مخيمات الشمال وكورونا: خليك بالبيت
Date:
23 mars 2020

"كرمال المخيم، وأهل المخيم خليك بالبيت"؛ "خليك بيبتك الصغير من أجل بيتك الكبير - فلسطين"، شعاران من شعارات توجيهية عديدة عبر بوسترات على الجدران، أو توزع على مجموعات التواصل الاجتماعي في المخيم، وتدل جميعها على أن الخطر يدق أبواب المخيم. وقد تكون المبالغة أحياناً بالمطالبة بسرعة التحرك ناجمة عن إحساس بضعف الجهاز الصحي في المخيمات عموماً، وهو  سابق لظهور وباء كورونا.

وتجلى هذا النقص في مخيمي شمال  لبنان (نهر البارد والبداوي)، وعلى الأخص في مخيم نهرالبارد، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية مساحةً، لكنه يخلو من وجود مستشفى. ويشعر المخيم بمنسوب أعلى من الخطورة نتيجة العوامل التالية:

- أزمة النظام الصحي للأونروا الناجمة عن غياب الاستشفاء في حالات الطوارئ في المخيم، وكذلك بعد  المخيم عن مستشفى الهلال الاحمر الفلسطيني من جهة، وعن المستشفيات اللبنانية، من جهة أخرى. فالهلال الأحمر لديه تجمّع طبّي لا يقوم بمهام مستشفى، كما أن الجمعيات الصحية الأُخرى لديها عيادات وتقدم بعض خدمات الطوارئ والإسعافات الأولية، في أحين  أنَّ أقرب مستشفى للهلال موجودٌ في مخيم البداوي.

- المخيّم مستثنى أيضاً من السياسات الصحيّة لوزارة الصحة اللبنانية التي تتعاطى مع اللاجئ الفلسطيني على أنه خارج نطاق عملها.

لكل ما سبق من أسباب، تداعت المؤسسات العاملة في المجال الصحي في نهر البارد: اللجنة الصحية التابعة للّجنة الشعبية والهلال الأحمر الفلسطيني، والأونروا والمستوصفات، لتشكيل "خلية أزمة" تضع إجراءات للوقاية من انتشار كورونا في المخيم.

 

المبادرُ إلى اتخاذ إجراءات وقائية كان الدفاع المدني الفلسطيني، المشكل من عشرات الشباب المتطوعين والمجهزين ببعض الأدوات التي تمكِّنهم من أداء وظائف ذات صلة بالنظافة والصحة الأولية، ومكافحة الحرائق في المخيم .

يشرح قائد فوج نهرالبارد في الدفاع المدني الفلسطيني محمد بهار الإجراءات العمليّة التي يقوم بها الدفاع المدني لمواجهة كورونا، إذ يجري "تعقيم مستمر للمحال التجارية والشوارع ولكل الداخلين إلى المخيم، يومياً من الساعة الثامنة صباحاً "، فضلاً عن "الحملات الإرشادية اليومية للتوعية والوقاية والمخاطر".

وإلى جانب الإجراءات العملية التي يقوم بها المبادرون من خلال "خلية الأزمة"، تم إغلاق مداخل المخيم وترك مدخلان اثنان فقط للمرور. عن ذلك، يقول عضو اللجنة الشعبية جمال أبو علي: "هناك ممرضون يفحصون الداخلين إلى المخيم وأفراد يقومون بتعقيم السيارات؛ كما وضعنا حواجز للهلال الأحمر الفلسطيني". ويضيف: "لقد ألزمنا سكان المخيم بعدم الخروج من المنازل. صحة الناس هي الأهم".

كما أن هناك إرشادات توعية تقوم بها عدة مؤسسات وجمعيات من المجتمع المدني الفلسطيني تعمل داخل المخيم. وعلى الرغم من قلّة الحيلة، يقدّم المتطوعون المساعدة الأخوية للجوار، ويقول محمد بهار أنه بناء على طلبٍ من رئيس بلدية إحدى القرى اللبنانية المجاورة: "خرجنا لمساعدة أهلنا في عكار وقمنا بتعقيم مكتب رئيس البلدية أيضاً".

المشهد في المخيم، الذي طالما اعتبر "حالة استثناء"، هو نفسه الذي يعيشه العالم بأسره: فالتجول محدود، وشوارع المخيم شبه خالية، لم تعد تعرف الازدحام المعهود في الحالات العادية، ويلهو في بعض الأزقة عدد محدود من الأطفال، يضع بعضهم كمامات على وجهه.

ودفعت الإجراءات الذاتية الى إلغاء التجمعات، بما في ذلك صلاة الجمعة الجماعية في بعض المساجد، وكذلك اقتصرت آخر الجنازات التي تم تشييعها في المخيم على الدفن، ويتم تقبل التعازي من دون مصافحة بالأيدي، وفي المقبرة من دون فتح بيت عزاء. كما تم إغلاق المقاهي، وأُلغيت التجمعات العامة والفعاليات الثقافية والسياسية، التي كانت مقررة لمناسبة يوم الأرض. كما توقفت المدارس، ورياض الأطفال، والمؤسسات التربوية عن برامجها العادية، واكتفى بعضها بساعات دوام محدودة، وكذلك تم إلغاء جميع الأنشطة الرياضة، وتفرغت بعض الأندية للقيام بالأعمال التطوعية، إلى جانب المستوصفات والجمعيات الطبية.

ويسود مناخ من الصمت، غير معهود منذ فترة طويلة، أجواء المخيم في إثر توقف العمل في مشروع استكمال إعادة الإعمار للقسم المتبقى من المخيم. 

أما في مخيم البداوي فثمة حركة دائمة لضبط المخيم وتجهيزه، وللقيام بحملات توعية  تشرح خطورة الوضع وضرورة التزام البيوت.

يقول مدير مستوصف الشفاء في مخيم البداوي أحمد قدورة: "نعمل على توزيع كمامات  لأهل المخيم وقفازات للأيدي، كما نقوم بتأمين مضخات لحملة التعقيم، ونتواصل مع مؤسسات أخرى للمساعدة".

ويتحدث مسؤول "خلية الأزمة" ناصر سويدان عن خطط لمواجهة الفيروس، إذ تم منع التجمعات حرصاً على أهالي المخيم، و"تم التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية من خلال تعاونها معنا على حواجز المخيم عبر عمليات التعقيم، لكن تبقى الامكانيات ضئيلة جداً".

ويجمع المبادرون من اللجنة الصحية المنبثقة عن اللجنة الشعبية في المخيم، وفوج الدفاع المدني، على أن المواجهة تتطلب مساعدة من الخارج أو من متبرعين، فهناك معدّات ومواد  وتجهيزات يجب التزود بها كي تلبى إحتياجات الناس.