كريستوفر: طلب الرئيس كلنتون مني اليوم أن أدلي بتصريح بشأن جهودنا في الشرق الأوسط.
لقد استحوذت الأحداث في الشرق الأوسط تاريخياً على اهتمام العالم. ومن المؤسف أن ذلك غالباً ما كان بسبب الحرب. هذه منطقة عرفت خمس حروب عربية ـ إسرائيلية منذ سنة 1948. وكل مرة اشتعلت الحرب فيها، كان العالم يحبس أنفاسه لأن خطر مواجهة بين الدولتين العظميين كان قائماً دائماً.
هذا الخطر أصبح الآن في حكم الماضي. فقد أتاح انتهاء الحرب الباردة فرصة استثنائية للتقدم نحو السلام في المنطقة، ويجب الآن أن نعمل جميعاً لاغتنام هذه الفرصة وتعزيزها.
في الشرق الأوسط، من غير المرجح أن يدوم مثل هذه الفرص طويلاً، وقد يكون ثمن ضياع الفرصة باهظاً. ونتيجة لوعي فداحة هذا الثمن، على وجه التحديد، قامت جميع الإدارات، طوال العقود الأربعة الماضية ـ سواء كانت إدارات ديمقراطية أو إدارات جمهورية ـ بدور نشيط في البحث عن السلام في الشرق الأوسط.
إن هذا الالتزام الثابت من قِبل الحزبين لتشجيع السلام يعكس حقيقة لا مجال للطعن فيها. فالبحث عن السلام في الشرق الأوسط يشكل مصلحة قومية حيوية لأميركا. إذ إنه يعكس حقيقة أن النزاع في المنطقة، نظراً إلى تكدس أسلحة فتاكة في المنطقة، يحمل بذور تصعيد خطر. إنه يعكس حقيقة أن معظم إمدادات النفط العالمي يمكن أن يتعرض للخطر؛ ويعكس حقيقة أن هناك التزاماً خاصاً من جانب الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، البلد الذي يشكل حليفاً راسخاً وموثوقاً به، ونشترك معه في التزام القيم الديمقراطية التزاماً عميقاً وثابتاً.
أعتقد أن لدينا الآن فرص لتشجيع السلام، الذي سيخدم مصالح كل من إسرائيل، والدول العربية، والفلسطينيين، والمجتمع العالمي بأسره. ولا يكفي دور أميركي سلبي. المطلوب مجهود إيجابي نشيط ينتهز فرصة ما يعتقد الكثيرون أنه لحظة تاريخية في تلك المنطقة.
يجب أن نغتنم هذه الفرصة الآن لنقوم بدور الشريك الكامل، تماماً كما فعلنا في تحقيق السلام الإسرائيلي ـ المصري منذ أربعة عشر عاماً. لقد كوفئنا بالكامل طوال هذه الأعوام بأواصر صداقة وروابط قوية بكل من إسرائيل ومصر. إن زيارة رئيس الحكومة رابين لواشنطن هذا الأسبوع، وزيارة الرئيس مبارك لها في نيسان/أبريل، دليل على الطبيعة الثابتة للعلاقات التي انبثقت من هذه المفاوضات.
لقد حان وقت أن تتخلى شعوب هذه المنطقة عن العنف وأن تعمل معاً لتحقيق المصالحة والسلام. والخطوات المهمة التي اتُّخذت في مؤتمر مدريد فتحت أفقاً واسعاً من الإمكانات. وخلال الأعوام الماضية ـ أو بالأحرى خلال العام الماضي ـ جلس العرب والإسرائيليون معاً في مفاوضات ثنائية، ساعين لتحقيق تسوية شاملة على أساس قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقمي 242 و338. كما أنهم يشاركون في مفاوضات متعددة الأطراف للبحث في قضايا متنوعة وملحة، مثل ضبط الأسلحة، والأمن الإقليمي، والتطوير الاقتصادي، والمياه، واللاجئين، والبيئة. وهم يسعون لبناء شرق أوسط يعمل الجيران فيه معاً لحل المشكلات المشتركة.
إن الرئيس كلنتون ملتزم مساعدة الأطراف في مواجهة التحديات الصعبة المقبلة والتغلب عليها. وعندما طلب الرئيس مني القيام بأول رحلة إلى الشرق الأوسط للتشاور مع القادة في المنطقة، عرض مساعدتنا الكاملة كشريك نشيط كامل في البحث عن السلام. وقد أكد بذلك حقيقة المشاركة الأميركية الدائمة في جهود السلام في الشرق الأوسط. وهذا في مصلحتنا نحن كأميركيين، وفي مصلحة أصدقائنا، ويخدم مصالح المنطقة.
