يرتب شاليف، كغيره من المؤلفين الإسرائيليين، الوقائع التاريخية والجغرافية بالطريقة التي تخدم الأهداف الإسرائيلية لإعطاء الانطباع المزيف بأن الجولان، كالضفة الغربية، هي منطقة ذات حيوية استراتيجية لأمن إسرائيل من الناحية العسكرية. ومن جهة احتوائهما على مصادر المياه، بغض النظر عن عدم وجود ادعاءات دينية في الجولان كما في الضفة، إذ إن المؤلف كان يوماً الحاكم العسكري للضفة الغربية وترأس وفد إسرائيل إلى لجنة الهدنة المشتركة مع سورية في الخمسينات، لذا فهو يدلي بدلوه في اقتراح التدابير الأمنية المطلوبة في حال انسحاب إسرائيل من معظم الجولان، وبالتالي من الجنوب اللبناني، انطلاقاً من تصنيف نفسه أنه من دعاة مبدأ "الأرض في مقابل السلام"، لكن مع تحديده لهذه الأرض بحيث لا تعني الانسحاب الكامل إلى حدود سنة 1967 كما تصر سورية. من الواضح، أن الكتاب أُعد قبل، أو أن لمؤلف لم يكن يعلم بعرض رابين الانسحاب إلى هذه الحدود في مقابل قبول سورية التطبيع سنة 1994.
في البداية، يسهب المؤلف في شرح الجهود الصهيونية في رسم حدود فلسطين طبقاً لخريطة مؤتمر فرساي سنة 1919، المقدمة من الحركة الصهيونيةوالتي تشمل: الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني؛ الجولان ووادي الأردن حتى خط الحجاز الحديدي، امتداداً من مشارف درعا وعمان شمالاً وشرقاً إلى معان حتى خليج العقبة جنوباً. ويعلل ذلك بالحاجة إلى الأرض وإلى مصادر المياه لاستيعاب ما يقارب 13 مليون يهودي في ذاك الوقت. فهو يلوم المناورات والضغوط الفرنسية والبريطانية في استحداث المشكلة الراهنة الناجمة عن رسم الحدود الدولية بين فلسطين من جهة، ولبنان وسورية والأردن من جهة أُخرى، لأنها لا تتفق مع الوقائع الجغرافية والطوبوغرافية الضرورية لضمان أمن إسرائيل الاستراتيجي، من حيث العمق وما يخص مصادر المياه. فموقفه التوسعي واضح منذ بداية الكتاب وصولاً إلى الحلول التي يطرحها لمعالجة، كما يدعي، مشكلة الحفاظ على أمن إسرائيل في حال الانسحاب. ومع هذا، لا يخلو الكتاب من اعتراف بالذنب، كقوله خلال استعراضه تطبيق اتفاق الهدنة سنة 1949، في بداية الخمسينات، إن إسرائيل كانت مسؤولة عن معظم حوادث الاشتباكات مع سورية لأنها أرادت ضم المناطق المجردة من السلاح، الواقعة خارج الحدود الدولية والتي انسحبت منها القوات السورية، لتنفيذ مشاريع المياه من تجفيف الحولة وتحويل مصادر مياه الأردن لمد الأنابيب إلى جنوب إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك فإن المؤلف يعترف بأنه في محاولة لعقد سلام مع سورية، أقرت إسرائيل ضمناً بخط 1967 كحدود دائمة في مفاوضات جرت خلال 1952 - 1953 عبر لجنة الهدنة. كما يذكر أيضاً أن الاقتراح الإسرائيلي عقد اتفاقات صلح عقب عدوان سنة 1967 لم يعتبر إجراء تعديل في الحدود مع سورية ضرورة استراتيجية. إلا إنه في سنة 1970، كلفت غولدامئير يغآل ألون، سراً، إعداد مشروع للحدود النهائية، في مقابل مشروع روجرز، يثبت فيه أن الاحتفاظ بالجولان "ضرورة أمنية". بالإضافة إلى هذا يقر شاليف أن الرأي القانوني السائد هو عدم شرعية تطبيق القانون الإسرائيلي في الجولان من وجهة نظر القانون الدولي.
ويعرض المؤلف العقبات والمشكلات في المفاوضات بين سورية وإسرائيل المتعلقة بالجولان وبمضمون السلام وبالتطبيع الذي تصر عليه تل أبيب. وهو لا يعترض على إزالة المستعمرات في حال التوصل إلى اتفاق مرضٍ للمطالب الإسرائيليةمن الناحية الأمنية وقبول سورية السلام الشامل. إلا إنه خلال معالجته هذه الناحية، يقع في تناقضات بشأن قبول سورية هذا السلام في غياب تسوية نهائية للمشكلة الفلسطينية، أو أن اتفاق أوسلو يكفي لوجود استعداد سوري لمثل هذا السلام. وطبقاً لتوجهه الصهيوني، فمن شروط هذا السلام قيام سورية بتوطين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين بها كحل لأحد جوانب المشكلة!
