Lustick, For the Land and the Lord: Jewish Fundamentalism in Israel
Full text: 

من أجل الأرض والرب: الأصولية اليهودية في إسرائيل*

For the Land and the Lord: Jewish Fundamentalism in Israel

By Ian S. Lustick. New York: Council on Foreign Relations, 1988.

 

 لا يقلل عدم اقتناع بعض القراء بتعريف مؤلف الكتاب إيان لوسْتٍك للأصولية اليهودية في إسرائيل من شأن هذه الدراسة. فأهميتها لا تعتمد، في الدرجة الأولى، على قدرة المؤلف على تصنيف الحركات والأيديولوجيات والشخصيات التي يقدمها تصنيفاً واضحاً، وإنما تعتمد على قدرته على وصفها وصفاً دقيقاً، وتبيان مدى تأثيرها في المجتمع الإسرائيلي. وإذا كان من تعريف أدق للظاهرة الموصوفة، أو من عنوان أفضل للكتاب، فهو "الأصولية اليهودية القومية"، أو "القومية الأصولية".

يركز الكتاب على حركة غوش إيمونيم، وهي حركة المستوطنين المقاومين اليهود التي انبثقت من الحزب الديني القومي، المعروف بتوجهه التقليدي في أوائل السبعينات لتصبح في الثمانينات ربما أقوى لوبي في إسرائيل، وخصوصاً أن نفوذها تجاوز كثيراً الخمسين ألفاً أو الستين ألف مستوطن في الضفة الغربية، المنتمين إلى إحدة المستعمرات أو المنظمات المحيطة. فمنذ تأسيس الحركة رسمياً سنة 1974 تغلغل برنامج عملها وأيديولوجيتها داخل أكثر من ستة أحزاب سياسية إسرائيلية. كما أن نفوذها واضح فيما لا يقل عن خمسة أحزاب فازت بنصف مقاعد الكنيست تقريباً في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 (وهي: الليكود، والحزب الديني القومي، وتحيا، وتسومت، وموليدت). ويزيد المؤلف على ذلك أن هناك، حتى داخل حزب العمل، بعض الأعضاء – ولو أنهم أقلية – يتعاطفون مع أيديولوجية المستوطنين.

ومع أن أغلبية أعضاء حركة غوش إيمونيم ورؤساءها "القديسين" أو بطاركتها، هم من الأرثوذكس (ومن هنا استعمال تعبير "الأصولية اليهودية")، فإن مؤيديها هم في معظمهم من خارج هذا التقليد، وليسوا حتى متدينين. ومن السخرية بمكان أن "بعض أهم الأيديولوجيين الأصوليين، والمنظرين والسياسيين" (ص 99) في الحركة هم من العلمانيين المغالين في القومية. وبحسب المؤلف، فإن هؤلاء يعدون "لا أكثر من 20 في المائة من الفاعلين في الحركة" (ص 98 – 99). ومن هذا المنطلق، فإن من غير الضروري أن يكون متبنّي نظريات الحركة يهودياً أصولياً بالمعنى التقليدي للكلمة.

ويرد الكاتب في الفصلين الأولين من الكتاب جذور الأصولية اليهودية إلى أيام الطائفة اليهودية في فلسطين خلال الحقبة الرومانية، وصولاً إلى صعود الصهيونية الحديثة. وينتقل بعدها إلى التحقيق في معتقدات زعماء الحركة التقليديين، وفي مقدمهم الحاخام أبراهام يتسحاق كوك، وولده الحاخام تسفي يهودا كوك، وهما المؤسسان ذوا مواصفات الشخصية الطاغية (الكاريزمية)، للقومية الأرثوذكسية الإسرائيلية اليوم. وقد وضعا معاً القاعدة النظرية للحركة وإطارها الأيديولوجي. وهما أيضاً وراء توسيع مفاهيم القومية الإقليمية، إلى حد تمكين النشيطين العلمانيين والتقليديين في الحركة من العمل داخلها جنباً إلى جنب.

