Abd al-Rahman, The Arabs of the Gulf in the Age of Apostasy
Reviewed Book
Full text: 

عرب الخليج في عصر الردّة

أسامة عبد الرحمن

بيروت، لندن، قبرص: رياض الريّس للكتب والنشر، 1995. 207 صفحات.

 

يحاول المؤلف، من منطلق وحدوي عروبي، مناقشة بعض القضايا المهمة والساخنة في أيامنا الحالية، والتي هي من صميم معاناتنا اليومية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ألا وهي: قضية الانتماء العربي في الخليج عامة والكويت خاصة بعد كارثة الخليج؛ القطرية وترسخها؛ التضامن العربي؛ السوق الشرق الأوسطية؛ وأخيراً قضية التنمية في الوطن العربي.

أمّا بالنسبة إلى قضية الانتماء العربي، فيرى المؤلف أن كارثة الخليج جعلت العرب الخليجيين يديرون ظهورهم لباقي العرب؛ مستنكرين بمرارة مواقف الكثير من الأقطار العربية، بل كادوا يديرون ظهورهم، وهم في أوج مرارة الاستنكار، للقيم العربية الوطنية ذاتها. وبحسب رأي المؤلف، فإن الخليج العربي يبدو في هذه الفترة، أكثر من أي وقت مضى، متهافتاً على الاتفاقات والمعاهدات الأمنية مع القوى الأجنبية، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية التي ظهرت على مسرح الأحداث كما لو أنها منقذ لعرب الخليج من براثن "دعاة العروبة والقيم العربية الوطنية" (ص 9، 10). ويضيف المؤلف أن النكوص عن المشاعر العربية يبدو صارخاً في أقطار الخليج العربي، غير أنه منتشر أيضاً في الكثير من الأقطار العربية الأُخرى، وأصبح التهافت على صداقة الولايات المتحدة، والجهر بذلك، أمراً لا حرج فيه، ولا يثير المشاعر العربية الوطنية. ويُرجع المؤلف هذا النكوص إلى سنة 1979، إلى ما بعد "الصلح المصري - الصهيوني"، وربما إلى ما "قبله، بعيد نكسة حزيران/يونيو 1967 وانكسار النهج القومي."

أمّا أبرز أوجه هذا النكوص القومي فهو، بحسب رأي المؤلف، نمط العلاقات العربية - العربية التي "عادة ما سادها التوجس والريبة. وإن بدا في بعض الأحيان أنها تسير في نسق واحد، فإن ذلك سرعان ما يتلاشى ويحل محله التوجس والريبة بحيث تكاد تكون القاعدة ويكون النسق الواحد الاستثناء الذي يتلاشى بسرعة." ويرى المؤلف أن الرواج النفطي في الخليج فجّر نقمة تمثلت في الأطماع الدولية وتطلع الكثير من الأنظمة العربية بحقد إلى الخليج "على تفجّر هذه الثروة في أقطار لم تكن تمثل ثقلاً... ولم يكن لأكثرها دور ريادي حضاري، وإن هذه الثروة ينبغي اقتسامها" (ص 23). لكنه يضيف أن تكدس الثروة في الأقطار العربية الخليجية لا يعني بالضرورة أن المجتمع بأسره هناك مترف؛ ففيه من هو معدم أو لا يكاد يجد قوت يومه، وهناك فجوة كبيرة بين المترفين والمعدمين.

وبالنسبة إلى الوضع في الكويت، يعرض المؤلف رأيه فيما يختص بالعروبة والقيم القومية، فيقول: "وفي الكويت بصورة خاصة... أصبح العداء للعروبة والقيم القومية على الساحة المجتمعية أمراً مشهوداً، ويساند ذلك النظام إن لم يسهم في إذكائه. وبدأ في أعقاب الكارثة طرح يجد على الساحة ما يبرره، وهو أن العدو الفعلي الذي اجتاح الكويت قطر عربي وليس الكيان الصهيوني... وأن العروبة والقيم القومية لم تنقذ الكويت من محنتها وإنما أنقذها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية..." (ص 25). وبناء عليه، أصبحت العلاقات بالكيان الصهيوني، استناداً إلى هذا الطرح، مبررة أيضاً.

