التعذيب العنيف للأسرى في سجون الاحتلال وحالة الصمت
Date:
19 février 2020

لم تستطع المواطنة المقدسية نورا مسلماني، زوجة الأسير سامر العربيد (45 عاماً)، أن تخفي تأثرها، وهي تستذكر اللحظات المرعبة التي واجهتها بعيد اعتقال شريك حياتها مؤخراً.

اعتقل العربيد، وهو واحد من نحو 5000 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2019، من أمام مكان عمله في اتحاد لجان العمل الزراعي في مدينة البيرة، ولم يدر في خلده وعائلته أنه سيواجه أوضاعاً اعتقالية قاسية، كادت أن تودي بحياته.

تقول مسلماني، "كنا نخشى على حياة سامر، خاصة أن الأخبار كانت شبه مقطوعة، ولا يوجد أي نوع من التواصل معه".

 

تعذيب الأسرى: الصورة من مؤسسة الضمير

 

وتروي مؤسسات حقوقية، من ضمنها مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، أن عملية تعذيب العربيد، والاعتداء عليه بالضرب بدأت منذ لحظة اعتقاله، حتى وصوله إلى معتقل "عوفر" المقام على أراضي المواطنين في بيتونيا وبلدة رافات غرب رام الله، حيث تم الشروع مباشرة بالتحقيق معه، وضربه بشدة في شتى أنحاء جسده.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فبحسب "الضمير"، تعرض العربيد أيضاً للشبح على الطاولة، بمعنى إبقاء الأيدي مقيدة ومرفوعة للأعلى والخلف فوق رأسه، مع وصلها بطاولة خلفه، وفي الأثناء يقوم محقق بضربه على صدره ويديه ووجهه بقوة، مع سحب يديه للخلف مباشرة.

كما تعرض العربيد للشبح على الحائط وهو يقف على رؤوس أصابعه وقدميه مثنيتين، مع الضرب بشكل متواصل، والضغط على رقبته بشدة ومحاولة خنقه، إلى جانب دفعه للوقوع أرضاً، والجلوس على صدره ولكم وجهه.

وقد نقل العربيد بعد يوم من التعذيب الشديد في "عوفر"، إلى مركز تحقيق "المسكوبية" في القدس، ليتواصل مسلسل تعذيبه، الذي قاد إلى حدوث مضاعفات صحية خطرة له، ما اضطر سلطات الاحتلال إلى نقله إلى مستشفى "هداسا" في المدينة المقدسة. فقد أصيب العربيد، بنزيف رئوي وكسور في أضلاع صدره، ورضوض في جميع أنحاء جسده، إضافة إلى فشل رئوي.

تقول مسلماني: "لقد شاهدت سامر للمرة الأولى بعد ثلاثة أيام من تحويله إلى المستشفى، وكان في وحدة العناية المكثفة، وقد كانت الوحدة تعج بضباط المخابرات والشرطة، وبعد إلحاح شديد سمح لي برؤيته لمدة ثلاث دقائق."

وتضيف: "كان سامر في حالة غيبوبة ووجهه مصفراً، وعيناه مغلقتين، ويداه وقدماه مكبلتين، وقد طلبت الكشف عن جسده لرؤية الكدمات الموجودة لأنني لاحظت كدمة على رقبته، لكن لم يسمح لي، كما أن إدارة المستشفى لم تسمح لي بالاطلاع على ملفه الطبي."

وتستدرك: "بعد شهرين من اعتقاله، حول سامر إلى سجن الرملة، ولدى محاكمته سمح لنا برؤيته لخمس دقائق فقط، وقد أحضر على كرسي متحرك، وللوهلة الأولى صدمت لأن جسده كان هزيلاً، إذ فقد نحو 20 كغم من وزنه، وكان متصلاً بجهاز لتزويده بالأوكسجين." وتضيف: "لم يسمح لنا بالحديث إليه سوى لدقيقتين، وكان يعاني صعوبة في التحدث، بسبب الكسور في صدره."

 حالات أخرى

ولم يكن حال الأسير المقدسي وليد حناتشة (51 عاماً)، أفضل، بعد اعتقاله من رام الله حيث يقيم، كما تؤكد ابنته ميس، الطالبة الجامعية. وتقول: "اعتقل أبي في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد اقتحام منزل العائلة والعبث بمحتوياته، حيث تم نقله إلى مركز تحقيق "المسكوبية"، لتبدأ عملية تعذيبه جسدياً خلال التحقيق."

