[. . . . . . .]
وما كنت بعيدا ولو لحظة واحدة عن إحساس كامل بنبض الشعب في كل ما اتخذناه من قرارات وما قمنا به من اتصالات سواء قبل وقوع الغزو العراقي المسلح، او بعده، وحتى الآن، وكانت دواعي المسؤولية والحرص على نجاح ما كنا نصبو اليه تفرض علينا عدم الاعلان عن كثير من الاجراءات والاتصالات حتى نهيئ الأجواء التي تحقق الهدف الأول والأخير وهو إقرار السلام، وتجنب الحرب، ولكن حاكم العراق اصر بعناده الغريب على دفع المنطقة نحو الكارثة الرهيبة ويعلم الله كم حاولنا بكل ما أوتينا من جهد على المحيطين العربي والدولي ان نحمي من الكارثة وأهوالها جيش العراق وشعب العراق وأرض العراق بل ان نحمي من آثارها السلبية العنيفة حاضرنا العربي ومستقبل أمتنا العربية على المدى القريب، والبعيد على السواء، وقد آن الأوان اليوم أن اقدم لحضراتكم ولشعب مصر العظيم بيانا موجزا لما قمنا به في هذا الصدد في مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى: قبل الغزو العراقي للكويت، والذي تم في 2 أغسطس [آب] 1990.
المرحلة الثانية: من الغزو حتى صدور قرار مجلس الأمن 678 في 29 نوفمير [تشرين الثاني] 1990 بشرعية استخدام القوة الدولية لتحقيق الانسحاب من الكويت، وعودة الحكم الشرعي ما لم ينسحب العراق من الكويت في موعد أقصاه 15 يناير [كانون الثاني] 1991.
المرحلة الثالثة: من صدور هذا القرار حتى يوم الخامس عشر من يناير [كانون الثاني] 1991 الذي كان الحد الفاصل بين السلام والحرب وحتى وقوفي أمامكم الآن.
تعلمون ان بوادر الأزمة بدأت في يوليو [تموز] 1990 في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في تونس بالمذكرة التي تقدم بها وزير خارجية العراق باتهامات إلى الكويت بأنها تتآمر على العراق وتسعى إلى الإِضرار به، ثم أبلغتنا حكومة الكويت بأن هناك حشودا عراقية على حدود بلادها، وطلبت منا التدخل لمعالجة الموقف.
ولذلك، فقد اتصلت بالرئيس العراقي صدام حسين مساء 23 يوليو [تموز] وأبلغته برغبتي في لقائه في بغداد غدا، وتم لقاء منفرد.. وأكرر وتم لقاء منفرد بيني وبينه صباح يوم 24 يوليو [تموز].. قال لي فيه بالحرف الواحد.. (نص كلامه): يا أبا علاء.. ان حكام الكويت مذعورون رغم انني لا أنوي القيام بأي عمل عسكري، وأعتقد أنك تستطيع ان تنتهز الفرصة وتطلب منهم ما تشاء، وأن تطرق الحديد وهو ساخن ـ أنا أرسلت ده له في خطابي كمان ـ لأنهم سوف يبادرون بالاستجابة إلى طلباتكم، وسوف يتعاملون معها على نحو مختلف عن الأسلوب الذي اتبعوه معكم في الماضي.
ولم يكن همنا في ذلك الوقت أبدا ان نطلب لأنفسنا شيئا من حكومة الكويت، او غيرها، فلسنا نهازين للفرص، بل كان كل هدفي ان أطفئ النار التي بدأت في الاشتعال في العلاقات بين العراق والكويت تهدد كل ما آمنا به ونقلناه إلى أبنائنا حول التضامن العربي، ووحدة المصلحة والمصير بين كافة الشعوب العربية.
وقد فاتحت الرئيس صدام بصراحة كاملة بلا التواء في امر الحشود العسكرية.. فقال لي بكل وضوح: (نص كلماته) "إذا كنت اريد غزو الكويت فلست في حاجة إلى حشد قوات عراقية، وهدفي فقط هو تخويفهم والضغط عليهم حتى يستجيبوا الى مطالبنا".
ولقد اقترحت عليه ان نناقش كافة المسائل المختلف عليها بين البلدين في مباحثات تجرى في جدة، ثم تتكمل في بغداد والكويت، ولقي هذا الاقتراح قبوله بعد مناقشات طويلة استمرت لمدة تقرب من ثلاث ساعات ـ لقاء منفرد.
وذكر أنه يأمل في التوصل إلى تسوية مرضية من خلال هذه المحادثات، وسافرت إلى الكويت في نفس اليوم ومنها إلى السعودية وأبلغت بذلك امير الكويت وخادم الحرمين الشريفين، واطمأنت جميع النفوس، خاصة ان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز تلقى تأكيدا مماثلا من الرئيس صدام انه ليس هناك حرب ولا اعتداء عسكري، وأنه لا ينوي على الاطلاق القيام بأي عمل عسكري ضد الكويت، واعترف بذلك لدول اخرى منها الاتحاد السوفياتي وأميركا ودول افريقية اخرى.