إن المفاوضات الثنائية والمتعددة، التي نعلن متابعتها اليوم، مهمة لكنها ليست غاية في حد ذاتها. يجب أن يكون هدفنا وهدف الأطراف جميعاً إحراز تقدم حقيقي ملموس قريباً. وقد وافق كل من تحدثت إليه تقريباً في رحلتني إلى الشرق الأوسط على أنه ربما توجد الآن فرصة لتحقيق السلام قد لا تتكرر. ويعلمنا التاريخ أن مثل هذه الفرص قد يفلت منا، وخصوصاً في الشرق الأوسط، ونعتقد أن الوقت حان لإطلاق المفاوضات ثانية.
لتحقيق هذه الغاية، فإن الولايات المتحدة وروسيا، بوصفهما راعيي المفاوضات من أجل السلام في الشرق الأوسط، تدعوان الأطراف اليوم إلى متابعة المفاوضات الثنائية هنا في واشنطن لمدة أسبوعين، ابتداء من يوم الثلاثاء 20 نيسان/أبريل. كما نعلن عودة مجموعات العمل المتعددة الأطراف إلى الاجتماع في سلسلة مواعيد محددة، ابتداء بمجموعة المياه في 27 نيسان/أبريل في جنيف.
ومن أجل تمهيد الطريق لهذه المفاوضات المهمة الثنائية والمتعددة الأطراف، فإننا سندعو الأطراف أيضاً إلى إرسال ممثلين عنها إلى واشنطن في أواخر آذار/مارس أو في أوائل نيسان/أبريل، لإجراء مناقشات جوهرية مع فريق الولايات المتحدة الذي جرى تعزيزه.
ولذلك، يجب أن نشمر عن سواعدنا لنجعل سنة 1993 سنة مميزة بتحقيق تقدم حقيقي نحو السلام والمصالحة. إن الولايات المتحدة مستعدة للقيام بدورها، وعلى الأطراف الأُخرى الآن أن تكون مستعدة للقيام بأدوارها.
س ـ سيدي الوزير، هل تسمح لي بتوجيه سؤال بعيد عن الموضوع قليلاً؟ لقد تكلمت أمس [....] عن جهود قمنا بها ـ أعني الولايات المتحدة ـ لعقد لقاءات مع السيد عرفات، انتهت ـ كما أعتقد ـ إلى "نتيجة مخيبة للآمال لفشلها في مساعدتنا فيما يتعلق بقضايا الإرهاب." هل كنت تشير إلى جهود حدثت قبل عدة أعوام؟
ج ـ نعم.
س ـ حسناً. هل تستطيع أن تخبرنا، من فضلك، ماذا كان الهدف أو الغرض من حوار الولايات المتحدة مع حماس؟
ج ـ لقد تحدثنا إلى حماس في الماضي لنجمع معلومات، كجزء من الدور الذي تقوم سفاراتنا به في متابعة مختلف أنشطة ووجهات نظر العناصر المختلفة.
وبما أن حماس قامت بسلسلة من النشاطات الإرهابية في الفترة الأخيرة، فقد قطعنا تلك الاتصالات. إلا إن الهدف من الاتصالات في الماضي لم يكن إجراء حوار مع حماس، بل ببساطة الاطلاع على وجهة نظرها بالطريقة ذاتها التي تجمع سفاراتنا بها معلومات عن وجهات نظر مختلف الأحزاب.
س ـ سيدي الوزير، لقد قال الرئيس كلنتون في مؤتمره الصحافي أمس (9 آذار/مارس) كلاماً فحواه أن الولايات المتحدة تأمل بأن يحضر أكبر عدد من الأطراف إلى المفاوضات. هل الولايات المتحدة مستعدة لمتابعة المفاوضات التي أعلنتها اليوم، حتى لو لم يحضر بعض الأطراف، وخصوصاً الفلسطينيين؟
ج ـ لا نواجه هذا السؤال بعد. لقد وجهنا اليوم دعوات إلى جميع الأطراف. ونحن نعتقد أن الحقيقة المهمة الآن هي المحافظة على قوة الدفع.
أنا شخصياً أعتقد أن الأطراف كافة ستحضر، ولهذا لا أعتقد أننا نواجه سؤال ما إذا كنا سنمضي قُدُماً مع بعض الأطراف فقط.
كما تعلم، مع استعدادنا للمشاركة بصورة كاملة كطرف نشيط، ولأن نكون وسيطاً من أجل تسهيل الحوار، فإننا نعتقد أن الأطراف تدرك أن هذه فرصة استثنائية بالنسبة إليها. وبصراحة، أعتقد أنها ستنتهي إلى قبول الدعوة.
