كلمة رئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق شمير، مدريد، 31/10/1991
Full text: 

[.......]

إن اجتماعنا اليوم هو ثمرة جهد أميركي متواصل يقوم على مشروع السلام الذي قدمناه في أيار/ مايو 1989، والقائم بدوره على أساس اتفاق كامب ديفيد. وبموجب مبادرة الولايات المتحدة، فإن هدف هذا اللقاء هو إجراء مفاوضات مباشرة بين إسرائيل وكل واحدة من جاراتها، وإجراء مفاوضات متعددة الأطراف في شأن موضوعات إقليمية بين جميع دول المنطقة.

لقد آمنا دائماً بأن المحادثات المباشرة الثنائية يمكن أن تحقق السلام. ووافقنا على أن نمهد لهذه المحادثات بهذا المؤتمر الاحتفالي، غير أننا نرجو أن تكون الموافقة العربية على إجراء محادثات مباشرة وثنائية دليلاً على إدراكها أن لا وجود لغير هذه الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط. ففي ذلك مغزى خاص لأن مثل هذه المحادثات يعني القبول المتبادل، وجذور النزاع هي الرفض العربي للاعتراف بشرعية دولة إسرائيل.

إن المفاوضات المتعددة الأطراف، التي ستواكب المفاوضات الثنائية، هي عنصر حيوي في العملية. ففي هذه المحادثات ستناقش العناصر الأساسية للتعايش والتعاون الإقليمي، ولا يمكن قيام سلام حقيقي في منطقتنا من غير أن تعالج هذه الموضوعات الإقليمية وتحل.

إننا نؤمن بأن هدف التفاوض المباشر هو توقيع معاهدات سلام بين إسرائيل وجاراتها، والتوصل إلى اتفاق على ترتيبات مرحلية للحكم الذاتي مع العرب الفلسطينيين.

لكن لا يمكن تحقيق هذا الأمر من دون النية الطيبة. إنني أدعو الزعماء العرب الموجودين هنا وهؤلاء الذين لم ينضموا بعد إلى العملية، وأقول لهم اثبتوا لنا وللعالم أنكم تقبلون بوجود إسرائيل. أظهروا استعدادكم لقبول إسرائيل ككيان ثابت في المنطقة، هيا ليسمعكم الناس في منطقتنا بلغة التصالح والتعايش مع إسرائيل.

في إسرائيل إجماع شامل تقريباً على الحاجة إلى السلام. نحن نختلف فقط في شأن أفضل الطرق لتحقيقه. إلا إنه يبدو أن الوضع في معظم الدول العربية هو على عكس ذلك؛ فهناك خلافات فقط بشأن أساليب دفع إسرائيل إلى موقف لا تستطيع فيه الدفاع عن نفسها، ومن ثم القضاء عليها.

إننا نود أن نرى في بلادكم وضع حد للدعاية المسمومة ضد إسرائيل. إننا نرغب في أن نرى دلالة على التعطش إلى السلام الذي يميز المجتمع الإسرائيلي.

إننا ندعوكم إلى نبذ الجهاد ضد إسرائيل. ندعوكم إلى إدانة ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الذي يدعو إلى القضاء على إسرائيل. إننا ندعوكم إلى إدانة التصريحات التي تدعو إلى القضاء على إسرائيل، مثل ذلك التصريح الذي صدر عن مؤتمر الرفض في طهران في الأسبوع الماضي. إننا ندعوكم إلى تمكين اليهود الراغبين في الخروج من بلادكم من تحقيق رغباتهم.

ونحن نوجه هذه الدعوة إلى العرب الفلسطينيين ونقول لهم اتركوا العنف والإرهاب واستغلوا الجامعات في المناطق المدارة والتي أمكن إقامتها فقط في العهد الإسرائيلي للتحصيل العلمي وللتطور، لا للتحريض والعنف. توقفوا عن تعريض أبنائكم للخطر بإرسالهم لقذف القنابل والحجارة على الجنود والمدنيين. وقبل يومين فقط جاءتنا رسالة فحواها أن الإرهاب الفلسطيني مستمر، عندما قتلت أم لسبعة أطفال وأب لأربعة أطفال بدم بارد. ونحن لا نستطيع أن نكون غير مبالين، ومن غير المتوقع أن نتحدث مع أناس لهم ضلع في مثل هذه الأعمال المنبوذة. إننا ندعوكم إلى التخلص من دكتاتوريين، مثل صدام حسين، هدفهم تدمير إسرائيل، وإلى وقف التعذيب الوحشي وقتل كل من لا يتوافق معكم. وافسحوا لنا المجال وللأسرة الدولية لإقامة مساكن ملائمة لهؤلاء القاطنين في مخيمات اللاجئين. وقبل كل شيء نأمل بأن تدركوا في نهاية الأمر أنه كان في إمكانكم الحضور إلى هذه المائدة قبل زمن طويل وبعيد وتوقيع اتفاق كامب ديفيد لو أنكم اخترتم الحوار بدل العنف، والتعايش بدل الإرهاب.       

سيداتي وسادتي، نحن جئنا إلى هذه العملية بقلب مفتوح وبنيات خالصة وتطلعات كبيرة.

إننا نلتزم التفاوض من دون توقف إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق. سيكون ثمة مشكلات وعقبات وأزمات ومطالب متعارضة، لكن التخاطب أفضل كثيراً من سفك الدماء. فالحروب لم تحل قضية في منطقتنا، لكنها تسببت بالمآسي والمعاناة والثكل والكراهية. إننا نعلم أن شركاءنا في المفاوضات سيطرحون مطالب إقليمية من إسرائيل، لكن كما يتضح من مراجعة تاريخ النزاع المتواصل فإن هذا النزاع ليس إقليمياً في حقيقته؛ فهذا النزاع نشب قبل أن تقع غزة ويهودا والسامرة والجولان في يد إسرائيل في حرب دفاعية، ولم يكن هناك دليل على الاعتراف بإسرائيل قبل تلك الحرب في سنة 1967 حين لم تكن المناطق المقصودة تحت السيطرة الإسرائيلية.

