إن الموقف الأردني يستند إلى قواعد أخلاقية سليمة ويتمسك بنصوص القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وضمانات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وخاصة المشرفين على المؤتمر.
وكنا نأمل أن ذلك سيصبح على نوع من التوازن منذ أن أكدنا الحاجة لإقامة تسوية قانونية تستند إلى إطار دستوري وقانوني.
فبدلاً من ذلك يبدو أن التاريخ يتوقف عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وكنا نأمل وما زلنا بأن روح مدريد ستسبب تغييراً في القلب والأسلوب وصولاً إلى تطوير موقف جوهري.
والذي سمعناه كان في الحقيقة تراجعاً أبعد نحو قوالب فكرية قديمة مصممة بوضوح لإعاقة وتعطيل العملية.
وللأسف فإن ما سمعناه كان تأكيداً للمواقف الماضية وتراجعاً عن روح التسوية الوسط.
وهذه المواقف مصممة بوضوح ليس فقط لتغيير المسارات التاريخية لملاءمة تميز معين وإنما لأسوأ من ذلك لدفع الجانب الآخر نحو خنادق فكرية حاولت هذه المواقف تسجيلها.
وبالتأكيد يعلمون بأنهم عندما وصلوا إلى فلسطين فإنها لم تكن أرضاً خالية وكان يسكنها أسلاف للفلسطينيين حتى في تلك المرحلة كانت هذه الأرض تعرف بالأرض التي تدر لبناً وعسلاً.
ولم يكن هدفنا الآن ولم يكن أبداً عندما بيّنا موقفنا الخوض في جدل تاريخي ونحن أيضاً لدينا تصورنا الخاص للتاريخ ولدينا قصتنا لنقولها.
وكنا نأمل بأننا سنخرج من الماضي ليس بهدف انكساره ولكن أملاً في التطلع نحو المستقبل كما كنا نأمل بأن كل المشاركين سينتهزون هذه اللحظات التاريخية بدلاً من الدخول في عملية لإعادة كتابة التاريخ.
إن جوهر النزاع العربي ـ الإسرائيلي الحالي يدور حول الأراضي المحتلة.
والقول بأن المشكلة ليست بالمناطق يعتبر مجافاة للحقيقة لقد قدمنا إلى هنا ونحن مستعدون لصنع السلام ضمن إطار تسوية سلمية عادلة وشاملة لقد حان الوقت لإسرائيل للاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على أرضه ووطن أجداده وأن إنكار الحقيقة لن يجعلها تختفي.
وقال الدكتور أبو جابر إن السلبيات التي وردت في الخطاب الإسرائيلي كانت تمثل تناقضاً كبيراً لاستعداد الجانب العربي للتفاوض على تسوية مشرفة حيث قالت إسرائيل مرة أخرى لا لتقرير المصير للفلسطينيين ولا للانسحاب من الضفة الغربية بما في ذلك القدس العربية ولا للانسحاب من قطاع غزة ومرتفعات الجولان والأراضي الأردنية والجنوب اللبناني.
وإسرائيل أعلنت بكل وضوح نيتها في الإبقاء على موقفها اللاقانوني والاستمرار في برنامجها الاستيطاني.
وكنا نأمل بأن الوقت قد حان لإسرائيل للتغلب على عبء جراحاتها الماضية ولاتباع طريق يقود إلى مستقبل أفضل وبدلاً من ذلك فإنها تواصل التشبث بالأمس والماضي.
ولقد تجنبنا نحن السلبية وكلمات الاستفزاز آملين في اتخاذ خطوة أولى لرأب الصدع كما كنا نأمل في إسكات الشعارات المتطرفة.
وقد أكدنا تصورنا لسلام مشرف ودائم وشامل الذي من خلاله نستطيع أن نعيش نحن وأطفالنا ونحن أيضاً بحاجة إلى مشاهدة أنفسنا بفخر وإرادة حيث إننا أسسنا موقفنا على قراري 242 و338.
إن الأردن ملتزم بشكل لا رجعة فيه لقضية السلام المشرف ونحن نقف مستعدين الآن للقيام بدورنا لتحقيقه ولكن دعوني أقولها مرة أخرى إننا لا نسعى إلى السلام بأي ثمن وإنما نسعى إلى العدالة والنزاهة القانونية.
إن إسرائيل باستطاعتها الحصول على الأرض أو السلام ولكنها لا تستطيع الحصول على الأمرين معاً بإمكانها الحصول على أمن حقيقي الذي يتأتى من حل سياسي تفاوضي والقوة وحدها لن توفر الأمن وعندما تكون مقبولة فقط من قبل جيرانها كجزء من المنطقة.
دعوني أؤكد موقف الأردن والذي يستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام ولهذا السبب ندعو إسرائيل إلى الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي 242 و338 و425 المتعلقة بالأراضي المحتلة ومرتفعات الجولان السورية ولبنان.
إن رفض إسرائيل الالتزام بهذه القرارات ينسف مصداقية المجتمع الدولي ويثير بشكل جدي قضية عدم التوازن والمعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي.
إن الفلسطينيين يجب أن يمارسوا حق تقرير المصير على أرضهم ولهذا السبب إن الوقف الفوري لبناء المستوطنات هو مطلب أساسي مسبق لتحقيق تسوية إقليمية شاملة.
وليست إسرائيل لوحدها بحاجة إلى الأمن ولكن كل دولة في المنطقة بحاجة إليه أيضاً وإذا أُخذ بالاعتبار اختلال المعادلة العسكرية فإنه من الواضح أن الجانب العربي هو الطرف الذي هو بحاجة أكثر إلى الضمانات الأمنية.
وقال الدكتور أبو جابر لم نأت إلى مدريد حيث يعقد المؤتمر التاريخي الدولي فقط للمناقشة والجدال أو لتسجيل النقاط.
لقد جئنا إلى هنا بنية النظر بجدية في عناصر التسوية السلمية الشاملة ومنهجنا سيبقى بناء وثقتنا وإيماننا بالمشرفين على رئاسة المؤتمر ستبقى ثابتة.
قد تكون إسرائيل راغبة بالسلام ولكنها تريد من العرب وحدهم دفع الثمن ومرة أخرى نجد من الضروري التأكيد على أن القضية قضية أراض حيث إن مبادلة الأرض بالسلام تحمل في طياتها الأمل نحو مستقبل أفضل ومشرف يبتعد بكثير عن مجرد التواجد والتعايش.
كنا نأمل من خلال الدعوة بقوة ووضوح لتسوية شاملة ودائمة تنقل المنطقة من الماضي نحو مستقبل واعد ولكننا نجد بالمقابل أن إسرائيل لا تزال تتشبث بالماضي.
المصدر: "الرأي" (عمان)، 2/11/1991.