أمّا بالنسبة إلى قضية التضامن العربي، أو أي شكل من أشكال التلاقيالعربي، فيرجع الخلل فيه إلى "أهواء الحكام ونزعاتهم الشخصية." فمع أن الوحدة تمثل الأمل والطموح، وكانت محور دعوات ومحاولات متعددة منذ عقود من الزمن، ومع أن الفدرالية تمثل الإطار الأفضل لهذه الوحدة الاندماجية بين شتى أقطار الوطن العربي، فإنه يتم حالياً طرح الكونفدرالية على أساس أنها أقرب إلى التطبيق، وذلك بعد أن ترسخ الانكفاء القطري وتأصلت التجزئة وتفاقم الانقسام. ويرى المؤلف أنه إذا كان بعض الأنظمة يرفع شعارات الوحدة أو يجاهر بها، فقد ظل في كثير من الأحيان، ومنذ السبعينات، بعيداً في ممارساته عما يجاهر به، إضافة إلى "أنه في كل الأحيان كانت هناك أنظمة تناهض الوحدة، سواء جاهرت بذلك أم لم تجاهر" (ص 79). وفي المقابل، فإن قيام كونفدرالية تشمل بعض الأقطار العربية والكيان الصهيوني، وهذا أمر مطروح حالياً في الساحة العربية، يبدو أمراً أقرب إلى التطبيق.

وبالنسبة إلى الدولة القطرية وترسخها، يرى المؤلف أنه لا يمكننا التسليم بمقولة البعض، مثل الجابري، من أن الدولة القطرية يمكن التعامل معها على أنها واقع يمكن العبور من خلاله إلى الوحدة، لأن هذه الدولة "في انكفائها على نفسها ترسخ الضعف... وهي في نطاق قطريتها وانغماسها في شعاراتها تنأى عن مفهوم الوحدة أو لعلها تناقضه أو تناهضه" (ص 85). ويتابع القول إن تحقيق الوحدة غير ممكن من خلال الاكتفاء بطرح الشعارات، أو طرح الفكر العروبي في إطار دائرة تكاد تكون نخبوية، ومن دون بلورة استراتيجيا تتفاعل معها القاعدة المجتمعية، ولا سيما أن انكفاء الدولة القطرية غالباً ما يقترن بقمع الفكر واضطهاده أو محاولة احتوائه، وأيضاً بقمع القاعدة المجتمعية. ولا يجد المؤلف "مبرراً للمفكرين والمثقفين الوحدويين في انعزالهم عن القاعدة [....] لأنهم بذلك يحاورون أنفسهم دون أن يكون هناك صدى يصل إلى القاعدة المجتمعية" (ص 86).

أمّا بالنسبة إلى موضوع النظام العالمي الجديد ومشروع الشرق الأوسطية، فيعالج المؤلف تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم، ويتبنى الرأي القائل إنها فترة موقتة، وستنتهي كما انتهت الإمبراطوريات السابقة في التاريخ. لكنه يضيف قائلاً "إن وقوف الأقطار العربية ودول العالم الثالث وكأنها مكتوفة الأيدي يجعلها غير قادرة حتى على التعامل مع المستقبل الذي يجري تشكيله، وليس بإمكانها أن تخرج من هذا التشكيل، ولذلك فإنه يترتب عليها أن تتعامل مع هذا المستقبل الذي يجري تشكيله وأن تستخدم قدراً من الذكاء والحنكة والحكمة... يحفظ لها دوراً في المستقبل" (ص 106)، لكنه لا يوضح كيف يمكن أن يتم هذا التعامل وعلى أي أساس.

ويرى أيضاً في تناوله لموضوع النظام الشرق الأوسطي أن دخول دول الخليج في هذا النظام أمر حيوي وأساسي، من وجهة النظر الصهيونية، وذلك لأن الكيان الصهيوني يضع نصب عينيه أهمية النفط والاستفادة من الموارد المالية والأسواق في الخليج.