وقد عنيت بتوجيه النصح للطرفين لأن يبديا مرونة وسعة افق في التعامل مع الخلافات القائمة بينهما، لأن المهم هو الحفاظ على وحدة الصف العربي.. وتماسكه في وجه التحديات الهائلة التي نواجهها جميعا، وكان شعوري ان الطرفين قد تقبلا تلك النصيحة الخالصة لوجه الله والأمة.
وتنفيذا للاتفاق وصل الوفدان العراقي والكويتي إلى جدة يوم الثلاثاء 31 يوليو [تموز]، واقتصرت جلسة المباحثات الأولى من الجانب العراقي على تقديم السيد عزة ابراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عرضا موجزا للغاية للمآخذ العراقية على تصرفات الجانب الكويتي ـ من وجهة نظره ـ ثم أظهر المسؤول العراقي عدم تحمسه لسماع وجهة نظر الكويت في هذه الجلسة واتفق على اجتماع ثان عقد بعد ظهر يوم الأربعاء أول أغسطس [آب] 1990 ـ اي قبل العدوان بيوم ـ دار فيه حديث موجز بين الوفدين. احتج رئيس الوفد العراقي بعدها بأنه متعب لا يستطيع ان يدخل في مزيد من التفاصيل.. وبذلك انتهى الاجتماع على ان تستكمل المباحثات في بغداد ثم في الكويت وفقا للاتفاق المسبق.
وغادر الوفد العراقي المملكة العربية السعودية في المساء ما يقرب من الساعة العاشرة مساء. وبعد اربع ساعات بالتحديد.. وفي الساعة الثانية من صباح الثاني من أغسطس [آب].. أي بعد منتصف الليل بدأ الغزة العراقي المسلح.
والمؤلم أيها الإِخوة والأخوات ان الرئيس العراقي اتخذ موقفا غريبا في الرسائل الشفوية والخطية التي تبادلناها بعد الغزو، ولم أعلن عنها حتى اليوم.. إذ انه انكر إنكارا كاملا انه وعدني بعدم غزو الكويت، وادعى انه كان يقصد عدم اللجوء إلى القوة إذا نجحت المباحثات الثنائية، وهذا تزييف صارخ للحقيقة، وليس أدل على بطلانه من انه ثبت للعالم اجمع ان الغزو كان مدبرا، وكان توقيته مرسوما بدليل انه وقع بعد اربع ساعات من انتهاء جلسة المباحثات الاستطلاعية بجدة التي كان مفروضا ان تتبعها جلسات اخرى في بغداد ثم الكويت.
ولم نعرف في التاريخ القديم والحديث أبدا ان مباحثات تجرى بين بلدين لحل مشاكلهما لتقتصر على جلسة واحدة او جلستين تمهيديتين ليقال بعدها انها وصلت إلى طريق مسدود.
وفي يوم الغزو، وبعد ساعات من وقوعه، وبالتحديد في الساعة الثالثة وعشرين دقيقة بعد ظهر يوم 2 أغسطس [آب] 1990 اتصل بي الملك حسين وطلب الحضور إلى الاسكندرية فورا للقائي بعد ان غادر القاهرة الشيخ زياد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة فورا، ورحبت بذلك لعلنا نستطيع إنقاذ الموقف.
ووصل بالفعل في الساعة السادسة مساء وبعد حديث متصل معه اقترحت وكان اقتراحي أنا ولم يخرج هذا الاقتراح من أي جهة اخرى.
اقترحت عقد مؤتمر قمة عربي مصغر في جدة في غضون أيام قليلة يحضره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، والرئيس صدام حسين، وبعض الرؤساء العرب الآخرين.
وكان هدفي من عقد هذا المؤتمر ـ وهو بادرة مني ـ الاتفاق على خطوات يخرج بها العراق من المأزق الذي وقع فيه مع حفظ ماء وجهه على أساس ان يخبرنا الرئيس العراقي دون علانية انه يوافق على مبدأ الانسحاب من الكويت، وعودة الشرعية اليه قبل ان ادعو إلى هذا المؤتمر حتى يطمئن قلبي، لأني لو دعوت إلى مؤتمر بدون هاتين النقطتين لن يستجاب لهذه الدعوة.
وقد اتصلت أثناء وجود الملك حسين وأمامه وفي قصر رأس التين بالاسكندرية اتصلت بالرئيس صدام حسين وقلت له انني اتفقت مع الملك على مبدأ عقد قمة مصغرة على أساس نقطتين سوف يطلعه الملك عليهما عند زيارته لبغداد في يوم الثالث من أغسطس [آب] ـ اي في اليوم التالي للغزو.
وبعد انتهاء الحديث التليفوني واصلت حديثي مع الملك وقلت له انني سوف اصدر بيانا هادئا يعبر عن موقف مصر في طلب الانسحاب وعودة الشرعية، فطلب مني الملك تأجيل البيان حتى لا يكون صدوره سببا في نسف جهوده في بغداد في اليوم التالي للغزو.
