حديث صحافي للدكتور عبد السلام المجالي بشأن موقف بلده، عمان، أواخر نيسان/أبريل 1992
Full text: 

توصف بأنك أكثر المتفائلين بعملية السلام على رغم التعقيدات الكثيرة التي تضعها إسرائيل. فهل تستند في تفاؤلك إلى ثوابت أو معلومات معينة؟

التشاؤم يظلم الأشياء أمام الأعين، بينما التفاؤل يساعد على وضوح الرؤية. لكن التفاؤل لا يعني أن حلاً قريباً وسريعاً يلوح في الأفق. والتفاؤل ضروري لأن ما جرى منذ البداية وحتى الآن أحدث تغييراً في أطراف المعادلة كما كانت قبل مؤتمر السلام.

كان في العالم نظام ثنائي. وكانت القضية الفلسطينية في ساحة المعركة بين القوتين الأعظم. الآن زالت إحدى القوتين ودخلنا مرحلة النظام العالمي الجديد الذي تقوده قوة واحدة تغيرت استراتيجيتها بعد الحرب الباردة. وقد لا أكون مفرطاً في التجاوز إذا قلت أنه لن تقع حروب عسكرية خلال العقود القليلة المقبلة. وسوف يحل محلها صراع اقتصادي بين مختلف الدول الصناعية الكبرى حول الطاقة التي تعتبر منطقتنا أكبر مخزن لها في العالم، والنظام الدولي الجديد لا يطيق وجود عود ثقاب قربها وهو بالتالي يرغب في سلام دائم لا يتحقق إلا بالعدل. أليس هذا داعياً للتفاؤل؟

إن ما جرى منذ مؤتمر مدريد حيث قضينا على نظرية الإعلام الغربي الرائجة منذ عقود من أن الأردن هو فلسطين وأنه لا يوجد شعب فلسطيني إلا بالصورة الإرهابية، إذاً ظهر الأردن بكينونة واضحة وظهر الشعب الفلسطيني بكينونة واضحة كذلك أمام العالم ـ هذا كله مدعاة للتفاؤل أيضاً.

ما زلتم مستمرين بالتفاوض مع إسرائيل على رغم العراقيل، فهل يجري شي في الخفاء؟ وهل ثمة اتفاق سري مع الإدارة الأميركية ينفذ على مراحل؟

لا يوجد شيء سري، لا مع الأميركيين ولا مع غيرهم. الأميركيون ملتزمون بدفع عملية السلام ولكنهم يريدون لأسلوب التفاوض المباشر أن يأخذ مداه ولا يتدخلون في المفاوضات، إلا إذا تعثرت.

وهل لدى الإدارة الأميركية سيناريو محدد للحل؟

حتى لو كان لديها مثل هذا السيناريو فلا يمكن أن تعلن عنه لأنها لو أعلنت فما جدوى التفاوض إذن؟

وما المطلوب من واشنطن خلال الجولة الجديدة على وجه التحديد؟

المطلوب منها تهيئة الأجواء للتفاوض، وهذا هو دورها الأساسي، وأن تتأكد من الحق العربي والتصميم العربي على السير في طريق السلام العادل والدائم.

ولماذا لم يتدخل الأميركيون في الجولات السابقة عندما قيل أنكم وصلتم إلى طريق مسدود؟

لم نصل في المفاوضات إلى طريق مسدود ولا في أي مرحلة منها، وأقول للذين يراقبون المفاوضات بأنها ستكون طويلة وشاقة وصعبة وتحتاج إلى صبر ومنطق وتفكير، وليس إلى التشنج والتشاؤم.

قلتم أكثر من مرة أن لا أحد يعرف نهاية طريق السلام، فلماذا تمضون فيها؟

نحن بالفعل لا نعرف إلى أين سنصل في النهاية ولكننا بدأنا بتثبيت حقوقنا، وأولها الكينونة الفلسطينية، فهناك مسار فلسطيني ـ إسرائيلي، وآخر أردني ـ فلسطيني، ثم نتدخل تدريجياً في أي موضوع نناقشه لتثبيت حقوقنا الأخرى. في السلم لا يوجد رابح وخاسر، فالكل يجب أن يربح ولكن الربح قد يكون مادياً أو معنوياً، وكذلك توقيته قد يختلف بين اليوم والغد. ومن هنا فإننا نحتاج إلى وقت طويل.

[.......]

