في أثناء الحملة الانتخابية الإسرائيلية في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وقبل إعلان «صفقة القرن» من جانب الإدارة الأميركية في كانون الثاني /يناير الماضي، صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن عزمه ضم منطقة الأغوار في حال نجاحه في الانتخابات الإسرائيلية التي كانت ستقام لاحقاً. في ذلك الوقت ورداً على نتنياهو، انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال استقبالها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إعلان نتنياهو عزمه ضم منطقة غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، مؤكدة أن من شأن ذلك الإضرار بالجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق سلام. وأكدت ميركل أن «حكومة ألمانيا تدعم حلاً سلمياً عبر مفاوضات دولية في إطار حل الدولتين، ولطالما قوَّضت عمليات ضم الأراضي الحلول السلمية، وهي غير مفيدة، وبالتالي نحن لا نوافق عليها»[1]، على حد قولها. وهذا الموقف الألماني شكل نواة الموقف الأوروبي تالياً عند إعلان «صفقة القرن» من الإدارة الأميركية، وقبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
وعندما أعلنت الإدارة الأميركية خطتها للسلام، وتبين أن انحيازها إلى إسرائيل فاق أكثر التوقعات تشاؤماً، لم يوافق الاتحاد الأوروبي على «خطة السلام!» الأميركية المنحازة بفجاجة إلى الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من طلب الإدارة الأميركية من الاتحاد دعمها. ولم يقدم بديلاً لها في الوقت ذاته. وتعليقاً على الصفقة الأميركية، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل «إن الصفقة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط لا تتماشى مع المعايير المتفق عليها دولياً» مشيراً إلى أنه «يجب البتّ في قضايا الوضع النهائي من خلال مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.» وأضاف بوريل «أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة منذ 1967» مؤكداً التزام الاتحاد الأوروبي بحل الدولتين، إلى جانب مقايضة أراضٍ متساوية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للبقاء بجانب إسرائيل.[2]
بعد توقيع بنيامين نتنياهو ورئيس تحالف «أزرق- أبيض»، بيني غانتس، اتفاقاً لتشكيل حكومة وحدة، يتناوب كل منهما على رئاستها، كما أجاز البدء في طرح مشروع قانون لضم غور الأردن والمستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة مطلع يوليو/ تموز المقبل، حذّر الاتحاد الأوروبي، إسرائيل من مساعيها لضم أراض من الضفة الغربية، واصفاً الأمر بأنه انتهاك للقوانين الدولية. جاء ذلك في بيان نشره جوزيب بوريل، وشدّد فيه على أن موقف الاتحاد الأوروبي من سياسية الاستيطان التي تتبعها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها سنة 1967، «واضح ولم يتغير». كما شدّد على أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأوضح أن جهود إسرائيل لضم مزيد من الأراضي يُعتبر انتهاكاً للقانون الدولي. وأكد بوريل، أن الاتحاد الأوروبي سيواصل متابعة الوضع عن كثب، واتخاذ الخطوات اللازمة بهذا الشأن[3]. كما أكدت بريطانيا الخارجة حديثاً من الاتحاد الأوروبي رفضها ضم أراضٍ فلسطينية إلى إسرائيل. جاء ذلك على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية جيمس كليفرلي أمام مجلس العموم، الذي قال إن بلاده لن تؤيد ضم إسرائيل أجزاء من الضفة، لأن ذلك سيجعل تحقيق حل الدولتين مع الفلسطينيين أكثر صعوبة. وكان 130 عضواً في مجلس العموم البريطاني من أصل 650 عضواً قد تقدموا بعريضة إلى بوريس جونسون رئيس الحكومة يطالبونه فيها بفرض عقوبات على إسرائيل إذا ما أقدمت فعلياً على ضم أراضٍ فلسطينية[4].
من الواضح أن الإجراءات الأوروبية لن تقف عند حدود بيانات التنديد كما هي العادة، ولا سيما أن معارضة سياسة الاحتلال الإسرائيلي وسط نخب فنية وثقافية وأكاديمية ونقابية داخل الدول الأوروبية لها وزن مهم في دعم (B.D.S )، وفي مطالبة حكوماتها بفرض عقوبات على إسرائيل. وتعتقد دول في الاتحاد الأوروبي أنه يجب القيام بإجراءات عقابية في حال إقدام إسرائيل على الضم. والبعض يعمل على توجيه تهديد لإسرائيل برد صارم. وعلى هذا الصعيد كشفت مصادر دبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، أن فرنسا تحث شركاءها في الاتحاد على بحث تهديد إسرائيل، وفرض رد صارم إذا مضت قدماً في ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. ونقلت وكالة رويترز، عن ثلاثة دبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، أن بلجيكا وإيرلندا ولوكسمبورغ تريد أيضاً مناقشة إمكان اتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية وذلك على الرغم من أن القرار يؤخذ بالاجماع. ولم يذكر دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي تفصيلات بشأن الإجراءات العقابية التي قد تفكر فيها الدول الأعضاء في الاتحاد لإثناء إسرائيل عن اتخاذ تلك الخطوة. وفيما يتعلق بالإجراءات، ستحتاج حكومات الاتحاد الأوروبي إلى مطالبة المفوضية وخدمة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي بوضع قائمة بالخيارات. وسيتعين على جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 الموافقة على أي رد من الاتحاد. ورفض متحدث باسم الاتحاد الأوروبي التعليق على المناقشات الداخلية لكنه قال «الضم يتعارض مع القانون الدولي وإذا مضت إسرائيل قدماً في الضم، فإن الاتحاد الأوروبي سيتصرف بالتبعية».
