Ya'ir, With Me from Lebanon
Reviewed Book
Full text: 

معي من لبنان (بالعبرية)

بقلم اللواء يورام يئير. تل أبيب: منشورات معراخوت، وزارة الدفاع، 1990.

 

هذا الكتاب الجديد عن الحرب التي خاضها الجيش الإسرائيلي في لبنان سنة 1982 باسم حرب "سلامة الجليل" هو شهادة حيّة للواء يورام يئير، قائد لواء المظليين الذي قام بعملية الإنزال عند نهر الأولي والسيطرة على الطريق الساحلي ثم التوجه من هناك إلى شملان والنزول إلى المناطق الشرقية حيث جرت عملية الاتصال بميليشيا القوات اللبنانية.

على مدى 14 فصلاً يسجل اللواء يئير (ييّه)، بأسلوب يمزج فيه بين الوصف العسكري المتخصص والكتابة الروائية، يوميات الأسبوع الأول من هذه الحرب. يبدأ برواية عملية الإنزال البحري التي قام لواء المظليين بها عند نهر الأولي: كيفية تنفيذها، والمشكلات التي اعترضتها، والأجزاء النفسية التي كانت سائدة بين الجنود والقادة. ثم يصف، يوماً بيوم، تقدم القوات الإسرائيلية على طول الطريق الساحلي، والاشتباكات التي وقعت بين هذه القوات والمقاتلين الفلسطينيين الذين حاولوا عرقلة تقدمها. ويروي كيفية صعود قواته نحو بلدة قبر شمون التي يصفها بأنها "النقطة المركزية الأكثر أهمية وحيوية في كل المنطقة"، ثم الصدام مع القوات السورية والتقدم نحو شملان والنزول من هناك نحو المناطق الشرقية. يختم اللواء يئير كتابه بالمشهد التالي: "عند مداخل قرية بسابا، وفي وسط الطريق، كان يقف قادة الكتائب من المسيحيين ببزاتهم الخضر ينظرون إلى جنود الجيش الإسرائيلي الذين يتقدمون نحوهم. بدوا متأثرين ومضطربين قليلاً، لا يعرفون كيف يستقبلوننا. وحاولوا، قدر المستطاع، الحفاظ على مظهر متماسك. السكان الذين كانوا على سطوح المنازل وعند مداخلها عبروا عن ابتهاجهم بمجيئنا بالتلويح بأيديهم وبالهتاف والبكاء." عملية الاتصال تمت بنجاح. لقد فضّل الكاتب أن يختم كتابه بذلك، متجنباً خوض التطورات الدرامية التي أعقبتها والتي جعلت حرب لبنان أكثر الحروب الإسرائيلية إثارة للجدل والنقاش.

وتأتي شهادة اللواء يئير عن حرب لبنان بعد مرور أربعة أعوام على صدور كتاب عمانوئيل فالد، "لعنة الأدوات المعطلة"، الذي كان في الأساس تقريراً رفعه اللواء فالد إلى هيئة الأركان العامة في الجيش بطلب منها، في شأن المشكلات التي اعترضت أداء الجيش الإسرائيلي خلال هذه الحرب. لكن القيادة العسكرية ما لبثت أن تخلت عن الفكرة وعارضتها، الأمر الذي دفع الكاتب إلى نشر تقريره في كتاب عرض فيه بتفصيل المشكلات العملياتية التي لحقت بأداء الجيش خلال هذه الحرب. من هنا، يبدو كتاب اللواء يئير عن حرب لبنان محاولة لإعادة الاعتبار إلى سلاح المشاة في الجيش الذي تعرّض لنقد شديد في كتاب فالد؛ فهذا السلاح الذي يقوم على عملية مزج بين قوات سلاح المظليين وقوات سلاح المدرعات عانى مشكلة الازدواجية في القيادة العسكرية وعدم التنسيق بصورة عامة. لكن اللواء يئير يدحض هذا كله، مشدداً على روح التفاهم والتعاون التي كانت سائدة بين قادة جميع الوحدات العسكرية المشاركة في القتال.

يلقي كتاب "معي من لبنان" ضوءاً على عدد من النقاط التي أثارت في حينه جدلاً كبيراً، في مقدمها مسألة تخطي خط 42 كلم الذي قيل إن الخطة الأساسية للحرب كانت تفترض التوقف عنده. ويبدو واضحاً من رواية قائدة لواء المظليين أن الأوامر التي أُعطيت له، منذ اليوم الأول للحرب، كانت التوجه شمالاً لا جنوباً أو شرقاً بعد الانتهاء من عملية الإنزال البحري عند نهر الأولي، مما يكشف بصورة قاطعة أن خطة "أورانيم الكبرى" كانت معدة سلفاً.

أما النقطة الثانية، فهي عدم التوازن الكبير في نوع المواجهات العسكرية التي شهدتها هذه الحرب؛ ففي مواجهة الهجمات الصاعقة والسريعة لمجموعات المقاتلين الفلسطينيين المزودة بقاذفات الآر. بي. جي. والأسلحة الخفيفة، كانت قوات مدرعة كثيرة العدد والعدّة وبطيئة الحركة. ولولا التغطية الفعالة والسريعة لسلاح الجو لتكبدت هذه القوات خسائر أكبر كثيراً مما تكبدته.                                                                                                    

يقول يتسحاق رابين، وزير الدفاع السابق، في مقدمة الكتاب: "هذا الكتاب دليل آخر على تفوق مستوى قادة الميدان في الجيش الإسرائيلي، كرجال أصحاب مبادرة وحكمة وخيال...". لكن من الصعب على مثل هذا الكلام أن يمحو الطعم المر الذي تركته هذه الحرب وسط الإسرائيليين؛ فحرب لبنان ستظل "حرب التضليل" كما وصفها زئيف شيف الصحافي الإسرائيلي في كتابه، وستظل نموذجاً ساطعاً على أن القوة العسكرية الإسرائيلية عاجزة عن حل مشكلة الحدود الآمنة مع الدول العربية المجاورة عجزها عن القضاء على المشكلة الفلسطينية بضرب قواعد المقاومة في لبنان. وأبرز دليل على ذلك أن مشكلتين أساسيتين تواجههما إسرائيل في مطلع التسعينات: الانتفاضة الفلسطينية في المناطق المحتلة، وموضوع السلام في المنطقة.