كما طلب مني العمل على تأخير صدور أي بيان مماثل من مجلس وزراء الخارجية للجامعة العربية الذي كان مجتمعا بالقاهرة في نفس يوم الغزو. وأجريت في حضور الملك وأمامه اتصالات مع عدد من وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم بالقاهرة، وطلبت منهم تأجيل بيانهم إلى الساعة السادسة من مساء اليوم التالي الثالث من أغسطس [آب] لكي تتاح للملك حسين فرصة كاملة لبذل الجهد لانقاذ الموقف.
[. . . . . . .]
وفي الساعة العاشرة وعشرين دقيقة من صباح اليوم التالي، الجمعة الثالث من أغسطس [آب] تحدثت مع الملك حسين في عمان قبل سفره إلى بغداد، وأوضحت له اهمية الاسراع في الحصول على موافقة الرئيس صدام بصفة خاصة على النقطتين الأساسيتين للاجتماع، وهما الانسحاب وعودة الشرعية. وتوجه الملك حسين إلى بغداد وقابل الرئيس صدام، وبعد عودته إلى عمان اتصل بي الساعة الرابعة والنصف مساء في نفس اليوم وأخبرني ان الجانب العراقي قد وافق على حضور القمة المصغرة واستبشرت خيرا. وسألت الملك عما إذا كان الرئيس صدام قد وافق على التعهد بالانسحاب من الكويت وعدم التعرض للحكومة الشرعية، ولدهشتي البالغة أجاب الملك حسين بأنه لم يبحث اية تفاصيل مع الرئيس صدام. وهكذا انهارت فكرة عقد المؤتمر من أساسها، ولم أستطع ان اتقدم بدعوة إلى الرؤساء العرب للاجتماع في جدة.
فاذا كان حاكم العراق مصرا على عدم الانسحاب وعلى ضم الكويت إلى العراق فلماذا إذن نجتمع ـ وهذا كان رد كثير من الرؤساء ـ وهل تصور انني اقترحت هذه القمة المصغرة لكي نبارك الاحتلال!!
ومع ذلك ورغم عدم تحقيق الهدف الذي عولنا عليه من مهمة الملك حسين في بغداد فان البيان الذي اصدرته إدارة الخارجية المصرية بتعليمات مني مساء الجمعة 3 أغسطس [آب] لم يتضمن أي إدانة للعراق، وإنما اكتفى بابداء الأسف لما حدث، والمطالبة بالانسحاب والشرعية وتسوية الخلافات القائمة بين البلدين بالطرق الودية.
كنا نريد دائما ان نمد في حبال الأمل نحو حل عربي بعيدا عن أي تدخلات دولية، وكان المجتمع الدولي يتحرك منذ اليوم الأول للعدوان بسرعة وحسم اسرع منا كعرب. فاجتمع مجلس الأمن وأصدر قراراته الاجماعية بالادانة والانسحاب الفوري وعودة الحكم الشرعي وفرض الحصار الاقتصادي، وتضاعفت خشيتي من فقد الأمل تماما في حل عربي وكان شغلي الشاغل هو تحذير الرئيس العراقي من ان يفتح الأبواب بموقفه المتصلب، يفتح الأبواب أمام مزيد من تدخل المجتمع الدولي بأساليب يمكن ان يتطور إلى ما هو أكثر من الحصار الاقتصادي.
وفضلت ام اجري اتصالا مباشرا بالقيادة العراقية فاستدعيت سفير العراق في القاهرة يوم الاثنين السادس من أغسطس [آب]، وأوفدته على طائرة خاصة برسالة عاجلة إلى الرئيس صدام حسين طالبته فيها بابداء المرونة وقبول الانسحاب من الكويت تمهيدا لعودة الشرعية اليها، وحذرته من ان المجتمع الدولي غربا وشرقا بدأ يتحرك ضد العراق، كما ان مجلس الأمن اصدر بالاجماع قرارات إدانة لم يسبق لها مثيل.
وقلت له في رسالتي بكل وضوح انه لا سبيل إلى إحداث انشقاق في المجتمع الدولي بين الشرق والغرب.. لم يعد فيه شرق وغرب.. كنا زمان نعمل العملة نروح على الشرق يقف معانا ضد الغرب، قبل كده مع الغرب ضد الشرق.. اصبح لا شرق ولا غرب لأن الأوضاع الدولية شهدت في الأعوام الأخيرة تغيرات جذرية في جوهر العلاقات بين القوى الكبرى.
وتم الاتفاق بينها على بناء عالم جديد خال من الصراع والحروب، ولم تعد هناك دولة واحدة تقبل احتلال ارض الغير بالقوة العسكرية.
وقلت في رسالتي هذه انني مستعد لأن أتعاون معه تعاونا كاملا في أي إجراء يحفظ ماء وجهه، ويبعد الخطر عن الأسرة العربية حتى نبعد التدخل الدولي.
