إسرائيل تُرسّم حدود غزة عنوة بإبادة المزروعات والكائنات جواً
Date:
17 février 2020
Auteur: 

 خلال السنوات الأخيرة، عمد الجيش الإسرائيلي على رش منتظم لمبيدات أعشاب من الجو على محاصيل زراعية في المنطقة الشرقية والجنوبية من قطاع غزة. وخلال خمسة أعوام تمتد من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٨، تم تسجيل٣٠ عملية رش منفصلة، واستؤنفت، منذ مطلع هذا العام، عمليات الرش على حدود هذه الأراضي التي يعمل ويستفيد منها قرابة ٣٠ ألف مزارع غزّي، إذ سجلت خمس عمليات رش مبيدات أعشاب جديدة. وتمثّلت محصلة عمليات الرش الخمس الأخيرة  في خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية تقدر بـآلاف الدولارات، ما دعا وزارة الزراعة الفلسطينية في غزة إلى إعلان هذه المناطق البالغة مساحتها ٢٩ كيلومتر مربع، مناطق منكوبة على لسان الناطق باسمها أدهم البسيوني في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً في غزة. وأصدرت وزارة الزراعة إثر ذلك تعليمات للمزارعين الذين تأثرت أراضيهم بإتلاف محاصيلهم بعدم بيعها في الأسواق.

ويقول المزارع أيمن أبو سلعة (٤٤ عاماً)، وهو معيل لاثني عشر فرداً ويزرع في أرضه الواقعة شرق مخيم جباليا الفول والقمح: "بدأوا برشّ المبيدات في ساعات الصباح الأولى، ولم ألحظ أيّ تغييرات على مزروعاتي إلا بعد ثلاثة أيام، إذ اصفرّ القمح اصفراراً تاماً. استدعيت وزارة الزراعة لحصر الأضرار، وكانت خسائري في محاصيل زرعتها في حوالي ١٧ دونماً من أصل ٢٢ دونماً".

أمّا المزارعان محمد دلول وعلي رشاد الدوس، واللذان تبلغ مساحة أرضيهما تباعاً ٣٥ دونماً، و٥٠ دونماً، فأشارا إلى أن محاصيل أرضيهما من الخضروات تضررت بالكامل. وأكد المزارعان عدم تلقيهما أيّ تعويضات عن هذه الخسائر.

 

محاصيل زراعية متضررة

 

وبينما يبرر جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات الرش بأنها تتم لدواعٍ أمنية هدفها التخلص من الأعشاب التي تعيق الرؤية على طول السياج المتاخم لقطاع غزة، فإن من غير الممكن الأخذ بهذا التبرير في ظل استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي معدات وأجهزة متطورة ودقيقة تعمل على الاستشعار الحراري للأجسام المحيطة، وأجهزة الرؤية الليلية، وأجهزة المراقبة الإلكترونية ومسدسات آلية قادرة على رصد وقتل كل من يتجاوز الحد الذي رسمته إسرائيل لقطاع غزة.

تتسبب المبيدات التي ترشها طائرات تحلّق على ارتفاعات منخفضة قد تصل إلى عشرين متراً فوق سطح الأرض بنتائج كارثية على البيئة والإنسان على طول المنطقة التي تفصل غزة عن الأراضي المحتلة سنة ١٩٤٨. وتتألف المبيدات التي يتم رشها من الأوكسيجال والغليفوسات وديورون، وهي مواد مسرطنة، تجرد الأرض من غطائها النباتي، وتستقر في التربة لفترات طويلة، وتؤثر سلباً على صحة الماشية التي تتخذ من هذه الأراضي مراع لها، كما تؤثر على صحة الماشية الإنجابية بصورة خاصة، إضافة إلى تسرب هذه المواد الكيماوية الخطيرة إلى المياه الجوفية، وتأثيرها على النحل وإنتاج العسل.

وتتكون مادة الأوكسيجال من أوكسي فلوروفين، وهو مبيد عشبي يحول دون نموّ النباتات، بحيث  يتخلص من الغطاء النباتي من أعشاب ومزروعات بصورة نهائية، ولا تعود التربة بعدها صالحة للزراعة، كما يتسبّب بتهيّج شديد إذا لامس الجلد أو العين، علماً بأن عمليات الرش الجوي تجري دون أن يتم إخطار المزارعين العاملين في أراضيهم. أما مادة الغليفوسات، التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية مادة مسرطنة، فيحظر رشها من الجو بصورة مطلقة، نظراً  للمخاطر الصحية التي تسببها بانتقالها في الجو. ويذكر أن المحكمة الإسرائيلية العليا كانت قد حظرت استخدامها من قبل إثر عملية رش قامت بها "دائرة أراضي إسرائيل" لحقول في القرى غير المعترف بها في النقب في سنة ٢٠٠٧، واعتبرتها المحكمة الإسرائيلية حينها خطراً على حياة وصحة البشر والمحاصيل والكائنات الحية.