من خلال جولات المفاوضات السابقة، كيف يتصرف المفاوض الإسرائيلي مع الأطراف العربية؟

يجلس الإسرائيلي قبالك ولديه مخاوف كبيرة. الإسرائيليون يشعرون بأنهم قلة تعيش في محيط عربي وإسلامي كبير. ولذلك تجد الإسرائيلي يتمسك بكل حرف وورقة. من هنا فإن من واجبنا أن نطمئنه بأن هذا الخوف يجب أن يزول وهذا أحد أسباب إصرارنا على المشاركة، لإقناعهم بأننا جادون في السعي نحو السلام وأن عليهم أن يغيروا استراتيجيتهم المبنية على هذه المخاوف.

يتساءل البعض عن الموضوعات التي سيفاوض الأردن عليها بعد وجود المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي المستقل؟

يستضيف الأردن مليون لاجئ فلسطيني، وهؤلاء لهم حق العودة أو التعويض. وإسرائيل تستولي على كامل مياه نهر الأردن، وعلى الجزء الأكبر من مياه نهر اليرموك وهذه حقوق أردنية واضحة. هنالك أراض أردنية محتلة. وقبل كل شيء هناك الفلسطينيون الذين يجب أن نقف إلى جانبهم وبكل قوة كما كنا دائماً. هذه قضايا أردنية ضخمة، وثمة خطورة كبرى إنْ لم نشارك، ليس فقط من أجل بحث هذه القضايا، بل لأن هناك أخطاراً ما زالت تهددنا. ألم يهدد شارون، وما يزال، بطرد الفلسطينيين إلى الأردن؟ وعليه فإن من واجبنا أيضاً أن ندرأ الخطر قبل وقوعه؟

طرح أخيراً موضوع الكونفدرالية الأردنية ـ الفلسطينية. هل تتوقع أن يكون له تأثير على المفاوضات المقبلة؟

العلاقة الأردنية ـ الفلسطينية يجب أن تبقى دائماً موضوع دراسة لتظل في وضعها الصحيح. ويأتي موضوع الكونفدرالية ضمن هذا الإطار.                      

غير أن البحث في أي موضوع أمر مختلف عن تحديد موعد تنفيذه. الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال ويجب أن يأخذ حقه في تقرير مصيره قبل أن يُفرض عليه أي شيء. والشعب الأردني يجب أن يكون له رأي. وباختصار، فإن هذه العلاقة يجب أن تكون مدروسة وواضحة وموثقة وتنتظر التنفيذ عندما يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على حقه في تقرير مصيره.

ما الذي تتوقعه من جولة المفاوضات الجديدة؟

لا أعتقد أن إنجازاً كبيراً سيتحقق. الإسرائيليون لديهم انتخابات. ونحن نذهب لنؤكد للعالم وللشعب الإسرائيلي أننا ملتزمون وجادون بالسلام، ولعلهم بانتخاباتهم يعطون من ينتخبونهم قراراً بوضع استراتيجية سلام لحكومتهم المقبلة، وسيكون هذا بحد ذاته إنجازاً لعملية السلام.

[.......]

ما مدى التنسيق بين الوفود العربية؟

هناك تنسيق حقيقي لأن للجميع مصلحة في ذلك. والتنسيق لا يعني توحيد المواقف، على رغم أننا نتمنى أن يكون موقفنا واحداً، ولكن عدم حدوث هذا الأمر لا يعني أن الموقف شائن. الأهم من كل ذلك أن يحدث التنسيق قبل وقوع الحدث.

ماذا نكسب من المفاوضات، وإسرائيل غير جادة كما تقول؟

وماذا نخسر؟ هنالك مليونا مواطن تحت الاحتلال، وقد جربنا الكثير من الوسائل لإنقاذهم ولم ننقذهم. وحقوقنا في أرضنا ومياهنا لم تسترد. الخطوة الأولى المطلوبة أن علينا الذهاب إلى المفاوضات كوسيلة سلمية لإعادة الحق المغتصب. أما أن ننجح أو نفشل فهذا شيء آخر. المهم أنه لا يجوز لنا أن نجلس في بيوتنا فيما أرضنا وشعبنا تحت الاحتلال ثم ننتظر من الإسرائيليين أن يعيدوا إلينا حقوقنا.

 

المصدر: "الوسط" (لندن)، العدد 13، 27/4/1992، ص 28 ـ 29. وقد أجرى الحديث فيصل الشبول.

* عبد السلام المجالي: رئيس الوفد الأردني إلى مفاوضات السلام.