س ـ سيدي الوزير، لقد قارنت، في مناسبات كثيرة، الشراكة الكاملة [بما حدث في] مفاوضات كامب ديفيد. إلى أي حد ومتى يمكن أن يتدخل الرئيس شخصياً في هذه المفاوضات؟ هل من الممكن أن تصل إلى نقطة، نقطة ما حرجة، يمكن عندها أن يتدخل الرئيس، أو كيف تتصور ذلك؟
ج ـ أعتقد أن القصد من مشاركتنا الكاملة هو أن تعكس دوراً قوياً ونشيطاً للولايات المتحدة. ولا يوجد تطابقات دقيقة، ولا توجد تشابهات دقيقة. وكما قلت سابقاً، لا أعتقد أننا نستطيع أن نعد بنسخة مطابقة لاجتماعات كامب ديفيد.
لكن ما أستطيع تأكيده هو أن الرئيس شخصياً مهتم جداً بهذه العملية، ويجري مشاورات معي ومع آخرين بانتظام بشأن هذا الموضوع. وأعتقد أن في الإمكان أن نتوقع التزامه هذه العملية التزاماً كاملاً.
ماذا سيكون النموذج بالتحديد، هذا أمر سيتعين علينا انتظاره لمشاهدته. إن اقتراحنا الآن هو أن تحضر الأطراف إلى هنا، حتى قبل 20 نيسان/أبريل، لنبدأ العمل مع مجموعاتها ونحافظ على قوة الدفع.
س ـ سيدي الوزير [....] هل ستدرس الولايات المتحدة، كما بدأ عضو الكونغرس ليهي وعضو مجلس الشيوخ أُوبي يقترحان، تحويل جزء مما يُرسل إلى مصر وإسرائيل حالياً من معونات إلى روسيا؟
[.......]
ج ـ حسناً [....] إن الإدارة تخطط لأن تطلب هذه السنة أن يكون مستوى المعونات لكل من مصر وإسرائيل ثابتاً، وليس لدينا نية خفض تلك المبالغ من أجل تقديم معونة إلى روسيا. وكما قلنا، إننا ننوي أن نطلب زيادة المعونات لروسيا من 400 مليون دولار إلى 700 مليون دولار تقريباً.
[.......]
س ـ سيدي الوزير، لو كنت فقط تستطيع أن تشرح لنا ـ قلتَ أنك تتوقع أن يقبل الجميع هذه الدعوات، لكن هناك خبراً اليوم يقول إن الفلسطينيين رفضوا أن يتسلموا الدعوة عندما حاول مولي ويليامسون أن يسلمها لهم، رفضوا أن يتسلموها وقالوا أنهم رفضوها ورفضوا أن يتسلموها. وقالوا أيضاً إن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوة جريئة من أجل إعادة محادثات السلام إلى مسارها.
في رأيك، هل رفض الفلسطينيون الدعوة؟ هل تتوقع أن يغيروا رأيهم؟ وهل لديكم خطط لاتخاذ خطوة جريئة من شأنها أن تساعدهم في تغيير رأيهم؟
ج ـ لقد اطلعت على تلك التقارير الصحافية، ولدي إحساس عميق بأننا لم نسمع الكلمة الأخيرة من الفلسطينيين. لقد وُجّهت الدعوات. وقرأنا بعض التصريحات من ناحيتهم، إلا إنني لم أسمع شيئاً من رئيس الوفد الفلسطيني فيصل الحسيني، الذي قابلته مرتين عندما كنت في القدس.
ما زلت أعتقد أن الفلسطينيين يريدون أن يعودوا إلى المفاوضات لأنهم يرون في تلك المفاوضات وفي استعداد الولايات المتحدة لأن تكون شريكاً كاملاً فرصة لتحقيق تقدم حقيقي. وأعتقد أن ذلك سيكون، في النهاية، هو الحقيقة الأقوى.
إذا قرروا أن يعودوا، إذا قبلوا دعوتنا، لديّ من الأسباب ما يجعلني أعتقد أنه قد يحدث تقدم إضافي. لكن في الوقت الحاضر أعتقد أنهم يجب أن يعودوا على أساس التقدم الذي تم إحرازه [على أساس] العملية التي ما زالت جارية، والأهم من ذلك [على أساس أن] المفاوضات تقدم لهم فرصة حقيقية لإحراز تقدم في المستقبل.
