الانتقال إلى الحكم الذاتي الفلسطيني: خطوات عملية نحو سلام إسرائيلي-فلسطيني
Transition to Palestinian Self-Government: Practical Steps Toward Israeli-Palestinian Peace*
By Ann Mosley Lesch. Bloomington: Indiana University Press, 1992.
تناولت مفاوضات السلام الثنائية الجارية بين إسرائيل والفلسطينيين، بدعوة من الولايات المتحدة وروسيا، أو حاولت أن تتناول، على الأكثر، مسائل عملية تنطوي في النهاية على إزالة متدرجة للاحتلال الإسرائيلي وإقامة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي بالتدريج. والتقرير الذي نراجعه هو نتاج مجموعة خاصة عملت بإشراف الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم، لمناقشة الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها لتيسير الفترة الانتقالية. والتقرير "محاولة للتعرف بمصطلحات مباشرة على نمط الموضوعات والقضايا التي ستبرز في أثناء عملية التفاوض بشـأن مراحل الحكم الذاتي." (ص viii) وقامت بإعداده ومناقشته وكتابته مجموعة مرموقة من الاختصاصيين – أميركيون وإسرائيليون وفلسطينيون – على رأسها المؤلفة الرئيسية الدكتورة آن موسلي ليس من جامعة فيلانوفا.
إن "الانتقال إلى الحكم الذاتي الفلسطيني" عبارة عن وثيقة عميقة التفكير، وواقعية، وحساسة، وتحليلية، ومنصفة. والتقرير في جوهره يهدف إلى إنهاء عذابات الإسرائيليين والفلسطينيين عبر عملية متدرجة تتخللها إجراءات لبناء الثقة من قِبل الجانبين. ويركز على ما يمكن فعله وتحقيقه، وهو ليس مجرد تمنيات.
بسلوكهم طريقاً واقعياً باتجاه السلام، حدد كاتبو التقرير ثلاثة أمور يمكن الاتفاق بشأنها، وهي: "المؤسسات المدنية والسياسية"؛ "الأمن الخارجي والأمن الداخلي"؛ "قضايا الاقتصاد والموارد". وقد عالج التقرير مختلف القضايا المثارة في كل من الأمور الثلاثة في سياق مراحل أربع: الوضع الراهن؛ مرحلة التفاوض؛ الفترة الموقتة؛ الوضع البعيد المدى. ويشير التفاعل المتبادل والمتواصل بين القضايا المثارة ومراحلها إلى أن المفاوضين، مع اهتمامهم بإيجاد تدابير يمكن العمل بها في المرحلة الانتقالية، لا يستطيعون التغاضي عن "الوضع النهائي" الذي سيتم الاتفاق عليه في نهاية الأمر. وفي الواقع، فإن "شكل" و"مشروطية" المرحلة الموقتة سيتأثران كثيراً بمفهوم التدابير البعيدة المدى.
يرتكز التقرير على عدة مبادىء مهمة: 1) عدم السماح للوضع الراهن بأن يستمر؛ 2) إن من شأن اتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني أن يسقط الحاجز الذي يحول دون التوصل إلى معاهدات سلام بين إسرائيل والدول العربية؛ 3) ليس منطقياً توقع انتهاء الصراع العربي – الإسرائيلي مع استمرار سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس منطقياً أيضاً توقع صمود أي اتفاق للسلام من دون منح الفلسطينيين حق تقرير المصير؛ 4) إن نشوء القومية الفلسطينية، مثل نشوء الصهيونية، قد مهد الطريق أمام سلام إسرائيلي – فلسطيني نهائي؛ 5) عندما تزيل إسرائيل بالتدريج وجودها العسكري من الأراضي المحتلة، ينبغي السماح للفلسطينيين بإدارة جوانب مهمة من حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
ويعطي التقرير صورة شاملة عن التغييرات التي حدثت في الأراضي المحتلة منذ سنة 1967 – تغييرات عملية وتشريعية وقضائية وديموغرافية. ويصف تطور المستوطنات اليهودية والمدن والقرى العربية ومخيمات اللاجئين في الأراضي المحتلة. ويقدم أيضاً تحليلاً لطبيعة الحكم العسكري، وعملية صنع القرار، والسلطة التي يمارسها الحكم على السكان العرب.
في مواجهة السلطة العسكرية الإسرائيلية؛ وفي محاولتهم تنظيم مجتمعهم، مارس الفلسطينيون أنشطة جماعية عبر هياكل اجتماعية وسيطة بين السلطة والمجتمع، مثل غرف التجارة، والجمعيات الخيرية، والنقابات، ومنظمات قاعدية وأُخرى تطوعية. وبطريقة أو بأُخرى، تعايشت هذه المنظمات مع الحكم العسكري الإسرائيلي، وإن كان تعايشاً هشاً.
يدعو التقرير إلى تحقيق القيود المفروضة على النشاط السياسي الفلسطيني خلال مرحلة المفاوضات، استعداداً للتدابير الموقتة. ويشمل هذا النشاط التجمعات السياسية، والتحليل العلني للقضايا السياسية، واستئناف الانتخابات المحلية، وإجراء انتخابات علنية وحرة للمجلس الوطني الفلسطيني ولسلطة الحكم الذاتي الموقت، وطبعاً يفترض التقرير أن هذا النشاط سيؤكد مبدأ الحكم الذاتي. وستطلق الانتخابات، التي ستخضع لرقابة موظفي الأمم المتحدة وموظفين مدنيين إسرائيليين، عملية سياسية تقود إلى نقل السلطة الوظيفية من الحكم العسكري الإسرائيلي إلى السكان الفلسطينيين. وخلال هذه المرحلة، تكون السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية تحت سيطرة إسرائيل، بينما تسيطر سلطة الحكم الذاتي الموقت على دائرة التربية ونظام التعليم الرسمي، بالإضافة إلى شؤون اجتماعية أُخرى، مثل الصحة والرعاية الاجتماعية.
وخلال الفترة الانتقالية، تقوم سلطة الحكم الذاتي الموقت بتحديد العلاقات الوظيفية بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفلسطينيي الشتات. وتتقاسم هذه السلطة المسؤوليات مع منظمة التحرير الفلسطينية. كما أنها تحمل إسرائيل على إعادة تعريف مفهومها للأمن وانعدام الأمن، لكل من إسرائيل والفلسطينيين. وإعادة التعريف هذه تشمل الجوانب المادية والنفسية المتعلقة بالأمن.
وللتأكد من نجاح الفترة الانتقالية، يتعهد الإسرائيليون والفلسطينيون اتخاذ سلسلة إجراءات لبناء الثقة. ويذكر التقرير بعضاً منها، مثل رفع قيود السفر، وإنهاء حظر التجول، ووقف الإغارة على المؤسسات التجارية.
ومع أن التقرير ليس المقصود منه أن يكون برنامج عمل لسلام إسرائيلي – فلسطيني، فإنه بمثابة خريطة طريق ممتازة للسلام؛ فهو يتعامل مع الأمور ببراغماتية ويتخلى عن العواطف. و"العواطف" الموجودة فيه تكمن في إيمان المجموعة بأن العذاب يجب أن ينتهي، وأن الشعبين كليهما يتوقان للسلام، وأن المناخ الراهن يقدم فرصة ذهبية لتعايش سلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى نهر الأردن. ونوصي بأن يقرأ التقرير أمناء المكتبات، وصانعو السياسة، ودارسو المنطقة، وأيضاً كل شخص معني بالسلام في هذا الجزء من العالم.
* صدر هذا الكتاب بالعربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في أيلول/ سبتمبر 1993.