Yassine, The Society of the Palestinian Intifada
Reviewed Book
Full text: 

مجتمع الانتفاضة الفلسطينية

عبد القادر ياسين. القاهرة: كتاب الأهالي (41)، أيار/مايو 1992.

 

بينما درج معظم الكتب التي غطت الانتفاضة على التركيز على ما هو وطني وعام، فإن هذا الكتاب تميَّز بالدخول، بقوة، في المحظور الطبقي.

وعنوان الكتاب الأصلي، هو "الجوهر الطبقي للانتفاضة الفلسطينية". إذ عمد المؤلف إلى رؤية الطبقي داخل الوطني، وحاول رصد التفاوت في درجة مشاركة كل فئة اجتماعية على حدة؛ فهو مؤمن بالمنهج الطبقي في التحليل، ولم تهزه النكسات التي حدثت في شرق ووسط أوروبا، ولا يزال مصراً على الحج ويؤكد وجوبه.

وبحسب الناشر، فإن المؤلف من أبرز الكتاب والمفكرين الفلسطينيين؛ ولد في يافا، سنة 1937، وارتبط بالحركة الوطنية التقدمية الفلسطينية، حيث مزج بين الكفاح والكتابة، ولم يكن من مثقفي الأبراج العاجية. وهذا الكتاب رقم 7 من بين الكتب التي أرخ فيها ياسين للقضية الفلسطينية؛ وأهمها "كفاح الشعب الفلسطيني قبل العام 1948"، و"تاريخ الطبقة العاملة 1918-1949". كما أنه الكتاب رقم 6 بين الكتب التي تندرج تحت بند العلوم السياسية أو الشهادات التاريخية مثل: "حزب شيوعي ظهره للحائط"؛ "تجربة الجبهة الوطنية في قطاع غزة"؛ "فكر اليسار المصري والقضية الفلسطينية"؛ "أزمة فتح"؛ "حماس".

ويقع كتاب "مجتمع الانتفاضة الفلسطينية" في120 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن أربعة فصول، تبين لنا الطاقة الوطنية المختزنة لدى شتى الطبقات والفئات الاجتماعية.

وقد رصد الفصل الأول "انفجار الخزان"، وأسباب الانتفاضة، ومعالم عسف الاحتلال ضد كل فئة وطبقة اجتماعية على حدة، طوال أعوام الاحتلال، ورأى المؤلف "أنه ما كان لحادث الشاحنة أن يفجر مثل هذه الانتفاضة، لولا ما تراكم في خزان الشعب من بارود السخط، طوال عشرين سنة متصلة من الاحتلال المهين. وقد جاءته الشرارة، مساء 8/12/1987، فكان الانفجار التاريخي المدوي." (ص 16)

وهذا يعني أن الاحتلال أحدث نزفاً في الكرامة الوطنية الفلسطينية، وزاد في فزع هذا الشعب على أمنه ومستقبله، فكانت الانتفاضة بارقة أمل في وسط الظلام المسدل منذ أعوام طويلة.

وما كان للانتفاضة أن تقوم من دون أن يكون للاقتصاد صلة حميمة بها؛ كما أن للشأن الاقتصادي تداعياته الاجتماعية والسياسية أيضاً؛ فالضغوط الاقتصادية التي يعانيها أهل الضفة والقطاع باتت غير محتملة. ولقد سخرت هاتان المنطقتان لخدمة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث أباح استغلالهما استغلالاً بشعاً؛ ويتميز الاقتصاد الإسرائيلي بـ"الطابع الاحتكاري أولاً، وبأنه اقتصاد حرب ثانياً، وبكونه شريكاً صغيراً مع الاحتكارات الأميركية ثالثاً." (ص 17)

وكان القطاع الزراعي أكثر فروع اقتصاد الضفة والقطاع تضرراً، وذلك بسبب توسع الاحتلال في مصادرة الأراضي الفلسطينية، وتعطيشها، ومنافسة المحاصيل الإسرائيلية المدعومة، وتردي الخدمات الزراعية، وغير ذلك من المعوقات.

ورأى ياسين أن عجز اقتصاد الضفة والقطاع عن تأمين فرص عمل لكل الأيدي العاملة أحدث تحولات اجتماعية تركت بصماتها على الحركة السياسية الفلسطينية في محتواها، وبرنامجها، وبنيتها.

"لذا جاءت الانتفاضة تجاوزاً لمختلف البرامج الوطنية الفلسطينية المطروحة، ولطمة مدوية للأنظمة العربية، فضلاً عن أنها كانت محصلة طبيعية لنشاط الفصائل الوطنية في التوعية، والتعبئة، والتنظيم، طول سنين الاحتلال." (ص 33)

في الفصل الثاني الذي يعالج انخراط الطبقات الاجتماعية في الثورة يحاول ياسين إلقاء الضوء على الأساس الطبقي لقاذفي الحجارة من الفتيان الفلسطينيين، فيقول: "بدأ قاذفو الحجارة من الفتيان الفلسطينيين وكأنهم مجردون من أي سند طبقي اجتماعي، وقد كان طبيعياً أن تعجز عدسات كاميرات التصوير الصحفي والتلفزيوني عن رصد هذا السند، الذي لا سابق لاتساعه." (ص 40)

ويبين لنا ذلك مدى شغف الباحث بالمنهج الطبقي في التحليل، حيث يقسم الطبقات الاجتماعية في الضفة والقطاع إلى ثلاث كتل، تقف في قمتها الكتلة الثرية، وتشكل 2,11% من مجموع الشعب. وثاني هذه الكتل شرائح الوسط، وتشكل 22,97%، بينما تشكل الطبقة الفقيرة 74,91% من شعب الضفة والقطاع.

