Mansour, ed., The Palestinian People in the Occupied Territories and Israel: The Political and Social Background of the Intifada
Reviewed Book
Full text: 

الشعب الفلسطيني في الداخل: خلفيات الانتفاضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية

بإشراف: كميل منصور.

بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1990.-

 

منذ مطالع السبعينات، ومنذ ظهور كتاب صبري جريس، "العرب في إسرائيل" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1973)، ونحن نطالع المزيد من الدراسات والتعليقات فيي شأن تطورات الموضوع ذاته.

ونظراً إلى وفرة مصادر أبحاث كهذه، فإن الموضوع الديموغرافي الفلسطيني لا يزال مرشحاً لمزيد من البحث والتقصي.

يأتي كتاب "الشعب الفلسطيني في الداخل" في إطار توصيف الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك في مناطق 1948. ولا تنحصر حالة التوصيف هذه في إيضاح الشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فحسب، بل أنها تتعدى ذلك ‘لى استخلاص ما يترتب عليها، وما يتمخض عن بقائها ونموها.

ولعل أبرز ما يضفي على موضوع الكتاب من حيوية وأهمية خاصة، هو ما شهدته المناطق المحتلة من أحداث مهمة، كفك الارتباط الأردني بالضفة والانتفاضة، وإعلان دولة فلسطين في الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر 1988.

تناول مؤلفو الكتاب، كلٌّ من موقعه المعرفي – التخصصي وخبراته الميدانية، جانباً من جوانب الموضوع. وكان الكتاب قد صدر بالفرنسية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية سنة 1989، بعنوان: Les Palestiniens de L’intérieur، ثم ترجم إلى اللغة العربية. ونظراً إلى أن الكتاب من تأليف ثلاثة عشر كاتباً متخصصاً، فقد كان من الطبيعي أن يكون مُتعدد المنهج والأسلوب؛ إلاّ أن ناظماً واحداً تحكم في سيرورته، وهو تمكنه من معالجة خلفيات الانتفاضة بأبعادها الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولعل ما كتبه كميل منصور من مقدمة وخاتمة كفيل بوضع أبحاث الكتاب كافة في الإطار العلمي والتقني الذي هدفت المؤسسة إليه من وراء نشرها الكتاب.

في الفصل الأول، يتناول جورج قصيفي الرهان الديموغرافي في فلسطين، وذلك من خلال عرض خلفيات الموضوع، منذ الهجرة الأولى سنة 1948. ويتطرق البحث إلى إبراز الخصائص الديموغرافية لتطور عدد السكان العرب واليهود في مناطق 1948 والضفة الغربية وغزة، ليتوصل من خلال  الجداول الرقمية إلى فرضيات مستقبلية، أبرزها أن العرب في فلسطين سيصبحون "أغلبية.... في حدود سنة 2010، إذ سيشكلون نسبة 50,1% من إجمالي السكان" (ص 40)، وأن إسرائيل تحاول تجاوز التهديد الديموغرافي، "فالسياسة الصهيونية ترمي إلى طرد الأهالي العرب وإحلال مهاجرين محلهم، وتطويق من يبقى منهم" (ص 42). ويؤكد الباحث في نهاية الفصل: "إن تهجير العرب قسراً خارج فلسطين، وهجرة اليهود إليها، أمران يستحقان درساً متأنياً لفهم ديناميتهما الداخلية. وهذه كلها نقاط أساسية من أجل وضع سياسة إسكانية في فلسطين وهي السياسة التي لم يولها المسؤولون العرب الاهتمام الوافي" (ص 43).

ويقدم رجا شحاده، في الفصل الثاني، عرضاً وافياً لسياسة إسرائيل القانونية في الأراضي المحتلة، منذ حزيران/يونيو 1967 حتى اندلاع الانتفاضة، وانتهاكات إسرائيل للقوانين والأعراف الدولية، ومخاطر ذلك على الشعب الفلسطيني، وعلى مستقبل المنطقة عامة.

ويتطرق خالد عايد، في الفصل الثالث، إلى الشؤون المتعلقة بالمستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، من خلال توصيف استراتيجية الاستيطان ومشاريعه الرئيسية، ثم الاستيلاء على الأراضي وتغيير إطارها القانوني، وذلك عبر عرض أشكال ملكية الأراضي الفلسطينية، تاريخياً. ويعرض عايد تطور المستعمرات في عهدي المعراخ والليكود. ويستشرف، في نهاية الفصل، مستقبل الاستيطان وفقاً لما تقدم به من حقائق. ويرى المؤلف أن ثمة ثلاثة إمكانات في الأفق: الضم الكامل، والتهويد بالتدريج في ظل استمرار الاحتلال، وأخيراً الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة.

