يقول يغآل عيلام، في مقدمة كتابه، إن التأريخ لنشوء الوكالة اليهودية، ولا سيما الأعوام التأسيسية الأولى لعملها، عملية صعبة ومعقدة. فكيف إذا كان هذا التأريخ يريد أن يرسم صورة واقعية لهذه المنظمة التي تبدو صورتها من الخارج صورة منظمة هائلة القوة، ذات نفوذ كبير بين الييشوف اليهودي في البلد ووسط الشعب اليهودي في أنحاء العالم كافة. وهذه الصورة، في رأي المؤلف، لا تتطابق مع الواقع. فالوكالة اليهودية منذ تأسيسها كانت عرضة لنزاعات حادة من أجل السيطرة عليها بين الصهيونيين وغير الصهيونيين. ولقد استمر هذا النزاع فيما بعد بشأن القيادة والزعامة داخل الوكالة التي تُجسد، إلى حد كبير، الزعامة على الحركة الصهيونية بأسرها.
يحصر المؤلف عمله في السنوات الواقعة بين سنة 1919 وسنة 1931. فينطلق من النقطة التي بدأت منها فكرة إنشاء الوكالة، وهي البند الرابع من صك الانتداب البريطاني. ويقول إنه ورد في هذا البند أن الوكالة اليهودية ستكون مؤسسة عامة معترف بها، مهمتها تقديم المشورة إلى حكومة أرض – إسرائيل، والتعاون معها في جميع المسائل الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها ذات الصلة بتأسيس الوطن القومي اليهودي، بالإضافة إلى القضايا التي تتصل بالسكان اليهود في أرض – إسرائيل، والمساهمة في تطوير البلد. وهذا يعني أن البريطانيين هم الذين كانوا وراء فكرة إنشاء الوكالة اليهودية كقطب تنظيمي مقابل للمؤتمر الصهيوني.
استمرت المفاوضات في شأن إنشاء الوكالة نحو عشرة أعوام. ومن أهم الشخصيات التي قامت بدور كبير في تلك المرحلة: حاييم وايزمن رئيس المؤتمر الصهيوني، ولوي مارشال رئيس اللجنة اليهودية الأميركية، وهربرت صموئيل رئيس "اللجنة الاستشارية" المكلفة وضع مسودة للاقتراحات المتعلقة بصورة الحكم المطلوبة في أرض – إسرائيل قبيل عقد مؤتمر السلام في باريس.
في 23 آب/أغسطس 1929، جرى الاحتفال بقيام الوكالة اليهودية الموسعة، بعدالتوصل إلى اتفاق بين الصهيونيين وغير الصهيونيين والأميركيين. وفور هذا الإعلان، برز أول اختبار حقيقي لدور الوكالة. إذ بدأت الأحداث الدامية في فلسطين في 11 أيلول/سبتمبر . وترافق ذلك مع وفاة أحد أهم أركانها، لوي مارشال، وبداية الأزمة الاقتصادية الخطرة في الولايات المتحدة. وبدا، أول وهلة، أن هذه الوكالة الحديثة النشأة معرضة للفشل، حتى قبل أن تستطيع فعلاً الوقوف على قدميها.
من أهم المشكلات التي كان على الوكالة مواجهتها في بداية عملها، المواقف الواجب اتخاذها من سياسة الانتداب البريطاني، ومن موضوع الهجرة إلى إسرائيل، ومن النزاع الدائر بين اليهود والعرب.
يتابع المؤلف عبر صفحات كتابه خطوة فخطوة جميع المراحل التي مر عمل الوكالة بها خلال العامين الأول والثاني لتأسيسها، 1930 – 1931، مركزاً بصورة خاصة على نقطة أساسية: الصراعات والنزاعات التي شهدتها إدارة الوكالة اليهودية بين مختلف الأطراف من صهيونية وغير صهيونية، بريطانية أو أميركية، أو من داخل الييشوف اليهودي.
استخدم عيلام مصادر يُكْشَف عنها أول مرة، بينها آلاف الملفات وعشرات الآلاف من الوثائق ومادة أرشيفية ضخمة. فقد كانت رغبته الأولى التوصل إلى سبر الصورة الحقيقية لهذه المرحلة التأسيسية في العمل الصهيوني، وهي مخالفة للصورة الشائعة لدى المؤرخين الذين اهتموا بدراسة هذه المرحلة من تاريخ الحركة الصهيونية.
يشكل كتاب عيلام عن الوكالة اليهودية مرجعاً مهماً ومفيداً في فهم ودراسة الخلفية التاريخية للمؤسسات الصهيونية العالمية، التي بفضل نشاطها وجهودها جرى تحقيق الحلم الصهيوني. وربما من المهم الوقوف على الخلافات والانقسامات التي برزت في صفوف الصهيونيين وغيرهم آنذاك؛ فالاطلاع على هذه الخلفية يساهم في فهم واقع الحركة الصهيونية الراهن، والمشكلات التي تواجهها داخل إسرائيل حالياً.