وتشير مصادر حقوقية، إلى أن حناتشة تعرض للضرب بشدة على الوجه والأرجل والصدر، ما أدى إلى سقوطه مرات عديدة، ليتم رفعه من قبل المحققين، ومواصلة ضربه وشبحه، إضافة إلى إزالة "نتف" جانب من شعر لحيته ورأسه، ما سبب له نزيفاً، وكدمات في الرقبة ومقدمة الرأس.

ولم تقتصر الأمور على تعذيب حناتشة جسدياً، بل امتدت لتعذيبه نفسياً أيضا، عبر اعتقال ميس، وتقول: "قامت قوات الاحتلال بعد نحو أسبوع من اعتقال والدي، باعتقالي أيضاً لمدة ثلاثة أيام، في مسعى منهم للضغط على أبي لانتزاع اعترافات منه." وتزيد: "بعد 48 يوماً من اعتقال أبي، تمكنت وأمي من مقابلته في جلسة المحاكمة، وقد سمح لنا برؤيته لدقيقتين."

وتقول: "كنا نبحث عن أبي في القاعة، وكان هناك شخص من بعيد ينادي على أمي .. بيان بيان، وللوهلة الأولى ولمدة ثوان لم تعرف أن هذا أبي، إذ كانت لحيته منتوفة وبيضاء اللون، وكان متكئاً على الخشب وغير قادر على المشي، وصوته ضعيف متقطع."

وإذا كان هذا حال العربيد وحناتشة، فإن تفاصيل تعذيب الأسير أيسر معروف (28 عاماً) من قرية عين قينيا شمال غرب رام الله، لا تقل وطأة في حدتها عن سائر زملائه في أقبية السجون.

تقول نور حامد زوجة هذا الأسير: "اعتقل أيسر من المنزل خلال آب/أغسطس الماضي من قبل وحدة عسكرية إسرائيلية خاصة، عمدت منذ اللحظات الأولى إلى الاعتداء عليه بالضرب، قبل أن يصار إلى نقله إلى "المسكوبية، حيث تعرض لتحقيق قاس، استخدم فيه الشبح وأساليب تعذيب شديدة."

وتضيف حامد وهي حامل: "تعرض أيسر لضغوط شديدة، عبر استدعائي مرتين إلى "المسكوبية" أثناء التحقيق معه، وإبلاغه بأنني معتقلة، في مسعى لحمله على الإدلاء باعترافات معينة، وبعد 30 يوماً من اعتقاله تمكنا من رؤيته في معتقل "عوفر"، وقد كان باد عليه آثار التعذيب، ويعاني آلاماً مبرحة، ولم يكن قادراً على الوقوف، وكان وجهه شاحباً، كما تم توجيه لائحة اتهام له لا علاقة له بما ورد فيها."

وتردف: "عندما اعتقل زوجي لم يكن قد مضى سوى شهر على زفافنا، واليوم ننتظر مولودتنا الأولى، التي على ما يبدو لن يكون بوسعه التواجد إلى جانبي، عندما تبصر النور قريباً."

 

تعذيب الأسرى: الصورة من مؤسسة الضمير

 

وتعد قصة الأسير عبد الرازق فراج (57 عاماً) من سكان رام الله، نموذجاً إضافياً لمعاناة المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال. فقد اعتقل فراج إدارياً (أي تبعاً لملف سري) أكثر من مرة، ليعاد اعتقاله مجدداً بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2019، حيث صدر قرار جديد بحبسه إدارياً لمدة ستة أشهر، لكن بعد قضائه نحو شهر قيد الاعتقال. جرى بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2019، تحويله إلى "المسكوبية"، ليخضع لتحقيق قاس على مدار أكثر من 40 يوماً، تخلله تعذيب جسدي ونفسي شديدين.

وعن ذلك يقول ابنه باسل: "بتاريخ 2-11-2019، اعتقل شقيقي الأصغر وديع، كجزء من محاولة الضغط على والدنا للإدلاء باعترافات، وبعد شهر من ذلك ذهبنا لحضور أول جلسة محاكمة، حيث كنت وأمي ننتظر والدي، وأتذكر عندما أطل علينا كيف كانت آثار الوهن جلية على محياه." ويضيف: "كانت لحية أبي طويلة، ومنذ لحظة مشاهدتي له لم تفارق مخيلتي مسألة غياب صوته، إذ كان يحاول جاهداً السؤال عن أحوالنا أنا وأمي ووديع، لكن صوته لم يكن مسموعاً"، ويقول: "والدي حالياً في سجن "ريمون"، ولا تزال آثار التعذيب ظاهرة عليه، إذ يعاني من آلام في الظهر والمعدة."

 تعذيب في التحقيق

ويقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، أن إسرائيل ركزت على التعذيب الجسدي العنيف مؤخراً أثناء التحقيق، كما حصل مع العربيد، الذي تم إصدار قرار من قبل قاض عسكري، بمنح المحققين كافة الصلاحيات اللازمة لانتزاع إفادات "اعترافات" منه في غضون فترة وجيزة جداً. ويضيف: "خلال يومين كان وضعه الصحي قد تدهور جداً، ولم يسمح لمحام ولا حتى للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارته."

كما يشير إلى حالة الأسيرة ميس أبو غوش (23 عاماً) وهي طالبة من سكان مخي قلنديا شمال القدس، التي اعتقلت بتاريخ 29 آب/أغسطس 2019، حيث تم إرسالها بداية عقب اعتقالها إلى حاجز قلنديا العسكري، حيث جرت محاولة تفتيشها بشكل عار، فرفضت، فتم تهديدها بتفتيشها بالقوة، قبل أن يصار إلى التنكيل بها من قبل عدد من الجنود وتهديدها بالاغتصاب وفق ما أكدت مؤسسة "الضمير".

ويقول أبو بكر: "في بداية اعتقالها، تم سحبها من شعرها وهي على الأرض لمسافة طويلة، قبل أن يتم التحقيق معها باستخدام أساليب تعذيب عنيفة، شملت أيضاً استدعاء شقيقها الأصغر سليمان، ووالدها ووالدتها بهدف الضغط عليها، عدا الشبح، وإسماعها أصوات صراخ وضرب معتقلين آخرين في التحقيق، لإرهاقها نفسياً والضغط عليها."

ويلفت إلى تطور أساليب التعذيب لتشمل الشق النفسي، وأن الاحتلال الإسرائيلي صعد من إجراءات التعذيب في الآونة الأخيرة لانتزاع اعترافات علماً بأن أساليب التعذيب العنيفة استخدمت في السابق، وأدت إلى سقوط عدد من الشهداء في سجون الاحتلال. ويورد مثالاً على ما ذهب إليه، قيام محققين قبل عقود، بخلع أظافر اليدين والقدمين، ووضع الأسير في زنزانة حديدية ضيقة حيث كانوا يبقونه لساعات طويلة، مضيفاً "عندما كان يفتح السجانون الخزانة، كان الأسير عادة مغشياً عليه، نظراً لعدم قدرته على التنفس بشكل طبيعي."

حراك محدود

أشار وزير شؤون الأسرى والمحررين السابق عيسى قراقع، بأن التعذيب يمثل جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، بيد أنه يعتقد أن ملف تعذيب العربيد وعشرات الأسرى خلال الأشهر الأخيرة، لم يحظ بالاهتمام الكافي.

ويقول: "ما لفت انتباهي في الآونة الأخيرة، حالة الهدوء والسكوت المجتمعي، إزاء الحدث الهمجي، والتعذيب البربري الذي تعرض له الأسرى العربيد، وحناتشة، وفراج، وغيرهم مؤخراً، فمنذ بداية توارد الأنباء حول استخدام التعذيب الجسدي العنيف بحقهم، كان ينبغي أن يستنفر الجميع لحماية الأسرى الذين كانوا تحت وطأة التعذيب الوحشي، وأن يكون هناك تحرك سريع واتصالات مع كافة الجهات الحقوقية والدولية، حتى لا تشعر الحكومة الإسرائيلية ومحققوها بالاطمئنان، وأن أياديهم مطلقة لفعل ما يشاؤون بحق الأسرى."

ويلفت إلى المحاولات التي بذلت لتدويل ملف الأسرى ومعاناتهم، بيد أنه يرى أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به، لفضح سياسة تعذيب الأسرى. ويقترح قراقع، تشكيل فريق قانوني يتوجه بداية إلى القضاء الإسرائيلي، الذي لا يعول عليه كثيراً، باعتبار أنه من شرع التعذيب، تمهيداً لطرق أبواب المحكمة الجنائية الدولية بملف خاص حول الأسير العربيد، وزملاء معاناته الآخرين في الآونة الأخيرة. كما اقترح التوجه إلى منظمات دولية مثل مجلس حقوق الإنسان، ولجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة.