كلمة الوفد الفلسطيني أمام اجتماع "لجنة المياه" المنبثقة من المفاوضات المتعددة الأطراف، واشنطن، 15/9/1992
Full text: 

نأتي إلى الاجتماع الثاني لمجموعة العمل المتعددة الأطراف حول المياه بقلوب وعقول منفتحة، على أمل أن يسجل هذا الاجتماع تقدماً حقيقياً في عملية السلام.

ومع أننا نعترف بأن هناك اختلافاً يمكن تلمسه على ما يبدو في المقاربة الإِسرائيلية من المحادثات الثنائية والمتعددة الأطراف بين جولة الاجتماعات الأخيرة والجولة الحالية، نظراً لتشكيل الحكومة الإِسرائيلية الجديدة، فإننا نعتقد أننا محقون تماماً في القول بأن تفاؤلنا يتسم بالحذر، وسيظل كذلك إلى أن نرى إشارات تغيير إيجابي في جوهر الموقف الإِسرائيلي بعيداً عن التغير الخارجي في الأسلوب والشكل.

علاوة على ذلك، فإن هناك ما يدعونا لإِعادة تأكيد النداء الذي وجهه هذا الوفد في أيار (مايو) الماضي في فيينا، وكذلك الوفود الفلسطينية بمجموعات العمل الأُخرى لراعيي عملية السلام من أجل العمل بشأن القضايا التالية:

  • تصحيح التمثيل الفلسطيني من خلال مشاركة فلسطينيين من الشتات في مجموعتي العمل حول المياه والبيئة، و[مشاركة] فلسطينيين من القدس في كل مجموعات العمل. وسنظل نذكر العالم بأن الفلسطينيين شعب واحد، ولذلك يجب أن يعكس تمثيلهم وحدة الشعب.
  • مشاركة وفد فلسطيني في مجموعة العمل حول الأمن [عقدت في موسكو] فمن غير المنطقي أن يحرم الشعب الأكثر حاجة للحماية السياسية والأمنية في المنطقة من المشاركة في البحث عن ترتيبات أمنية حقيقية وفعالة للمستقبل.
  • المشاركة المباشرة والفعالة لمنظمة التحرير الفلسطينية في كل جوانب عملية السلام، بوصفها القيادة الشرعية والوحيدة الممثلة للعشب الفلسطيني.
  • المشاركة النشطة للأمم المتحدة في عملية السلام، طالما أن قرارات الأمم المتحدة مصدر أساسي للشرعية الدولية، ولأن الأمم المتحدة تمتلك آلية المحافظة على الشرعية، وعلاوة على ذلك، فإن تجربة الأمم المتحدة المتنوعة في أنحاء العالم ستكون ذات قيمة عظيمة في انطلاق عملية السلام وتأكيد سلامتها ومصداقيتها.
  • إنشاء مجموعتي عمل جديدتين: إحداهما للقدس والأُخرى لحقوق الإِنسان، كما اقترحنا في اجتماعات سابقة.

إن مسألة المياه، مثل مسألة الأرض، والموارد الطبيعية الأُخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ذات أهمية حرجة للشعب الفلسطيني، وإن عدم قدرتنا، تحت الاحتلال، على ممارسة حقنا في المياه في أرضنا وفي نصيبنا المشروع من مياه حوض الأردن، يجعل من أية صيغة تقترح علينا لتسوية سياسية مهزلة. وبنفس المنطق، فإن عدم القدرة تلك تفرغ اشتراكنا في التعاون الاقتصادي الإِقليمي بشأن المياه، من أي أهمية أو معنى.

وعليه، فإن مسألة المياه، في سياق التعاون الإِقليمي الذي ستعالجه مجموعة العمل هذه، لا يمكن أن تنفصل بقدر ما يعنينا، عن مسألة المياه كقضية فلسطينية إسرائيلية ثنائية. فالجوانب الثنائية لمسألة المياه تؤثر في تشكيل الجوانب المتعددة، طالما تتعلق بتوفير المياه للشعب الفلسطيني من موارده الطبيعية الذاتية، وكذلك لها من نصيبه المشروع من مياه حوض الأردن كطرف مشاطئ للحوض، وبالإضافة إلى ذلك فإن التعاون الإِقليمي حول المياه يرتبط بشكل وثيق بالميزان المائي لكل من الأطراف الإِقليمية.

