تأثير وباء فيروس كورونا في الحياة البرية في فلسطين
Date:
13 avril 2020

أضحى خطر انتشار وباء الكورونا قضية عالمية لا يمكن التكهن بموعد نهايته، وقد أثر سلبياً بشكل كبير في حياة البشر في كل أرجاء المعمورة، فهو يهدد بعواقب اقتصادية وصحية واجتماعية خطرة. وعلى الرغم من خطورة هذا الوباء، فإن البيئة هي المستفيد الأول منه، فجميع العلماء في العالم يتحدثون عن انخفاض كبير في التلوث الناتج من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي انخفضت بما يزيد على 50%.

منذ بداية المرض جرى ربطه بالحيوانات البرية، وخصوصاً أنه بدأ من سوق الحيوانات البرية في مدينة ووهان الصينية، وأدى ذلك إلى إعلان الصين حظر تربية الحيوانات البرية واستهلاكها بشكل مطلق. وكذلك أشارت منظمة الصحة العالمية إلى وجود احتمال بأن هذا الفيروس ينتقل من الحيوانات والطيور البرية إلى الإنسان وبالعكس. وكان من المفترض أن يكون ذلك بمثابة تحذير من التعامل مع الحيوانات والطيور البرية، لكن هل هذا ما جرى؟

كلنا شاهدنا مقاطع فيديو تظهر زحف الحيوانات البرية على كثير من المدن حول العالم، بسبب الحجر المنزلي، مثل مئات القرود التي اجتاحت شوارع المدن في تايلاند، والخنازير البرية التي انتشرت بحرية في المدن الإيطالية، والغزلان في بريطانيا، وغيرها من المشاهد التي تعطي الانطباع بأن الحياة البرية ارتاحت من اعتداءات الإنسان عليها، وباتت تشعر بهدوء وطمأنينة غير مسبوقين.

لكن يبقى السؤال: ما هو تأثير الكورونا في الحياة البرية في فلسطين والعالم؟

في محاولة لفهم ذلك، تحدثت مع عدد من ناشطي الحياة البرية في فلسطين، والذين انقسموا بشأن كيفية تأثير الحجر المنزلي في الحياة البرية في فلسطين، فمنهم من رأى أن التأثير إيجابي، ومنهم من رأى عكس ذلك.

عماد الأطرش، المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في بيت لحم، يعتقد أن الحياة البرية استفادت بشكل كبير من الحجر المنزلي، والدليل على ذلك أن الطيور بدأت تعشعش في أشجار حديقته المنزلية. وهو يؤكد أن تقارير عدة وردت إلى الجمعية تتحدث عن تجول غير مسبوق لحيوانات برية، مثل غزال الجبل الفلسطيني والثعلب وابن آوى، على أطراف القرى والمدن الفلسطينية. وهو يعتقد أن كثيراً من الأعشاب البرية التي كانت مهددة بالانقراض مثل السوسن، وبعض أنواع الزعتر البري والعكوب، تنفست الصعداء بسبب مكوث الناس في المنازل.

ويؤيد هذا الرأي الدكتور أيمن أبو ظاهر مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة، فهو يرى أن الحجر المنزلي قلّص إلى الحد الأدنى الصيد الجائر في فلسطين. كما يرى أن خوف المواطنين من التعامل مع الحياة البرية بسبب فيروس كورونا، من شأنه أن يخفف الضغط على الحياة البرية الفلسطينية، وهو ما سيؤدي إلى إنقاذ كثير من الحيوانات والنباتات البرية هذا العام.

من جهة أُخرى، يرى بعض الناشطين البيئيين عكس ذلك، إذ يؤكد المصور والناشط البيئي محمد الشعيبي من منطقة رام الله، أن الحجر المنزلي أدى إلى توجه الناس نحو البراري، وبالتالي زيادة صيد الحيوانات البرية، ولا سيما الغزلان والشنانير (طائر الحجل). ويقول الشعيبي أنه قبل الكورونا كان يتجول معظم الأحيان وحيداً في البراري، لكنه الآن يجد كثيراً من الناس في الجبال، وخصوصاً بعد توقفهم عن العمل. وهو يقترح نشر شائعات عن خطر انتقال العدوى من الطيور والحيوانات البرية إلى الإنسان، بهدف التخفيف من اعتداءات المواطنين عليها.

ويؤيد الناشط البيئي سعيد أبو ليمون من جنين، زميله الشعيبي إلى حد ما، فهو يرى أن تأثير الحجر المنزلي في الحياة البرية سلبي جداً، ولا سيما في المناطق القريبة من التجمعات السكانية، لكنه يرى أن المحميات الطبيعية والجبال البعيدة التي يتطلب الوصول إليها السفر بالمركبات مثل غور الأردن، قد استفادت بشكل إيجابي من الحجر الصحي، بسبب عدم تمكن المواطنين من الوصول إليها، لكن المؤسف أن المستوطنين يتجولون بحرية في هذه المناطق.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يعتدي الفلسطينيون على الحياة البرية بشكل دائم؟! سواء في فترة الكورونا أو قبله أو بعده. فعمليات الصيد الجائر للطيور وللحيوانات، والقطف الجائر للنباتات تجري على قدم وساق في جميع مناطق الضفة الغربية، من دون رادع. والأنكى من ذلك أن كثيراً ممن يصطادون الغزلان والثعالب ينشرون ذلك بكل فخر على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو ما يعطي الانطباع بانعدام الشعور بالخوف، الأمر الذي يعني غياب الردع، أو المحاسبة على مثل هذه الأفعال.