وجاء الرد ـ أيها الإِخوة والأخوات ـ من الرئيس صدام حسين في عبارة واحدة تقول: ان الكويت هو جزء من العراق وانه لا مجال على الاطلاق للعدول عن القرار الذي صدر بضمها اليه، فقد وصل إلى مصر في اليوم التالي الثلاثاء 7 أغسطس [آب] مبعوث من الرئيس العراقي هو السيد عزة ابراهيم نائب رئيس مجلس الثورة، وقابلته بالاسكندرية وذكر لي ان الرئيس صدام تلقى رسالتي وأن العراق يعتبر ضمه للكويت إجراء نهائيا لا رجعة فيه، ولا تفاوض حوله، ولا تنازل بشأنه لأنها جزء من التراب الوطني العراقي. وأمضيت معه وقتا طويلا اوضحت له فيه ضرورة إبقاء الباب مفتوحا لتغيير الوضع الناجم عن الغزو، وعدم اعتبار اي إجراء اتخذ بعد الغزو تصرفا نهائيا لا رجعة فيه، وحذرت من النتائج الوخيمة التي لا بد ان تنجم عن اتخاذ هذا الموقف الجامد غير المتبصر بعواقب الأمور.
وقلت له: أبلغ الرئيس صدام حسين بكل وضوح انه إذا استمر هكذا الموقف فسوف يستحيل إصلاح الخلل الخطير الذي نجم عن الاحتلال، وسوف يزداد الموقف سوءا وتدهورا وسيقف العالم كله ضد هذا الغزو لأنه يمثل سابقة خطيرة تهدد كيان المجتمع الدولي.
وفي 8 أغسطس [آب] دعوت إلى عقد مؤتمر القمة العربي بعد ان اتصل بي الرئيس حافظ الأسد والرئيس الشاذلي بن جديد والعقيد معمر القذافي وطلبوا مني عقد المؤتمر في اسرع وقت أملا في التوصل إلى حل عربي للأزمة.
وحرصت على استدعاء السفير العراقي للمرة الثانية وطلبت إبلاغ الرئيس صدام حسين برجاء في ان يوفد وفدا مفوضا وعلى مستوى عال إذا تعذر حضوره لقمة القاهرة حتى يمكن إخراج العراق من المأزق وأبديت استعدادي للخروج بضيغة من المؤتمر تدعو إلى الانسحاب من الكويت وعودة الشرعية دون المساس بكبرياء العراق في قراره الشجاع لو اتخذت القمة العربية وقلت له في رسالتي انني أناشده ان يكون الوفد العراقي مخولا باتخاذ موقف مرن كفيل بتحقيق انفراج في الأزمة تمهيدا للتوصل إلى حل عربي وبعد ظهر يوم الخميس 9 أغسطس [آب] استقبلت رئيس الوفد العراقي الذي لم تخرج كلماته عن جملة واحدة ولا غيرها هي ان الكويت جزء لا يتجزأ من العراق ولا رجعة في ذلك على الاطلاق ولا عدول عنه لأي سبب وأن العراق يعتبر هذا قرارا وطنيا لا يمكن طرحه للمناقشة عربيا [قبل القمة العربية يوم السبت]* وقال انه يحضر المؤتمر لمناقشة الأوضاع العربية كلية [وصايا]* ولم يكن أمامنا من تعليق على هذا الطلب إلا ان ابدي اسفي الشديد لاتخاذ العراق هذا الموقف الذي لن يتيح للقادة العرب حرية الحركة ويضعهم أمام خيار واحد. ومع كل هذا فانني لم افقد الأمل وقمت باتصالات عديدة مع الملوك والرؤساء الحاضرين في مؤتمر القمة بهدف تخفيف حدة التوتر وتمهيد الأجواء للتوصل إلى اتفاق ودي بين الطرفين وحاولت بكل السبل ان اتصدى لأي دعوة للانقسام والفرقة وحرصت على ان يلقى الوفد العراقي كل تكريم في الاستقبال والتعامل وتحدثت إلى الحاضرين جميعا موضحا خطورة الموقف شارحا هدفنا في الوصول بالمؤتمر إلى قرار عربي نبعد به الأزمة تماما عن تطورات الموقف الدولي إلى ما هو أخطر.
وانعقد المؤتمر العربي يوم الجمعة وقد راعيت في خطابي أمام المؤتمر ان أحفظ للعراق كرامته وأن امهد لأي انفراج يتيح للوفد العراقي مرونة في موقفه ولم أظهر انحيازا إلى طرف دون الطرف الآخر [...] وعندما تقدم احد الأعضاء باقتراح بارسال وفد عربي من عدد من الرؤساء إلى بغداد للقاء الرئيس صدام حسين أملا في الوصول إلى المخرج سألت الأعضاء الذين وردت أسماؤهم في الاقتراح كأعضاء في الوفد في جلسة المؤتمر وكان من بينهم الملك حسين فكان ردهم قاطعا جميعا بالرفض والإِحجام وصدر القرار ولا اريد في هذا المجال ان أكشف حقائق كثيرة عن سلوك الوفد العراقي والشتائم التي قالها بعد المؤتمر وتصرفات بعض الذين حاولوا إفشال المؤتمر. انني لا اريد اليوم ان أضاعف من مأساة الانشقاق العربي وكفانا ما وصلنا اليه.