وفي تناوله للنواحي الأمنية المتعلقة بالجولان والمزاعم التي يطلقها بشأن وجود تهديد سوري لأمن إسرائيل، فهو، كغيره من الإسرائيليين، يتغافل عن أن سورية قبلت القرار 242، وبالتالي قبلت الواقع الإسرائيلي، وهو ما ينفي نيتها غزو إسرائيل الواقعة داخل حدود سنة 1967. فالمشكلة هي احتلال الجولان وتهديد الأمن السوري وليس العكس، فضلاً عن أن التوازن العسكري بين الطرفين لا يسمح الآن وفي الأمدين القصير والمتوسط بتحدي الردع الإسرائيلي داخل هذه الحدود. وكالعادة يطلق شاليف عنانه لسيناريوهات التهديدات المحتملة كحرب تشنها سورية منفردة أو بالتعاون مع العراق والأردن، ليصل إلى تبرير تعديل الحدود وطبيعة التدابير الأمنية التي يقترحها والتي تهدف إلى الحفاظ على وجود عسكري إسرائيلي في الجولان خلال مراحل الانسحاب وبعد انتهائه، لردع سورية عن القيام بهجوم وتوفير الإنذار المبكر في حال حدوث هذا. وفي الفصل الختامي، يقدم المؤلف اقتراحاته والشروط المطلوبة في اتفاق سلام مع سورية، والتي تدل على جهله بالثوابت السورية واختلاف طبيعة التفاوض معها عما جرى مع مصر والأردن. فهو يعتقد، كغيره من الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين، خطأً، أن النموذج المصري يعتبر مثالاً لسورية من حيث الحدود وطبيعة السلام على الرغم من اختلاف الشروط السياسية والاستراتيجيا. لكن، خلافاً لما جرى مع مصر، التي طالبت فقط بالحدود الدولية، فهو يصر هنا على تعديل الحدود الدولية للاحتفاظ بشريط في الجولان لضمان وصول القوات الإسرائيليةإليها في حال شنت سورية هجوماً، ولحماية مجرى مياه نهر بانياس أحد روافد نهر الأردن. كما يطالب بأن تصبح الجولان منطقة منزوعة السلاح، لا بل امتداداً حتى حدود مدينة دمشق، وكلما اتسعت هذه المنطقة يمكن خفض الوجود العسكري الإسرائيلي بحسب زعمه. وهو يقسم اقتراحه إلى أربع مراحل غير محددة التوقيت وإنما يعتمد تنفيذ كل مرحلة على تنفيذ سابقتها. المرحلة الأولى، إنهاء حالة الحرب والمقاطعة الاقتصادية وإنهاء الحملات الإعلامية ضد إسرائيل، ومن المرغوب فيه الشروع في العلاقات الدبلوماسية، كما حدث مع مصر، بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الانسحاب. وفي المقابل، انسحاب إسرائيلي جزئي لا يتجاوز بضع مئات من الأمتار. في المرحلة الثانية، تبدأ سورية توطين اللاجئين الفلسطينيين. ويلي هذا المرحلة إقامة العلاقات الدبلوماسية، كما يجري تغيير الكتب المدرسية المعادية لإسرائيل وفتح الحدود. وفي حال التقدم في هذه المرحلة، تنسحب القوات الإسرائيليةإلى خط التلال الغربية وتُستبدل بفرقة عسكرية أميركية مع متابعة توطين اللاجئين في البلاد العربية الأُخرى أيضاً. وفي المرحلة الثالثة، تقام العلاقات التجارية والاقتصادية والسياحية والاتفاق على نظام لاستغلال المياه بصورة مشتركة. وأهم أمر هو تخفيض عدد قوات الجيش السوري إلى النصف وتمركز القوات المتبقية بعيداً عن الجولان. ثم عقد اتفاق لتحديد التسلح. وفي حال تنفيذ ذلك تحل القوات الأميركية محل القوات الإسرائيليةفي الخط الثاني وتنسحب الأخيرة إلى الخط "الأرجواني" كما يسميه. وهنا يضيف شاليف شرطاً هو توطين ثلاثة أرباع اللاجئين في البلاد العربية. أمّا المرحلة الرابعة والأخيرة فهي حالة السلام الشامل على الطريقة الأوروبية كما يدعي، لا بل يطالب بالتعاون الاستراتيجي بين سورية وإسرائيل والدول العربية الأُخرى والتوطين الكامل للاجئين وإجراء تغيير في النظم السياسية لهذه الدول. في مقابل كل هذه الشروط يعرض المؤلف الانسحاب إلى خط يبعد ثلاثة أو أربعة كيلومترات إلى الشرق من الحدود الدولية وإزالة المستعمرات مع بقاء محطات الإنذار المبكر إلى جانب التدابير الأمنية الأُخرى. بكلمة مختصرة، إن دل هذا الكتاب على شيء، فهو يدل على عنجهية إسرائيل وجعل حماية كيانها وتوسعها محور النزاع العربي - الإسرائيلي. كما أن ما يقترحه المؤلف يقترب من أحلام اليقظة، ولا يمت بصلة إلى واقع العلاقة الاستراتيجية بين سورية وإسرائيل وشروط السلام التي تقبل سورية بها، بل هو دعوة إلى استمرار النزاع.