ويؤكد المؤلف انخراط جميع الطبقات والفئات الاجتماعية في الانتفاضة، وإنْ تفاوتت نسبة المشاركة من طبقة إلى أُخرى، ومن فئة اجتماعية إلى أُخرى.

ويبدو الباحث متعاطفاً مع المرأة، حيث يقول: "عانت المرأة من اضطهاد مثلث. أول هذه الاضطهادات قومي، وثانيها جنسي، وثالثها طبقي، وهذا الاضطهاد الأخير وقف على كل المنتميات إلى الطبقات والفئات الكادحة، وقد أعطى هذا الاضطهاد مردوده الثوري اللائق." (ص 50)

ويستشهد المؤلف بإحصاء لمنظمة الحق في يوم المرأة العالمي يقول إن 68 امرأة وفتاة استشهدن، منذ نشوب ثورة الحجارة، وإن أكثر من 500 امرأة اعتقلن فيما أودعت 18 امرأة رهن الاعتقال الإداري، عدا ألفي حالة إجهاض، وذلك حتى 7/9/1989.

وفي الفصل الثالث الذي يعالج اختيار الطبقات أداتها الكفاحية يضع الكاتب ترتيباً للمكانة التي تحتلها التنظيمات الفلسطينية، فيقول: حين اندلعت الانتفاضة، كان يحتل الصدارة في الحركة السياسية في الضفة والقطاع أربعة تنظيمات سرية (فتح، والجبهة الشعبية، والحزب الشيوعي، والجبهة الديمقراطية).

ومع أن الجبهة الشعبية – القيادة العامة تفتقر إلى الحضور التنظيمي الملموس في الضفة والقطاع، فإن المؤلف يرى أن ثمة ثلاث مزايا حققت لها حضوراً جماهيرياً هناك، وهي: عمليتا تحرير الأسرى (سنتي 1979 و1985)؛ وعملية قبية الفدائية (25/11/1987)؛ وإذاعة القدس. وثمة جماعات إسلامية نشيطة، لعل أهمها الإخوان المسلمون، وغدت "حماس" بعد اندلاع الانتفاضة، التعبير العلني عنها.

ومع انفجار الانتفاضة بكل زخمها، لم تتسع التنظيمات الأربعة لهذا البحر المتلاطم الأمواج، لا كانت "اللجان الشعبية" الصيغة التنظيمية التي استجابت لحاجات المرحلة النضالية المستجدة. كما عمقت الروح الديمقراطية في صفوف الفلسطينيين، ووثقت عرى الوحدة الوطنية.

ويخبرنا الباحث عن ائتلاف التنظيمات الرئيسية الأربعة، بعد شهر واحد من اندلاع الانتفاضة، داخل "القيادة الوطنية الموحدة".

وظهرت في الفصل الرابع الآثار الاجتماعية الآنية للانتفاضة، واستهل ياسين هذا الفصل بقوله: "كأن جمرة لسعت المجتمع الفلسطيني، فاهتز من أعماقه، فما كان للانتفاضة أن تستمر دون أن تقطر وراءها المجتمع الفلسطيني، ومعه قيمه جميعها. وقد أثرت الانتفاضة على مجمل العلاقات الاجتماعية، بتفاوت في الدرجة، مع اختلاف الموقع الجغرافي، والمرتبة الطبقية، والشريحة العمرية." (ص 92)

وكان للأسرة النصيب الأكبر من هذا التغيير، استجابة للشروط الاقتصادية القاسية الناتجة من الانتفاضة، لذا صاغت الكثير من الأفكار والعادات الجديدة الخاصة بالزواج، والمهر، وذلك بالتخلي عن المظاهر الاجتماعية القائمة على التنافس في مجال الاستهلاك الترفي السفيه، كما تراجعت نسبة الطلاق.

وغلب الود على العلاقات بين مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية ونأى مجتمع الضفة والقطاع عن القيم الرأسمالية لمصلحة القيم الاشتراكية، بمعناها الواسع، الذي يصب في "أمنيات الباحث الاشتراطية.

وأنهى المؤلف دراسته بقول لملثَّم وطني فلسطيني: "نحن نصعد على سلَّم تحترق درجاته من خلفنا، وليس بإمكاننا النزول." وذلك ربما ليعفي الكاتب نفسه من كتابة فصل جديد، يستشرف فيه المستقبل.

وقد عمد الباحث إلى سرد تفصيلات حياة يومية لا تتفق، وإن خدمت الدراسة، وصغر حجم الكتاب، لا سيما أن المؤلف اختار الأسلوب التلغرافي.

وخيراً فعل المؤلف إذ حصل على معلوماته من مصادر متنوعة، معتمداً على الوقائع الموثقة، ونخص بالذكر الدوريات الصادرة في الأرض المحتلة نفسها، لما لها من أهمية في هذا المجال، مثل صحف "الطليعة" و"الكاتب" و"عبير"، الصادرة في القدس، و"الاتحاد، الحيفاوية.

وأجاد ياسين في تقديم معلومات وافية ومكثفة عن الانتفاضة؛ فهذا الكتاب غني بمعلومات مركزة عن هذه الظاهرة الكفاحية الفريدة، التي ظلت تفتقر إلى استكمال الوحدة الوطنية، وحمايتها، وتطويرها.