أيها الإِخوة والأخوات انني اعرض عليكم وعلى الشعب وكل الشعوب العربية هذه التفصيلات التي حاولت الإِيجاز فيها بقدر الإِمكان فهذه شهادة صدق أمام التاريخ حتى يتفهم كل من تضلله الادعاءات والأباطيل الكاذبة الحقائق مجردة من الهوى والغرض ففي كل اتصال لنا مع الرئيس العراقي قبل الغزو وبعده بل وبعد صدور قرارات القمة العربية ضمن اتصالاتنا المباشرة معه بعد هذه القرارات ونداءاتي المتكررة له التي وصلت في نهاية الأمر إلى 26 نداء في كل ذلك لم يأت على لسانه او لسان رسله او في رسائله المكتوبة الينا اي ذكر لقضية الشعب الفلسطيني لم تجر كلمة واحدة على لسانه او في سطوره او على لسان مبعوثيه عن قضية الشعب الفلسطيني او عن إسرائيل او عن حل كل مشكلات المنطقة العربية.
كل هذه المزاعم ظهرت فيما أسماه بمبادرة منه لحل المشكلات العربية وهي في ظاهرها وباطنها مناورة لخداع الشعوب العربية ولإِثارة المشاعر وتسخيرها لخدمة احتلال ارض الكويت وإزالة معالمها من الوجود.
[. . . . . . .]
[...] وفي 19 أغسطس [آب] 1990 استدعيت السفير العراقي مرة اخرى وطلبت اليه ان يبلغه برجائي وكلها رجاءات ان يعيد التفكير في حل للخروج من هذا المأزق وحذرت بكل الصدق والاخلاص والأمانة من أخطار الحرب وشرحت له بدل المرة مرات ان كل قوى العالم ترفض مبدأ الاحتلال بالقوة العسكرية بعد وفاق العالم الجديد على بناء السلام. هناك نظام جديد في العالم وقلت له في رسالتي الشفوية ان العراق لن يستطيع أبدا ان يتحدى كل قوى العالم وانني مستعد للقيام بأي اتصالات او مبادرات يرى فيها العراق سبيلا للخلاص من الوضع الخطير القائم وحتى نحول دون حدوث اي عواقب وخيمة لا نريدها جميعا، وجائني الرد مكتوبا يوم 23 أغسطس [آب] وفوجئت به يكرر انه يعتبر ان عمل آل الصباح نمط من أعمل الحرب بعد فشل الجهود السياسية في جدة وأنه قرر ان يعيد إلى العراق حقا مغتصبا ويصحح ما هو خاطئ ومنحرف [...]
أنكر في رسالته انه وعدني بعدم استخدام القوة ثم تناولني بالاتهام بأنني واقع تحت ضغط سعودي أميركي وهو لا يعلم أننا لا نقبل ضغوطا من أي دول كائنة في العالم اجمع نتعاون مع جميع دول العالم من أقصاها إلى أقصاها من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب وعلاقاتنا طيبة ونتعامل مع جميع دول العالم دون استثناء.
وذكر انني اقترفت إثما تجاه الأمة العربية ومبادئ الدين الاسلامي التي لا يمكن ان تكون مع الباطل، وقد عادت الكويت عزيزة إلى أهلها الأعزاء وقد غدت هي وما يحيط بها وما تفجر عنها من مواقف راية عز لكل العرب.. وجهة نظره.
أصابتني الدهشة ـ أيها الإِخوة ـ من هذه الرسالة.. ساعات باقرأ الرسائل مش قادر اصدق ان ده شيء طبيعي فان الذي اعرفه ان صدام حسين سعى إلى إقامة احسن علاقات مع أميركا، وعلى أيديه، وقد طلب منا في مناسبات سابقة ان نتدخل لدى القيادة الأميركية، وهذه كلمات حق لكي نؤكد على لسانه انه رجل سلام، وأنه لا يريد إحداث ادنى خلل في العلاقات العراقية الأميركية، كما صحح تصريحاته التي كان قد قال فيها انه سوف يدمر إسرائيل ونفى انه أعلن ذلك، وأكد انه سيرد على إسرائيل إذا اعتدت على العراق، بل انه قال لي ـ وهذا ما أعلنه شهادة أمام التاريخ ـ قال لي ما نصه.. ليس بين العراق واسرائيل اي خلاف مباشر كان في حديث بيني وبينه، وأنه لا موضع على الاطلاق لأن يعتدي على إسرائيل لأنه لا مبرر لهذا الاعتداء ـ كلام الرئيس صدام حسين ـ والعراق يمكن فقط.. والعراق يمكن فقط ان يقدم العون للأردن او لمصر إذا اعتدت إسرائيل على أي منهما، وإذا طلب ذلك.. فيما عدا ذلك لا علاقة له باسرائيل.. وبالنسبة لأميركا فانه يسجل على نفسه في رسالته لي انه في لقائه مع السفيرة الأميركية في بغداد لتأكيد حسن العلاقات مع أميركا أكد لها انه لن يعمل أبدا على زيادة سعر البترول، وتعلمون حضراتكم انه سبق ان كلف أستاذة باحدى الجامعات الأميركية بأن تنقل إلى القيادات الاسرائيلية في تل ابيب انه لا يضمر لاسرائيل شرا ولا يفكر في شن أي عدوان عليها.
