بعد الأزمة السياسية المستعصية التي شهدتها إسرائيل منذ أكثر من عام، وبعد إجراء ثلاث دورات انتخابات متتالية، تميزت بأجواء متوترة وتجاذبات وصراعات حزبية غير مسبوقة، جاء انتشار وباء كورونا مثل معجزة إنقاذ لنتنياهو الذي دعا إلى التجند ونبذ الخلافات من أجل مواجهة الجائحة باعتبارها خطراً عظيماً يهدد كل شيء. ووسط حالة الخوف والهلع والغموض التي أحاطت بانتشار الوباء خاصة في البدايات، اتخذ غانتس قراراً بالانضمام إلى حكومة نتنياهو، حيث تم في 20 نيسان/أبريل 2020 توقيع الاتفاق المبدئي للائتلاف الذي يقضي بتشكيل حكومة طوارئ وفق مبدأ التناوب، حيث يترأس بداية نتنياهو الحكومة مدة عام ونصف ثم يليه غانتس.
أصاب اتفاق غانتس-نتنياهو المعارضة بمقتل وأدى إلى تفتيتها وبالتالي ضمان عدم وجود معارضة حقيقية لنتنياهو قادرة في المدى المنظور على خلق حالة تهدد حكم نتنياهو، إذ إن انضمام غانتس لحكومة بزعامة نتنياهو، الذي تشكل أزرق أبيض لإسقاطه شخصياً بسبب اتهامه بقضايا فساد ورشى وخيانة الأمانة، يعني نخر مصداقية أي معارضة مستقبلية (ناهيك عن أن زعيم حزب العمل بيرتس قام بحلق شاربه بشكل استعراضي أمام كاميرا التلفزيون للتأكيد أنه لن ينضم إلى حكومة نتنياهو ولا تحت أي ظرف وهو ما فعل عكسه). وأدى قبول غانتس الدخول في ائتلاف مع الليكود إلى شطر قائمة أزرق أبيض إلى شطرين، يضم الأول حزب حوسن ليسرائيل بزعامة غانتس بالإضافة إلى انشقاق عضوا الكنيست يوعاز هندل وتسفي هاوز عن حزب تيلم الذي أقامه موشيه يعلون وزير الأمن السابق، وإقامتهما لكتلة "طريق البلاد"، وانضم يعلون بكتلته إلى حزب يش عتيد بزعامة يائير لابيد التي صارت تضم 16 عضواً وتشكل أكبر كتلة معارضة. كما تم تفكيك قائمة تحالف العمل-ميرتس-جيشر إلى ثلاث كتل صغيرة، بدأ بانتقال أورلي افيكسيس-ليفي عن كتلة جيشر (كتلة من شخص واحد) إلى معسكر اليمين، ثم لاحقاً انضمام حزب العمل (3 أعضاء) إلى الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو. في المقابل أدى الاتفاق إلى خروج كتلة يمينا من كتلة اليمين بعد فشلها في الحصول على الحقائب الوزارية التي طالبت فيها.
تمخض اتفاق غانتس-نتنياهو عن فتح الطريق أمام تشكيل ائتلاف حكومي واسع من 73 عضو كنيست حيث يضم كلاً من الليكود (36) وحزب شاس(9) ويهدوت هتوراة (7)، إضافة إلى حزب حوسن ليسرائيل (15)، وكتلة طريق البلاد (2) وحزب العمل (3) وجيشر/اورلي افيكسيس (1) فيما تضم المعارضة كل من حزب يمينا الاستيطاني (6) ويسرائيل بيتينو بزعامة أفيغدور ليبرمان (7)، قائمة يش عتيد وتيلم بزعامة يائير لبيد وموشيه يعلون (16) والقائمة المشتركة (15) وميرتس (3).
