مواطني الأعزاء،
عندما قررتُ ان فرنسا ستطبق، حتى لو اضطررنا إلى ان نحارب، القرارات التي صوّت عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل الدفاع عن الحق الذي انتهكه العراق في الشرق الأوسط، كنت اعرف ان وطننا سيتعرض لأخطار كبيرة: أخطار في الخارج، حيث علينا ان نواجه عداء، او على الأقل سوء فهم شرائح عريضة في العالم العربي؛ أخطار في الداخل، حيث يهددنا الإِرهاب، وحيث يمكن لدخول الحرب ان يوقظ انقساماتنا الداخلية. هذا، عدا عن الأخطار البديهية في ساحة القتال، حيث سيخوض المعركة إثنا عشر ألفا من أبنائنا.
لكن هذا كان خيارنا. وقد بينت لكم أسبابه منذ 2 آب/أغسطس. عندما تكون الحرية والحق في خطر، تكون فرنسا إلى جانبهما، وتكون إلى جانب من اختار المعسكر نفسه. لا يمكن لفرنسا ان تتهرب عندما يقرر المجتمع الدولي، أول مرة في تاريخ العالم، ان يضمن للشعوب حق تقرير المصير وأن يعاقب المعتدي.
أما وقد انتهت المحنة في أقل من ستة أسابيع، فاني اريد ان اعبّر عن امتناني لهذه الأمة التي أولتنا ثقتها بقوة، وللقيادة الحليفة التي اتضح لنا رشد خططها، ولجيوشنا وقادتها الذين برهنوا عن جدارتهم بصورة ساطعة في البحر والبر والجو. ان فرقة "داغيه" قد ابدعت بمناورة خلفت أثرا بجرأتها. وقد عادت طائراتنا بعد أكثر من ألف مهمة من دون اية خسارة. اعبّر عن امتناني لعائلات جنودنا، تلك التي لا تزال تتألم من الفراق بعد كثير من القلق، وتلك التي تحيط بجريح، وتلك التي تبكي إلى الأبد. وأشكر الجاليتين الاسلامية واليهودية في فرنسا اللتين كانتا مثالا للحكمة ورباطة الجأش، وأشكركم، انتم الذين تسمعونني؛ انتم الذين فهمتهم وأيّدتم عملنا بأكثريتكم الغالبة.
لكن، اين نحن تماما على الأرض؟ ستظل قواتنا تحتل مراكزها في الكويت والعراق حتى إقرار وقف نهائي للنار. لقد قرر مجلس الأمن، في هذا اليوم بالذات، ان على العراق ان يتخلى علنا عن مطامعه، وأن يفرج عن الأسرى كلهم، وأن يساعد في التعرف على حقول الألغام والمتفجرات ومخابئ الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وأخيرا ان يعوض الضرر الذي ألحقه بالكويت. بعد ذلك، اعتقد ان الكثير من أفواجنا سيعود خلال نيسان/إبريل، وسيعود الباقون خلال أيار/مايو. وحتى ذلك الحين، ستحدِّد مهمات البحرية. ومن المؤكد ان قواتنا ستكون قد غادرت المنطقة قبل الخريف.
والآن، يا مواطني الأعزاء، لنتطلع نحو المستقبل. علينا ان نستخلص لأنفسنا عِبر التجرية العسكرية، وعلينا ان نبحث مع الآخرين عن الوسائل التي تكفل للشرق الأوسط، ولغيره، اسس سلام عادل ودائم.
وتعني دروس تجربتنا العسكرية ان علينا تحديث أسلحتنا كما هو مخطط، على الرغم من تحققنا من وجودتها، وأن نكيفها باستمرار إزاء تطور التقنيات. لكن، هل هذا يفترض ان نغير استراتيجيتنا؟ كلا. سنبقي قوتنا للردع النووي محور هذه الاستراتيجية. وفيما بتعلق بالقوة البحرية وقوة التدخل السريع، فقد برهنت حرب الخليج فائدتهما المميزة. أما فيما يتعلق بحماية ارض الوطن والمساهمة في الدفاع عن أوروبا، فان مساهمة المواطنين جميعا تبدو ضرورية، أي ما يسمى التجنيد الاجباري. وفيما يتعلق بالعمليات البعيدة، فان لدى جنودنا المحترفين الكفاية والحركة. ومع ذلك، فلا بد من إجراء حوار بشأن التوازن الداخلي لجيوشنا، وبشأن تكوينها وطبيعتها. وأتمنى ان يُشرع في ذلك في البرلمان منذ هذه السنة.
وفيما يتعلق بالبحث عن السلام العادل، نكرر اليوم، كما بالأمس، ان تحرير الكويت لم يحل سوى مشكلة من عدة مشكلات. لقد قُطعت تعهدات وتولدت آمال، ويجب ألا تخيب. وزنان ومكيالان: وهذا سيكون قضاء على الحق الدولي الناشئ. فعلى الأمم المتحدة التي أجازت استعمال القوة ان تنظم العودة إلى السلام.
لقد سنحت لي الفرصة، فيما مضى، لتأكيد آراء فرنسا في هذا المضمار. فماذا أرادت فرنسا عندما دعت إلى عقد مؤتمر دولي واحد او أكثر تحت رعاية الأمم المتحدة، سوى ان تشجع الحوار في كل مكان؟ كيف يمكن ان نصالح شعوبا لا تتخاطب فيما بينها، إلا بالموافقة على قانون الأقوى؟
لذلك، يجب حقا ان تتمتع إسرائيل بحدود آمنة ومعترف بها وبوسائل أمنها؛ وأن يكون للفلسطينيين كشعب هويتهم ووطنهم ودولتهم؛ وللبنان ان يمارس سيادته بحرية؛ وأنا لا انسى العراق وطموحات شعبه.
هل في هذا طلب الكثير؟ أليس هذا بأفضل من الحرب المستمرة، والموت المتربص، والقلق الذي يملأ النهار والليل، وخطر الانفجار الدائم؟ يبدو لي ان الدور الذي قامت الأمم المتحدة به خلال هذه الأزمة يبرر منحها ثقتنا، وأنها أهل لإِعادة آليات المصالحة والتحكيم او إنشائها لدرء الصراعات وحلها.
وبعد، فسيبقى بعض المشكلات في هذه المنطقة: حقوق الأقليات، كالأكراد؛ حماية البيئة؛ تقاسم الموارد؛ المراقبة المتبادلة للتسلح. وهذه النقطة الأخيرة تعني الدول المصدرة للسلاح والدول المستوردة له على السواء.
ومن هذا المنظار، لِمَ لا يُنظر في ان يعقد مجلس الأمن، أول مرة منذ إنشائه، اجتماعا على مستوى رؤساء الدول والحكومات؟ ان هذا لم يكن ممكنا ما بقي حلفاء الحرب العالمية الثانية متفرقين. حسنا! لقد بات هذا في متناول يدنا اليوم.
[. . . . . . .]
المصدر:
* Le Monde (Paris), 5/3/1991.