نص الرسالتين المتبادلتين بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق شمير، 10/6/1991
Full text: 

رسالة الرئيس جورج بوش 

إنني أكتب إليك في زمن متميز. وهو زمن متميز لأنه يمكننا الآن أن نحتفل معاً بإنقاذ اليهود الإثيوبيين. إن القدرة على إنقاذ اليهود الذين يعيشون في الخوف ويتوقون إلى الهجرة إلى إسرائيل هي تحقيق للحلم الصهيوني، وجوهر دولة إسرائيل.

يفخر الأميركيون بأنهم ساعدوا الفلاشا سنة 1985، ويساعدونهم الآن، في الهجرة إلى إسرائيل. كما أنني فخور بالدور الذي قام بلدي به في إقناع الاتحاد السوفياتي بالسماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل. إن إقرار قانون الهجرة السوفياتي يسبغ الوضع القانوني على ما أصبح فعلاً هجرة جماعية إلى إسرائيل، ويقوّي ثقتي بأن تدفق اليهود السوفيات المهاجرين إلى إسرائيل لن يتوقف.

إن هذه التطورات تمنحكم فرصة عظيمة وتطرح أمامكم تحدياً. فكما في فترة إقامة الدولة، تواجه إسرائيل الآن المهمة الاستراتيجية العظيمة الشأن والمتمثلة في استيعاب الأعداد الكبيرة من المهاجرين.

وأعتقد أن إيجاد مناخ سلمي يسهل هذه المهمة كثيراً. وفي هذا السياق أيضاً فإننا في زمن متميز، زمن ربما كنا فيه قادرين على بدء مفاوضات مباشرة، ثنائية ومتعددة الأطراف، بينكم وبين الدول العربية، وبينكم وبين الفلسطينيين.

لقد سعت إسرائيل من أجل مفاوضات كهذه طوال 43 عاماً، وثمة ترابط بين إنقاذ يهود إثيوبيا وهجرة اليهود السوفيات وبين حقيقة أن مثل هذه المفاوضات قد يكون في قيد المنال.

ومع أنني أدرك جيداً أن تحقيق السلام سيتضمن مخاطر على إسرائيل، فقد أنشأنا مساراً يلبي اهتماماتكم وحاجاتكم. وهو مسار يشمل الدول العربية وفلسطينيي المناطق، لا م.ت.ف. إنه مسار يسعى لتجاوز القضايا التي سببت لكم المشكلات العام الماضي، وهو ينسجم مع كامب ديفيد. وسيتقدم في مراحل، وسيضمن أنه لن يترتب عليكم مناقشة قضايا الوضع النهائي (للمناطق) منذ بداية المسار؛ مسار سيبدأ بمؤتمر لن ينسف المفاوضات المباشرة أو ينافسها.

لقد أخبرتك هاتفياً أنني مصمم على جعل العرب يجلسون معكم إلى طاولة المفاوضات، ويبدأون النقاش. ولن تكون الولايات المتحدة طرفاً في مؤتمر يضع العراقيل، أو يتناقض مع المفاوضات المباشرة بين الأطراف، أو يكون بديلاً من هذه المفاوضات. المفاوضات المباشرة فقط يمكن أن تحل الخلافات في الرأي بينكم.

لقد حرصنا على إيضاح ذلك جيداً للعرب وللفلسطينيين. وقال جيم بيكر لهم إن عليهم أن يدخلوا مفاوضات أخذ وعطاء مباشرة معكم، وإنه ينبغي ألا يعتمدوا على مؤتمر، أو على أي موطىء قدم آخر، ينقذهم من هذه الحاجة أو من حاجة إلى إبرام حلول وسط، واتخاذ قرارات صعبة من أجل السلام.

لنقل ذلك بوضوح: إن المؤتمر الذي نتحدث عنه ليس منبراً للمفاوضات أو لاتخاذ قرارات؛ إنه منبر من أجل كسر "التابو" المتضمن في اللقاء مباشرة وجهاً لوجه ومن أجل دفع الحوار المباشر.