أما أنطوان منصور، فيتناول الأوضاع الاقتصادية في الأراضي المحتلة، من حيث الممارسات الإسرائيلية في المناطق المحتلة، وآلية السيطرة الاقتصادية حتى عشية الانتفاضة، ووسائل المقاومة الاقتصادية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية في إبان الانتفاضة. ويخلص البحث إلى أن "الانتفاضة الفلسطينية أحدثت وضعاً جديداً، تجاوزت به هدف أبعد هو الاستقلال اقتصادياً عن الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بالنضال ضد التكامل والدمج عبر مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية وإحلال نوى جديدة" (ص 126).

ويعالج محمد حلاج، في الفصل الخامس، مختلف مشكلات التربية والتعليم في الأراضي المحتلة، ودور الإجراءات والقوانين الإسرائيلية في التأثير سلباً في تطورهما ونموهما.

ويتطرق جمال نصار، في الفصل السادس، إلى وسائل التعبير السياسي الفلسطيني في الأراضي المحتلة، من خلال توصيف القوى السياسية في ظل الاحتلال وقوانين القمع وإجراءاته؛ الأمر الذي ساعد في ظهور (مناضلي القاعدة) وأبرزهم الطلبة واتحاداتهم، علاوة على نشاطات الجمعيات، وفي مقدمها الجمعيات النسائية.

أما عن الأوضاع الاجتماعية في قطاع غزة، فقد عرض زياد أبو عمر وفي الفصل السابع، التكوين الطبقي والاجتماعي وتطوراته في قطاع غزة خلال فترة الاحتلال العسكري. كما عرض الآثار الاجتماعية المختلفة التي نجمت عن هذا الاحتلال، وأشكال العلاقات الت تربط القطاع بالكيانات التي تحيط به، والاتجاهات الجديدة لهذه العلاقات. وتمتاز دراسة زياد أبو عمر بالشمول الدقيق والمفصل في آن واحد.

وفي السياق الاجتماعي عينه يتناول ابراهيم الدقاق، في الفصل الثامن، الأوضاع الاجتماعية في القدس العربية، وذلك بعد تناوله تميز القدس من سواها من مدن فلسطين تاريخياً. وتقوم دراسته على توصيف الحالة القانونية لوضع القدس، والتشكيل الاجتماعي فيها، والعلاقة الفلسطينية – الإسرائيلية، والتوزيع الطبقي الذي شهدته. وفي ضوء ذلك، تتعرض الدراسة لتطورات العائلة المقدسية في ظل الأوضاع المُستجدة، وتنتقل بعد ذلك إلى توصيف الحالة الديموغرافية عامة وما تعانيه القدس من مشكلات. وفي الختام، يؤكد الدقاق "أن مستقبل القدس مرتبط بمستقبل الأرض المحتلة، وأن أي فصل بين مستقبل أي جزء من أجزاء الأرض المحتلة هو فصل ذهني يتمرد الواقع عليه" (ص 241).

وفي الفصل التاسع يعرض سليم تماري الديناميات الاجتماعية وأيديولوجيات المقاومة في الضفة الغربية، من خلال الجدال الدائر هناك بشأن استراتيجية البقاء: الصمود أو التعبئة الشعبية؟ كما يعرض أبعاد تلك الاستراتيجية ومحاذيرها.

وعن الواقع الفلسطيني في إسرائيل، يتناول إيليا زريق، في الفصل العاشر من الكتاب، الأبعاد الثقافية والقانونية المتحكمة في هذا الواقع. فيتناول، أولاً، تمايز العرب داخل إسرائيل وعوامل عدم اندماجهم في المجتمع، وأبرزها مشاعر الاستلاب وتباعد الثقافات وتفاوت المعيشة. ويتناول البحث بعد ذلك تعامل إسرائيل القانوني مع الأقلية العربية، واستخدام القانون وسيلة للرقابة والتحكم. وتعرض الدراسة القوانين المعمول بها، وأبرزها أنظمة الطوارىء التي لا يزال معمولاً بها حتى يومنا هذا، والتي تهدف – فيما تهدف – إلى الحفاظ على يهودية الدولة وتحقيق التمايز المؤسسي اليهودي فيها.

وفي السياق ذاته يتناول عزيز حيدر، في الفصل الحادي عشر، التعبير السياسي الفلسطينية في إسرائيل، وذلك من خلال تحليل وتوصيف أشكال التعبير السياسي في إسرائيل خلال أربعين عاماً خلت. ويُقسِّم عزيز دراسته إلى ثلاثة مراحل أساسية: المرحلة الأولة، 1948 – 1967، التي يوجز الباحث فيها السياسة الإسرائيلية تجاه العرب، والعمل السياسي الذي بدأت خطوطه بالتبلور في الأوساط العربية، وأبرز رموزه: الجبهة الشعبية، حركة الأرض، دور العرب في الحزب الشيوعي ودورهم في الأحزاب الصهيونية أيضاً. وفي المرحلة الثانية، 1967 – 1976، اختلفت أشكال التعبير السياسي، واتخذت خلالها سياسة السلطة والأحزاب الصهيونية تجاه العرب وسائل أخرى. أما المرحلة الثالثة والأخيرة، 1977 – 1987، فيتعرض الباحث خلالها لعوامل التغيير الاجتماعية، وبروز تيارات سياسية أكثر جدية في مواجهة سلطات الاحتلال، سواء على صعيد اللجان القطرية لرؤساء المجالس المحلية، وبروز ظاهرة مهمة أخرى تتمثل في القائمة التقدمية للسلام وحركة أبناء البلد ثم الحركة الإسلامية. وتتوصل الدراسة إلى استنتاج أساسي هو "أن العرب في إسرائيل حاولوا استغلال كل فرصة أُتيحت لهم وكل ثغرة وجدوها في السياسة الإسرائيلية، لتحسين أوضاعهم. وكان مجمل التغيير الذي أحدثوه، بمجهودك، ومن خلال تجاربهم الطويلة والمريرة، وبتأثير من عوامل خارجية وداخلية، كافياً لنقلهم من مرحلة الدفاع عن النفس والصراع من أجل البقاء إلى مرحلة المبادرة ومواصلة الارتقاء بمكانتهم في الدولة. لكن هذه التطورات ما زالت بعيدة جداً عن هدف التأثير في توازن القوى بين الأكثرية والأقلية، بما يمكن أن يشكل خطراً على طابع الدولة وصيغتها" (ص 353).

وفي الجانب الاقتصادي يتناول رجا الخالدي، في الفصل الثاني عشر والأخير، الموضوعات المتعلقة بالتبلور الاقتصادي العربي في إسرائيل من حيث أصول الاقتصاد العربي في إسرائيل وتطور سياسة الدولة الإسرائيلية إزاء الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات 1948 – 1988، ثم التوجهات الجديدة للتنمية الاقتصادية العربية، وأخيراً آفاق تنمية الاقتصاد العربي في إسرائيل.

وفي الختام، وفي ضوء الدراسات التي تضمنها الكتاب، يستشرف كميل منصور آفاق المستقبل العربي الفلسطيني، وتكاسل "الداخل" و"الخارج" الفلسطينيين، ودورهما في جعل الاستراتيجية الإسرائيلية تواجه طريقاً مسدوداً في وقت مبكر.

باختصار، يمكن القول إن ما قامت مؤسسة الدراسات الفلسطينية به من جهد في سبيل إنجاز كتاب خاص بخلفيات الانتفاضة، كان له دلالات عديدة، في المقدم منها الإشارة؛ الأمر الذي تفتقر الأبحاث العربية عامة إليه. ذلك بأن معاهد البحث ودور النشر درجت على تناول المؤلف – الباحث للموضوع، مهما يبلغ عمقه واتساعه. إلا إنه، في المقابل يمكن القول إن مستوى التنسيق فيما بين أفراد مجموعة البحث المشاركة هو أمر في غاية الأهمية، وله يعود الدول الأساسي في الوصول إلى نتائج أفضل، الأمر الذي افتقر الكتاب إليه؛ إذ اقتصار التنسيق ما بين الباحثين على مستوى الاتصال بين الباحث والمشرف، من دون أن يتعداه إلى ما هو أرفع مستوى من ذلك. وعلى افتراض أن التنسيق بين المشرف والباحثين كان على مستوى عقد ندوة خاصة تتناول المنهج والموضوعات وحدودها، لكانت النتائج أفضل بالتأكيد.