حديث صحافي للرئيس حافظ الأسد يؤكد فيه أن الاتفاقات المنفردة لا تحقق السلام ويعلن أن لا حل وسطاً في موضوع الأرض، دمشق، 13/11/1992
Full text: 

س ـ السيد الرئيس، هناك تصوّر وشعور في الخارج بأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي يمرّ بلحظة تاريخية وأن هناك فرصة في الأفق لمصالحة أو عقد اتفاق بين العرب وإسرائيل، وبين سوريا وإسرائيل على وجه الخصوص. وقد اقترح يتسحاق رابين أن تلتقوا معه على مستوى القمة، فما الذي يؤيد هذه الفكرة وما الذي يدحضها؟

ج ـ المطلوب هو السلام، والهدف هو السلام. والسلام يحتاج إلى مناقشات طويلة ومضنية، وهذه لا يمكن أن تقوم بها لقاءات القمة في بلدان العالم.

ولذا يمكن القول إن مثل هذه الاقتراحات والأمور، إذا وقعت فتقع نتيجة للسلام. السلام يأتي بها وليست هي التي تأتي بالسلام.

إن لقاء رؤساء دول لمناقشة موضوع كالصراع العربي ـ الإسرائيلي يحتمل أن يقود إلى حروب، فاحتمال أن يقود إلى حروب هو احتمال يتساوى مع احتمال أن يقود إلى السلام بل ويزيد عليه.

س ـ كإنسان، ألا تشعر بالفضول للاجتماع برابين وأن تتقابلا عيناً لعين ورجلاً لرجل؟

ج ـ هل هناك صلات إنسانية غير مرئية؟ هل هنالك شيء من الإشعاع مثلاً يمكن أن يكون بين الأعداء؟

نحن أعداء نتحارب منذ أكثر من أربعين عاماً ولدينا ركام من الشهداء والدماء والأموال والممتلكات المدمَّرة وهناك أراض محتلة وملايين المهجرين من بيوتهم.

في ظل هذه الصورة هل يمكن تصوّر أن تكون هناك جاذبية إنسانية لمثل هذا اللقاء؟

أنا لا تسيّرني الرغبة أو عدم الرغبة في اللقاء بل يحدّد سلوكي أو قرار الهدف، والهدف هو السلام.

س ـ كيف يمكن للقاء مبكر سابق لأوانه مع رابين أن يؤدّي إلى حرب؟

ج ـ عندما نختلف على مستوى القمة فيمكن عندها أن ترد كل الاحتمالات السلبية. عندما يختلف المتفاوضون على مستويات أُخرى فهنالك قيادات وحكومات توجه، ولكن عندما يكون الاختلاف على مستوى الرئاسات فلا يوجد من يصلح هذا الأمر.

س ـ هل تشعرون بأن فرص السلام الآن أفضل مما كانت عليه قبل بضع سنوات؟

ج ـ هي أفضل بسبب المناخ الدولي ونمو وازدياد عدد الراغبين في السلام داخل إسرائيل.

س ـ مصر استطاعت التفاوض قبل زمن مع إسرائيل واستعادت سيناء، فهل يمكن لسوريا أن تقوم بمفاوضات مماثلة مع إسرائيل تستعيد سوريا عبرها الجولان؟

ج ـ وما الذي يجري الآن؟ أليس محادثات؟ ألا تجري محادثات بين سوريا وإسرائيل؟

س ـ هل يمكن تصوّر عقد اتفاقية مع إسرائيل تستعيد سوريا بموجبها الجولان وتنتهي حالة الحرب على أن يجري حل المسائل الأُخرى فيما بعد؟

ج ـ هل هذا ما تقصده عندما تذكر مثال مصر؟

س ـ مصر استطاعت أن تستعيد سيناء وأن تحل مشكلة سيناء وبقيت هناك مسائل يجري حلها بين مصر وإسرائيل تدريجياً وشيئاً فشيئاً.

ج ـ السلام مع مصر لم يضع حدّاً للصراع في المنطقة. ومصر دفعت ثمناً قاسياً وغالياً وكبيراً، وخاصة الرئيس أنور السادات بالذات دفع ثمناً كبيراً.

وكل بلد عربي يفعل ما فعله السادات لن يدفع أقل مما دفعت مصر، وغالباً سيدفع أكثر.

وبمعزل عن الخسائر التي نتحدث عنها فإن الأعمال الفردية والاتفاقات المنفردة لا تحقق السلام.