[. . . . . . .]
ثم قام الرئيس صدام في هذه الرسالة المكتوبة لي أيضا ان عودة الكويت إلى ما كانت عليه معناه سقوط العراق في الهاوية والعراق الآن ليس مكانه الهاوية، وان الذي ينتظره مثل ما هو شأنه مجد عارم وانه يرفض كل الأحلام السوداء التي تطالب بعودة الكويت إلى ما كانت عليه، ويقول لهذه الأحلام بأن السماء اقرب اليها من هذا الحلم، وان صاحب الحظ العظيم هو الذي يشارك في مسار معركة الشرف والنصر دا مكتوب دا مكتوب ما بقولوش من عندي.
ومع ذلك أيها الاخوة والأخوات ورغم هذه الاتهامات، فانني لم اتردد أيضا في ان أبذل له المزيد من النصح الخالص والرجاء الصادق وبعثت اليه برسالة اخرى حمّلتها لسفير العراق [...] وذكرته بأنه هو الذي أعلن للشعب العراقي العربي ان سياسته هي ضد التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة عربية ـ دا قال كلام في اجتماع اعتقد المحامين العرب ـ وانه هو الذي قال لو رأيتم العراق تعتدي بجيشها على اي بلد عربي، فانني أطالبكم بأن تجيشوا جيوشكم ضد العراق، ولحماية هذا البلد العربي.. ورجوته.. ورجوته رجاء ان يتأكد من ان نصيحتنا خالصة لصالح الشعب العراقي والجيش العراقي، والأمة العربية كلها، وأن الصديق هو من صَدَقك لا من صدّقك وأن الإِجماع الدولي أخطر مما يتصور، ورجوته ايضا ان يصدر إعلانا بالانسحاب من الكويت لأن هذا سوف يغير الموقف أمام الرأي العام العالمي، وذكرته بأن مجلس الثورة العراقي قد أعلن بعد غزو الكويت في 4 أغسطس [آب] بالتحديد يوم السبت التالي للغزو ان القوات العراقية قد تنسحب على أيام، أو بعد أسابيع ـ مرونة ـ وليس من صالحه ان يبدو أمام المجتمع الدولي بهذه الصورة الخادعة، وأن احدا لن يقبل منه غير الانسحاب، ولم يرد على رسالتي.
ولكنني أيضا لم أيأس. وعندما تحدد موعد زيارة الرئيس الأميركي بوش للمنطقة استدعيت السفير العراقي صباح الثلاثاء 20 نوفمبر [تشرين الثاني] الى مكتبي وتحدثت اليه تليفونيا في مكتبي مكتب السكرتارية لانشغالي حينئذ في مقابلة اخرى، وطلبت اليه ان يبحث إمكانية سفره إلى بغداد لإِبلاغ الرئيس صدام ان يعبّر عن وعد بالانسحاب، وعندئذ يمكنني ان ابحث عن أسلوب يحفظ ماء وجهه ويجنب المنطقة ويلات المستقبل المخيف وحذرته من ان يقيم حساباته على أساس انه سيحدث انقسام داخلي في أميركا وبريطانيا [...] وقلت له ان من حوله لا يقدمون له الصورة الحقيقية وهم لا يقولون إلا ما يرضيه ويلقى هوى في نفسه.. وقصدت بشرح الصورة الحقيقية للموقف العالمي لأنه ثبت لي ان الرئيس العراقي بعيد تماما عن حقائق الأوضاع السياسية العالمية. فأكدت له ان لا تغيير على الاطلاق في الموقف الفرنسي، إذا كان ينتظر هذا التغيير، او يعتقده، وكذلك الحال بالنسبة لموقف الاتحاد السوفياتي لأنه كان واضحا لنا تماما.
[...] ورجوت ان يصلني رد منه قبل ان يغادر الرئيس الأميركي القاهرة.. [...] غير انني لم أتلق منه أي رد، وكأنني كنت اصرخ في واد، ولكنني لم أيأس أيضا، وكلفت مكتبي باستدعاء السفير العراقي في صباح يوم 26 نوفمبر [تشرين الثاني] 1990 وتم إبلاغه برسالة اخرى إلى الرئيس العراقي قلت له فيها انني بعد مباحثات مطولة مع الرئيس الأميركي ازددت إيمانا بأن المجتمع الدولي بكل عواصمه شرقا وغربا شمالا وجنوبا مصمم أكثر من أي وقت مضى على ضرورة الانسحاب من الكويت وعودة الشرعية، وأضفت انني من خلال هذه المباحثات وجدت ان الخيار العسكري مطروح بشكل فعلي [...]
ثم جاء رد رئيس العراق مكتوبا في 25 نوفمبر [تشرين الثاني] 1990، وكان ردا غريبا متناقضا إذ قال في رسالته انه لا يرفض الحوار مع الرئيس الأميركي جورج بوش ولكنه لا يعطيه أي مشروعية في التدخل في العلاقات العربية.. [...]
[. . . . . . .]
ثم بدأت الرسالة توجه الاتهامات لي انني أستعجل الحرب وأسعى لتدمير العراق.. [...]
ثم قال ما نصه وهو ينتظر مني تفسيرا لهذا الموقف المعادي ان أنا باسعى لتدمير العراق.. وقال أيضا ان الذي يحتل الكويت المحافظة اﻟ 19 كأنه يحتل البصرة او بغداد.. [...]
ونأمل ألا يدفع بوش جيشه إلى الهاوية، وألا يتورط فهد في هذه المعمعة لأن النصر سيكون أكيدا لجيش العراق [...]
ولأول مرة يتحدث في رسالة لي عن القضية الفلسطينية كقضية معلقة يجب ان يبحث مع كل القضايا [...]
[...] ولذا بعثت اليه برسالة مطولة مكتوبة بتاريخ 30 نوفمبر [تشرين الثاني] اوضحت له فيها كل هذه الحقائق وسجلت فيها انني لم أطلب ان أكون قناة اتصال بينه وبين الرئيس الأميركي جورج بوش، او غيره علما بأن الرئيس العراقي هو الذي أعلن على الملأ انه يريد ان يدخل مع الرئيس الأميركي في حوار مباشر وليست لنا مصلحة ولا مأرب في القيام بدور الوسيط في هذا المجال.
[. . . . . . .]
وسجلت في رسالتي ان هذا الاستعداد من جانبه للدخول في حوار مع الولايات المتحدة الأميركية او المملكة العربية السعودية ليتعارض تماما مع استمراره في الحديث عن الكويت باعتبارها المحافظة التاسعة عشرة والقول بأن تحريرها يشكل احتلالا لجزء من ارض العراق..
[. . . . . . .]
بل انني قلت له في ختام هذه الرسالة ـ التي شغلت 22 صفحة ـ في ختام رسالتي هذه اود ان اعرب لك مجددا عن استعدادي للقيام بأي جهد او سعي يمكن ان يخطو بنا إلى الأمام.. [...]
[...] تلقيت في 19 ديسمبر [كانون الأول] 1990 رسالة خطية لا يخلو سطر واحد فيها من توجيه السباب والتجريح الشخصي والاستنكار لمواقف مصر، وأقل ما جاء فيها ان لنا سياسة ظاهرة وسياسة باطنة وسمّاها سياسة الوجهين.. [...] وأننا مصرون على نهج المغالطة.. [...] وقلب الحقائق.. [...] ثم قال واقعة خطيرة وهي بنص تعبيره ان الأخوة القادة العرب الذين زارونا في نفس الفترة (هو يقصد الفترة السابقة للغزو) قد استنذروا بدون لبس ان الوضع ينذر بأوخم العواقب [...]
[. . . . . . .]
الإِخوة.. والأخوات..
لعلكم تتفقون معي ان هذه الرسالة الأخيرة من الرئيس العراقي كانت قاطعة في دلالاتها على ان الرجل يعيش في غير عالمنا وأنه يقدم أقوالا متضاربة لا تدعمها إلا الشتائم والافتراءات والبذاءات.
وقد رأيت ان ارد عليه في رسالة متكاملة استغرقت 44 صفحة مفندا ادعاءاته عبارة عبارة للتاريخ .. [...] وبعثت برسالة اليه في 29 من ديسمبر [كانون الأول] الماضي وقلت له بكلمة محددة نحن نربأ بكم ان تتخذوا موقفا مماثلا لهذا الذي اتخذته اسرائيل بعد احتلالها لجزء من ارض الأقطار العربية المجاورة في يونيو [حزيران] 1967 فقد اخذت تطرح شعار التفاوض دون شروط مسبقة ولكن المجتمع الدولي رفض هذا الطرح وأصدر قرار 242 في 22 نوفمبر [تشرين الثاني] سنة 67 الذي أكد فيه عدم الاستيلاء على الأرض بالقوة ونص على انسحاب إسرائيل من الأرض التي احتلتها [...]
[. . . . . . .]