ويبحث الفصل الثالث من الكتاب في تطور أيديولوجية الحركة وتنظيمها منذ حرب سنة 1967 حتى أوائل الثمانينات، ويبين كيف أعطى احتلال إسرائيل للضفة الغربية دفعاً قوياً للبروز السياسي لما يسميه لوسْتِك الأصولية اليهودية – أي حركة غوش إيمونيم التي تمثل أقوى مظاهر هذه الأصولية في إسرائيل المعاصرة. فمنذ أن وضعت إسرائيل يدها على "يهودا والسامرة"، اللتين يعتبرهما اليهود الإقليميون قلب أرض إسرائيل، لم تعد مسألة توحيد أرض إسرائيل مسألة نظرية فحسب. فقد أصبح "الانتصار الأكبر" بضم هذه الأرض التاريخية دليلاً على "شفاعة الله لشعبه"، ووصيته له بالاستيلاء على الأرض والحفاظ عليها.

ويناقش الفصل الرابع بإسهاب المعتقدات الرئيسية السبعة التي يؤكد المؤلف أنها أساس الفكر اليهودي الأصولي، وهي: (1) ان الشعب اليهودي شعب "فوق العادة"، وفريد من حيث "اختياره" – كون الله اختاره لنشر كلمته بين الشعوب؛ (2) ان معارضة العرب تمثل مقاومة لـ"معركة إسرائيل الأزلية من أجل التغلب على قوى الشر" (ص 76). لكن الانتصار على العرب، كممثلين لهؤلاء الذين يقاومون كلمة الله، سيتم في النهاية كما كان الحال مع "الكنعانيين" أو "الإسماعيليين" في العصور القديمة؛ (3) ان عزلة إسرائيل الدولية دليل على كونها مختارة. "فإسرائيل باجتذابها الاعتداء والاضطهاد تواصل فحسب دور اليهودي في تاريخ العالم – ألا وهو دور 'المقياس الذي يسجل حالة الخلقية للشعوب'" (ص 79)؛ (4) ان"مدى عداء غير اليهود وخداعهم" (ص 81) لإسرائيل واليهود ينفي أي إمكان لتحقيق سلام توافقي. ولا يبقى من بدائل سوى: إما سلام موقت وإما "سلام حقيقي" يحل بمجيء المسيح ورسو حكم شعب إسرائيل الموحد من جديد على كامل الأرض؛ (5) إن قيام حكم اليهود على أرض إسرائيل مسألة أساسية جداً، فمن دونه لن تتحقق إرادة الله، وبالتالي فإن مفهوم مبادلة "الأرض بالسلام" ليس مسألة غير معقولة فحسب، بل هو أيضاً تدنيس للمقدسات؛ (6) ليس التاريخ الحديث بكل ظواهره، وقيام إسرائيل، وانتصاراتها في ست حروب، وحتى المجزرة النازية، سوى تجل لعملية الخلاص التي  ستؤدي بدورها إلى عودة المسيح وتحقيق ذات إسرائيل؛ (7) إن اليهود هم مساعدو الله المختارون في "العملية التي ستنتهي بالخلاص الكامل وقيام مملكة المسيح" (ص 88)، وبالتالي فإن إيمانهم وتفانيهم مسألتان حاسمتان.

ويبيّن المؤلف في الفصل الخامس من كتابه أنه على الرغم من الأيديولوجية القومية وطريقة الإيمان الذي يوجد بين الأصوليين العلمانيين والمتدينين معاً، فإن هؤلاء الأصوليين لا يشكلون مجموعة متراصة متجانسة. وقد سبق أن أُشير إلى الاختلافات بين العلمانيين والمتدينين. والأهم من ذلك هو الأيديولوجيات والتكتيكات المختلفة في غوش إيمونيم، فهناك من يؤيد استعمال الإرهاب ضد العرب، وهناك من يعارضه؛ كما أن هناك وجهات نظر متباينة بشأن خلقية الحرب  ولزومها، وبشأن دور إسرائيل في عملية الخلاص. أما التطلعات الإقليمية لدى أعضاء الحركة، فتتراوح بين وحدة إسرائيل ضمن حدود فلسطين أيام الانتداب البريطاني وبين حدود إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات. والجدير بالذكر أن أغلبية دعاة الاحتفاظ بالأرض عارضت بشدة إعادة سيناء إلى مصر، وقد تظاهر كثيرون بقوة وعنف ضد التخلي عن مستعمرة يميت عملاً ببنود معاهدة السلام سنة 1979.