هذه الممارسات أضافت الكثير من الحيوانات البرية الفلسطينية إلى لائحة الحيوانات المهددة بالانقراض مثل الأرنب البري، والثعلب الرمادي، والضبع، والحسون، وغزال الجبل الفلسطيني، الذي انخفضت أعداده في الضفة الغربية من 1500 غزال قبل عشرين عاماً إلى أقل من 350 غزالاً في الوقت الحالي، إذ يستغل الصيادون فترة سقوط الثلوج لقتل هذه الحيوانات، بحجة أن بعضها يلجأ إلى القرى للهروب من البرد والثلج، فيقومون بصيدها مع الأسف. كما أن النسر الذهبي الذي اتخذته السلطة الوطنية الفلسطينية شعاراً لها، لا تتعدى أعداده في براري فلسطين 6-7 أزواج فقط لاغير.

أغلب الظن أن هناك سببين رئيسيين للصيد والقطف الجائرين بحق الحيوانات والنباتات البرية: الأول يتعلق بضعف التشريعات وغياب المحاسبة الرادعة بحق المخالفين، والثاني يتعلق بقلة الوعي المجتمعي بين معظم الناس بخطورة الصيد الجائر، وأهمية الحفاظ على الحياة البرية الفلسطينية.

وخلال الأشهر السابقة كنت أحد الناشطين الذين أطلقوا حملة لإنقاذ طائر الحجل (الشنار)، من خلال إطلاق حملة تحت اسم "اتركوها بسلام"، للتوعية بأهمية الامتناع عن سرقة بيوض الشنار، والتوقف عن صيده خلال فترة التكاثر في فصل الربيع. وقد استمعت إلى العديد من التعليقات المناوئة للحملة، على أساس أن الصيد لن يؤدي إلى انقراضها، بل إن تكاثرها أسرع من صيدها. والفرضية الأُخرى التي تم التركيز عليها ممن يعترضون على الحملة، هو أن الله قد أحل الصيد، وبالتالي لماذا نحرّم ما أحل الله؟!

فيما يتعلق بالحجة الأولى، فكل الدراسات والإحصاءات العلمية تشير إلى أن الصيد المكثف لهذه الطيور، ولا سيما خلال فترة التزاوج والتكاثر، يؤدي بالفعل إلى تناقصها، ونحن لا نفشي سراً حين نقول ذلك. أمّا عن الحلال والحرام، فإن ذلك لا يلغي أهمية تنظيم هذا الموضوع، فالإسلام فرض فترة سنوية تُسمى الأشهر الحُرم التي يُمنع الصيد خلالها لضمان تكاثرها وبقائها. لذلك أرى أن هذه الادعاءات هي مجرد مبررات وحجج غير منطقية لاستمرار هذه الممارسات.

وبالعودة إلى مرض الكورونا، فقد لاحظت من خلال متابعتي موضوع الحياة البرية، أن الحجر الصحي، وعودة العمال إلى بيوتهم، وعودة كثير من أبناء الريف من مكان سكنهم في المدن إلى قراهم في أثناء فترة الحجر الصحي، وخصوصاً خلال فصل الربيع، قد أدى إيجابياً، إلى توجه العديدين منهم إلى العمل في الزراعة واستصلاح الأراضي وهذا شيء جيد، بل ومطلوب. لكن البعض استغل وقته للتجول في البراري القريبة والصيد وقطف الأعشاب البرية بشكل لم يسبق له مثيل. من جهة أُخرى، فإن المناطق البعيدة عن التجمعات السكانية الفلسطينية قد نالها عدد أقل من الزوار، وبالتالي استفادت الحياة البرية فيها كثيراً، وتمثل ذلك في نجاتها من الصيد والقطف الجائرين خلال الموسم الحالي مع انتشار وباء الكورونا، لكن من المبكر الحكم على ذلك، خلال أسابيع قليلة من الحجر المنزلي.

وسواء خلال فترة انتشار مرض الكورونا، أو قبله أو بعده، يجب تكثيف حملات التوعية للمواطنين حول أهمية الحفاظ على الحياة البرية، كجزء من نضالنا ضد الاحتلال؛ فمن يحب وطنه، ويطمح إلى تحرير الإنسان والأرض الفلسطينية، لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يساهم في القضاء على حياتها البرية. هذا لا يعني عدم التجول في الطبيعة، بل إن التوجه إلى الطبيعة الفسطينية، والمشي فيها والاستمتاع بمناظرها وجمالها، يجعلنا أقرب إليها، شريطة أن نلتزم تجاهها بشعار مقدس: لا تقطع، لا تقتل، لا ترمِ.

 

الصورة: غزال الجبل الفلسطيني، منطقة الساكوت في الأغوار آذار/مارس 2020، تصوير سعيد أبوليمون