وبمعزل عن الربح والخسارة أيضاً فإن الاتفاقات المنفردة قد تحقق عكس السلام الذي نريده.

ويجب ألاّ ننسى أن جهوداً كبيرة ومضنية قد سبقت البدء بعملية السلام، وسبقتها أيضاً مبادرة، على أساسها حدثت كل المناقشات. إن المبادرة وأسس العملية السلمية التي اتفق عليها، هي التي يجب أن تكون مرشدة الأطراف المشتركة في عملية السلام كافة. أمّا إذا تركنا الأسس التي اتفق عليها وسرنا بمعزل عنها فإن الأخطاء ستكون كبيرة ولن نصل إلى السلام.

ومن أهم أسس عملية السلام، بل أذكر أن من الجمل الأولى التي تبادلناها خلال أحاديثنا مع المسؤول الأميركي أننا يجب أن نسعى جميعاً إلى سلام شامل.     

نحن نريد أن ننتهي من الحروب. وأنا أستغرب، وما أستغربه واقع، أستغرب أن يكون أحد الأطراف يريد أن نقطع السلام قطعاً قطعاً. قطعة الآن، وقطعة بعد عشر سنوات.

لقد دفع الرئيس السادات بالذات، ودفعت مصر ثمناً غالياً وكبيراً لما فعله. هذا أولاً. وثانياً لقد حدثت لاحقاً، بعد العملية المنفردة، حروب في المنطقة ومنها غزو إسرائيل للبنان.

ما الفائدة من أن نحل مشكلة، يخلق حلها مشكلة قد تكون أكبر وأخطر منها؟

عندما نقول سلاماً شاملاً فذلك لا يعني أن يضع كل واحد كتفه على كتف الآخر وأن يسيرا معاً كما يسير الجنود في العرض العسكري. ولذلك هناك لجان ثنائية، فعلى كل جبهة توجد بعض الخصوصيات اقتضت تشكيل هذه اللجان.

ويمكن أن يتقدّم الواحد قليلاً وأن يتأخر عنه الآخر قليلاً، ولكن هذا يجب ألاّ يكون مقصوداً، بمعنى أن يقال لأحد الأطراف سر أنت إلى الأمام ويقال للآخر انتظر إلى أن يأتي دورك.

س ـ هناك فصائل فلسطينية مختلفة لا تتفق مع أحد وهناك المجلس الوطني الفلسطيني والفلسطينيون لا يتفقون مع بعضهم البعض، فكيف يمكن أن تصلوا إلى نقطة يكون فيها الجميع راضين؟

ج ـ الحل الشامل هو الحل والعلاج لهذه المشكلة. لأننا عندما نسير بالحل الشامل نقدّر أن مجموع الذين يريدون السلام ضمن هذه الشمولية من العرب هم أكثر من الآخرين، وهذا، بحدّ ذاته، يفرض مرة أُخرى أن يكون السلام شاملاً.

وهناك شيء آخر بديهي تعرفونه، فنحن العرب من أصول واحدة ولسنا أمماً متفرقة ولغتنا واحدة وتاريخنا واحد وآمالنا واحدة. وعندما يقع حادث في الجزائر، وعلى الرغم من البعد الجغرافي، يكون له صدى مباشر في دمشق، وكذلك في البلدان العربية الأُخرى وبالتالي فعندما يخطئ رئيس سوريا، مثلاً، يتخذ المواطن العربي في الجزائر، أو في المغرب، وفق قناعاته موقفاً من رئيس سوريا ويتصرف وكأن له الحق في أن يحاسب رئيس سوريا وكأي مواطن سوري.

إن التأثير المتبادل بيننا نحن العرب كبير جداً.

س ـ إذا لم تقدّموا إلى الإسرائيليين شيئاً فكيف تتوقعون منهم الموافقة على سلام شامل؟ إن كل مشترك في المفاوضات يجب أن يحصل على شيء.

ج ـ الإسرائيليون منذ العام 1948 يصرخون قائلين أنهم يريدون السلام، ونحن نعطيهم السلام، لذا فإنهم يأخذون الكثير، إذ طالما كرروا ويكررون أنهم طلاب سلام.

ثم ماذا يمكن أن نعطيهم؟ إذا اختلفت الولايات المتحدة مع دولة ما، مع دولة أُخرى، وتحاربت معها ثم جاءت هذه الدولة تطلب السلام مع قطعة من أرض الولايات المتحدة، فهل تقبلون بذلك؟

السلام لا يقوم ويجب أن لا يقوم على حساب أراضي الآخرين.