كما أنني أفهم أيضاً مخاوفكم في شأن حضور الأمم المتحدة المؤتمر، وفيما عنى إعادة عقد المؤتمر؛ لكنني لا أرى كيف يمكن لمجرد مراقب أن يسبب لكم مشكلة، وخصوصاً أنه لن يكون إلاّ حاضراً في مؤتمر لا يمكنه فرض الحلول التي يفضّلها.

علاوة على ذلك، فإن غياب دور صنع القرار، وتصميمنا على التأكد من أن جميع الأطراف تدرك أن المؤتمر لا يمكن أن يكون هيئة اعتراض، وقدرتكم على منع أي اجتماع لا ترغبون فيه ـ كل ذلك يؤكد أنه لن يكون ثمة وسيلة لتجنب المفاوضات. وعندما تجتمع هذه النقاط جميعاً معاً، فإنها ستستجيب لاهتمامكم بألاّ يعاد عقد المؤتمر في أي وقت.

وفيما عنى الأمم المتحدة وإعادة الانعقاد، فقد درسنا مقترحات بديلة متعددة ـ البدائل التي وعد جيم [بيكر] أن يحاول وضعها، لكنه لم يفلح. وفي المسار، الذي هو قائم في معظمه فعلاً على أساس شروطكم، لا يمكننا أن نبيع أقل من ذلك إلى جيرانكم.

إن الملك حسين مطالب خصوصاً بالتعامل مع م.ت.ف.، والأصوليين، وربما مع سوريا، وهو بحاجة إلى بعض الرموز التي يمكنه أن يشير إليها. وبصراحة، فإنه لن يكون بحاجة إلى تلك الرموز، ولن يكون ثمة شك في قدرته على إشراك فلسطينيين في وفد مشترك إذا كان يستطيع القول إنه سيصار إلى تجميد النشاط الاستيطاني في لحظة بدء المفاوضات.

إنني أطلب إليكم النظر في ذلك، وإذا كان مستحيلاً، فإننا سنكون بحاجة إلى شيء ما يشبه مقترحات الحل الوسط التي بلورناها فيما عنى الأمم المتحدة وحق المؤتمر في الانعقاد أكثر من مرة واحدة. ومرة أخرى، وفي أية حال، ستكون مصالحكم مصونة. وفي أية حال، لن تؤثر هذه الرموز المحدودة في مضمون المفاوضات.

وينبغي أيضاً أن تعرفوا أننا نتوقع أن يلتزم السوفيات الأسلوب الذي وصفناه هنا، لدى تحركنا نحو إمكان توجيه الدعوات إلى المؤتمر.

إنه لمن المهم أن نركز على جوهر هذه الجهود: المفاوضات المباشرة. وأنا أعتقد أن في إمكاننا تحريك هذه المفاوضات. وسيكون صعباً للغاية تفهم أن يختار أي أحد عدم المجيء وعدم دخول مفاوضات مباشرة، ثنائية أو متعددة الأطراف، بسبب القضيتين الإجرائيتين اللتين لا تزالان في قيد البحث. وهما قضيتان لا يمكن، كما قلت، أن تؤثرا في المفاوضات نفسها.

إنني أعتمد عليكم شخصياً، سيدي رئيس الحكومة، في مساعدتنا على جَسْر الهوة ودفع المفاوضات إلى الأمام. بعملنا معاً، يكون لدينا فرصة لبدء مفاوضات مباشرة، ولإقامة أمل حقيقي بمستقبل أكثر هدوءاً للمنطقة. ولا أستطيع التفكير في تركة أفضل يمكن لكلينا أن نتركها لورثتنا. 

المخلص

جورج بوش 

رسالة رئيس الحكومة يتسحاق شمير 

إنني متفق معك تماماً في كل ما يتصل بالأهمية التاريخية لإنقاذ اليهود الإثيوبيين. وفعلاً، إنها خطوة أخرى في تحقيق الحلم الصهيوني. كما أنها برهان إضافي على ما يمكن تحقيقه عندما نعمل معاً من أجل هدف جليل. وأنت، سيدي الرئيس، لك دور شخصي كبير في هذا الانتصار، وتقديرنا لمساهمتك محفور في قلوبنا.

إننا نريد أن تتكلل الجهود الأميركية الحالية من أجل السلام بالنجاح، لأننا لا نطمح إلى شيء أكثر من طموحنا إلى سلام حقيقي مع جيراننا. فالسلام سيفتح فرصاً عظيمة أمامنا وأمام جيراننا، وسيتيح لنا أن ننجز ـ في مناخ أهدأ ـ المهمة الكبيرة المتمثلة في استيعاب المهاجرين الجدد من الاتحاد السوفياتي وإثيوبيا في بلدنا.

سأتناول النقاط التي أتيت إلى ذكرها في رسالتك، والتي تتعلق بمسار السلام، بصورة واضحة وصريحة، جديرة بعلاقتنا المتميزة.

إن موقفنا، القائم على أساس خبرة طويلة، هو أن المفاوضات المباشرة مع كل من الدول العربية على حدة، ليست مجرد قضية إجرائية فنّية. إننا نتحدث هنا عن اختبار نيات العرب، التي لم تتغير بعد، فيما عنى القبول بإسرائيل والتصالح معها.

إن جيراننا لا يزالون ـ وبمنطق تتفرد هذه المنطقة من العالم به ـ يبحثون عن مسار يسمح لهم في نهايته بالادعاء أنهم لم يعترفوا بحق إسرائيل في الوجود بوصفها كياناً شرعياً في المنطقة. وكذلك فإنهم يطالبون بأوسع إطار دولي ممكن للمفاوضات، وبمشاركة الأمم المتحدة. وهذا هو السبب أيضاً وراء مطالبتهم بتحديد هدف مسار السلام بمصطلحات مثل التسوية الشاملة، لا مثل اتفاقات سلام مع إسرائيل.

وهذه هي أسباب موقفنا على مدى الأعوام، بأنه ينبغي لأية حكومة عربية ترغب في الانضمام إلى مسار السلام أن تلتزم التفاوض مباشرة مع إسرائيل.

ولهذا السبب، فإن مؤتمراً دولياً سيخرّب المفاوضات المباشرة، ويحرمها فرص النجاح. وأي نوع من التحكيم أو إعادة عقد المؤتمر سيسفر عن النتائج السلبية نفسها، ويبعد التركيز عن المفاوضات الثنائية المباشرة. ونحن نعرف كحقيقة أن هذا هو الدافع وراء مطالبة العرب باستمرارية [عقد المؤتمر] ومشاركة الأمم المتحدة.

لقد حاولنا ـ في إطار مبادراتنا السلمية، وفي تبادل الآراء مع الوزير بيكر ـ أن نأخذ في الحسبان الحساسيات العربية. فوافقنا على رعاية مشتركة لبدء المفاوضات المباشرة، لا لشيء إلا للاستجابة لمطالبة العرب بما يسمونه "الشرعية الدولية". وافقنا* على رعاية مشتركة ومساهمة من جانب الأمم المتحدة، لأننا كنا قلقين من أن موافقتنا على هذه النقاط ستفتح الطريق أمام ما يمكن أن يصبح مؤتمراً دولياً تشارك الأمم المتحدة فيه.

إننا تواقون إلى إجراء محادثات سلمية مع جيراننا العرب، مع أنهم يواصلون تسليح أنفسهم من دون توقف، ولا يخفون حقيقة أنهم ينوون استعمال هذه الأسلحة ضدنا.

إننا نتفق معك تماماً في شأن الحاجة إلى مساعدة الملك حسين وتشجيعه على الانضمام إلى مسار السلام. وأنا ما زلت مقتنعاً بأن الأردن هو الشريك الأكثر منطقية ومعقولية في محادثات سلمية معنا. وكل مساعدة يمكن تقديمها في هذا الاتجاه، ستكون موضع ترحيب.

لقد تم التوصل إلى تفاهم مؤداه أن الممثلين العرب ـ الفلسطينيين سيأتون من المنطقة؛ أنهم سيقبلون بمفاوضات تسير في خطين وبالتقدم على مراحل، وأنهم سيكونون ملتزمين العيش في سلام مع إسرائيل. غير أن هذه المطالب وحدها لا تضمن الحاجة إلى تعيين ممثلين موثوق بهم وغير تابعين لـ م.ت.ف. بأي شكل.

إن هذا لأمر ضروري، لأن من غير الممكن أن يكون هناك مسار للسلام مع إسرائيل إذا كان لـ م.ت.ف. ضلع فيه. إننا نعتقد أن الوفد الأردني ـ الفلسطيني المشترك هو أفضل الطرق لمعالجة مسألة تمثيل العرب الفلسطينيين والتباحث معنا في شأن حل مشكلة العرب الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون تركيبة الجزء الفلسطيني من الوفد الأردني ـ الفلسطيني مقبولة من جانبنا.

تحاول م.ت.ف.، انسجاماً مع طبيعتها، إخافة السكان العرب الفلسطينيين وممارسة الإرهاب ضدهم. وخلال الأسبوع الماضي فقط قُتل سبعة أشخاص، وفي إمكانك أن تقدر ما يعني ذلك لأولئك الذين يفكرون في الانضمام إلى المباحثات.

لا يمكننا تجاهل موقف لدول العربية وآرائها، حتى تلك البعيدة عن الساحة. إن موقف دول الخليج، وخصوصاً السعودية، مخيب للآمال في نظرنا. وقد جعلت سوريا من لبنان محمية، والعالم يراقب بصمت. وعززت هذه الخطوة إمكان وقوع مشكلات على طول حدودنا الشمالية.

إن مصر أيضاً ساهمت في إحساسنا بخيبة الأمل. فقد تبنى الرئيس مبارك أسلوب التهجّم على إسرائيل وعليّ شخصياً كل بضعة أيام. ويبدو أنه يؤيد مواقف سوريا المتطرفة، بدلاً من ممارسة نفوذه في اتجاه الاعتدال والمفاوضات السلمية مع إسرائيل. إنه لم يقم بأية خطوة لتحسين العلاقات وتطبيعها مع إسرائيل، ويرفض التحادث معنا على مستوى وزاري رفيع.

أعلم جيداً، سيدي الرئيس، أن قسماً من الآراء التي أبديتها في هذه الرسالة ربما لن يقدم لك الجواب الذي أردته بصورة كاملة. إننا نبذل أقصى ما نستطيع لضمان نجاحك ونجاح جهود الوزير بيكر. غير أن اللقاء من أجل بدء محادثات سلام ينبغي أن يمر باستعدادات وتنسيق واتفاق قبل إرسال الدعوات.

وأود الإشارة هنا إلى أننا نفهم أن من المفترض أن يقيم الاتحاد السوفياتي علاقات طبيعية معنا قبل بدء المسار.

وختاماً، سيدي الرئيس، لا يزال أمامنا عمل مهم وشائك. إنني بعيد عن اليأس، وأرى علامات مشجعة في إمكاننا أن نبني المسار عليها.

إن تحقيق الهدف المشترك يتطلب أكبر قدر من الصبر والمثابرة الشديدة. إننا مستمرون في التزامنا تحقيق هذا الهدف، وسنواصل العمل معك حتى نحققه.

مع اقتراب عيد ميلادك الـ 67، الذي يصادف بعد بضعة أيام، تشاركني شولاميت التمني لكم ولزوجتكم السيدة بوش عمراً مديداً مفعماً بالعافية والسعادة قائداً للولايات المتحدة. 

المخلص        

يتسحاق شمير

 

المصدر: "معاريف"، 10/6/1991.

 

*  ورد في نص للرسالتين بالإنكليزية غير رسمي: "لم نوافق"، ويبدو أن هذا هو الأصح.