إن ثنائية موقع المياه في مشروع المحادثات الثنائية والمتعددة تفسر كيف تجنب الوفد الإسرائيلي في اجتماع فيينا في مايو [أيار] الماضي الجوانب الثنائية بالكامل، بالتركيز على الجوانب الإِقليمية، وبالتحديد على طرق ووسائل تأمين إمدادات المياه من مختلف المصادر الإِقليمية، ومع أننا لا ننكر العجز في المياه في بلدان مجاورة معينة، ولا نقلل من جدية اهتمامها بتوفير إمدادات أكبر، إلا إننا لا نستطيع أن نشارك في سياسة الصمت على اغتصاب حقوق المياه الفلسطينية.

إن هذا الاغتصاب يكتسب خطورة أكثر إيلاماً بالنسبة لنا، حيث أن نقص المياه الحالي المعلن في إسرائيل والنقص الحاد المتوقع في المستقبل، والذي أُعلن عنه بشكل واسع، يشكلان معا، وإلى حد كبير، ما يستطيع المرء أن يصفه بحق "بالأزمة المفتعلة" ونعني بهذا أن الاستخدام المفرط وغير الاقتصادي للمياه في إسرائيل وخاصة في الزراعة، إلى جانب استدراج التدفق الهائل للمهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق، يولدان معاً اندفاعاً إسرائيلياً مكثفاً لمصادرة الأرض والمياه الفلسطينية. ولذلك من المحق والمبرر تماماً بالنسبة لنا، أن نصرّ بأن يسبق أي حل إقليمي لمشكلة نقص المياه في فلسطين التاريخية القيام بفحص تحليلي دقيق لأسباب المشكلة على الجانب الإِسرائيلي وعلى الجانب الفلسطيني كذلك، قبل أن يستحق الشعب الفلسطيني لأن يشارك في أي خطة إقليمية لتوفير المياه، بينما يحرم من أغلب موارده الشرعية. وبكلمات أُخرى، إذا كان لنا أن نكون طرفاً في أي تعاون إقليمي حول المياه فإن حقوقنا في مياهنا يجب أن يُعترف بها كما نعترف بحقوق الأطراف الأُخرى.               

يقودنا هذا إلى مسألة الحاجات الفلسطينية الحالية والمستقبلية من ناحية، وإلى القيود الحديدية التي ترغم الفلسطينيين على إشباع جزء فقط من حاجاتهم المشروعة الحالية من ناحية أُخرى. وكما استمعت مجموعة العمل هذه من وفدنا في اجتماع فيينا، فإن حفر الآبار ممنوع بشكل صارم على الفلسطينيين في أرضهم منذ بداية الاحتلال في 1967. وفي المقابل، يتمتع المستوطنون الإِسرائيليون على الأرض الفلسطينية المغتصبة وبلا أية قيود، بالحدائق الخضراء وبأحواض السباحة، حالياً يُستلب نحو 80٪ من مياه الأحواض الجوفية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تغذيها الأمطار التي تسقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي السوق الإِسرائيلي تباع المياه بأقل من قيمتها، إلى جانب الدعم الكبير الذي يشجع مستويات الاستخدام الزراعي للمياه الذي لا يمكن الاستمرار به، ويدفع الفلسطينيون ثمناً لمياههم يتجاوز أربعة أمثال ما يدفعه المستوطنون الإِسرائيليون. وباختصار، لقد انتهكت حقوق المياه الفلسطينية منذ 1967 من خلال السيطرة الإِسرائيلية على المصادر وتحويلها واستنزافها. وهذه الانتهاكات موجهة ضد نصيب الفلسطينيين المشروع في مياه حوض الأردن و80٪ من مياه الأحواض الجوفية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ذاتها.

ولن نتطرق هنا للتأثير السيئ للسياسات والممارسات المائية الإِسرائيلية، على المياه، وخاصة في قطاع غزة، وسيكون لمجموعة العمل حول البيئة فرصة للاستماع عن ذلك من الوفد الفلسطيني وبدلاً من ذلك سنركز حالياً على التأثير الاقتصادي والاجتماعي. 