وليست دعوة الاسلام بأقل خداعا من دعوة ولي الأمر في بغداد لحل القضية الفلسطينية شرطا لحديث عن أي انسحاب من الكويت بل انه حتى لم يقل انه سوف ينسحب إذا حلت القضية الفلسطينية. وهذا خداع مفضوح لمجرد إثارة المشاعر وتضليل رأي عام عربي يضع قضية الشعب الفلسطيني في صدره موضع القلب، وهل اغتصب حاكم العراق دولة الكويت العربية الاسلامية من أجل حل قضية فلسطين؟! ألم يعلن ولا يزال يعلن ان الكويت هي ارض عراقية وأنه أعادها بالقوة إلى وضعها الطبيعي.. اين إذن قضية فلسطين وكيف برزت فجأة على السطح كجزء من الأزمة والمشكلة؟
مناورات صغيرة في قضايا كبيرة ثمنها الأول والأخير إزهاق الأرواح والتخريب والدمار.
ان الرأي العام العربي لا يمكن ان ينخدع باطلاق بضعة صواريخ على المدن الاسرائيلية.. يا سلام شوية صواريخ، 13 ونصف مليار مطلوبين وصواريخ باتريوت والدنيا.. أسلحة.. صاروخ عامل زي البمب بتاع شم النسيم لا يودّي ولا يجيب إحنا عارفينه كويس [...]
[. . . . . . .]
ان مثل هذه الأعمل الاستعراضية التي تخرج تماما عن سياق التخطيط الأمين لنصرة حق الشعب الفلسطيني في تحرير ارضه المحتلة وإقامة دولته والتعبير عن هويته القومية والحضارية لا يترتب عليها سوى تمكين إسرائيل من الحصول على تعاطف دولي اوسع وجباية مزيد من الأموال والحصول على احدث الأسلحة المعقدة.. وهذا ما حدث.. وبعد هذا تروج أبواق النفاق ان قوات اسرائيلية انتقلت إلى السعودية لتشارك في الحرب..
كلام كده رخيص يقولوا كلام عشان يعقّدوا الدنيا.. اسرائيل مستكينة.. ولا بتعمل حاجة.. وكل ذلك كذب فاضح يراد به فقط إلهاب المشاعر وتأليب الشوارع العربية.
[. . . . . . .]
فدعونا من المزايدات المفتعلة باسم القضية الفلسطينية.. قميص عثمان.. ودعونا نعمل بصدق وإخلاص ودون ادعاء او مزايدة على وضع تلك القضية في مقدمة الأولويات الدولية بعد انتهاء الحرب في الخليج ونثبت ان العرب جادون وليسوا هازلين.. وأنهم لا يطرحون الشعارات إلا إذا كانوا مؤمنين بالقضية ملتزمين بمناصريها والتضحية في سبيلها.
وهذا ما التزم به الرئيس الأميركي بوش معي ومع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وهذا ما التزمت به أيضا قيادات اوروبية شرقا وغربا والتي أجرينا معها اتصالات مكثفة في هذا الشأن.. وبذلك اقتربت مواقفها من الموقف الذي اتخذناه طوال الأعوام الماضية وحصلنا له على تأييد إجماعي من الأسرة الأفريقية العريقة، ولدى الدول الآسيوية الصديقة وكافة بلدان العالم الثالث وحركة عدم الانحياز.
[. . . . . . .]
اننا نقف أيها الإِخوة والأخوات بكل حزم ضد أطماع هؤلاء الذين يفكرون في المساس بسلامة العراق وتهديد وحدته الاقليمية ونحن نرفض دعاوى الانتقام من العراق، لأن الشعب هو الذي يقاسي، ويعاني، ولأن النوازع الانتقامية تعمي الأبصار عن المستقبل وتحول دون رؤية الآفاق الفسيحة التي يتيحها للشعوب وهي على أعتاب القرن الحادي والعشرين.
[. . . . . . .]
اعرف ان الألم يعصر قلوبنا جميعا ولكن قدرنا هو ان تكون رموزنا هي الحرية والحق والنور.. هي نجدة الأخ والشقيق.. هي الالتزام بالعقيدة والمبدأ والشرف لا التستر على الخطايا والخطيئة. وفي سبيل ذلك فان أمامنا كفاحا عظيما لتحقيق الأمن والاستقرار في الوطن العربي على امتداده والتوصل إلى سلام شامل يصون لكل شعب سيادته وحقه في تقرير مصيره، والسعي إلى إقامة نظم عربية راسخة للأمن القومي بمعناه الشامل، والتعاون الاقتصادي الوثيق من أجل البناء والتنمية ومواكبة العالم الجديد في تطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ولن يكون تعاون الأمن العربي إلا تعاونا عربيا مخلصا، ودعوكم من أراجيف المروحين للأباطيل، فلسنا منطقة نفوذ لأحد، ولن نسمح بأن تكون المنطقة تابعة لأي نفوذ أيا كان.. روابطنا مع كل دول العالم هي روابط احترام كامل للسيادة وتقدير للمصالح المشتركة وستبقى دائما كذلك.
[. . . . . . .]
المصدر:
"الأهرام الدولي" (لندن)، 25/1/1991
* في الأصل