مؤتمر صحافي للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الله بشارة بشأن إمكانات نجاح مؤتمر السلام، الرياض، 28/10/1991
Full text: 

وأنتم في طريقكم إلى مدريد اليوم لتمثيل دول مجلس التعاون الخليجي في مؤتمر السلام بصفة مراقب. ما هي احتمالات نجاح هذا المؤتمر في نظركم؟

وأنا في طريقي الآن إلى مدريد لتمثيل دول مجلس التعاون في مؤتمر السلام... مؤتمر التاريخ ومؤتمر القرار إذا بالغنا بالتفاؤل. التوقعات صعبة لأنه سيكون مؤتمر الإرادة والإدارة والدراسة والتحضير والتقديم. هذا المؤتمر لا يقبل أنصاف الحلول، ولا يقبل أنصاف القادرين، ولا يقبل أنصاف الحازمين وكل من يأتي إليه يجب أن يكون واضحاً في موقفه، واضحاً في تعبيراته وواضحاً في سياسته واضحاً في رؤياه. والذين سيترددون هم الذين سيقولون "لا، لم نوافق على هذا المؤتمر سابقاً وإنما فرض علينا". (هؤلاء) لا مكان لهم فهذا مؤتمر تاريخي. ويجب أن يكون التحضير له تحضيراً تاريخياً.

متفائل؟ أقول لا. متشائم؟ أقول لا لأن في هذا المؤتمر ثلاثة عوامل ستبرز: العامل الأساسي هو الموقف الإسرائيلي، وهو موقف متشدد متصلب جالس على الأرض ناهب لخيراتها مستوطن فيها، لا يعبأ بأي حق للآخرين ولا يشعر بمآسي الآخرين وسيكون من الصعب تغيير الذهنية الإسرائيلية إلا بضغط عالمي وضغط داخلي في إسرائيل. والسياسة أو التكتيك المتبع الآن هو ممارسة الضغط من أجل تحويل الرأي العام الإسرائيلي لعله يساعد في الضغط على حكومته.

أما العامل الثاني فهو الموقف العربي الذي يجب أن يكون صلباً واضحاً. وهناك فرق بين الحصول على المرغوب فيه وبين الحصول على الممكن.

المرغوب فيه معروف، والممكن يجب أن يكون السياسة العربية والاستراتيجية العربية لتحسين الحصول على الممكن، أي توسيع الدائرة التي يمكن أن يحصل عليها المفاوض العربي من الدول المعنية مباشرة خلال مفاوضاته مع إسرائيل. والموقف العربي يجب أن يكون واضحاً وصريحاً وقوياً لا مكان فيه للغموض ولا للكلمات التي لا تعبر عن حقيقة الموقف.

العالم الثالث هو الموقف الدولي متمثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والوجود الأوروبي والوجود المعبر عن الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بما فيها دول شمال أفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي.

هذا الوجود العالمي الكبير الضخم هو عبارة عن تجمع يعبر عن الرأي العام الإقليمي والدولي بأن هذا المؤتمر يجب ألا نضيع الفرص فيه ولا يجب أن تكون المواقف فيه غامضة ويجب أن نخرج منه بحل واضح معقول مقبول وشامل ودائم يعتمد على الشرعية الدولية. وأتوقع أن يأخذ المؤتمر وقتاً. والصبر سيكون كبيراً. والجهد سيكون سخياً واسعاً.

تلتقي الأطراف العربية والإسرائيلية في مدريد. وكل طرف مسلح بأقصى مطالبه. بوصفك ممثلاً لدول مجلس التعاون هل يمكن معرفة مطالبكم؟

تتمثل مطالبنا في مبدأين أساسيين أولهما أن يتم تنفيذ قرارات مجلس الأمن لا سيما 242 و338 وأن يكون الحل مرتكزاً على مبادئ الشرعية الدولية بمعنى أنه لا يمكن قبول مبدأ أخذ الأراضي بالقوة، ولا يمكن قبول مبدأ الأمر الواقع، ولا يمكن قبول مبدأ الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يقول إن نظرية الأمن تعتمد على ضم أراضي الغير وأخذ أراضي الغير من دون اعتبار لحقوقهم التاريخية وحقوقهم الوطنية وحقوقهم في السيادة.

نحن أمامنا قرارات واضحة مستمدة من الشرعية الدولية والإرادة الدولية ونحن نصر على تنفيذها. وأعتقد أن هذه هي أدنى مطالب المفاوض العربي المعني مباشرة.

المبدأ الثاني الذي يجب أن نراعيه هو ألا تلتف إسرائيل بتقديم تفسيرات جديدة غير مقبولة للقرار 242. وأشعر أن نظرية إسرائيل تجاه 242 لا تعني فقط الانسحاب وتطبيع علاقات مع الدول المعنية مباشرة، ولكن التفاهم الإقليمي والتعايش الإقليمي عبر مصالح مشتركة وعبر نظريات وزيارات مشتركة وعبر شبكة واسعة من الاتصالات والمصالح. طبعاً هذا التفسير يذهب كثيراً عن قرار 242، الذي يقول بأن لا حل بالقوة ولا حل بالضم ولكن يكون الحل بمراعاة حقوق جميع الأطراف المعنية. أعتقد أن على المفاوض العربي أن ينتبه إلى هذا الشيء ويصر على مبادئ الشرعية الدولية وتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

هل لديكم الاستعداد كمجموعة خليجية للتباحث مع إسرائيل مباشرة خلال مؤتمر مدريد في المصالح والأمن القومي للمنطقة؟

في هذه المرحلة لا يوجد شيء من هذا القبيل، فالمرحلة الأولى عبارة عن انطلاق المؤتمر وعبارة عن افتتاح ودخول فصل جديد من فصول تاريخ منطقة الشرق الأوسط والصراع العربي ـ الإسرائيلي. والمرحلة الأولى لا يوجد فيها أية مفاوضات مع دول مجلس التعاون الخليجي أو غيرها.

