ظل خطة (صفقة القرن) التي أعلنها الرئيس الأميركي ورفضها المستوى الرسمي الفلسطيني، والتي لم تتم مواجهتها كما يجب من المجتمع الدولي، يبدو أن البيئة السياسية أضحت مواتية أكثر من أي وقت مضى لتنفيذ مخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ومن نافل القول أن تداعيات مخططات الضم، قد تفضي إلى تقويض دور السلطة الفلسطينية التي نشأت بموجب اتفاق أوسلو، وإلى إعادة إنتاج الصراع من جديد، في ضوء إعلان الرئيس الفلسطيني بتاريخ 19/5/2020م، تحلل السلطة من جميع الاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية. ولا شك في أن عملية الضم تشكل متغيراً جديداً ودراماتيكياً على الحالة السياسية في المنطقة.

ويبدو أن ضعف المجتمع الدولي وافتقاره إلى الإرادة اللازمة لإنفاذ القرارات الدولية المتعلقة بإلزام دولة الاحتلال باحترام أحكام القانون الدولي، شجع الدولة المحتلة على المضي قدماً في في انتهاكاتها ومحاولة فرض وقائع جديدة على الأرض، الأمر الذي يستدعي وقفة جدية من جانب الأسرة الدولية أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

  • موقف القانون الدولي (المعالجة القانونية)

تعرض المشرّع الدولي في معرض تنظيمه للعلاقات الدولية وحقوق الدول وواجباتها، إلى مسألة احتلال أقاليم الغير، وأفرد قواعد خاصة بالأقاليم المحتلة، تحمل في جوهرها حقوقاً ثابتة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، لا يجوز الانتقاص منها أو الحرمان من الانتفاع بها، ويقصد من وراء ذلك حماية مكتسبات الأمم وإضفاء طابع الاستقرار على الدول وأركانها المتمثلة في وجود إقليم وشعب وسيادة.

وبالرجوع إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يُعد أحد مكونات القانون الدولي، فإنه وفي الفصل الأول (مادة 1) منه، ورد أن من مقاصد الأمم المتحدة إلى جانب حفظ الأمن والسلم الدوليين، العمل على إنماء العلاقات الدولية بين الأمم على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. كما خاطبت المادة (2/4) من الفصل ذاته أعضاء الأمم المتحدة، بوجوب الامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.

ولمّا اشترط ميثاق الأمم المتحدة في فصله الثاني (مادة 4) بشأن قبول العضوية، وجوب الالتزام بما يتضمنه الميثاق من مبادئ وأحكام، وجاء في ديباجته وجوب احترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وفي ضوء اعتراف الأمم المتحدة بعضوية دولة الاحتلال سنة 1949م، بعد صدور قرار التقسم (181) سنة 1947م، في مقابل تعهدها باحترام الالتزامات الواردة في الميثاق والتي من بينها المراعاة التامة لأحكام القانون الدولي، فإنه يجب على دولة الاحتلال ضمان احترام أحكام القانون الدولي كافة، ولا سيما التنظيم المتعلق بمسألة احتلال أو الاستيلاء على أراضي الغير.

كما كفلت اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م، والتي تُعد المرجع القانوني الرامي إلى حماية سكان الأراضي المحتلة ومواردها، والحد من ويلات الحروب من خلال ما تفرضه من قيود توجب على الأطراف المتحاربة أو القوة القائمة بالاحتلال احترامها؛ حماية السكان وممتلكاتهم ومواردهم الطبيعية في الأقاليم المحتلة على اعتبار أنها حق ثابت لسكانها، وأفردت مادة خاصة تحمل صوراً متعددة وضمنية لأنماط الاستيلاء على/ أو ضم أراضي الغير من خلال حظر إبعاد السكان الأصليين أو نقل سكان دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة، إذ نصت المادة (49) على عدم جواز النقل الجبري الفردي أو الجماعي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة، إضافة إلى عدم جواز قيام دولة الاحتلال بترحيل أو نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها.

أمّا المشرع الدولي الجنائي فإنه اتجه إلى التشديد في تجريم مسألة ضم أراضي الغير، واعتبرها من بين جرائم الحرب، بموجب الفقرة (8) من البند الثامن من المادة الثامنة من ميثاق روما لسنة 1998م المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، فقد صنَّف قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها، على أنه من بين جرائم الحرب.

 كما تؤكد الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على حق الشعوب في تقرير مصيرها، بل ويُعد أهم الحقوق الواجب احترامها، فلا يمكن تخيل قدرة أي دولة على احترام التزاماتها بحقوق الإنسان دون قدرتها على تقرير مصيرها وتحكمها بمواردها، وعليه فإن قيام دولة الاحتلال بضم الأراضي المحتلة أو أجزاء منها من شأنه أن  يحول دون تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره على أرضه وبناء دولته المستقلة، فقد جاء في المادة (1) من العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966م، أن: " لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي."