س ـ سيدي الوزير، هل يغير تفجير مركز التجارة العالمي مناخ هذه المحادثات، وهل الولايات المتحدة قلقة من أن تصبح هدفاً للمتعصبين عندما تنطلق هذه المحادثات؟
ج ـ حسناً، في وسعي القول إن أي حادث من هذا النوع فقط يعزز الحاجة إلى محاولة تحقيق حل سلمي للمشكلات في الشرق الأوسط، وإننا سنعمل من أجل تحقيق ذلك الهدف. إن الولايات المتحدة قلقة دائماً من مثل هذه الحوادث؛ أما بالنسبة إليّ، فإنها تجعلني أضاعف جهودي كي أحاول حل المشكلات الأساسية والتوترات التي من شأنها أن تؤدي إلى حوادث من هذا النوع.
مع ذلك، أُريد أن ألتزم جانب الحذر وأقول إننا لم نتوصل بعد إلى سبر غور هذا الحادث. نحن لا نعرف مصدر هذا الحادث الرهيب في نيويورك. هناك بعض التكهنات حوله. لكن، إلى أن يتوفر لدينا دليل أفضل بشأن مصدر هذا الهجوم، فإني أعتقد أن من الأفضل عدم التكهن.
س ـ سيدي الوزير، هل تستطيع أن تقوِّم لنا الوزن النسبي للمحادثات الإسرائيلية ـ السورية والمحادثات الإسرائيلية ـ الفلسطينية؟ وبالتحديد، هل ذكر الرئيس الأسد لك، خلال محادثتك معه في دمشق، أنه مستعد لقبول انسحاب متدرج للإسرائيليين من مرتفعات الجولان، وهل دفع هذا بدوره المحادثات الإسرائيلية ـ السورية إلى المقدمة، وجعلها أوفر حظاً في النجاح؟
ج ـ أعتقد أن كلا الحوارين الثنائيين ـ أي المحادثات الإسرائيلية ـ السورية والمحادثات الإسرائيلية ـ الفلسطينية ـ مهم جداً. وأعتقد أن كليهما بحاجة إلى التقدم. قد يحرزان تقدماً وفقاً لجدول زمني مختلف قليلاً، إلا إننا سنحث كلاً منهما على التقدم، لأنهما يمثلان العاملين الأساسيين في حل المشكلة في المدى البعيد.
فيما يتعلق باللقاء الذي عقدته مع الرئيس الأسد، لا أود أن أدخل تفصيلات النقاش الدبلوماسي. سأقول ببساطة إن النقاش شجعني [على الاعتقاد] أنه قد يكون هناك إمكان للتحرك من قِبل الطرفين في اتجاه حل القضايا بين إسرائيل وسوريا. وكانت قناعتي بخصوص ذلك قوية إلى حد أنها كانت أحد العوامل الرئيسية التي منحتني الثقة لأقدّم إلى الروس توصية بأن نعلن متابعة العملية هنا.
س ـ هل أستطيع أن أتابع بخصوص مسألة المساعدات؟ إنك لم تتحدث قط عما سيحدث بعد سنة 1994، ولا أعتقد أنك تحدثت عن المساعدات الاقتصادية، بل عن المساعدات الأمنية فقط. ما هي أفكارك لما بعد العام المالي المقبل فيما يتعلق بخفض المساعدات؟
ج ـ حسناً، لا أريد أن أتكهن بما سيحدث بعد العام المقبل [....] ويأمل المرء، على سبيل المثال، بأن يخفض التقدم الذي سنحرزه نحو السلام النفقات الاقتصادية ـ أو النفقات العسكرية التي يتعين عليهم أن ينفقوها. ونأمل بأن تمكِّن المساعدات التي نقدمها إليهم من تحسين اقتصادهم، بحيث تنخفض حاجتهم إلى المساعدة، لكن ذلك ينبغي أن يتقرر خلال تقدمنا.
س ـ سيدي الوزير، مع ازدياد التهديد الناجم عن انتشار الصواريخ في الشرق الأوسط وإمكان تخلي إسرائيل عن أراض، هل تتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بدور أقوى في حماية وضمان أمن إسرائيل؟ وهل تستطيع أن تقول لنا ماذا سيعني ذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة في المدى البعيد؟
ج ـ في الحقيقة، لدينا التزام ثابت تجاه إسرائيل، ولا أعتقد أن ذلك سيتغير. قد يؤدي تغيّر الأوضاع إلى تغيير الطبيعة المحددة لذلك الالتزام، لكن أعتقد أن لدينا علاقة أمنية قوية جداً بإسرائيل، وهذا التزام ثابت.
[.......]
المصدر: Wireless File, March 11, 1993, pp. 6-9.
* وزير الخارجية الأميركي: وارن كريستوفر.