النظام الإقليمي العربي
Le Système Regional Arabe
Paris: Presses du CNRS, 1990.
مجموعتان تحيطان بالبحر الأبيض المتوسط: المجموعة الأوروبية والعالم العربي. والمجموعة نظام إقليمي معروف، فهل هناك نظام إقليمي عربي؟ هذا هو السؤال الذي حاولت كوكبة من الباحثين الفرنسيين والعرب الإجابة عنه في ندوة نظمها مجلس البحوث بشأن العالم العربي والإسلامي في جامعة مرسيليا ومركز الدراسات والبحوث في جامعة تونس، وجُمعت بحوثها في كتاب صدر عن منشورات مجلس البحوث القومي الفرنسي.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب: يضم الباب الأول تحديدات لمعنى النظام الإقليمي، ويستهله صادق بلعيد بتساؤل عما إذا كان النظام المؤسسي العربي القائم اليوم يشكل نظاماً إقليمياً عربياً. إن مفهوم النظام الإقليمي، وهو مفهوم أنغلو سكسوني، يؤكد فكرة التماسك الداخلي وقدرة النظام – كنظام – على الإجابة عن حاجات أعضائه. ولهذا فإنه يجيب عن السؤال، بعد عرض تاريخي لموضوعه، بأنه نظام في قيد الصنع.
يتمثل هذا النظام العربي عملياً في جامعة الدول العربية. ولهذا، يتناول بيار أغات طريقة عمل الجامعة على الصعيدين الدولي والداخلي، ليلاحظ أنها لم تحقق حتى الآن سوى نتائج هزيلة. لكن النظام الإقليمي العربي موجود، وهو يعمل عبر محفله الأعلى، أي اجتماعات القمة.
ويحاول جان روبير هنري فهم النظام المذكور لا عبر ديناميته الداخلية وإنما عبر علاقته بالعالم الخارجي، ليصل إلى ما يسميه صعوبة طرح المجموعة العربية لنفسها وتحديد ذاتها في مواجهة أوروبا. فالوحدة المغاربية، مثلاً، ليست مرحلة على طريق الوحدة العربية بل هي على طريق تكون المغرب العربي كمدخل متاخم لأوروبا الجديدة.
بعد ذلك، يدرس بشير تكاري وكامل شرف الدين الشخصية القانونية للمنظمات العربية المتخصصة، ومراحل تكوّنها، ومعالم وجودها – أي معالم الشخصية القانونية – في المنظمات، وحصانة هذه الأخيرة وغاياتها وامتيازاتها وحقوقها وعلاقاتها بالمنظمات الدولية المذكورة.
تأتي بعد ذلك دراسة لموريس فلوري والطيب محجوب تتعلق بالتنسيق بين المنظمات العربية المتخصصة، فيشيران إلى صعوبات هذا التنسيق عامة، وإلى الأنماط السائدة فيه.
وينتهي هذا القسم بدراسة للأزهر بوافي يتحدث فيها عن عملية اتخاذ القرار في المنظمات العربية المتخصصة، ومزاياها ومدى إلزامية هذه القرارات وطرائق مراقبتها.
أما القسم الثاني، فيشمل دراسة حالات لا تفعل سوى أن تثبّت التعريفات والتحديدات المذكورة في القسم الأول. وهكذا، فإن دراسة "آثار الانكماش النفطي في نظام التعاون المالي العربي" لجان فرنسوا ريكس إنما تدرس هرمية القواعد التي تحكم الجامعة المالية والصناعية المابين عربية.
وتتناول الدراسة الثانية – دراسة فرحات هرشاني – اتفاق أو ميثاق وكالة ضمان التوظيف المتعدد الأطراف (MIGA) وانعكاساته في الاتفاق الإقليمي العربي بشأن ضمان التوظيفات أمام المخاطر غير التجارية. وتعالح الدراسة الثالثة (لفرنسوا بورغات) المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية. وتبدأ بدراسة الحيز الذي تعمل هذه المنظمة فيه – أي الزراعة العربية – ثم تعمد إلى دراسة النصوص القانونية التي تحكم المنظمة. وتنتهي بعرض ما حققته خلال عشرة أعوام من العمل. أما رشيد بن حماد (كاتب الدراسة الرابعة) فيدرس المحكمة الإدارية العربية التابعة للجامعة العربية، ليجد أنها تقتفي الأنموذج الذي أنشأته نظيرتها التابعة للأمم المتحدة TANU. ذلك بأن الجامعة العربية لم تستطع إلا أن تدرج حاجتها الإدارية ضمن منطق مجانسة القانون الإداري، وهو المنطق السائد في العالم اليوم.
وتنتهي دراسة هذه الحالات بدراسة لمصطفى منصوري عن التعاون الثقافي في إطار الجامعة العربية، لأنه لا يمكن الحديث عن العالم العربي والأمة العربية من دون الرجوع إلى الثقافة العربية، لأنها جزء من الهوية العربية. لكن الباحث يجري تحليله عبر دراسة النصوص: قوانين التعاون الثقافي؛ الحيز الذي تحتله الثقافة والتربية في ميثاق جامعة الدول العربية. ثم ينتقل إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي أنشأها مجلس وزراء التربية العرب خلال اجتماعه في بغداد بتاريخ 19 شباط/فبراير 1964، ويتناول مؤسساتها، ورسالتها، والمهمات التي تتولاها، وتكوينها، ودورها في مجالات الثقافة والعلم والتربية.
يبقى القسم الثالث الذي يتناول العلاقات الخارجية للنظام العربي الإقليمي والنزاعات التي يواجهها. وهو يبدأ بدراسة لحارث مزيودت في صدد الوجوه المؤسسية للتعاون الإفريقي العربي، فينطلق من فكرة قوامها أن أساس التعاون هو البحث عن القدرة والجبروت، وأن القدرة تحتاج إلى التعاظم الذي يحتاج بدوره إلى الاتحاد، وأن التعاون العربي الأفريقي لا يشذ عن هذه القاعدة. ولهذا فإنه حين يعرض التعاون العربي الأفريقي ومؤسساته التي نشأت عن قرار القمة الأفريقية العربية الأولى (القاهرة، 7 آذار/مارس 1977) يجده تعاوناً أفقياً لم يف بالوعود المبذولة والآمال المعقودة.
أما بول بالطا فيدرس مسألة موقف الجامعة العربية وأعضائها من مشكلة الصحراء الغربية، ليلاحظ أن الجامعة لم تستطع الاهتمام اهتماماً فعلياً بالتنازع في شأن الصحراء، وذلك لانشغالها أولاً بالمشكلات العربية الكبرى (المسألة الفلسطينية، والحرب اللبنانية، وحرب العراق – إيران)؛ وثانياً لرفض الجزائر – بثقلها الخاص – طرح مشكلة الصحراء على الجامعة؛ وثالثاً لأن دول المشرق العربي لم تكن تريد أن تضيف إلى العوامل التي تفرق بين مواقفها عاملاً جديداً.
وينتهي الكتاب، ومعه هذا القسم، بدراسة لبشارة خضر تتعلق بجامعة الدول العربية والمسألة الفلسطينية. ويوزع خضر علاقة الجامعة بهذه المسألة التي استغرقت أحد عشر قراراً من القرارات السبعة عشر الصادرة عن الجامعة منذ تأسيسها. على ثلاث مراحل: مرحلة أولى تمتد بين سنتي 1948 و1967، وستشهد في بدايتها مواجهة بين الأردن من جهة ومصر والسعودية من جهة أخرى – مواجهة رهانها ضم الضفة إلى الأردن أو إنشاء دولة فلسطينية، ثم تنتهي إلى مواجهة سعودية – مصرية رهانها الاختيار بين نظام عربي ونظام إسلامي، ثم نشوء حركة المقاومة الفلسطينية.
أما المرحلة الثانية فتشمل الفترة الواقعة بين حربي 1967 و1973، والتي ستشهد بروز حركة المقاومة وسيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية، وتنتهي بنصف الانتصار الذي حققته حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.
أما المرحلة الثالثة التي لا تزال مستمرة، فهي مرحلة ما بعد حرب 1973، وستشهد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. لكنها ستشهد كذلك اتفاقات فك الارتباط، وزيارة السادات للقدس، واتفاق كامب ديفيد، وانقسام الدول العربية، وتردد منظمة التحرير بين الكتل المتنافسة، وتنتهي بالحرب العراقية – الإيرانية.
وحين يقوّم الكاتب دور الجامعة، فإنه يميز بين ما قامت الجامعة من أجله وبين ما يراد لها أن تكون. لكنه يلاحظ أن النظام العربي في الثمانينات بات تفوح منه رائحة النفط، في حين أن قمة عمان (سنة 1987) لم تهتم لا بفلسطين ولا بانتفاضة أهاليها؛ فالجامعة فقدت الطابع الثوري الذي كانت تملكه في الخمسينات والستينات.