في بداية العام الماضي، توجهت مجموعة من الجمعيات الحقوقية منها مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، وجمعية "جيشاه – مسلك" للدفاع عن حرية الحركة، ومركز عدالة برسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، وإلى المدعي العسكري العام والمستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، طالبتهم فيها بالتوقف عن رش مبيدات الأعشاب من الجو داخل قطاع غزة وعلى حدود أراضيه، نظراً للأضرار الفادحة في المحاصيل الزراعية لمزارعي القطاع، وتعريض صحة أهل قطاع غزة للخطر. وكانت هذه الجمعيات قد توجهت من قبل في سنة ٢٠١٦ إلى جهات رسمية إسرائيلية باسم ثمانية مزارعين غزيين تضررت أراضيهم مطالبة بتوقف عمليات الرش، وبتعويض المزارعين عن الأضرار التي لحقت بمحاصيلهم، إلا إن هذه المطالب قوبلت بالرفض. 

وفي هذا السياق، يقول صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدوليّة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني: "بدأ الاحتلال بتكثيف عمليات الرشّ منذ سنة ٢٠١٤، ما أنتج أضراراً جسيمةً ترقى إلى مستوى جرائم حرب، وتعتبر هذه الممارسات مخالفة لكافة الأعراف والمواثيق الدولية. فوفقًا لاتفاقيّة جنيف الرابعة (١٩٤٩) والبروتوكول الملحق بها (١٩٧٧)، فإنه يتوجب حماية المدنيين والمصالح الإنسانيّة أثناء الحرب من قبل أطراف النزاع، إضافة إلى وجوب احترام حقّ المدنيين في الوصول إلى الغذاء. ولكن رش مبيدات الأعشاب على الأراضي الزراعية الحدودية في قطاع غزة، التي تشكل ٢٥٪ من إجمالي الأراضي الزراعية في القطاع، يمنع الفلسطينيين في غزة من حقهم في إنتاج واستهلاك غذاء صحي."

ويرى عبد العاطي أنّ الاحتلال يهدف من وراء عمليّات الرشّ الجوي إلى تقويض صلاحية القطاع الزراعي، وتخريب البيئة، إذ يعمل الرشّ الجوي على إعاقة وتطويق الزراعة وأيّ جهود مبذولة لتطوير الأنشطة الزراعيّة في هذه المناطق التي تعتبر سلة غزة الزراعية.

 

صورة ساتالايت  حول تركيز مبيدات الاعشاب بعد الرش- من فيديو لمجموعة فورنزيك اركيتكتشر 

 

 وبحسب شهود عيان، وقبل البدء بعمليات رش المبيدات، يتأكد الجيش الإسرائيلي من اتجاه هبوب الريح بإشعال النار في إطارات على الخط الفاصل في المناطق الشرقية للقطاع، من أجل تجنب إحداث أضرار في المحاصيل الزراعية الإسرائيلية، وتعريض الإسرائيليين لهذه المواد المسرطنة على الجهة المقابلة. كما يتم اختيار أوقات تتزامن مع مواعيد تسبق حصاد المحاصيل الزراعية الشتوية والصيفية لدفع المزارعين إلى التخلص من محاصيلهم، بعد بذلهم الوقت والجهد والمال في زراعتها ورعايتها.

ويعتبر الرش باستخدام الجرارات الزراعية أقل ضرراً من الرش من الجو، إلا أن الرش من الجو هو السياسة المتبعة، وتهدف بصورة جلية إلى نشر هذه المواد الخطرة على نطاق واسع. وبحسب منظمة الصليب الأحمر وتحليلاتها المخبرية للنباتات المتضررة، فقد أتلف رش مبيدات الأعشاب محاصيل زراعية فلسطينية تبعد عن السياج الحدودي أكثر من ٢٢٠٠ متر داخل القطاع. 

وتترافق عمليات رش مبيدات الأعشاب مع عمليات تجريف الأراضي الزراعية في المناطق ذاتها. ووفقاً للإحصاءات الفلسطينية، تقلصت مساحات الأراضي الزراعية في غزة من ٢٨٥.٣٣ ألف دونم في سنة ١٩٩٩ إلى ١٧٣ ألف دونم في سنة ٢٠١٦. ويشير تقرير إحصائي لمركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن إسرائيل قامت، حتى سنة ٢٠١٨، بجرف ٣٥٪ من الأراضي الزراعية المحاذية للسياج الفاصل لقطاع غزة، والتي تشكل ١٥٪ من أراضي القطاع، في نطاق يمتد في بعض المناطق من ٥٠٠ إلى ١٠٠٠ متر داخل الأراضي الفلسطينية.

 

مزروعات-في-غزة

 

وخلافاً لادعاء الاحتلال الإسرائيلي بأن الرش يتم لدواع أمنية، يرى البعض أن عمليات الرش الممنهجة هي استراتيجية وليس تكتيكاً، وتهدف إلى تشكيل حدود قطاع غزة عنوة ضمن الرؤية الإسرائيلية، وذلك بزيادة مساحة المنطقة العازلة للشريط الحدودي داخل الأراضي الفلسطينية في سياسة لفرض الأمر الواقع. كما تهدف عمليات إبادة الأعشاب إلى تقليص الأراضي الزراعية في القطاع وتحويل الجزء الأكثر خصوبة منها إلى أراض غير صالحة للزراعة، عارية من الغطاء النباتي، تكريساً للحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنة ٢٠٠٦، وبغية زيادة اعتماده على الواردات الزراعية من إسرائيل.