خطاب الملك حسين إلى الشعب الأردني والأمة العربية والإسلامية، عمّان، 6/2/1991
Full text: 

          [. . . . . . .]

          ان المفارقة العجيبة في هذه الحرب، أنها تنفذ تحت عباءة الشرعية الدولية، ويرتكب إثمها باسم الأمم المتحدة التي أنشأتها الانسانية للحفاظ على السلام والأمن والعدل، وتسوية كل الخلافات والنزاعات بالحوار والمفاوضات والدبلوماسية، وإذا كان هذا هو النموذج عن دور الأمم المتحدة في النظام العالمي الجديد، فأي مستقبل اسود سيكون للشعوب والأمم، وأية شرعية دولية ستكون الملجأ والملاذ للذين يسعى الأقوياء لقهرهم وإذلالهم وقتلهم وانتزاع كل حقوقهم التي كفلتها شرائع الله وكل المبادئ والقيم والمواثيق التي بنيت عليها الأمم المتحدة، اننا ندرك الآن تمام الادراك الدوافع الحقيقية لمصادرة حقنا العربي في معالجة قضايانا، والهيمنة على الأمم المتحدة للحيلولة دون قيامها بدورها، وسد الأبواب أمام كل جهد سياسي مخلص لإِنهاء ازمة الخليج، ويزعم الآن ان كل جهد سياسي ممكن لحل الأزمة قد استنفد خلال الشهور الخمسة التي سبقت اندلاع الحرب.

          وهذا غير صحيح، فلو ان حجم الجهد الذي بذل للإِعداد لهذه الحرب بذل للتسوية السلمية لما وقعت هذه الكارثة، فضلا عن ان الحرب الجارية بآثارها المدمرة لا تتناسب مع الغاية الانسانية لقرارات الأمم المتحدة التي اتخذت بقصد إعادة الأمن والسلام لمنطقة الخليج.

          وفي المقابل ان الصراع العربي الاسرائيلي قد ظل بعيدا عن أي جهد صادق وحقيقي للبحث عن تسوية عادلة له، وظل الشعب العربي الفلسطيني وأمته ينتظران تنفيذ قرار واحد من قرارات الأمم المتحدة الرافضة للاحتلال الاسرائيلي والمطالبة بانهائه، وبالرغم من مرور نحو اربعة وعشرين عاما على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والمرتفعات السورية، ومرور تسعة أعوام على احتلال جنوب لبنان، فان شيئا مما انتظرنا لم يتحقق، ومع ذلك لم نعلن يأسنا من الأمم المتحدة، وظلت القوى الكبرى تؤكد على ان الحل السياسي ممكن. أما إزاء ازمة الخليج، فقد اختارت الأطراف العربية المعنية منذ البداية ان ترفض كل حوار سياسي عربي مع العراق وتسد الأبواب أمام كل جهد يمكن ان يبذل للحيلولة دون تدويل المسألة وحل الأزمة مباشرة بمعالجة كل أسبابها ومسبباتها وآثارها، وقد تم إحباط وإجهاض كل مسعى خيّر كنا وغيرنا من الأشقاء المشفقين القلقين على مصير أمتنا أطرافا فيه، لماذا، لأن الهدف الحقيقي من وراء هذه الحرب المدمرة كما هو حجمها وكما تؤكد تصريحات أطرافها، وكما برهنت عليه مجريات الحرب، هو تدمير العراق، وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بشكل أخطر بكثير على أمتنا حاضرا ومستقبلا، مما رتبته اتفاقية "سايكس بيكو" بحيث يوضع الوطن والأمة والتطلعات والثروات تحت الهيمنة الأجنبية المباشرة وتمزق كل الروابط بين أجزائها فتضعف فوق ضعفها وتتشرذم فوق تشرذمها وتهون فوق هوانها.

          [. . . . . . .]

          ان طبيعة التحالف العسكري العامل ضد العراق تكشف كل أهدافه القريبة والبعيدة فعندما تكون إسرائيل داعمة لهذا التحالف وتكون هناك دولتان واحدة عربية وأخرى إسلامية تقيمان علاقات طبيعية وسياسية مع إسرائيل وتتنافس قياداتهما في اخذ الموقع المتقدم من التحالف وتأكيد الرغبة والحماس في تدمير العراق نقول عندما تكون الصورة هكذا فان من السهولة إدراك ان هذه الحرب هي حرب على العرب والمسلمين جميعا وليس على العراق وحده وعندما تقدم الأرض العربية والاسلامية قواعد لجيوش الحلفاء ينطلقون منها لتدمير عراق العروبة والاسلام وعندما يوضع المال العربي في خدمة تمويل هذه الحرب وبكل هذا السخاء الذي لم يعرفه العرب ومنهم نحن وإخواتنا الفلسطينيون بحكم مسؤولياتنا القومية وموقعنا الجغرافي أقول عندما يتم كل هذا فان أي عربي او مسلم يستطيع ان يتصور حجم الجريمة التي ترتكب بحق دينه وأمته.

          أيها الإِخوة المواطنون

          لقد حملنا مسؤوليتنا نحو عروبتنا وإسلامنا ونحو الأمن والسلام العالميين منذ البداية وبذلنا كل جهد ممكن في سبيلها ولا يؤلمنا أبدا ان تكون المكافأة لنا عقوبات متلاحقة على بلدنا وشعبنا بل ان هذه العقوبات كشفت للعالم كله أنها الثمن الذي يجب ان ندفعه لأننا حاولنا منع الكارثة التي دبر لها بليل وخطط لها لكي تقع وجاءت محاولات حرماننا من الحصول حتى على احتياجاتنا من النفط شكلا جديدا من أشكال العقوبات المفروضة علينا لا لشيء إلا بسبب موقفنا المبدئي لأننا لسنا طرفا في النزاع وجزءا من التحالف نتحرك على إيقاع اللحن الموضوع مسلوبي الارادة والحق والقدرة على إبداء رأينا الحر [...]

          [. . . . . . .]

          فلنتق الله، ولنتذكر بأن الحال إذا استمر على ما هو عليه، فلن يجني ثماره سوى الطامعين بأرضنا وثرواتنا، وفي المقدمة منهم إسرائيل فها هي بوادر تقاسم المغانم تطفو على السطح، وها نحن نسمع ونقرأ عن خطط مؤداها السيطرة على مواردنا وثرواتنا، وحرية قرارنا وخنق آمالنا وسلب حقوقنا. هنالك الحديث عن أحلاف عسكرية ستقام وقواعد ستنشأ وقوات اجنبية ستبقى على الأرض العربية، وقيود ستفرض لتقييد تطورنا، وحل للقضية الفلسطينية اعد او سيعد وفق ما يراه الآخرون ووفق إرادة القوي المفروضة على الضعيف، ولا أخالنا نتصور ان مثل هذا الحل سيلبي الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني على ترابه الوطني.

          [. . . . . . .]

 

المصدر:

"الدستور" (عمان)، 7/2/1991