جاء على غلاف هذا الكتاب ثناءٌ فيه أنه كتاب فريد في نوعه. غير أن من يقرأ الكتاب سرعان ما يكتشف أنه ليس فريداً في انتقائيته، وفي دفاعه عن إسرائيل. فبعد تحليل مستفيض لقانون ممارسة الحرب ومبدأ الحرب العادلة، يصل المؤلف إلى نتيجة تتعارض مع معظم الدراسات القانونية بشأن تصرفات إسرائيل حيال الفلسطينيين وفحواها أن إسرائيل "تمارس حرباً عادلة" (ص 320). وإذا عرضنا مصادر أوبريان نجد ما يدلنا على الأسباب وراء هذا الاستنتاج. فبينما يزعم الكتاب أنه يحلل الأعمال العدائية المتبادلة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، نجد أن لائحة مصادره محدودة جداً فيما يتعلق بمصادر المنظمة، وحافلة بالمصادر الإسرائيلية. من هنا فقد يُنظر إلى هذا الكتاب، وبحق، على أنه موقف مساند لإسرائيل في صراعها مع المنظمة.
لكن المؤلف، والحق يقال، يعترف منذ البداية بموقفه المساند لإسرائيل. ففي الفصل الأول يعترف بأن "الأساس الذي تقوم الفصول التالية المبدئية" عليه هو "منظومة من الأعمال العدوانية في هذه الحرب الطويلة، يُنظر إليها أساساً من منظور إسرائيلي" (ص 10). وفي الفصل ذاته، يقدم الأستاذ أوبريان أهداف المتحاربين وتكتيكاتهم، ويصل إلى نتيجة أن "من الصعب جداً تقويم الأهداف الفلسطينية" (ص3)؛ فقد تتفاوت هذه الأهداف من إزالة إسرائيل نهائياً، إلى إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب سنة 1967. غير أن أهداف إسرائيل يمكن تحديدها، بسهولة، بأنها مناهضة للإرهاب لأسباب أمنية. وعلى الرغم من وجود خلافات داخل إسرائيل في شأن "امتداد الدولة وطبيعتها" (ص 19)، فإن ثمة تفاهماً واضحاً حيال الهدف الأسمى، وهو الحفاظ على الدولة اليهودية.
ويقدم الفصل الثاني صورة للاستراتيجيات والتكتيكات المتبعة من جانب الفريقين. وهنا يسرد الأستاذ أوبريان لائحة بما يسميه "هجمات إرهابية"، وأنشطة إسرائيلية "مناهضة للإرهاب"، على شكل أعمال ثأرية أو استباقية. والصورة، هنا أيضاً، انتقائية للغاية ومساندة لإسرائيل، وكان الهدف تبرير الأعمال الإسرائيلية.
أما القسم الثاني من الكتاب، فيضم ستة فصول تزعم أنها تبحث بالتفصيل في العلاقات بين إسرائيل والمنظمة من منظور القانون الدولي. وأول هذه الفصول (الفصل الثالث) يشتمل على بحث جيد في القانون الدولي الراهن بشأن الحرب. أما الفصول الأخرى، فتعرض الأعمال الإسرائيلية في منظور القانون الدولي. ويصل القسم الثاني إلى نتيجة أنه، بالنظر إلى التفسير الاعتيادي للقانون الدولي حيث "تجنب الحرب هو القيمة المبدئية العليا"، فإن إسرائيل قد "تسقط في الامتحان" (ص 320). من هنا، فإن حجة المؤلف هي تغيير السؤال من سؤال عما إذا " كانت وسيلة ما، أو عمل ما هو 'شرعي' أو 'غير شرعي'"، إلى سؤال عما إذا كان "عقلانياً" أم لا (ص 318). لذا فإن الطرد والاعتقال الإداري، وحتى التعذيب، هي في بعض الأحيان أعمال "ضرورية" (ص 254)، لأنها قد تكون عقلانية.
أما القسم الثالث من الكتاب، وفيه ثلاثة فصول، فيعرض إثنان منها نظرية الحرب العادلة الحديثة، ويطبّقها على نزاع إسرائيل مع المنظمة. ويلخص الفصل الأخير نتائج الكتاب بأسره. ولعل هذا القسم الثالث أضعف أجزاء الكتاب. فلكلام على نظرية الحرب العادلة موجز وغير محدّد، وتطبيقها يخلط الرأي بالحقيقة. والنتيجة هي أن إسرائيل "دولة تستأهل الحماية الكاملة التي ترد في نظرية الحرب العادلة" (ص 297).
إن تبرير أوبريان لتصرف إسرائيل تجاه الفلسطينيين يعود إلى اهتمامه بأمن الدولة اليهودية. لكن الكتاب يفتقر إلى اهتمام مواز بأمن الفلسطينيين، أو بأمن جيران إسرائيل. ورأيي أن اهتمامات المؤلف ليست في مكانها. فالأعمال نفسها، التي يحاول تبريرها وعقلنتها، لا تؤدي في نهاية المطاف إلى أمن إسرائيل، بل إلى غياب أمنها غياباً دائماً.. فالأمن لا يمكن أن يتم من خلال فوهة المدفع. ولا يتم أمن إسرائيل إلاّ حين يشعر الفلسطينيون وجيران إسرائيل بالأمن أيضاً.
ولو حذّر أوبريان إسرائيل، بصفته أحد أصدقائها، من أن تصرفاتها التي ندد المجتمع الدولي بها لا يمكن تبريرها استناداً إلى القانون أو الأخلاق، وأنها لا تخدم أمن الدولة في المدى البعيد، لكان عبّر عن اهتمامه بأمن إسرائيل تعبيراً أفضل. وعوضاً من عقلنة ما لا يمكن تبريره، كان في إمكان المؤلف أن يؤدي خدمة إلى حكّام إسرائيل من خلال النصح باستبدال الأنشطة "المناهضة للإرهاب" بجهود مخلصة تهدف إلى سلام الجميع وتفاهمهم. فالتاريخ ذاته، الذي يبحث المؤلف فيه، يفيد أن إسرائيل غير قادرة على تحقيق الأمن عن طريق القوة. فلا بد من أن يضمن أمن إسرائيل، في المدى البعيد، أمن أعدائها.