Freedman, Moscow and the Middle East; Soviet Policy toward Israel under Gorbachev
Full text: 

             قلة من الخبراء الغربيين بالشؤون السوفياتية تعتبر أهلاً للكتابة بقدر كاف من الشمول والصدقية عن الشرق الأوسط. ومن القلائل الذين ينتمون إلى هذه الفئة القليلة البروفسور روبرت فريدمان، الذي يصف كتاباه الأخيران، بدرجات متفاوتة من التركيز، ديناميات السياسة السوفياتية في المنطقة. فالكتاب الأول يعرض رؤية شاملة لدوافع السوفيات ونتائج سياستهم في المنطقة منذ سنة 1979 إلى سنة 1989، بينما يناقش الكتاب الثاني التغيرات التي طرأت على العلاقات السوفياتية – الإسرائيلية، منذ تولي غورباتشوف السلطة سنة 1985.

في الكتاب الأول يبني فريدمان عرضه لتطورات السياسة السوفياتية في المنطقة على سِيَر الزعماء السوفيات الأربعة الذين تعاقبوا على القيادة منذ سنة 1979 – بريجنيف، وأندروبوف، وتشيرنينكو، وغورباتشوف. وبعد مقدمة وجيزة تغطي الفترة الممتدة بين الحرب العالمية الثانية وغزو أفغانستان سنة 1979، يبين كيف أن السياسات السوفياتية في الشرق الأوسط قد تأثرت، خلال حقبة بريجنيف، بالتنافس بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. ويعقب الفصل التمهيدي سلسلة دراسات لأهم التحالفات السوفياتية في المنطقة بحسب تواليها الزمني، ولردات الفعل السوفياتية إزاء الأزمات التي تعاقبت على المنطقة، مع التشديد على الحرب الإيرانية – العراقية والصراع العربي – الإسرائيلي. ويخلص الكتاب إلى دراسة مقارنة لغورباتشوف وأسلافه، تسلط الضوء على مبادرات غورباتشوف و"تفكيره الجديد" من حيث علاقته بالأهداف العامة للسياسة الخارجية السوفياتية، وبدور الاتحاد السوفياتي في هذه المنطقة الشديدة القرب من حدوده، والشديدة الأهمية من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية.

ويمتد الإطار الزمني الذي اختاره فريدمان على مدى الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. أما اختتامه الكتاب بالانسحاب السوفياتي منها، فلا يقصد منه مجرد التناظر، بل إن ذلك يتيح للكاتب أن يحلل الأعوام الأربعة الأولى من حكم غورباتشوف مقارنة بأسلافه. يضاف إلى ذلك أن الانسحاب، وإنْ كان يصدر عن عدد من الدواعي الداخلية، منها قلة شعبية الحرب داخل القيادة السوفياتية والشعب، فهو يتيح لنا مؤشراً جيداً على أن أسلوب غورباتشوف في "التفكير الجديد" كان ينطوي على أمور أكثر من مجرد العلاقات العامة، وأنه كان مثالاً ملموساً لانفتاح صاحبه على التعاون والميل إلى التسويات. وكان هذا الانفتاح المشفوع بالرغبة في الوصول إلى تسويات، أو ممارسة ضغوط اجتُنبت ممارستها سابقاً، أهم ما شكل التغيُّر في السياسة في عصر غورباتشوف؛ لقد باتت سياسة الزعيم السوفياتي تُصمَّم بحيث تجعل الدور السوفياتي في المنطقة فعالاً، لا رمزياً فحسب.

ومع أن فريدمان يشدِّد على بعض عناصر التماسك في سياسة غورباتشوف الخارجية، فهو يلتزم الحيطة في تقويمه. ولعل هذا هو السبب في عدم التوغل في سياسة غورباتشوف ومحاولته أن ينشط السياسة السوفياتية ككل، وأن يسبغ عليها صورة أكثر قبولاً في العالم، ومرونة تهدف إلى التخلص من عدة مآزق تكبِّل الكرملين في مجال الحد من التسلح، والعالم الثالث، والتجارة الدولية.

تترتب نتيجتان كبريان على الأمثلة العديدة التي يسوقها المؤلف: أولاهما أن السياسة السوفياتية في الشرق الأوسط لم تزل، مثلما كانت في الماضي، تتكون من ردات فعل تجاه سلسلة من التطورات الإقليمية، وأن القادة السوفيات المتعاقبين قد ظلوا عاجزين عن تقوية هذا السياسة بحيث تلائم الأهداف السوفياتية في المنطقة؛ أما النتيجة الثانية، فهي أنه "يبدو أن ثمة تواصلاً في السياسة السوفياتية أكثر من التغير في شأن الشرق الأوسط." وكي يبرهن فريدمان عن هذا الرأي فإنه يقابل تكراراً سياسة غورباتشوف بسياسة أسلافه، لكن من دون الإشارة إلى الفوارق بين الأوضاع التي كان يعمل في ظلها كل من الزعماء الأربعة. فمن ذلك أنه وإنْ كان من الصحيح أن مشروع بريجنيف سنة 1976 لحل النزاع العربي – الإسرائيلي يقود المرء إلى التفكر في مدى ما انحطت إليه منذئذٍ مصداقية الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، فمن الواجب أن نلحظ أن هذا الانحطاط لم يكن ناتجاً من الفوضى الاقتصادية التي يعانيها البلد نفسه، وأنه كان لانهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية ضلع في ذلك؛ فقد كان لهذا الحدث الفرد البالغ الأهمية في العقد المنصرم أعظم الأثر في كيفية تحديد الاتحاد السوفياتي لنفسه كقوة عظمى ولدوره في العالم أيضاً.

ومع أن المرء قد يجد نفسه غير مرتاح تماماً إلى استعمال الشخصيات بدلاً من الحقب معايير لفهم السياسة السوفياتية في الشرق الأوسط، ومع أن الكتاب أميل إلى أن يكون وصفياً منه إلى التفسير، فهو مصدر مهم؛ إذ إنه مبني على وفرة من المعلومات التي تضم مقابلات مع ساسة الشرق الأوسط والشخصيات الحكومية، وكذلك على أهم الخطب والبيانات الرسمية السوفياتية، وعلى تقارير الصحف السوفياتية والشرق الأوسطية أيضاً. وسيجد القراء الفهرست البيبليوغرافي الشامل مفيداً جداً.

أما كتاب فريدمان الثاني، فيمكن اعتباره مكملاً لكتابه الأهم عن السياسة السوفياتية في الشرق الأوسط، وبمثابة دراسة خاصة بالتغيرات التي طرأت على العلاقات الخارجية السوفياتية؛ فالكتاب، الذي يغطي الفترة ما بين ارتقاء غورباتشوف سدة السلطة وربيع سنة 1990، يقدم مثالاً جيداً للمقاربة السوفياتية الجديدة للعالم الثالث ولاهتمامها المتزايد بوضع حد للصراعات الإقليمية الذي يسم الحقبة الجديدة من التعاون بين الشرق والغرب. وبعد التمهيد بوصف "ظاهرة غورباتشوف" كيف قادت إلى تكون التفكير الجديد، وبعرض للوضع الإقليمي لدى تسلم غورباتشوف السلطة، يبحث الكاتب في كيفية حدوث عملية إعادة العلاقات، وينظر إلى تزايد هجرة اليهود السوفيات. ويحرص فريدمان على تذكيرنا بأن التحسن في هذه العلاقات مرده، إلى حد بعيد، ضغط الولايات المتحدة وحاجة الاتحاد السوفياتي إلى التجارة مع الغرب. ويحذّر فريدمان، من خلال تركيزه على غورباتشوف، من أن التحسن في العلاقات السوفياتية – الإسرائيلية يمكن أن ينعكس، وأن النزوح اليهودي إلى إسرائيل يمكن أن يتوقف تالياً إذا ما عجز غورباتشوف عن البقاء في السلطة – وهو تحذير اكتسى أهمية خاصة في آب/أغسطس الماضي.

تبقى النفس متشوقة إلى رؤية مزيد من الاهتمام بهجرة اليهود السوفيات وأثرها لا في العلاقات السوفياتية – الإسرائيلية فحسب، بل أثرها أيضاً في العلاقات السوفياتية – العربية. ومع ذلك، فقد استخدم البروفسور فريدمان مرة أخرى المواد المتاحة، استعمالاً حصيفاً، من أجل إتاحة وصف للتغيرات في السياسة الخارجية السوفياتية بحسب تسلسلها الزمني.