وما الذي يحفز العرب للعمل من أجل السلام إذا كان السلام سيقدّم أراضيهم لإسرائيل؟ هنالك نصف مليون مهجّر من الجولان. كيف يمكن أن نقنعهم بأنه يجب أن نعطي جزءاً من الجولان لإسرائيل!؟

العالم كله، والولايات المتحدة في المقدمة، يتحدث عن الشرعية الدولية، ويقولون إن العالم الجديد هو عالم الشرعية.

إن القانون الدولي الأساسي، أعني ميثاق الأمم المتحدة، يمنع احتلال أراضي الغير. ولا يوجد أي مبرر أخلاقي أو قانوني أو سياسي ولا أي مبرر آخر لأن يقدّم العرب أرضهم إلى إسرائيل كي توافق على السلام، وإلاّ فكل دولة يكون عندها شيء من القوة، في مرحلة من المراحل، تأخذ أجزاء من دولة أُخرى أو تأخذ الدولة كلها وإذا أريد إجراء مفاوضات فعلى أساس حل وسط عندها كل دولة تأخذ جارتها ويتحوّل العالم إلى غابة.

س ـ هل نفهم أن استعادة الجولان لا تكفي في نظركم لإعطاء إسرائيل السلام وأنكم تريدون الانتظار حتى تعود الضفة الغربية لتعطوا إسرائيل السلام بعد ذلك وتوقعوا معها اتفاقية سلام؟

ج ـ لم ندخل في التفاصيل سابقاً، ولا نريد الدخول فيها الآن.

المهم هو أن يكون هناك إقرار من الجميع بما ورد في الأساسيات التي تقرر، قبل بدء عملية السلام، أن تقوم على أساسها عملية السلام ونعني شمولية الحل.

يجب أن يكون لدى كل الأطراف اطمئنان إلى أننا سائرون إلى الحل الشامل. بعد هذا كل لجنة من اللجان الثنائية لها خصوصية عملها.

س ـ إذا استطعتم الحصول على صفقة أو ترتيب حول الجولان، بينما تبقى مسائل أُخرى دون حل، فهل تظلون تتحدثون عن السلام الشامل؟ ألا يمكن أن يتحقق السلام إذا لم ينجز كل شيء ويغلّف كل شيء معاً؟

ج ـ جميع الأطراف العربية يهمها أن تطمئن إلى أن السلام الشامل هو الآتي. وهذه الأطراف تدرك أن هناك بعض الخصوصيات لكل مسألة من المسائل.

إذا كان الاطمئنان موجوداً فيمكن لطرف أن يتقدم بسرعة أكبر ولآخر بسرعة أقل.

س ـ هناك مشكلة كبيرة.

لقد تبدّل الوضع السكاني.

وعندما قامت حرب عام 1967 كان عدد السكان قليلاً، أمّا اليوم فإن عدد سكان القدس قد ازداد وأصبح مختلفاً عنه في الماضي، والناس الذين كانوا مزدحمين في تل أبيب انتشروا خارجها، ومن الصعب العودة إلى وضع العام 1967.

إن أناساً كثيرين أصبحوا يعيشون في أماكن مختلفة غير أماكن سكناهم الأصلية، ومن الضروري الوصول إلى تسوية حول هذه المسألة.

ج ـ هذه أمور من اختصاص المفاوض الفلسطيني. ولكن على الجميع أن يعلموا أن موضوع القدس بالذات هو موضوع خطير.

إن القدس موضع اهتمام ألف مليون مسلم في العالم. الإيراني والباكستاني يعتقد لأسباب دينية أن له في القدس كما للفلسطينيين والعرب.

إن المشكلة معقدة، والوضع البشري معقد أيضاً. ولو أراد بعض العرب التخلي عن موضوع القدس ـ وهو أمر لم يبحثه أحد معنا ـ فسيكون هناك من يقف ضده بكل الوسائل المتوافرة، وليس من العرب فقط بل كذلك من المسلمين في العالم، ومن المسيحيين، وخاصة من المسيحيين العرب. وتعرفون مثلاً موقف المسيحيين في مصر. لقد امتنعوا عن زيارة الأماكن المسيحية المقدسة، أي امتنعوا عن الحج إلى القدس في ظل الاحتلال.