المرحلة الثانية هي المفاوضات الثنائية بين الدول العربية المعنية مباشرة وبين إسرائيل.

والمرحلة الثالثة هي المعالجة الإقليمية للمشاكل، وهي ليست مفاوضات وإنما معالجة للقضايا مثل نزع السلاح ومشكلة المياه والتنمية الاقتصادية والبيئية. وهذه كلها موضوعات لا يمكن بحثها إلا بعد أن تتفق الدول المعنية مباشرة في قضايا ملحة مثل قضايا السلام والانسحاب والمياه والمستوطنات التي هي أساس لمناقشة هذه القضايا التي يمكن التفاهم عليها عبر الحوار في مدريد. ومسؤوليتنا نحن في المرحلتين الأولى والثانية هي المراقبة والمتابعة.

يرى البعض أن العرب لن ينجحوا في الحصول على أكثر مما تريد إسرائيل في إطار ترتيبات إقليمية بعيداً عن تنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و338 فهل أنتم مع هذا الرأي؟

أنا أعرف النظرية الإسرائيلية التي تعتمد على الالتفاف والتجاوز والطيران على قرار مجلس الأمن وتقديم تفسيرات متطرفة. لكن الدور الأميركي والأوروبي والإسرائيلي يجب أن يقنع الحكومة الإسرائيلية بأنه لا سبيل للعيش في سلام إلا بتنفيذ قرارات مجلس الأمن وحق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه الأساسية غير المختلف عليها. وأعرف أن استخلاص شبر واحد من الإسرائيليين سيكون شبه معجزة، فهذا أمر صعب تاريخياً ومستقبلاً وحاضراً ولكن علينا المثابرة والجد فربما حصلت تطورات أثناء المفاوضات تساعد على دفع مسيرة السلام.

وهل قمتم كمجموعة خليجية بالاتصال مع الولايات المتحدة لمحاولة ممارسة ضغط أميركي على تل أبيب لتحقيق بعض مطالبكم؟

نحن على اتصال مع الولايات المتحدة بشكل كبير وبيننا حوار وتعرف أن القرار الذي اتخذناه أمس ليس قراراً عادياً بالمشاركة في المرحلة الثالثة في المفاوضات فهو تعبير عن التزام دول مجلس التعاون بمسيرة السلام ودعم مساعي الرئيس جورج بوش. وحرصاً على الموقف العربي والحق العربي فنحن نواصل الحوار مع الولايات المتحدة وهناك قنوات للاتصال من أجل جذب الموقف الأميركي باتجاه ممارسة ضغط على إسرائيل. ولكن الإسرائيليين "صعبون" جداً. وقد عشت في أميركا وأعرف أن هناك حداً لموقف الولايات المتحدة في الضغط، فهناك خط لا تستطيع الولايات المتحدة تجاوزه باتجاه الضغط على إسرائيل ونحن ندرك ذلك بكل واقعية. وأي أمل هو في الموقف الأوروبي والرأي الداخلي في إسرائيل وأيضاً الأجواء التي تخلقها الأطراف المباشرة. ولدي شعور بأن الوفد الفلسطيني القادم من الأرض المحتلة سيلعب دوراً أساسياً في الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي وفي تحسين الموقف الإسرائيلي. والوفد الفلسطيني أكثر من يفهم الموقف الإسرائيلي وله حوار منذ زمن مع إسرائيل ويعرف كيفية الموضوع والتعامل مع النهج الإسرائيلي.

شمير سيرئس الوفد الإسرائيلي، فهل تعتقد أن ذلك بهدف تحويل لقاء مدريد إلى لقاء قمة تجمعه والرئيسين بوش وميخائيل غورباتشوف للبحث في مصير المنطقة في ظل غياب القيادات العربية عن المؤتمر؟

اتفق على شيء واحد وهو أن شمير لن يتخلف عن أية مناسبة لشرح وجهة نظره ووجد في مؤتمر مدريد مناسبة كبيرة لإبراز وجهة نظره للرئيسين بوش وغورباتشوف وللرأي العام العالمي وقنوات الاتصال الدولي. إنه يريد أن يضع إسرائيل عبر مفاهيمه الخاصة المتصلبة أمام المسؤولين في هذه الكرة الأرضية وأمام الإعلام فيها. وهذا نهج إسرائيلي قديم شعرنا به منذ التعامل مع هيئة الأمم المتحدة وكيف ينتهزون مثل هذه الفرص. شمير سيذهب لخلق أجواء ربما لا تكون متعاطفة ولكن متفهمة لموقف إسرائيل إعلامياً وسياسياً. لكن لا تخيفني تشكيلة الوفد الإسرائيلي برئاسة شمير لأنه سواء كان شمير أو غيره فسيكون بهذه الحدة. وهذا الذهاب ليس للمفاوضات أو الجلوس إلى طاولة المؤتمر، وإنما من أجل إجراء اتصالات وحوارات سياسية للتأثير في القنوات لتفهم الموقف الإسرائيلي. هذه ليست زيارة عادية وليست قراراً عادياً وإنما هي قرار استراتيجي له أبعاده.

 

المصدر: "الحياة" (لندن)، 29/10/1991.