إننا نعد أربعة ملايين، وتعدّ الدول العربية من المحيط الأطلسي حتى الخليج 170 مليوناً. ونحن نسيطر على ثمانية وعشرين ألف كيلومتر مربع فقط، بينما يسيطر العرب على مناطق تبلغ 14 مليون كيلومتر مربع.

إن القضية ليست قضية الأرض بل قضية وجودنا. وسيكون من المؤسف أن تتركز المحادثات أولاً وقبل كل شيء على الأرض. فهذه أسرع الطرق إلى الجمود، في حين أن ما نحتاج إليه أولاً وقبل كل شيء هو بناء الثقة وإزالة خطر المواجهة، وتطوير علاقات في مجالات عدة بقدر الإمكان.

إن الموضوعات معقدة، والتفاوض سيكون طويلاً وصعباً. ونحن نؤمن بأن أفضل مكان لإجراء المحادثات هو في منطقتنا على مقربة ممن يتخذون القرارات، وليس في دولة أجنبية. إننا ندعو شركاءنا في هذه العملية إلى المجيء إلى إسرائيل لإجراء الجولة الأولى من المحادثات. ومن جانبنا فنحن مستعدون للذهاب إلى الأردن، إلى لبنان وإلى سوريا للغاية نفسها. وليس ثمة طريق أفضل لصنع السلام من أن يتحدث الإنسان في بيت صديقه، في حين أن الامتناع من إجراء مثل هذه المحادثات هو في الواقع إنكار لهدف التفاوض. وأنا شخصياً أرحب برد إيجابي من ممثلي هذه الدول هنا والآن. فعلينا أن نتعلم أن نعيش معاً. علينا أن نتعلم كيف نعيش معاً من دون الحرب، ومن دون سفك الدماء. فاليهودية أعطت العالم ليس فقط الإيمان بالله الواحد الأحد بل أيضاً فكرة أن الجميع رجالاً ونساء خلقوا على شاكلة الله. وليس ثمة إثم أفظع من تشويه خليقة الله عن طريق سفك الدماء. إنني على ثقة بأن ما من أم عربية تريد أن يموت ابنها في معركة، كما ما من أم يهودية تريد أن يموت ابنها في حرب.

إنني أؤمن بأن كل والدة تريد أن يتعلم أولادها فن الحياة لا علم الحرب. وعلى مدى مئات كثيرة من الأعوام جرت حروب ونزاعات حادة ومعاناة مريرة في هذه القارة التي نلتقي على أرضها. فالشعوب الأوروبية رأت دكتاتوريين وهم يصعدون، ورأتهم ينهزمون بعد صراعات متواصلة. والآن تجمع أعداء الماضي في أسرة موحدة يتباحثون في مصالح الأسرة، يتعاونون في جميع الشؤون ويتحركون كوحدة واحدة تقريباً. إنني أحسدهم على ذلك. إنني أتوق إلى أن يقوم مثل هذه المجموعة في الشرق الأوسط. وأنا أؤمن بأنه على الرغم من  جميع الفوارق بيننا فيجب أن نكون مستعدين، وبالتدريج، لإنشاء أسرة إقليمية موحدة.

يبدو هذا اليوم حلماً، لكننا رأينا في أيامنا تحقيق بعض الأحلام التي كانت خيالية تماماً.

إن الهوة الفاصلة بين الجانبين الآن لا تزال أوسع، والعداء العربي لإسرائيل أعمق، وانعدام الثقة أكبر من أن يتيح حلاً درامياً سريعاً. لكن يجب علينا أن نبدأ السير على طريق المصالحة بهذه الخطوة الأولى في عملية السلام.

            إننا مقتنعون بأن الطبيعة الإنسانية تفضل السلام على الحرب والعداء. إننا، نحن الذين اضطررنا إلى خوض سبع حروب والتضحية بحياة ألوف كثيرة، لا نفاخر بالموت ولا بالحرب. إن العقيدة اليهودية تمجد السلام إلى حد أنها تعتبره من أسماء الخالق نفسه. ونحن تواقون إلى السلام، ونصلي من أجل السلام.

إننا نؤمن بأن نعمة السلام قادرة على تحويل الشرق الأوسط إلى جنة وإلى مركز للإبداع الثقافي والعملي والتكنولوجي. إننا نستطيع تصور عهد التطور الاقتصادي الكبير الذي سيضع حداً للبؤس والجوع والجهل. ويمكن أن يضع الشرق الأوسط، مهد الحضارات، على طريق عهد جديد. إن مثل هذه الغاية يستحق إخلاصنا وتكريس جهودنا ما دام ذلك ضرورياً حتى تتحقق نبوءة النبي إشعيا "فتتحول سيوف إلى محاريث وتحل بركة السلام على شعوب منطقتنا."

واسمحوا لي بأن أختتم كلمتي بأقوال للنبي نفسه: "سلام سلام للقريب والبعيد يقول الرب."

رئيسي المؤتمر المحترمين، سيداتي وسادتي، هيا بنا نقرر أن نغادر هذه القاعة بإصرار موحد على أنه من الآن فصاعداً ستحل كل الخلافات التي قد تنشأ بيننا فقط عن طريق المفاوضات والإرادة الصادقة والصبر المتبادل. هيا بنا نعلن الآن انتهاء الحرب والعداء، وهيا نتقدم معاً إلى المصالحة والسلام.

 

المصدر: من وثائق المؤتمر.