لعب الوقف دوراً مهماً في بناء المدن حضارياً. ونقصد بالجانب الحضاري كل ما يشمل عملية التطور والبناء، ليس فقط المستوى المادي من تنمية اقتصادية وعمرانية، كإنشاء البنايات والأسواق والخانات والحارات، بل يشمل أيضاً التنمية البشرية والفكرية لمجتمع المدينة في حقول التعليموالمدارسوالمكتبات، وفي حقل الحركة الصوفية-التربوية؛كما يشمل إزالة الفوارق الطبقية والاقتصادية من حيث دعم الفقراء والمساكين وتوفير الطعام والسكن لهم، معالجة المرضى وإسكان المسافرين...) . وقد تميزت مدينة القدس مثل غيرها من مدن العالم الإسلامي بكثرة الأوقاف فيها بشقيها الخيري والذُّري. ولم تقتصر هذه الأوقاف على المسلمين فقط وإنما تعدتها لتشمل أيضاً أبناء الطوائف الدينية الأخرى. وكان للأوقاف أيضاً دوراً مميزاً في تنشيط جميع أوجه مرافق الحياة في المجتمع المدني داخل المدن وخارجها. فقد خلقت الأوقاف شبكة من العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تميزت بالديمومة. فمن أجل تأمين واستمرار عمل المؤسسة الوقفية كان لا بد للواقف من توفير مداخيل ثابتة لمؤسسته عبر وقف العقارات التجارية من أسواق ودكاكين أو خانات وحمّامات أو عبر وقف أرض زراعية ليصرف ريعها على مؤسسته. وهذا يخلق شبكة من العلاقات بين القائمين على هذه المؤسسة والعاملين فيها والمستأجرين لعقاراتها، وأيضا بين المنتفعين منها.