مبدئياً ولدت حكومة الطوارئ بسبب جائحة الكورونا وبهدف مواجهة الإسقاطات الاقتصادية والحياتية المتوقعة، غير أن الاتفاق الائتلافي الأولي بين الليكود وأزرق أبيض والمفاوضات التي رافقته تكشف أن مواجهة الكورونا تحولت إلى غطاء لتنفيذ الأيديولوجيا اليمينية التي يقودها نتنياهو وذلك لعدة أسباب:
أولاً: إن حكومة الطوارئ التي أقيمت لمواجهة الأزمة الاقتصادية ستضم بداية 30 وزيراً ثم ٣٦ في أكبر تشكيلة حكومية منذ إقامة إسرائيل الأمر الذي يعني زيادات غير مسبوقة في الميزانيات والمخصصات للوزارات المختلفة.
ثانياً: يعطي الاتفاق نتنياهو حق الفيتو على تعيين المستشار القضائي للحكومة والمدعي العام. وبالإضافة إلى ذلك يعمق من هيمنة اليمين على لجنة اختيار القضاة ما يعني أن الحكومة تشكل غطاءً لتمرير مطالب نتنياهو التي رفضت سابقاً من قبل المعارضة بشكل كامل. تمثل الأمور المرتبطة بنظم العلاقات الداخلية بين سلطات الحكم التنفيذية والقضائية والتشريعية في إسرائيل وممثليها إضافة إلى ثقافة الحكم والثقافة السياسية، جزءاً من المواضيع الساخنة التي كانت في قلب الصراع بين تيار المعارضة، الذي ادعى أن نتنياهو نخر كل قيم الديمقراطية والحكم الرشيد وأسس لنظام فساد، وبين الليكود بزعامة نتنياهو الذي ادعى وجود "دولة عميقة" ملمحاً إلى السلطة القضائية وبعض أذرع جهاز الشرطة والمدعي العام تسعى إلى إسقاطه بكل الأساليب، وهو ما حداه إلى الدعوة إلى التحقيق مع المحققين بادعاء أنهم قلة فاسدة قامت بفبركة الملف ضده وتتآمر مع المعارضة لإسقاطه، وعلى الرغم من أن هذه القضايا شكلت محور المعركة الانتخابية على مدار عام ونيف إلا إنها لا تؤثر بشكل مركزي على المستقبل الفلسطيني رغم حضورها الثقيل.
ثالثاً: إن أهم ما في الاتفاق الأولي للائتلاف الذي مر مصادقة محكمة العدل العليا هو ما جاء في البند 29 والذي يتيح لنتنياهو طرح موضوع بدء الضم في بداية تموز/يوليو بالتشاور مع غانتس دون أن يكون ملزماً بالأخذ برأيه إذا اعترض. وفيما تمنع حكومة الطوارئ من طرح القوانين التي لا تتعلق بالكورونا فإن الاستثناء الوحيد هو موضوع الضم الذي أصر نتنياهو على الدفع به بسرعة من أجل اقتناص الفرصة السانحة التي يوفرها وجود ترامب في الإدارة الأميركية.
أخيراً، من المهم هنا الأخذ بعين الاعتبار أنه من المقرر أن تبدأ محاكمة نتنياهو بثلاثة ملفات بتهم الفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى في 17 أيار/مايو 2020، هذه التهم يمكن في حال ثبوتها أن تنتهي بسجن نتنياهو، وهو ما سبق وحدث مع سلفه في رئاسة الحكومة إيهود أولمرت. في هذا السياق الذي يتقاطع فيه وجود إدارة أميركية داعمة لخطط الضم، وانشغال العالم خاصة في أوروبا بمواجهة جائحة الكورونا وإسقاطاتها، ومواجهة نتنياهو خطر السجن، فإن نتنياهو لن يكتفي بضم الأغوار بل سيسعى على الأغلب إلى تنفيذ كل ما يمكنه من صفقة القرن خلال الأشهر المقبلة لأنه وقد توفرت أمامه ظروف استثنائية سيسعى إلى أن يدخل التاريخ كمن حقق دولة أرض إسرائيل وليس كمن تم إدانته بقضايا فساد.