تاريخ الأردن الحديث
The Modern History of Jordan
Kamal Salibi. London and New York: I. B. Tauris & Co., Ltd., 1993. 275 pages, $55.
من أهم العقبات التي يواجهها دارسو التاريخ الأردني النقص في الدراسات المرتكزة على مصادر أصلية أولية، والحدود الضيفة التي ركز المؤرخون جهودهم ضمنها بصورة تقليدية. وكان قد برز في الخمسينات نمط حدد مجال البحث والمصادر المستخدمة منذ ذلك الحين. وما ظهر في الغرب وإسرائيل من مؤلفات في تاريخ الأردن هو عموماً مؤلفات في التاريخ السياسي ركزت على أربعة موضوعات رئيسية: إعادة فرض الحكم العثماني و "ترويض" البدو؛ دور العائلة الهاشمية في تأسيس الدولة وتوطيدها؛ الأردن ككيان سياسي واعتماده على الغرب حفظاً لبقائه؛ النزاع العربي – الإسرائيلي وعلاقة الأردن بالفلسطينيين وفي معظم الحالات، تألفت مصادر المؤلفات هذه في أدب الرحلات الأوروبي، والمذكرات وسجلات الاستعمار البريطاني، وسجلات أردنية استولت إسرائيل عليها سنة 1967.
لقد أدت هذه المؤلفات التاريخية غرضها، والمجال منفسح الآن أمام رؤية جديدة متحررة من هذه الحدود والمصادر التقليدية. لكن كتاب "تاريخ الأردن الحديث، لا يساعد، لسوء الحظ، في إنجاز هذا الأمر. وما يقدمه المؤرخ المرموق كمال صليبي هو "تأويل" لتاريخ الأردن السياسي الحديث مفيد لعموم القراء بقدر ما هو مفيد لدارسي الشرق الأوسط، بحسب قوله (ص 1). الحواشي قليلة، والمراجع المختارة مختصرة، والعرض بسيط. وفي غياب أي عمل تقريباً يتابع تاريخ البلد حتى التسعينات، فإن كتاب صليبي مرحب به، ولا سيما أنه ظهر ف وقت يتزايد فيه اهتمام الدارسين بالأردن، وفي وقت يسيطر علماء الاجتماع فيه على ميدان البحث. بيد أن كتاب صليبي يقدم القليل من حيث المعلومات أو التفسيرات الجديدة، ولذا، فإن فائدته محدودة.
إن برنامج عمل صليبي متواضع ومعتمد بقوة على مصادر ثانوية بحدودها الضيقة. والمؤلف يبدأ مناقشته السردية للأردن "الحديث" بالقرن الثالث ق.م. منتهجاً نمطاً بات مكرساً تقريباً لدى البحث في تاريخ الأردن وقليل الفائدة، يعود إلى كتاب ف.ج. بيك "تاريخ شرق الأردن وقبائلها" (صدر بالإنكليزية سنة 1958 بعنوان: A History of Jordan and It’s Tribes)، وكتاب بنيامين شفاردان الذي صدر سنة 1958 بعنوان: "الأردن: دولة في حالة توتر" (Jordan; A State of Tension) ، ثم يتعقب التاريخ السياسي للأردن الحديث بتسلسل بيشدأ بأعوام الحكم العثماني العجاف، مركزاً بشدة على ما عُدٍّد أعلاه من موضوعات تقليدية لتاريخ الأردن السياسي، ويواصل مناقشته إلى ما بعد حرب الخليج سنة 1991. وخلال ذلك كله، يبرز تعاطف المؤلف مع الهاشميين جلياً.
إذاً، إن صليبي يقدم رؤية تقليدية للتاريخ السياسي الأردني، وتأريخه للأردن الحديث إنما هو تأريخ للعثمانيين، والبريطانيين والهاشميين، والفلسطينيين – تاريخ أجانب وحكّام. لكن ماذا عن المجتمعات المحلية الأصلية، عن بنيتها وثقافتها واقتصادياتها؟ صليبي لا يولي هذه القضايا إلا القليل من الاهتمام. وليس هناك سوى فصل واحد بين الفصول الأحد عشر، وهو بعنوان "الأرض وحكايتها"، يوحي بتركيز الاهتمام على الأرض والشعب، وهذا الفصل يناقش، إلى حد بعيد، التاريخ السياسي القديم والوسيط. أما الفصول الأُخرى، فتركز على موضوعات تقليدية مثل: "خلفية العائلة المالكة" (حيث لا ترد كلمة "الأردن" سوى مرتين)، و"المؤسٍّس"، و"لملمة البلد" و"عبد الله والفلسطينيون".
لا أحد يشك في أهمية موضوعات كالهاشميين والفلسطينيين بالنسبة إلى الأردن الحديث. ومحط الاعتراض هو التركيز الحصري على مثل هكذا موضوعات. ومن هذه الزاوية، فإن دراسة صليبي للتاريخ الأردني يشكو من المآزق ذاتها التي واجهها السياسيون وبعض علماء السياسة الذين يدرسون البلد تركيز مفرط على تاريخ النظام. ذلك بأن فَهم الهاشميين لا يفسر في حد ذاته ولذاته تاريخ الأردن الحديث.
إن رضى صليبي بالموضوعات التقليدية للتاريخ الأردني واعتماده على أعمال ثانوية (وعلى مصادرها) يقوده أيضاً إلى تفادي أية مناقشة مهمة للقضايا الاجتماعية – السياسية. طبعاً، إن نمو طبقة صغيرة، لكن غنية، من التجار المغتربين ووضْع نظام أراض أعلنت فيه ملكيةصغيرة للفلاحين إنما هما عاملان حاسمان في تاريخ الانتداب. وفي مثل أحدث، فلو أن صليبي أفاض في مناقشة قضايا اقتصادية (ولا سيما الروابط الاقتصادية العراقية – الأردنية)، لعدَّل ربما من توكيده أن الأردن دعم العراق خلال الحرب الإيرانية – العراقية 1980-1988 "من دون تحفظ أو حساب لما سينجم في النهاية من خسارة أو ربح ..." (ص 260).
وحين يقوم صليبي بدرس المسائل الاجتماعية – الاقتصادية، فإنه يسلم أحياناً بالمعرفة التقليدية التي تقدمها المصادر الموجودة. وبالتأكيد، لقد حان الوقت لإعادة النظر في الاعتقادات القديمة بشأن التاريخ الأردني في ضوء أدلة وأطر جديدة.
إن السؤال الذي ينشأ عن كتاب "تاريخ الأردن الحديث" هو، هل نحن بحاجة إلى سرد سياسي عام آخر للتاريخ الأردني؟ إن مواد المصادر الأصلية، التي يمكنها تسليط ضوء قوي على تاريخ الأردن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، متوفرة ويمكن الوصول إلأيها بيسر. والكتابة النابعة من هذه المصادر بدأت تظهر على نحو منعش للذاكرة.