وتجد مسألة تجريم ضم أراضي الغير موضعها أيضاً في الأحكام الصادرة عن القضاء الدولي، وهو ما يعكس مستوى الإرادة الدولية تجاه رفض ضم الأقاليم المحتلة، فقد أصدرت محكمة العدل الدولية بتاريخ 9/7/2004م، رأياً استشارياً بشأن جدار الفصل العنصري، استجابة  لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/12/2003م، وأكدت في حيثيات رأيها على مبدأين في غاية الأهمية وهما: مبدأ عدم الضم ومبدأ رفاه وتطور ونماء الشعوب، وتوصلت المحكمة في رأيها المذكور إلى عدم قانونية جدار الفصل العنصري، وعلى انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب جملة من المسائل الأُخرى المتعلقة بالاتفاقات الدولية الخاصة بالإنسان، وجاء في الفقرة (73) من حيثيات الرأي المشار إليه آنفاً، أن مجلس الأمن تبنى بتاريخ 22/11/1967م، القرار رقم (242)، وهو القرار الذي أكد فيه عدم قبول ضم الأراضي نتيجة الحرب ودعا إلى (انسحاب القوات العسكرية الإسرائيلية) من المناطق التي احتُلت في هذا النزاع الأخير وإنهاء جميع حالات الحرب، وفي الفقرة (74)  أوضحت، أن "سلسلة الإجراءات التي اتخذتها دولة الاحتلال منذ سنة 1967م  والتي تهدف إلى تغيير وضع مدينة القدس، معتبرة أن جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي تتخذها، أو تقوم بها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس، بما فيها مصادرة الأراضي والممتلكات والعقارات وترحيل السكان وإصدار تشريعات ترمي إلى نزع الملكية وضم القسم المحتل من الأراضي، هي تصرفات باطلة بالكلية ولا يمكن أن تغير هذا الوضع"، فإنه وبالقياس تصبح أي إجراءات تتخذها سلطات الاحتلال لضم أجزاء من أراضي الضفة المحتلة باطلة وتنتهك القانون الدولي، ولا يمكن لها أن ترتب أثاراً قانونية يُعتد بها، وعلى كل دولة في العالم تدعي احترام القانون الدولي أن تسعى لمنع الضم وألاّ تعترف بأية آثار تترتب عليه.

 وفي السياق ذاته رفضت محكمة نورمبيرغ التي تشكلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، قيام ألمانيا بضم النمسا والأجزاء الشرقية من بولندا وبعض الأجزاء من لوكسمبورغ، وهي بذلك وضعت مبدءاً قانونياً مفاده تحريم ضم أراض الغير، ولقد أضحى جزءاً من مبادئ القانون الدولي، وبالتالي يمكن إسقاطه على الحالة الفلسطينية ومساعي دولة الاحتلال الرامية إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية على اعتبار أنها أراضي الغير.

كما أولت الجمعية العامة للأمم المتحدة اهتماماً بمسألة ضم أراض الغير، وانسجمت في قراراتها مع توجهات المشرع الدولي، إذ أصدرت جملة من القرارات التي تدعو إلى عدم القيام بأية إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى ضم أراضي الغير، وارتباطاً بالحالة الفلسطينية جاء القرار (194) المتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، والقرار (242) المتصل بوجوب انسحاب دولة الاحتلال من الأراضي التي احتلتها سنة 1967م، والقرار (2851) المتعلق بعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، وقرار مجلس الأمن (446) الذي ندد بقيام دولة الاحتلال ببناء المستوطنات، والقراران (452) و(465) المتعلقان بالمستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة، والقرار (2334) الذي كرر دعوة دولة الاحتلال إلى وقف بناء المستوطنات بما فيها مستوطنات القدس الشرقية، وغيرها من القرارات التي كفلت حقوق الشعب الفلسطيني.

وفي ضوء ما تقدم فإن مخططات ضم أراض فلسطينية محتلة تخالف الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي، وهي جريمة مكتملة الأركان، وتضع المجتمع الدولي والنظام الدولي والقانون والعرف الدوليين أمام تحدٍ حقيقي يهدد بتقويض المنظومة الدولية برمتها، الأمر الذي يستدعي الوقوف الجدي أمامها من الأجسام الدولية المتخصصة، والقيام بالإجراءات اللازمة لثني دولة الاحتلال عن مواصلة مساعيها تلك، إضافة إلى وجوب تحرك دولة فلسطين بصفتها دولة مراقب في الأمم المتحدة، واستخدام جميع الآليات الدولية والإقليمية لإجبار دولة الاحتلال على وقف تلك المخططات واحترام القانون الدولي والقرارات الدولية ذات العلاقة، لما تنطوي عليه من تهديد خطير للأمن والسلم الدوليين.

 

الصورة: مقطع من قرية الجفتلك، تصوير أحمد حنيطي.

 

[1] انظر: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسيلم": https://www.btselem.org/arabic/settlements

[2] جرت الانتخابات يوم الاثنين الموافق 2/3/2020، وهي الثالثة في غضون عام، بعد الانتخابات التي جرت في أبريل/نيسان 2019 وسبتمبر/أيلول الماضي. وتكررت الانتخابات، في مسعى لإيجاد مرشح قادر على تشكيل حكومة تحظى بتأييد 61 عضواً على الأقل.

[3] انظر التصريح من خلال الرابط الآتي: https://qudsnet.com/post/486031/

[4] انطر البيان من خلال الرابط الآتي: https://news.un.org/ar/story/2020/05/1054462

[5] انظر البيان من خلال الرابط الآتي: https://news.un.org/ar/story/2020/05/1054122

[6] انظر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: http://www.pcbs.gov.ps/Portals/_pcbs/PressRelease/nakba_61.pdf