وثمة خلافات تكتية تفصل بين "الطليعيين" أو "الناطقين بالحقيقة" وبين "سعاة الإجماع". فالأولون يصرون على أن دورهم هو المجازفة في أمور هي إما مرفوضة من أغلبية اليهود الإسرائيليين وإما أنها تعتبر محفوفة بالمخاطر، مثل تهجير المسلمين من الحرم الشريف للشروع في بناء الهيكل الثالث في القدس. أما "سعاة الإجماع" فهم، على الرغم من تشبثهم بقوميتهم، يعلقون أهمية أكبر على عملية كسب أوسع الجماهير، ولذا فإنهم مستعدون للسعي لأهدافهم بالتدريج، مؤمنين بأن عليهم – لتحقيق هذه الأهداف – التحرك ضمن إطار الإجماع الوطني، وبذل جهدهم ليتأقلموا في إطار تكتلات كتكتّل الليكود.

وبينما تنظر أغلبية الأصوليين إلى العالم غير اليهودي نظرة ريب وشك، يختلف أعضاؤها حيال مسألة العلاقات بـ"الأغيار". وإذا أردنا أن نحدد خصائص مواقفهم من العرب لوجدنا أن بعضهم يود اقتلاع العرب كلهم تقريباً من أرض إسرائيل وطردهم كما فعل الإسرائيليون القدامى عندما طردوا العماليق. في حين أن البعض الآخر مستعد لقبول "العرب الصالحين" الذين يعرفون حدودهم كأقلية ضمن الدولة اليهودية، فيقفون عندها. إن أحداً منهم لا يسلم بمبدأ المساواة في الحقوق لغير اليهود داخل إسرائيل. إن وجهات النظر المختلفة هذه تؤدي إلى مشاريع أو مقترحات متنوعة ذات صلة بفرص السلام. فمنهم من يعتقد أن حالة الحرب ستستمر حتى يعاد بناء الهيكل وقدوم المسيح، بينما يتصور كثيرون حرب مائة عام لإلحاق هزيمة مطلقة بالعرب. ويتصور آخرون خططاً شتى لتقسيم الشرق الأوسط إلى وحدات سياسية، تسيطر إسرائيل على إحداها.

ولا يخفي المؤلف تشاؤمه حيال نتائج الحالة الأصولية داخل إسرائيل ووقعها على الصراع العربي – الإسرائيلي. فنصف الشعب الإسرائيلي مصاب حالياً بجرثومة الأيديولوجية الأصولية، وإنْ كان لا يعتبر نفسه من الأرثوذكس أو من المتدينين تماماً. وفي مستقبل ليس ببعيد يمكن لهؤلاء الذين ينتمون إلى الجماعات الأصولية النشيطة التي تسعى للاستيلاء على جبل الهيكل [الحرم الشريف] أن يشعلوا حريقاً إقليمياً رئيسياً هائلاً. لذا، يجب أن يحوز مسار التطورات داخل صفوف الأصوليين ونفوذهم النامي، على أكثر من مجرد اهتمام عابر من قبل صانعي السياسة المهتمين بالاستقرار في الشرق الأوسط. فهذه الظاهرة أهم كثيراً من بعض الأشكال الدون كيشوتية أو الغريبة للمؤمنين بالعصر الألفي السعيد (الذي سيملك المسيح فيه على الأرض). فهي، كما يقول المؤلف، "العقبة الأكبر أمام المفاوضات الجدية من أجل تسوية سلمية شاملة للصراع العربي – الإسرائيلي" (ص 3).

ومما يزيد في قيمة الدراسة أنها استخدمت استخداماً واسعاً مراجع عبرية أساسية، ومنها كتابات الفاعلين الأساسيين ضمن الحركة، ومنشوراتها، وخصوصاً دوريتها الشهرية "نيكوداه".

 

*   سيصدر هذا الكتاب بالعربية قريباً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت.