شهادة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في الكونغرس بشأن أهداف بلده في الشرق الأوسط، واشنطن، 24/6/1992
Full text: 

حضرة رئيس اللجنة، أشكر لكم إتاحتكم هذا الفرصة لي كي ألتقي بكم وأعضاء اللجنة الفرعية الموقرين مرة ثانية. كنا قد التقينا آخر مرة قبل ثلاثة شهور. وأود اليوم أن أستعرض جهودنا الرامية إلى تحقيق أهداف سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

دعوني أبحث بعض الخطوات التي اتخذناها منذ تحدثت إليكم آخر مرة لتحقيق هذه الأهداف. 

عملية سلام الشرق الأوسط           

ترتكز عملية السلام العربية الإسرائيلية على أساس وطيد. ويجري إحراز تقدم. وبعيداً عن الأضواء أصبحت المفاوضات التي تشترك فيها إسرائيل والدول العربية والفلسطينيون حقيقة راسخة في المنطقة. لقد عقدت حتى الآن خمس جولات من المفاوضات المباشرة الثنائية. كما اجتمعت خمس لجان عمل متعددة الأطراف خلال شهر أيار/مايو لبحث القيام بنشاطات تعاونية في المنطقة تتناول مجالات مثل المياه والبيئة وضبط التسلح والسلاح والأمن الإقليمي واللاجئين والتنمية الاقتصادية. وقد التأمت لجنة التنسيق المتعددة الأطراف لضمان أن يفي المسار المتعدد الأطراف بما يتوقع منه وهو أن يكون مكملاً بصورة واقعية للمفاوضات المباشرة الثنائية وليس بديلاً منها. وخلال هذه العملية بكاملها، نعمل بصورة وثيقة مع روسيا وهي الجهة التي تشترك معنا في رعاية العملية. 

المفاوضات الثنائية 

اتخذت الأطراف في المفاوضات الثنائية خطوات أولية باتجاه التناول الجاد للقضايا الأساسية. فقد طرحت إسرائيل وطرح الفلسطينيون مقترحات تتضمن نماذج، أو خطوطاً عريضة، لترتيبات الحكومة الذاتية الموقتة. وخلال آخر جولة من المحادثات في واشنطن، بحث الجانبان بصورة مكثفة بعض الجوانب من هذه  النماذج. وكما كان يتوقع، سعى كل طرف لتعديل موقف الطرف الآخر.

شددت إسرائيل على واقع أن النموذج الفلسطيني كان قريباً للغاية من شكل دولة فلسطينية، لا شكل حكومة ذاتية موقتة. ورد الفلسطينيون بالقول إن المخطط الإسرائيلي يقلّل إلى أدنى حد من مجال السلطات والصلاحيات المزمع تحويلها ولم يتضمن بعضاً من العناصر الأساسية التي تضمنتها اتفاقيتا كامب ديفيد، مثل الانتخابات. واستخدم الفلسطينيون المفاوضات أيضاً لتركيز الانتباه على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات وأوضاع حقوق الإنسان. ودعت إسرائيل إلى إنهاء أعمال العنف التي تقترن بها الانتفاضة وإنهاء المقاطعة الاقتصادية (العربية).

وفي المفاوضات الإسرائيلية الأردنية، يجري الجانبان مباحثات حول عدد من القضايا الأساسية مثل المياه والطاقة والأمن.

أما في المفاوضات بين إسرائيل ولبنان فلا يزال الوضع الأمني على الأرض يشكل قلقاً بالغاً. وتتركز الخلافات بين الجانبين على نقطتين رئيسيتين: إسرائيل تريد معاهدة سلام كاملة وتطبيع العلاقات مع لبنان، أما لبنان فيريد أن ينفذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 فوراً. ورغم ذلك التباين الكبير في وجهات النظر، يجري الجانبان مباحثات جدية لا سيما في مجال الأمن. وكان من المعين أن أوضحت إسرائيل أن ليس لديها أية مطالب تتناول أراضي أو موارد (طبيعية) لبنانية.

ويواصل الجانبان في المحادثات السورية الإسرائيلية التركيز على معنى التسوية السلمية وفق قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338. وقد عرض كل جانب وجهات نظره وأخذ يتفحص ويدرس موقف الجانب الآخر. كما حصل تبادل جاد للآراء بشأن مسألة الأمن المتبادل، وباعتقادنا أن ذلك أمر مشجع.

وقد وافقت جميع الأطراف الآن على إجراء الجولة القادمة من المفاوضات الثنائية في روما في موعد يحدد لاحقاً. وبصفتنا الدولة المشاركة في رعاية عملية السلام، فإننا نعمل بصورة وثيقة مع الحكومة الإيطالية لضمان سير المفاوضات القادمة بسلاسة.

الآن، وقد طرحت الأطراف مواقفها الأساسية للنقاش، نعتقد أنه أصبح في وسعها الشروع بصورة مفيدة في تحديد المجالات الممكنة للاتفاق وتضييق شقة الخلاف. ويستلزم ذلك عملاً شاقاً وإصغاء دقيقاً وواقعية صلبة وبعض المجازفة المحسوبة. وفي نفس الوقت، يتعين على الأطراف التركيز على القضايا التي يجري التفاوض بشأنها وألا تصرفها أحداث ما عن طاولة المفاوضات. ونأمل أن تتخذ جميع الأطراف تدابير يقصد بها ضمان أن تجري المفاوضات في جو سياسي مؤات لإحراز تقدم وإرساء الثقة في عملية السلام. 

المفاوضات المتعددة الأطراف 

حضرة الرئيس، حتى في حين كانت عملية المفاوضات الثنائية جارية، عملت الحكومة مع روسيا وهي الجهة المشاركة في الرعاية، ومع الأطراف في المنطقة والعديد من أصدقائنا وحلفائنا في أنحاء العالم، لإجراء مفاوضات متعددة الأطراف حول قضايا تهمّ المنطقة. وتبشر هذه المفاوضات بإفساح المجال أمام الأطراف لكي تعالج قضايا يجري تجاهلها منذ مدة طويلة من الزمن. وترمي فكرة المفاوضات المتعددة الأطراف أن تكون هذه وسيلة تكمل المفاوضات الثنائية لا مفاوضات بديلة منها. وهذه المنابر المتعددة تساعد في أن تجلب إلى العملية المزيد من الأطراف من المنطقة، إلى جانب أطراف من خارج المنطقة قادرة على الإسهام بخبراتها وتجاربها ومواردها.

في أيار/مايو عقدت لجان العمل المتعددة الأطراف أولى اجتماعاتها في عواصم حول العالم. وفي جميع الحالات جاءت النتائج مشجعة حيث بحثت جميع الأطراف بصورة جدية وبراغماتية طائفة من القضايا.

في لجنة العمل الخاصة بالبيئة، التي عقدت جلساتها في طوكيو، تم تحديد عدد من الإجراءات العملية التي يمكن لها حل بعض المشاكل البيئية في خليج العقبة وفي مخيمات اللاجئين في الأراضي المحتلة. وفي فيينا، وافقت لجنة العمل الخاصة بالمياه على دراسة سبل لتعزيز إمدادات المياه وتوفير المعلومات عن الموارد المائية.

واستضاف الكنديون لجنة العمل الخاصة باللاجئين. في أوتاوا حدد المشاركون سلسلة من الخطوات العملية المحتملة التي يمكن اتخاذها لرفع كاهل المعاناة عن اللاجئين والنازحين دون أي تعرّض لما قد تكون عليه التسوية السياسية النهائية. أمّا في لجنة العمل الخاصة بالتنمية الاقتصادية، التي اجتمعت في بروكسل، وافق المشاركون على إعداد قائمة بمجالات التعاون ذات الأولوية. وهنا في واشنطن، اجتمعت لجنة العمل الخاصة بضبط التسلح والأمن الإقليمي وشرعت في العملية الهامة المتمثلة بتعرف أعضائها على بعضهم البعض والتعرف والاطلاع على مفاهيم ومناهج وتاريخ ضبط التسلح وإجراءات بناء الثقة والأمن.

وقد سعدنا بمشاركة ذلك العدد الكبير من الأطراف من داخل المنطقة وخارجها. اشتركت غالبية البلدان العربية، الأردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر والسعودية والكويت والبحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة وقطر واليمن، في جميع لجان العمل. واشترك الفلسطينيون في أربع من لجان العمل. وتعتبر مساهمات هذه الوفود العربية في العملية المتعددة الأطراف أمراً هاماً.