قلت إن المشكلة معقدة، والمفاوضون لم يصلوا بعد إلى هذه المرحلة، إلاّ إن هذا لا يعني أن هناك شيئاً يستعصي على الحل. هناك محادثات وقد تخلق ظروفاً تساعد على الوصول إلى حل.

س ـ أنتم لا تستبعدون إذاً حصول تسوية، حل وسط، أثناء السير نحو الحل الشامل؟

ج ـ بشأن ماذا؟

س ـ حل وسط حول أي نقطة من النقاط المطروحة في المفاوضات.

ج ـ إذا كنتم تقصدون الجولان فليس هناك إمكانية لحل وسط في موضوع الأرض. هذا أمر تعرفه الإدارة الأميركية ومدوّن على الورق، ويعرفه الإسرائيليون أيضاً.

وفي سوريا لا يستطيع أحد أن يتنازل عن شبر واحد من الأرض. إن من يتنازل عن جزء من أرضه أو يفرّط بجزء من وطنه هو خائن للشعب. وهذه بديهية يؤمن بها كل مواطن سوري. وعندما يحكم الشعب على واحد بأنه خائن فمصيره معروف.

وأنا عندي هذه القناعة. ولذلك أقول إن الحل الوسط في موضوع الأرض غير قابل للنقاش وغير وارد عندنا.

ولو تجوّلتم في سوريا من أقصاها إلى أدناها لما وجدتم سورياً واحداً يقبل بسلام يترك جزءاً من الجولان بيد إسرائيل.

س ـ أفهم مما تقولونه أنه يجب إعادة الجولان بأكمله إلى سوريا. ضمن هذا المفهوم هل تستطيعون تلبية بعض متطلبات الأمن الإسرائيلية؟

ج ـ في أسس السلام إن الحل يجب أن يؤمّن الأمن لجميع الأطراف. وهذه النقطة هي من النقاط غير الكثيرة التي اتفق عليها في المحادثات أي أن الترتيبات الأمنية يجب أن تؤمّن الأمن لكلا الجانبين.

س ـ هل تصلح اتفاقية سيناء نموذجاً للحل؟ يوجد في سيناء بعد استعادتها قوات دولية متعددة الجنسيات. هل يمكن أن تقبلوا بشيء مماثل إذا استعدتم الجولان؟

ج ـ ليس في ذهني الآن كل التفاصيل المتعلقة بسيناء. ولكن اتُفق مع المسؤول الأميركي، وكذلك اتفق الوفد السوري مع الوفد الإسرائيلي في المحادثات على أن تكون هناك ترتيبات أمنية للجانبين. وفيما يتعلق بالوسائل والطرق لتحقيق الأمن لا توجد صعوبات هامة لا يمكن تذليلها.

ومن ناحية الأمن، الإسرائيليون أنفسهم يعرفون وعندهم القناعة بأن الجغرافيا لا تحقق الأمن وهذا ما جرى الحديث حوله بين الوفدين ولا يوجد أحد لا يعرف أن عمق عشرين كيلومتراً من الأرض لا يحقق الأمن.

س ـ لقد حدث إذن تغيّر كبير في الموقف الإسرائيلي، ففي الماضي كان الإسرائيليون يصرّون على الاحتفاظ بالأرض لتحقيق وضمان أمنهم.

ج ـ ما يقولونه شيء، وقناعتهم شيء آخر. وهم عندما يقولون أنهم أخذوا الجولان من أجل الأمن فهذا قول غير صحيح لأن الاحتلال لم يحقق الأمن في الماضي، وهو لا يحقق الأمن الآن أيضاً.

س ـ  إذا كان الإسرائيليون مقتنعين الآن بأن الجغرافيا لا تحقق الأمن لهم فمعنى ذلك أن تغيّراً كبيراً قد طرأ على موقف الإسرائيليين.

ج ـ هم مقتنعون منذ زمن طويل، منذ أن احتلوا الجولان، ووفدنا في المحادثات سمع منهم كلاماً بهذا المعنى.

لقد قالوا سابقاً بعد عام 1967 أنهم أخذوا الجولان ليبعدوا السوريين عن المستوطنات الإسرائيلية، فهل حققوا ذلك؟

لقد تقدموا عشرين كيلومتراً، ولكن مدى المدافع ـ كما تعرفون ـ ومنذ سنين طويلة، هو أبعد من ذلك بكثير، أي أنهم لم يحققوا الهدف الذي قالوا أنهم كانوا يسعون إليه. إن احتلال الجولان لم يحقق الأمن لهم.

لقد احتلوا الجولان لإبعادنا عن المستوطنات، كما قالوا، إلا إنهم جاؤوا بمستوطنات جديدة وأقاموها على بعد كيلومتر واحد أو كيلومترين عن القوات السورية وهذا يعني أنهم لم يحتلوا لإبعادنا عن المستوطنات. ولو قبل منطقهم لكان لهم الحق الآن في أن يبعدونا عن هذه المستوطنات الجديدة ليبنوا مستوطنات جديدة أُخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية. إن هذا المنطق مرفوض.

س ـ سيادة الرئيس تتحدثون عن الأمن وقد اشتريتم قبل مدة صواريخ سكود من كوريا الشمالية، ويقال إن هناك صواريخ أُخرى في الطريق إليكم فما هو الغرض من احتفاظكم بهذا النوع من السلاح الاستراتيجي؟

ج ـ ما هو الغريب؟

هذه الصواريخ موجودة عندنا منذ عشرين عاماً شأنها شأن الأسلحة الأُخرى كالدبابة والمدفع. نحن بلد موجود في حالة حرب ونحتاج إلى وسائل للدفاع عن النفس. وإسرائيل هي السباقة في ميدان التسلح ولديها أضعاف ما لدى سوريا من الأسلحة. ولدى إسرائيل أسلحة كيماوية وجرثومية وذرية. نحن في حالة حرب معها ـ فلماذا لا تكون لدينا صواريخ؟

هذه الصواريخ ليست سلاحاً جديداً بينما لدى إسرائيل كل يوم سلاح جديد.

والسؤال عن السلاح يجب أن يوجه إلى إسرائيل. لماذا عندها كل هذه الأسلحة؟ لماذا عندها الصواريخ بما فيها تلك الشبيهة بالصواريخ عابرة القارات ولماذا عندها القنبلة النووية؟

الغرابة هي في السكوت عن إسرائيل وإثارة ضجة حول صواريخ من الأنواع التي تملكها سوريا منذ زمن طويل.

إن الأسلحة التي تأتينا هي مما نملكه منذ سنين كثيرة.

س ـ ولكنها أكثر دقة.

ج ـ الصواريخ لا تحتاج إلى هذه الدقة. دقة أكثر أو أقل ليست المشكلة.

يقال إن الصواريخ الأميركية دقيقة ـ ولكنها ليست في الواقع العملي كذلك ككل الصواريخ أيضاً. لقد استخدمت الصواريخ الأميركية في الخليج وأصابت ولكن ليس كما توحي كلمة "الدقة".

إن الصواريخ ليست بدقة الرماية بالبندقية.

س ـ أعتقد أن الروس اكتشفوا عندما نصبوا الصواريخ المتوسطة المدى في اتجاه أوروبا أن هذه الصواريخ جعلتهم أقل أمناً لأنها أرغمت الأميركيين على وضع صواريخ أقوى منها موجهة إلى الاتحاد السوفياتي.

وأعتقد أن حصول سوريا على صواريخ من كوريا والصين سيجعلكم أقل أمناً مما لو كنتم لا تملكونها.

ج ـ هل هذا معقول؟

هل من المعقول أن نكون أكثر أمناً إذا كنا مجردين من السلاح ننتظر الصاروخ الإسرائيلي مما لو كنا قادرين على الردّ عليه بصاروخ؟ هل نشعر بالأمن أكثر إذا كنا عزّلاً في مواجهة الصاروخ الإسرائيلي مما لو كنا قادرين على الردّ عليه؟

س ـ ماذا عن حزب الله؟ لقد جُرّدت الميليشيات اللبنانية من السلاح ما عدا حزب الله. إنه يقذف صاروخاً هنا وصاروخين هناك. هل هذا عمل يساعد عملية السلام؟

ج ـ هذا السؤال يوجه إلى حزب الله.

[.......]

س ـ نعود إلى الأسلحة الاستراتيجية. لقد ذكرتم أن لدى إسرائيل أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية. هل تحاول سوريا تطوير قدراتها في هذه المجالات الثلاثة بالذات من الأسلحة الاستراتيجية؟

ج ـ نحن لا نحاول القيام بأي عمل جديد لم نقم به منذ عشرين عاماً. ما نفعله الآن نفعله منذ عشرين عاماً. الإسرائيليون يعرفون ذلك كما نعرف نحن ماذا عندهم. وما نملكه الآن كنا نملكه قبل عشرين عاماً.

على كل حال إننا على استعداد لأن نجري انفراجاً فيما يتعلق بالأسلحة في هذه المنطقة شرط أن يحقق التوازن.

نحن نطلب تدمير أسلحة التدمير الشامل، ما لدينا ولدى إسرائيل لكي نكون أكثر أمناً. يجب أن يحطموا ما لديهم ونحن نحطم ما لدينا. هم سيكونون آمنين ونحن سنكون آمنين. بغير ذلك لن نكون نحن آمنين ولا هم آمنين.

س ـ هل تعتقدون أنكم ستعيشون سلاماً شاملاً؟    

ج ـ أنا أميل إلى التفاؤل. نحن من جانبنا، هذا ما نسعى وسنسعى إليه.

وإذا تخلص الآخرون من الرغبة في التوسّع فأنا متأكد أننا نستطيع الوصول إلى السلام، وأن ننقل المنطقة إلى أجواء مختلفة، وسنستطيع في هذه الحالة رفع مستوى شعوبنا الاقتصادي والثقافي. وهناك مشاكل كثيرة يمكن أن نحلها.

س ـ هل كنتم تقولون ذلك قبل خمس سنوات مثلاً؟

ج ـ نعم. ويمكنك أن تعود إلى أحاديثي وخطاباتي في الزيارات المتبادلة مع رؤساء الدول. كل خطاب كان فيه حديث عن الشرق الأوسط. ولم يكن هناك خطاب لم أقل فيه إننا نريد السلام على أساس قراري الأمم المتحدة 338 و242 ومؤتمر السلام.

منذ عام 1973 نحن وافقنا على قرار مجلس الأمن رقم 338، وعلى أساس هذا القرار وقفت الحرب. وما دمنا وافقنا على هذا القرار منذ ذلك الوقت فقد وافقنا على السلام أيضاً. لأن هذا القرار، وفي صلبه القرار 242، يتحدث عن السلام.

إذن موقفنا من السلام ليس جديداً. قد تختلف اللهجة أحياناً ولكن المبدأ هو نفسه دائماً. ولذلك عندما جاءت مبادرة الرئيس بوش مستندة على هذين القرارين والأرض مقابل السلام وافقنا عليها، بينما رفضت إسرائيل هذه المبادرة. لقد بعث شمير برسالة إلى الرئيس بوش، قبل أن نجيب نحن على المبادرة، يرفض فيها المبادرة، بينما بعثنا نحن برسالة قبلنا فيها المبادرة.

وإسرائيل لا تقول حتى الآن أنها وافقت على المبادرة الأميركية.

ورغم الجهد الأميركي الذي بذل لإقناع شمير فإنه لم يعط الأميركيين كلمة واحدة عدا أنه وافق على الذهاب إلى مدريد، وهذا ما صرح به هو نفسه بعد الانتخابات. إنه لم يكن يريد السلام، بل كان يريد أن يسالمه العرب وأن يبقى كل شيء على حاله. أي أنه كان يريد من العرب أن يتركوا له أرضهم وأن يوقعوا على سلام مع إسرائيل.

س ـ هل تتوقعون من يتسحاق رابين أكثر من شمير؟

ج ـ رابين يتحدث أكثر.

إنه يتحدث عن السلام وعن انسحاب جزئي. المنطق مختلف واللهجة مختلفة.

ولكنه إذا بقي عند هذا المنطق فالنتيجة لن تكون السلام، فنحن ـ كما قلت لكم ـ لا يمكن أن نتنازل عن أرضنا.

وأعتقد أن رابين سيخسر ناخبيه إذا لم يوافق على الانسحاب الكامل من الجولان. وهناك أحزاب وحاخامون في إسرائيل يدعون إلى الانسحاب من الجولان ويقولون، وبينهم الحاخام الأكبر، إن الجولان ليس من أرض إسرائيل. والحكومة الإسرائيلية عام 1967 اجتمعت وقررت الانسحاب من سيناء والجولان وبقية الأراضي المحتلة إذا تحقق السلام.

[.......]

 

المصدر: "البعث" (دمشق)، 24/11/1992. وقد أدلى الرئيس الأسد بهذا الحديث إلى مجلة "تايم" الأميركية، التي نشرته في عددها الصادر بتاريخ 30/11/1992.