وعن موضوع التنمية يقول: "إن غياب خطة للتنمية الفعلية الشاملة، متسقة على صعيد الوطن العربي بحيث يتلاحم استثمار الموارد المالية النفطية والمورد البشرية في إطار توجه جاد، كان سبباً في جعل كل قطر من الأقطار يبدو متعثراً وغير قادر على مواجهة أعباء وتبعات وتحديات كبيرة. حيث أن غياب تلك التنمية يعني ضعف البنية السياسية وإن كانت قمعية مستبدة. وغياب القاعدة الاجتماعية وعدم المشاركة المجتمعية وضياع الكثرة في ردهات الفقر والفاقة والبطالة وغياب القدرة الإدارية الكفوءة وغياب القاعدة الاقتصادية المعطاءة... وضعف البنية الثقافية بحيث كان كل شيء قابلاً للاختراق والاستغلال وفرض الإرادة بحيث بدت الأقطار العربية كلها مستهدفة ومستضعفة في مواجهة التحدي الصهيوني القوي" (ص 147). إن هذه الفقرة، على طولها، تلخص كل ما يريد قوله عن موضوع التنمية. ويضيف إلى ذلك أفكاراً عن التكامل أو التعاون الاقتصادي العربي وضرورته كخطوة أولى في تحسين الأوضاع المعيشية العربية، سواء على الصعيد القطري أو القومي، ثم يطرح فكرة الاتحاد الجمركي العربي بصفتها تمثل حدّاً أدنى من التكامل والتعاون الاقتصادي العربي. لكن كي يكون هذا الحد الأدنى فعّالاً، لا بد من استراتيجيات جديدة تقوم على تجميع القوى والموارد العربية في ظل توفير المناخات والضمانات الملائمة التي تساعد في تحريك الموارد الاقتصادية ما بين الأقطار العربية. لكن تبقى العلاقات المشوبة بالريبة وعدم الثقة، والاتجاه التنافري بين العرب، والخلافات السياسية، إضافة إلى الانكفاء القطري، سبباً في عدم الاتفاق على مشروع، وإن كان في مستوى الحد الأدنى.

بالإضافة إلى ما ذكر، يعالج الكتاب موضوعات مثل الولايات المتحدة، والخليج العربي، والمد الأصولي، والتجمعات الإقليمية. ومما يضفي أهمية خاصة على الكتاب أن المؤلف هو ابن المجتمع الخليجي الذي ينتقده، وأنه يدافع عن فكرة باتت تهمة في حد ذاتها هذه الأيام، ألا وهي الدعوة إلى القومية العربية والوحدة. وزيادة على ذلك، ينبه المؤلف إلى مخاطر الوجود الغربي، والأميركي تحديداً، في المنطقة. وهذا موقف شجاع ويستحق التقدير. لكن ذلك لا يمنع من التوقف عند بعض المآخذ في الكتاب. فعلى سبيل المثال، إن عنوان الكتاب هو: "عرب الخليج"، لكن المرء لا يجد فيه ما يشفي الغليل بشأن هؤلاء العرب ومواقفهم وردات فعلهم، مثقفين ورجال أعمال وعامة الناس، تجاه ما يسميه المؤلف "عصر الردّة". وقضية أُخرى هي كثرة الاستشهادات إلى درجة أن المرء يتعب بحثاً بين السطور عن رأي مبتكر للمؤلف، فلا يجد تقريباً سوى استشهادات للغير، حتى أنه يمكن وصف هذا العمل بأنه كتاب توثيقي أكثر منه كتاب يحمل وجهة نظر المؤلف. وحتى في هذا المجال، هناك ثغرة أُخرى تتعلق بالمراجع التي اعتمدها المؤلف. فمن مجموع 35 مرجعاً، هناك أكثر من 30 مرجعاً صادراً عن مركز دراسات الوحدة العربية. ومع احترامنا لهذه المراجع، كنت أتمنى أن أسمع آراء ومواقف الآخرين من معارضي الدعوة القومية والوحدة العربية. فمصادر المركز، ومجلته "المستقبل العربي"، معروفة ومقروءة على نطاق واسع، لكن، على سبيل المثال، ماذا يُكتب في الخليج اليوم وماذا يُقال بشأن الموضوعات التي يعالجها الكتاب.

Author biography: 

أحمد مفلح: باحث فلسطيني.