وفي أيار/مايو أيضاً، شاركت في ترؤس جلسات لجنة التنسيق المتعددة الأطراف في لشبونة. وهذه اللجنة تتولى تنسيق جهود لجان العمل. وكان هذا الاجتماع، وهو الأول بعد اجتماع موسكو التنظيمي، ناجحاً ومثمراً. وأظهرت تقارير لجان العمل الخمس أن الأطراف تقوم بمعالجة القضايا في صورة جادة وواقعية. واتفقت اللجنة على أمكنة ومواعيد الجولات القادمة من اجتماعات لجان العمل المقررة لفصل الخريف.

من الواضح أننا أصبنا بخيبة أمل لأن سوريا ولبنان قررا عدم حضور المفاوضات المتعددة الأطراف، كما أصبنا بخيبة أمل مماثلة لأن إسرائيل قررت التغيب عن جلسات لجنتي العمل الخاصتين بالتنمية الاقتصادية واللاجئين. ونعتزم في هذا الصدد أن نبقي هذه الأطراف مطلعة اطلاعاً وافياً على مجريات الأمور أملاً في أن تقرر حضور الجلسات القادمة للجان العمل ولجنة التنسيق. 

العلاقات الثنائية 

سيدي الرئيس، إسمح لي بإضافة كلمة أُخرى في إطار عملية السلام عن علاقاتنا الثنائية مع الأطراف المعنية مباشرة أكثر من غيرها. وبحديثي هذا أود تناول واقع هذه العلاقة لا الخرافات والتصورات الخاطئة التي تبرز من وقت لآخر. سأبدأ بإسرائيل.           

إسرائيل          

حضرة الرئيس، دعني أُضيف بضع كلمات عن الانتخابات الإسرائيلية التي جرت يوم أمس. أولاً، نريد أن نهنئ الشعب الإسرائيلي على ممارسته الديمقراطية عن طريق عملية انتخاب. وهي عادة نشكر الله على أنها تنتشر في أنحاء العالم. ثانياً، إن النتائج النهائية للانتخابات لن تعلن قبل بضعة أيام بعد إتمام فرز أصوات المقترعين غيابياً. ووفقاً لأحكام القانون الإسرائيلي، سيبدأ الرئيس هيرتسوغ الاستشارات مع الأحزاب بغية تكليف أحد رؤساء هذه الأحزاب بتشكيل حكومة تنال ثقة الكنيست. وخلال هذه الفترة، التي قد تستغرق أياماً أو حتى أسابيع، لن تعلق الحكومة الأميركية على الوضع الداخلي في إسرائيل.

وكما كنا نقول طيلة الحملة الانتخابية الإسرائيلية، إننا على استعداد للتعاون مع أية حكومة تشكل. ونريد، على الأخص، العمل كشركاء مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة لإحراز تقدم حقيقي في عملية السلام وفي تمتين العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل متينة جداً، وهي تستند إلى أرسخ الأسس، كما أوضح الوزير بيكر ـ مثل عليا ديمقراطية مشتركة وقيم مشتركة، وعلاقات عميقة وواسعة النطاق من مستوى الناس العاديين حتى المستوى الرسمي، والتزام لا يتزعزع بأمن إسرائيل. وتبقى العلاقات الإسرائيلية الأميركية في جميع المجالات قوية نشطة.

وانعكس ذلك على أكمل وجه في النهج الذي اعتمدته هذه الحكومة لمعالجة عدد من القضايا ذات الأهمية البالغة لإسرائيل، فلقد:

ـ نجحنا في إلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ـ ساعدنا إسرائيل في تأمين الاعتراف الذي تستحقه، وذلك بإقامة أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع روسيا وتركيا والهند والصين وغيرها من البلدان.

ـ كنا فخورين في تولي دور رئيسي في خروج اليهود الإثيوبيين واليهود من الاتحاد السوفياتي سابقاً.

ـ ساعدنا إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد عدوان صدام حسين واستأصلنا قدرة العراق على تشكيل قوة هامة ضد إسرائيل.

ـ قمنا بدور رئيسي لدى سوريا في ما خص وضع سفر اليهود السوريين.

ـ والأهم من ذلك كله، نجحنا في تحقيق عملية تفاوض بشروط طالما سعت لها إسرائيل، وهي المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وكل من جاراتها.

ولا يعني ذلك، ولم يعن قط في الماضي، أن الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان في الرأي حول كل قضية. والخلافات في وجهات النظر حول مسائل جوهرية مثل المستوطنات أمر معروف. وقد أجرينا مباحثات بشأن مخاوف انتقال التكنولوجيا. وحاولنا، وسنستمر في محاولة التعامل مع تلك المسائل بصورة عملية وحسب الأصول وعلى أساس الاحترام المتبادل كما يليق بالأصدقاء. ونأمل في أن نتوصل إلى شروط مقبولة من قبل الجانبين تجيز لنا تقديم ضمانات القروض لتسهيل استيعاب المهاجرين بشكل يتوافق مع السياسات الأميركية. وخلافاتنا ينبغي ألا تموه، كما هددت بأن تفعل مؤخراً، حقيقة أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتشاطران قيماً أساسية وأننا لا نزال نلتزم التزاماً راسخاً بأمن إسرائيل والمحافظة على تفوق إسرائيل النوعي على أية مجموعة ممكنة من المعتدين. 

سوريا

تقيم الحكومة حواراً ذا قاعدة واسعة مع الزعامة السورية حول مجموعة كبيرة من القضايا. وقد أفضى هذا الحوار إلى نتائج تعود بفوائد هامة على المصالح الأميركية. فقد انضمت سوريا إلى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لرد عدوان صدام حسين على الكويت على أعقابه. وشكل رد الرئيس الأسد الإيجابي على رسالة الرئيس بوش التي دعاه فيها للاشتراك في مفاوضات السلام مع إسرائيل تقدماً بارزاً أتاح للوزير بيكر أن يمضي قدماً في بناء عملية سلام تتفاوض فيها إسرائيل مع كل من جاراتها الدول العربية. ومؤخراً رحبنا بقرار الحكومة السورية رفع القيود التمييزية على السفر وعلى بيع الممتلكات من قبل الجالية اليهودية السورية. ونحن على اتصال وثيق مع الحكومة السورية بخصوص تنفيذ هذه السياسة.

ولا يعني تعاملنا مع سوريا أننا نغض الطرف عن الخلافات الحقيقية حول القضايا العالقة مثل حقوق الإنسان والمخدرات والإرهاب. ولا تزال سوريا مدرجة في قائمة البلدان الراعية للإرهاب إذ إنها تواصل دعم جماعات إرهابية وتوفر الملاذ الآمن لها. وإننا نقيم حواراً متواصلاً ومباشراً مع الحكومة السورية في مسعى لحل هذه القضايا وسنحاول إحراز نتائج إيجابية، كما فعلنا بالنسبة إلى قضايا أُخرى. 

لبنان

في لبنان سياسة الولايات المتحدة ثابتة وراسخة. فنحن نعتقد أن اتفاق الطائف يوفر أفضل فرصة لاستعادة وحدة لبنان واستقلاله وسيادته وسلامة أراضيه. وقد ساهم تطبيق هذا الاتفاق في وضع نهاية عهد الحرب الأهلية المضطرب. وبمقتضى بنود اتفاق الطائف، يتعين على الحكومتين اللبنانية والسورية أن تقررا إعادة نشر القوات السورية في الطرف الغربي من سهل البقاع في وقت لا يتعدى أيلول/سبتمبر 1992، أي بعد عامين من المصادقة على الإصلاحات الدستورية في لبنان. وقد تعهدت سوريا بالتقيد بنص اتفاق الطائف وروحه. ومن الأهمية بمكان أن يتم احترام ذلك التعهد بجميع جوانبه.

وقد أحرزت الحكومة اللبنانية تقدماً هاماً في إعادة بناء مؤسسات الدولة. وتأمل الولايات المتحدة في أن تجري انتخابات برلمانية حرة ونزيهة هناك حينما تضمن الاستعدادات الكافية موثوقيتها. ومن المهم إجراء الانتخابات في أجواء تخلو من الترهيب والإكراه. وفي ضوء ذلك يعود للحكومة اللبنانية أن تقرر متى يمكن إجراء مثل تلك الانتخابات الحرة والنزيهة. وقد شجعنا الحكومة الجديدة على وضع معالجة المشاكل الاقتصادية الخطيرة للبلاد في رأس قائمة أولوياتها. وتؤكد الأحداث الأخيرة إلحاحية إعادة العافية إلى الاقتصاد اللبناني ومباشرة مهمة الإعمار. والولايات المتحدة، بمعية بلدان أُخرى ومؤسسات تمويل دولية، تتدارس السبل التي تستطيع المساعدة من خلالها.

ونواصل أيضاً دعم بسط سلطة الحكومة المركزية إلى كل أنحاء لبنان، ونزع سلاح جميع الميليشيات وانسحاب جميع القوات غير اللبنانية. كما بحثنا قلقنا الخطير حول الوضع في جنوب لبنان مع حكومات رئيسية في المنطقة، طالبين من الجميع ممارسة أقصى قدر من ضبط النفس، خوفاً من أن يؤدي استمرار العنف إلى عواقب أشد خطورة بالنسبة إلى الجميع. 

الأردن

يقوم الأردن بلعب دور بنّاء جداً في عملية السلام على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف. وقد ساعدنا هذا الدور في إحراز بعض التقدم في اتجاه الاستعادة التدريجية للعلاقة الثنائية التي حصل فيها توتر خطير جراء حرب الخليج.

عندما زار الملك حسين الولايات المتحدة في آذار/مارس الماضي، تعهد للرئيس بالتزام الأردن المستمر تجاه عملية السلام والتقيد بقرارات مجلس الأمن الدولي الخاص بالعراق. ومنذ الزيارة تعاونا بصورة وثيقة مع حكومة الأردن لإرساء نظام فعال وموثوق لتنفيذ العقوبات. لكن مع الأسف لا أستطيع إبلاغكم بأننا أنجزنا هذه المهمة. إن إنشاء مثل هذا النظام أمر مهم جداً خاصة نتيجة لاستمرار ورود تقارير تفيد بتهريب البضائع إلى العراق عبر الأردن. وقد أعلمنا الأردنيين بأن تحقيق المزيد من التقدم في علاقاتنا الثنائية وقدرتنا على توفير المعونة إلى الأردن يعتمدان ليس على عملية السلام فحسب بل على تعاون الأردن الفعال في تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة ضد العراق والتدابير التي يتخذها في هذا الصدد. 

مصر

تواصل مصر لعب دور نشط في عملية السلام، إذ شاركت في كل من لجان العمل المتعددة الأطراف الخمس وعملت بصورة وثيقة مع الولايات المتحدة في حق أطراف العملية الثنائية على التركيز على القضايا المطروحة بدلاً من التركيز على الأحداث في المنطقة، والمساعدة في كبح التوقعات غير الواقعية بإعداد الأطراف لعملية طويلة الأمد. وفي الداخل، تواصل الحكومة جهودها لإصلاح الاقتصاد الذي شلته السياسة الاشتراكية على مدى عقود من الزمن. وفي حين يبقى الكثير مما ينبغي عمله، اتخذ الرئيس مبارك قرارات صعبة وخطوات ضرورية لترشيد قطاع عام هائل ونقل مشاريع إلى القطاع الخاص. ولا تزال علاقتنا الثنائية تتسم بالحيوية والعافية. 

ليبيا

في إطار استعراض سياستنا هذا أود ذكر ليبيا باختصار. إننا نتعاون بشكل وثيق مع الأمم المتحدة وائتلاف من الحلفاء بغية وضع حد للإرهاب الذي ترعاه ليبيا. والولايات المتحدة تلعب دوراً رائداً في المجهود الدولي لضمان تقيد الحكومة الليبية بجميع جوانب قراري مجلس الأمن الدولي 731 و748، بما في ذلك تقديم مقترفي عملي تفجير طائرتي بان أميريكان و يو تي آي إلى العدالة ووقف دعمها للإرهاب وسعيها للحصول على الأسلحة غير التقليدية. 

الخليج وشبه الجزيرة العربية

إلى جانب عملية السلام في الشرق الأوسط لا تزال منطقة الخليج تمثل موضع تركيز لاهتمام سياسة الولايات المتحدة. 

العراق

في العراق نواصل أداء دور رائد في المجهود الدولي للمحافظة على العقوبات والضغط على صدام حسين. ولم يمتثل العراق لمتطلبات مجلس الأمن في كثير من المجالات. وفي ضوء ذلك السجل الواضح من عدم الامتثال، صوّتنا في مجلس الأمن في الشهر الماضي بالموافقة على الإبقاء على العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق. وكما أوضح الرئيس بوش، فإننا نحبذ استمرار العقوبات ما دام صدام حسين متمسكاً بالسلطة.

بسبب التهديدات التي توجهها الحكومة العراقية إلى شعبها طلبنا من تركيا أن تمدد عملية "توفير الراحة" فترة إضافية. وكان ذلك التواجد، وبصورة خاصة تحليق الطائرات على مستوى منخفض، هاماً في إبقاء الانتخابات الأخيرة للأكراد بمنأى من التدخل العراقي. وقد رحّبنا بإجراء هذه الانتخابات في إطار البيانات الكردية التي أعلنت أنها لا تتعرض لوحدة أراضي العراق. وأود التوضيح هنا أن وحدة أراضي العراق لا تزال تشكل جزءاً من السياسة الأميركية وعنصراً حيوياً للاستقرار في المنطقة. ونحن نتطلع إلى اليوم الذي تُجرى فيه انتخابات في جميع أنحاء العراق لكي يتمكن شعب العراق من الاختيار بحرية ممثليه وحكومة تعكس الطبيعة التعددية للمجتمع العراقي. وحالياً نقوم برصد أفعال صدام حسين في جميع أرجاء البلاد ولن نتساهل حيال أية انتهاكات لقرارات الأمم المتحدة، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 688 الذي يطالب بوضع حد لأعمال القمع.

وبشكل عام إن سياستنا إزاء العراق هي في مسارها الصحيح، كما أن الدعم الدولي لعقوبات الأمم المتحدة والتقيد بها لا يزالان قويان وإنْ تكتنفهما عيوب. وقد حققت اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية قدراً لا بأس به من التقدم في اتجاه إزالة برامج أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الهجومية للعراق. وسنواصل تأييد هذه العملية التي تعتبر حيوية لأمن المنطقة ولكبح قدرة العراق على تهديد جاراته مرة أُخرى، بمن فيها السعودية وإسرائيل. وأحرزت لجنة الحدود التابعة للأمم المتحدة تقدماً لا بأس به في مهمتها لترسيم الحدود العراقية الكويتية. ويعكف مئات عمال الإغاثة الدوليين على سد الحاجات الإنسانية للشعب العراقي.

ومن الواضح أن صدام حسين يأمل بإحباط عزيمة مجلس الأمن وبأن يصمد أكثر منها، غير أنه يتعين عليه ألا يتوهم بأن الأسرة الدولية ستنسى سجله الحافل بالوحشية غير المشروعة ولن تقبل أي شيء أقل من الانصياع الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي. وصدام في نظرنا وبكل بساطة لن يغفر له. وسننفذ عقوبات الأمم المتحدة على أكمل وجه.

يستحق الشعب العراقي أن تكون له زعامة ليست ممثلة لطبيعته التعددية فحسب بل على استعداد أيضاً للعيش بسلام مع جارات العراق. ولتحقيق هذه الغاية نحيّي المعارضة العراقية للشجاعة التي أبدتها في التصدي لنظام حكم يتسم بالقساوة باجتماعها في فيينا الأسبوع الماضي. ونأمل أن يكون هذا الاجتماع خطوة باتجاه المزيد من الوحدة تحت قادة يختارون بحرية ونحو مستقبل ينعم فيه جميع العراقيين بحريات يحرمهم إياها صدام حسين منذ مدة طويلة. 

إيران

في إيران نرغب في عودة هذه البلاد إلى الأسرة الدولية والمشاركة البنّاءة في استقرار المنطقة. ويأمل العديد أن تؤدي الانتخابات الأخيرة للمجلس إلى اتباع سياسات معتدلة. ونحن إذ نشاطر هذا الأمل ندرك أن الأفعال محك الاختبار.

يعتمد تطبيع علاقاتنا مع إيران على عدة عوامل، لا سيما إنهاء مساندتها الإرهاب. ولقد نوّهنا بدور إيران في الإفراج عن الرهائن الأميركية في لبنان. لكن ذلك لم يكن سوى فرع من مشكلة الإرهاب ككل حيث لا يزال سلوك إيران غير مقبول. وتبقى ممارسات إيران في مجال حقوق الإنسان وسعيها الظاهر لبناء ترسانة أسلحة مشيعة لعدم الاستقرار مسائل مقلقة على نحو خطير. إضافة إلى ذلك يتعين رصد سياسات إيران إزاء جاراتها في الخليج، حيث لدينا مصالح حيوية، وتجاه آسيا الوسطى وأفغانستان عن كثب. ومن المشاكل الخطيرة الأُخرى معارضة إيران المطلقة لعملية السلام العربية الإسرائيلية ودعمها لأولئك الذين يعارضونها معارضة عنيفة، مثل حزب الله في لبنان.

ولم تقبل إيران عرضنا إجراء حوار مباشر بواسطة ممثلين ذوي صلاحية. ولا يزال عرضنا مطروحاً، كما أننا لا نزال نرغب في إقامة علاقة طبيعية إلى درجة أكبر إذا أصبح سلوك إيران يعكس القيم الدولية. 

شبه الجزيرة العربية

في شبه الجزيرة العربية دلائل على تزايد الاستعداد من جانب حكومات المنطقة لتوسيع المشاركة السياسية وقد أحرزنا بعض التقدم باتجاه هدفنا القاضي بتعزيز الأمن في المنطقة.

يشمل التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والبلدان الستة الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مشاورات سياسية وعسكرية ومناورات مشتركة ووضع خطط لتمارين عسكرية متعددة الجوانب، واتفاقيات مع دول المجلس لتوفير الأساس لاستجابة سريعة لحالات طارئة في المستقبل. وحتى الآن قمنا بتحديث اتفاقية مع عمان وعقدنا اتفاقات جديدة مع الكويت والبحرين. كما عقدنا يوم أمس اتفاقاً مع قطر. ونواصل المباحثات مع دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ونأمل في إحراز تقدم بشأن هذه الاتفاقيات في أقرب وقت ممكن.

أمّا بشأن اتخاذ خطوات في اتجاه مشاركة سياسية أوسع، وهو أمر نحث عليه، فإن الكويت تستعد لإجراء انتخابات برلمانية واستئناف الحكم الدستوري في تشرين الأول/أكتوبر. وفي السعودية أعلن الملك فهد أنه سيعين مجلساً للشورى. وكان هيكل لمجالس شورى مماثلة قد أُنشىء في عُمان في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وفي اليمن من المقرر إجراء انتخابات متعددة الأحزاب في تشرين الثاني/نوفمبر وتم رفع العديد من القيود التي كانت مفروضة على الصحافة. وإننا إذ نرحب بهذه التطورات سنستمر في متابعة التقدم في دول الخليج إذ تتخذ خطوات تجيز المشاركة السياسية إلى حد أبعد وتزيد من الحريات المدنية. 

القيم الجوهرية 

إننا متشجعون من هذه التطورات. والقيم الجوهرية التي تلهم السياسة الخارجية الأميركية على نطاق عالمي ـ دعم حقوق الإنسان والمشاركة الشعبية في الحكم والتعددية وحقوق النساء والأقليات ـ تنعكس أيضاً في نهج تعاملنا مع بلدان الشرق الأدنى.

وهذه الحقيقة هي نقطة انطلاقنا في موقفنا إزاء عامل تتزايد أهميته في المنطقة ألا وهو الظاهرة التي تسمى أحياناً بالإسلام السياسي أو اليقظة الإسلامية أو الأصولية الإسلامية. وقد تناولت هذه القضية بشيء من الإسهاب في كلمة ألقيتها في ميريديان هاوس في الثاني من حزيران/يونيو وبإمكاني توزيع نصها عليكم اليوم. لكنْ أود الإشارة إلى بعض النقاط الأساسية:

            ـ أولاً، إننا لا ننظر إلى الإسلام على أنه العقيدة التالية التي ستجابه الغرب أو تهدد السلام العالمي. إن هذه المقولة هي بمثابة رد فعل في غاية التبسيط على واقع معقد. ومن الجلي أن الصليبيين انقضى عهدهم منذ زمن بعيد.

            ـ ثانياً، في حين ليست لدينا رغبة في فرض نموذج "صنع في الولايات المتحدة الأميركية" على المجتمعات الأُخرى، فإننا نعتز بتقاليدنا وقيمنا وسوف نساند أولئك الذين يسعون في المنطقة لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية واحترام القيم الإنسانية الأساسية.

            ـ إننا نفترق في الشرق الأوسط، كما في مناطق أُخرى، عن أولئك الذين ـ سواء غلّفوا رسالتهم بعبارات دينية أو غيرها ـ يمارسون الإرهاب أو يضطهدون الأقليات أو ينادون بعدم التسامح أو ينتهكون حقوق الإنسان أو يعملون للوصول إلى أهدافهم بوسائل العنف.

            ـ أولئك الذين يسعون لتوسيع المشاركة السياسية في الشرق الأوسط سوف يجدوننا مؤيدين لهم كما كنا في مناطق أُخرى من العالم. وفي الوقت نفسه إننا نرتاب من أولئك الذين يستخدمون العملية الديمقراطية للوصول إلى السلطة ثم يقوضون هذه العملية من أجل الاحتفاظ بالسلطة والهيمنة السياسية. وفي حين نؤمن بمبدأ "صوت واحد للفرد الواحد" فإننا لا نؤيد مبدأ "صوت واحد للفرد الواحد مرة واحدة".

            ـ خلاصة القول إن الدين ليس عاملاً مقرراً لطبيعة أو نوعية علاقاتنا مع بلدان الشرق الأوسط. إن نزاعنا هو مع التطرف والعنف والحرمان (من الحقوق) وعدم التسامح والترهيب والإكراه والرعب وهي الأمور التي كثيراً ما تقترن بالتطرف. 

دعم مؤسسات الأعمال الأميركية 

أخيراً أود قول كلمة عن جهودنا التي تتوخى تحقيق هدف مادي وآني، وهو هدف أدري سيدي الرئيس أنك أعربت عن اهتمام خاص به، ألا وهو ترويج المصالح الاقتصادية والأعمال التجارية في الشرق الأوسط. وهناك جانبان هامان في عمل وزارة الخارجية وسفاراتنا من أجل تحقيق ذلك الهدف:

أولاً، نعمل بجهد في كل بلد لضمان منح الشركات الأميركية كل فرصة للتنافس بنشاط وعلى قدم المساواة مع المنافسين الأجانب. ويستهدف عملنا في سبيل قيام أسواق عادلة وحرة ومفتوحة فتح الأبواب الأجنبية وإبقاءها مفتوحة في وجه المصالح التجارية الأميركية ومنتجاتها. ثانياً، إننا في وزارة الخارجية إلى جانب زملائنا في وزارة التجارة ومسؤولينا في السفارات نعمل بنشاط مع الشركات الأميركية لترويج منتجاتها وخدماتها. وخير دليل على أن هذه الجهود بدأت تثمر الأمثلة التالية:

            ـ تعكف سفاراتنا في دول مجلس التعاون الخليجي على مساعدة الشركات الأميركية في بيع شركات الطيران في المنطقة طائرات ركاب في وجه منافسة دولية شديدة.

            ـ أكبر نسبة من عقود توسيع وتحديث مرافق النفط السعودية مُنحت إلى شركات أميركية. وقد لعبت سفارتنا في الرياض دوراً نشطاً في هذه الأمور التجارية وغيرها من المسائل التجارية الأُخرى. وبلغ مجموع الصادرات الأميركية إلى السعودية 6600 مليون دولار في عام 1991، وتجاوزت قيمة هذه الصادرات في الربع الأول من العام الحالي قيمتها خلال نفس الفترة من العام الماضي بنسبة 26 بالمائة. كما نعمل بالتعاون مع الحكومة السعودية في حل بعض النزاعات التجارية القائمة منذ مدة، ولإنشاء آلية لفض النزاعات.

            ـ ابتاعت الكويت، التي يبلغ عدد سكانها قرابة مليون نسمة، ما قيمته 1200 مليون دولار من السلع والخدمات خلال عام 1991 الذي مزقته الحرب وزادت وارداتها من المنتجات الأميركية هذا العام. وفي الواقع وفرت الصادرات الأميركية إلى الكويت وحدها وظائف لـ 23,000 أميركي في عام 1991، طبقاً لأرقام وزارة التجارة.

هذه أمثلة قليلة. والوزارة في واشنطن والسفارات في الخارج تعمل بنشاط كل يوم في مساعدة وتعزيز المصالح التجارية في جميع أرجاء الشرق الأوسط والمغرب العربي وجنوب آسيا. ونحن نعلم من الخبرة أن العلاقات الاقتصادية والتجارية السليمة بين الولايات المتحدة وأصدقائنا وحلفائنا من شأنها أن توجد مصالح مشتركة أرحب وأكثر استقراراً إضافة إلى أنها تعود بالمنفعة المباشرة على العمال الأميركيين والاقتصاد الأميركي. 

الخاتمة 

سيدي الرئيس إن النظرة الواقعية إنما المستندة إلى المبادئ التي عرضتها الآن تنعكس في العلاقات الممتازة التي نتمتع بها مع عدد كبير من بلدان المنطقة من إسرائيل إلى بلدان تستند أنظمة الحكم فيها إلى المبادئ الإسلامية؛ إنها جزء لا يتجزأ من النهج الواقعي لتحقيق أهداف السياسة الأميركية التي ذكرتها في بداية بياني.

 

المصدر: المكتب الصحافي للسفارة الأميركية في تونس، 25/6/1992. وقد أدلى دجيريجيان بشهادته هذه أمام اللجنة الفرعية الخاصة بأوروبا والشرق الأوسط، التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي.

* مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا: إدوارد دجيريجيان.