وفي إطار الاحتجاجات على برنامج الحكومة الإسرائيلية الجديدة بشأن الضم، شاركت بريطانيا سفراء ألمانيا وفرنسا وإيرلندا وإيطاليا وإسبانيا والسويد وبلجيكا، بالإضافة إلى سفير الاتحاد الأوروبي في تقديم احتجاج رسمي إلى الخارجية الإسرائيلية على تعهد حكومة نتنياهو/ بيني غانتس، ضمّ مناطق في الضفة الغربية. وجاء الاحتجاج الرسمي خلال اجتماع على الإنترنت ضمّ السفراء ونائبة مدير قسم أوروبا في وزارة الخارجية الإسرائيلية، آنّا أزاري. وأوضح الدبلوماسيون الأوروبيون أن الهدف من الاحتجاج هو قلقهم «الشديد من بند في الاتفاق الحكومي يمهّد لضم أجزاء من الضفة الغربية»، وأضافوا أن «ضم أي جزء من الضفة الغربية يشكّل خرقاً واضحاً للقانون الدولي»، وأن «خطوات أحادية الجانب كهذه ستضر بجهود تجديد مسار السلام، وسيكون لها تأثير بالغ الخطورة على الاستقرار في المنطقة وعلى مكانة إسرائيل في الساحة الدولية.»[5]
ولا شك في أهمية الموقف الأوروبي فيما يتعلق برفض سياسات الضم الإسرائيلية، الذي يمكن أن يتطور إلى فرض عقوبات اقتصادية متواضعة على إسرائيل في حال إقدامها على الضم، وخصوصاً أن البند الثاني في اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية ينص على أنه (يجب أن تُبنى العلاقات بين الطرفين، بالإضافة إلى جميع الاتفاقيات السابقة بحد ذاتها، على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، التي توجه سياسة الطرفين الداخلية والدولية وتشكل عنصراً أساسياً في هذه الاتفاقية)[6]. إلاّ إن أثر السياسات الأوروبية في الموقف الإسرائيلي سيكون محدوداً في ظل الدعم المطلق الذي تتلقاه إسرائيل من إدارة الرئيس ترامب. وقد مهدت إدارة ترامب عبر وزير خارجيتها، الطريق أمام ضم إسرائيل أراضٍ فلسطينية، عندما قال إن الولايات المتحدة غيرت موقفها من المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، إذ لم تعد تعتبر وجودها مخالفاً للقانون الدولي. وهو الموقف الذي رفضه الاتحاد الأوروبي أيضاً، وأصر على اعتبار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مخالفاً للقانون الدولي.
في الوقت الذي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى أداء دور أكبر في المنطقة، فإنه غير قادر على منافسة الموقف الأميركي الذي يحتكر التأثير في مجريات الصراع أو حلوله، والذي يطلب من الآخرين أن يدعموا سياسته، رافضاً أي سياسات أُخرى مستقلة للاتحاد الأوروبي أو لغيره بهذا الشأن، إذ إن الإدارة الأميركية تقوم عملياً بدور الحامي لإسرائيل في مواجهة هذا النوع من السياسات. ومن جهة أُخرى، لا يبدو أن هناك مشروعاً أو مبادرة أوروبية لحل الصراع، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي ما زال متمسكاً بحل الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يوجد بين أعضاء الاتحاد دول مؤيدة لإسرائيل، ويجب أن تصاغ سياسته بتوافق الدول الـ 27 لأعضائه، وبذلك لا يستطيع الاتحاد صوغ سياسات فعّالة تمتلك آليات تنفيذ في قضايا مثل الشرق الأوسط، طالما أن هناك خلافات على قضايا داخلية في هذا الاتحاد. ولهذا، لن يستطيع الاتحاد الأوروبي القيام بأي دور مؤثر في ظل إدارة ترامب التي تتعامل مع الاتحاد باحتقار وعدائية، ويأمل الأوروبيون بأن تأتي الانتخابات الأميركية في نهاية العام الجاري بإدارة أميركية ديمقراطية جديدة تكون أقل انحيازاً إلى إسرائيل من إدارة ترامب.
[1] موقع اورونيوز، 17/9/2019
[2] موقع الجزيرة نت، 2/4/2020
[3] وكالة الاناضول، 23/4/2020
[4] رام الله نيوز، 2/5/2020
[5] القناة 13 تلفزيون اسرائيلي
[6] موقع دائرة شؤون المغتربين، 23/10/ 2014