ليس سهلاً القيام، وبطريقة مباشرة، بوضع تقدير دقيق للضرر الاقتصادي والاجتماعي الذي وقع على الفلسطينيين، كنتيجة لاغتصاب معظم المياه التي يحق لهم أن يسيطروا عليها ويديروها ويستخدموها، ولكننا نستطيع أن نلجأ إلى بعض المؤشرات التي تدلل على ضخامة الضرر الحاصل، وهكذا فإنه لا يتاح للفلسطيني إلا حوالي ربع كمية المياه السنوية المتاحة للإِسرائيلي وراء الخط الأخضر (أي داخل إسرائيل) ولكنها تعادل السدس فقط من كمية المياه المتاحة للمستوطن اليهودي في الأراضي الفلسطينية التي تستعمرها إسرائيل. إن هذا التقييد الشامل يضع حدوداً صارمة على كمية المياه المتاحة للفلسطينيين للاستخدام المنزلي، ومن المؤكد أن لها تأثيرات ضارة على الظروف الصحية وعلى جمالية الأحياء والمساكن الفلسطينية. 

أما القيود على الزراعة، فهي أكثر حدة من ذلك، وهكذا، فنظراً لندرة المياه المفروضة فإن 25٪ فقط من الأراضي القابلة للري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتم ريها بالفعل. وليس هذا لأننا لا نحب الري، أو لأننا غير قادرين على القيام بالزراعة المروية، ولكن لأن المياه المتاحة لنا، لا تسمح إلا بهذه النسبة الصغيرة، وفي المقابل فإن زراعة إسرائيل المروية تغطي 95٪ من الأراضي القابلة للري وراء الخط الأخضر.

ومن المؤكد أن الوضع سيصبح أكثر كآبة وحرجاً مع نهاية القرن، ومأساوياً مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهكذا فمن المتوقع أن يصل سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة في 1967 الذين يعدون حوالي 1,9 مليون نسمة اليوم، إلى 2,4 مليون بحلول عام 2000، وفق معدل الزيادة الطبيعية السائدة ﺑ 3,2 سنوياً، وإذا أضفنا إلى هذا الرقم عودة الأشخاص الذين نزحوا كنتيجة للاحتلال الإِسرائيلي في 1967 (الذين كانوا آنذاك 300,000 نسمة على الأقل، ولكنهم يعدون اليوم حوالي 650,000 ـ 700,000 نسمة بمعدل الزيادة الطبيعية السابقة الذكر) فإن مجموع عدد السكان سيتجاوز 3 ملايين نسمة، حتى لو استبعدنا من تقديراتنا عدد لاجئي 1948 الأكبر بكثير، الذين سيحتاجون للمياه عند عودتهم، مما سيخلق عجزاً حرجاً في هذا المورد المائي.

واستناداً إلى الافتراض المبرر بأن يزداد استخدام المياه المنزلية لتحقيق المستوى الأدنى المقبول للفرد دولياً (من 25 م3 إلى 75 م3 سنوياً) فإن الفلسطينيين سيحتاجون ﻠ 225 مليون م3 من المياه سنوياً للاستخدام المنزلي وحده مقابل اﻠ 45 مليون م3 المتاحة لهم حالياً.

ولو تجاهلنا لأغراض العرض الحالي الحاجات المتزايدة في الصناعة التحويلية والسياحة والقطاعات الأُخرى، وركزنا فقط على الاحتياجات الزراعية المستقبلية من المياه، فإننا سنصل إلى فجوة هائلة في كمية المياه. وهكذا، وبافتراض توسع المساحة المروية في سنة 2000 (من 25٪ إلى 50٪) وبافتراض حاجة الدونم ﻠ 750 م3 سنوياً لري 400,000 دونم (400,00 هكتار) ومع نهاية القرن، ستكون الحاجات المنزلية والزراعية الإِجمالية 525 مليون متر مكعب على الأقل، ومع أن حجم المياه المشار إليه للتو يبلغ ضعفي ونصف حجم المياه المستخدمة حالياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا إنه يظل ضمن مصادر المياه المتاحة من الأحواض الجوفية في المناطق الفلسطينية المحتلة ونصيب الفلسطينيين من حوض الأردن، ومن هنا تأتي الأهمية الحاسمة لممارسة الفلسطينيين لحقهم بالسيطرة على المياه وإدارتها واستخدامها، وهذه هي حقوقهم حسب القانون الدولي وأنظمة لاهاي ومعاهدة جنيف الرابعة، إلى جانب سلسلة قرارات الأمم المتحدة إذا أُريد لهم ألا يظلوا يعانون من عجز كبير في المياه.               

هذا فيما يتعلق بالحاضر والمستقبل من حيث الاسترداد العيني غير المنقوص لمصادر المياه الفلسطينية، وإضافة لذلك، فإن للفلسطينيين الحق في التعويض عن الضرر الذي وقع عليهم خلال الاحتلال، والمتمثل بتكلفة الفرصة لاستخدام المياه التي حرموا منها. وليس هذا وقت أو مجال حساب حجم تكلفة الفرصة هذه، طالما أن هناك عناصر أُخرى للضرر الحاصل التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضاً، مثل الدخل الضائع كنتيجة لعدم استخدام الأرض التي صادرتها إسرائيل، ولسنا نريد هنا إلا أن نشير إلى أنّ للفلسطينيين الحق في تعويض ضخم إذا أُريد لتسوية عادلة ودائمة أن تتحقق مع إسرائيل.

لقد حاولنا من وجهة النظر الفلسطينية، أن نضع التعاون الإِقليمي حول مسألة المياه في سياقه الصحيح. فالتعاون الإِقليمي القائم على أسس راسخة يجب أن يتطور من قاعدته الوطنية أولاً، ٍوبالتحديد من قاعدة حقوق المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإذا تم تحدي قاعدة الحقوق هذه، فالأمر عندئذ يجب أن يحال إلى لجنة دولية حول حقوق المياه لاختباره. وفي الوقت الحاضر يكفي من أجل الأهداف التمهيدية، أن تقام مجموعة عمل فرعية حول المياه لدراسة قضية حقوق المياه وقد يكون من الضروري أيضاً، أن تقام مجموعة عمل فرعية أُخرى لتقوم بأعمال تقصي الحقائق ذات الطبيعة الفنية.

وفي الختام، فإن وفدنا يعيد تأكيد موقفه المعلن سابقاً في فيينا الذي يعبر عن استعداده للتعاون مع جميع الأطراف المعنية للبحث عن مصادر بديلة وإضافية للمياه.

ولكن وفدنا يعبر أيضاً عن تحفظاته على أولويات البنود للحلول الإِقليمية المحتملة لقضية المياه. وهكذا، فإننا نعتبر أن مناقشة التفاصيل الفنية للحلول الإِقليمية بينما لا زالت حقوق الفلسطينيين في مصادرهم المائية مغتصبة، مسألة سابقة لأوانها، فهذه المسألة يجب أن تعالج أولاً، وبذلك يتحدد الحجم الحقيقي لمشكلة نقص المياه لكل طرف من الأطراف المعنية أولاً، وعندما تحين الفرصة المناسبة لدراسة مبادئ وصيغ التعاون الإِقليمي حول المياه فإن هذه الدراسة ستكون ممكنة، وعندئذ تؤخذ الحقوق الوطنية لكل طرف في الاعتبار الوافي، وتضمن وتحرم كما ينبغي.

وبإيجاز فإننا نقترح على هذا الجمع المميز ثلاثة اشتراطات سيكون من المجدي الاستجابة لها، حتى يكون نقاش التعاون الإِقليمي حول المياه حسن النية وحسن الاتجاه:

  • ألا يُحرم، أو يظل محروماً، أي طرف أو بلد في الإِطار الإِقليمي من حقه الوطني غير القابل للتصرف بتقرير المصير، وأحد مكوناته الأساسية تقرير المصير الاقتصادي والسيطرة على الموارد الوطنية وإدارتها واستخدامها.
  • إنه لأمر جوهري أن توضع الاحتياجات والاستخدامات المشروعة والمبررة جيداً والاحتياجات المعقولة في المستقبل المنظور لكل طرف، في مقابل الموارد المائية المتاحة وذلك قبل أن تبذل الجهود وتوضع الخطط للبحث عن إمدادات إضافية من البلدان المجاورة أو غيرها في المنطقة.
  • أن يتم الحصول على أي مياه يجري السعي للحصول عليها خارج الحدود الوطنية بموجب شروط متفق عليها بين الموردين والمستوردين، وهي شروط تتحدد بشكل طوعي وعادل، وليس تحت الضغط أو من خلال الابتزاز العسكري أو السياسي أو أي شكل من أشكال الإِكراه.

 

المصدر: "فلسطين الثورة" (نيقوسيا)، العدد 907، 27/9/1992، ص 14 – 15. وقد اجتمعت اللجنة في العاصمة الأميركية خلال الفترة 15 – 17/9/1992.