Cubert, The PFLP's Changing Role in the Middle East
Full text: 

 

 إن هذه الدراسة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين الذين اكتسبوا شهرة باختطاف الطائرات الغربية بين سنة 1968 وسنة 1972، كانت ولا تزال، للأسف، أطروحة دكتوراه. إنها مكتوبة بوضوح، وجلية في منطقها، ومتصفة بالإنصاف، إلا إنها تتضمن، على الرغم من ذلك، عيوباً مهمة بحيث كان يجب أن تنقح تنقيحاً جذرياً قبل أن تُنشر في كتاب. ولعل مستشاري الناشر ليسوا أكثر خبرة بالموضوع من اللجنة الفاحصة للأطروحة الأصلية. لذلك، كما يكون الكتاب تكون المراجعة؛ فالكتاب الذي يبقى أطروحة يتطلب مراجعة هي، في الواقع، "تقرير لجنة فاحصة".

إن هذا أمر مؤسف، لأن حجة كيوبرت الأساسية سليمة. إذ إن العقلية السياسية للجبهة الشعبية تغيرت قليلاً في العقود الثلاثة منذ إنشائها، أو في الواقع خلال العقود الخمسة منذ أن توجّه جورج حبش وزملاؤه الرئيسيون في البداية إلى القومية كأيديولوجيا، وإلى العنف كوسيلة لها. وكان المؤلف على حق في استنتاجه أن عجز الجبهة الشعبية عن التطور استجابة للتغيرات في محيطها المحلي والإقليمي والدولي، هو السبب الرئيسي لإخفاقها في النهاية كمنظمة سياسية. وقد ظهر ذلك بصورة جليّة قياساً ببراغماتية فتح بزعامة ياسر عرفات، والتي سيطرت على منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) منذ سنة 1969، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينيةمنذ سنة 1994.

إلى جانب ذلك، هنالك الكثير من نقاط الضعف الخطرة التي تجعل هذه الدراسة عن الجبهة الشعبية غير مرضية، أولاً: إنها لا تركز، فعلاً، تركيزاً وافياً على الجبهة. فمن أصل 12 فصلاً (إلى جانب المقدمة والخاتمة)، هنالك أربعة فصول لعرض خلفية تاريخ المنطقة والقومية العربية والحركة الوطنية الفلسطينية؛ المادة ذات صلة بالموضوع، وبليغة كأن المسرح أُعد، فيما يبدو، لتحليل الجبهة الشعبية. لكن هذه الموضوعات الاستهلالية لم يتم في الواقع تطويرها في بقية الكتاب. كما تقدم ستة فصول أُخرى عرضاً تاريخياً سياسياً موجزاً للحركة الوطنية الفلسطينية، ليس فيه عن الجبهة الشعبية غير ملخصات عن ردات فعلها العلنية تجاه دبلوماسية م.ت.ف. وسياستها الداخلية. والغريب أن المؤلف لا يفكر في تعريف الهيئتين الرئيسيتين اللتين من خلالهما كانت الجبهة الشعبية توجه اتصالاتها الرسمية بـ م.ت.ف. - المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية - قبل الفصل الثاني عشر. إن أغلبية الفصول قصيرة إلى درجة مزعجة؛ وقد كان في الإمكان دمجها في نصف هذا العدد؛ ثم إن هنالك عدداً غير قليل من الأقسام لا يتجاوز واحدها الفقرة أو الفقرتين طولاً، وهو ما يضعف الانسياب المتعلق بالموضوع؛ وهذا حتماً يقود القارئ إلى الاعتقاد أن ليس لدى المؤلف شيء كثير يضيفه إلى المصادر الثانوية التي اطلع عليها.

إن مشكلات المحتوى واضحة، بصورة خاصة، في الفصلين الفريدين اللذين يركزان على الجبهة الشعبية فقط. يتناول الأول البنى والإجراءات التنظيمية، وهو مبني كلياً تقريباً على وثيقة وحيدة، هي الأنظمة الأساسية الداخلية كما عدّلت سنة 1981. إن الموجز سليم من الناحية التقنية - على الرغم من ترجمة العضو العامل بـ "العضو الموظف" (employee member) بدلاً من العضو الناشط (active member) (ص 119) - لكنه ضعيف العلاقة بالممارسات الداخلية الفعلية طوال قسم كبير من هذه الفترة. إذ ليس هناك تلميح إلى التوترات السياسية والإقليمية أو بين الأجيال المتعددة، التي تسبّبت بالانقسامات الرئيسية في السنوات 1968 و1969 و1972، وأدت إلى إعادة هيكلة التنظيم مراراً وما زالت تلازم الجبهة الشعبية حتى الوقت الحاضر. كذلك لا توجد إشارة إلى الصلة بين قيادة الجبهة وتنظيمها في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ولا إلى بيروقراطية القاعدة العسكرية والمدنية في المنفى، على الرغم من أن هاتين المجموعتين من العوامل تذهبان بعيداً في تفسير طول أمد قيادة حبش وتسلط "المركزية الديمقراطية" للجبهة، ومقاومة الاعتدال السياسي.

تظهر نواقص مماثلة في الفصل الذي يتناول أيديولوجيا الجبهة الشعبية. إن كيوبرت مصيب في ملاحظته أن جذور أيديولوجيا الجبهة تكمن في القومية العربية ثم تتحول بالتالي إلى الماركسية - اللينينية، غير أنه يعجز عن تفسير هذا التحول وعن تفسير التوترات الداخلية الدائمة التي نجمت عنه. كما أنه يغفل تقلبات أيديولوجية أُخرى مماثلة من حيث الأهمية. إن الجبهة الشعبية، كما تظهر في هذا النص، مقيدة بشدة بالنضال الطبقي في اتجاهه الماوي؛ وتضم بضع صفحات موجز العقيدة الماوية. على أن الماوية لم تكن غير مرحلة من عدة مراحل: فقبلها كان التقيد بـ "الاشتراكية العربية" التي قال بها الرئيس المصري جمال عبد الناصر؛ وخلال سنة 1981، حدث الارتداد والتحول إلى الشيوعية، السوفياتية النمط، عَقَبَها التخلي عن اللينينية سنة 1993. بالإضافة إلى ذلك يرتكب المؤلف خطأً فظيعاً، بصورة خاصة، حين يوحي بأن مؤسسي الجبهة الشعبية تحولوا إلى الماركسية في الخمسينات، وهي الفترة التي كان فيها عداؤهم للشيوعية قاسياً وقوياً بقدر عدائهم للصهيونيةوللاستعمار.

إن سطحية النص تفسَّر، إلى حد كبير، بطبيعة المصادر المذكورة. ومما يحسب للمؤلف أنه فعلاً استخدم مادة عربية مخالفاً، إلى حد كبير، أغلبية الذين نصّبوا أنفسهم خبراء بموضوعي الإرهاب والتمرد، ممن لا يبدو أنهم يجدون معرفة اللغة الملائمة أو استخدام المصادر الأولية ضروريين بصورة خاصة. إلا إن كيوبرت، للأسف، ينهج نهجهم في نواح أُخرى. وفوراً، يصبح الكتاب موضع ريبة إذا ما ذكر المؤلف في قائمة المصادر والمراجع كل مقال صحافي أو تقرير من وكالة، أو نبأ إذاعي (كي لا نذكر المواد المنفردة الخاصة في الموسوعة الواحدة)، ورد في الهوامش، أو تم الرجوع إليه، وهو ما أدى، في هذه الحالة، إلى تغطية 18 صفحة من مجموع 30 صفحة.

والأكثر دلالة هو أن المصادر الأولية أُدرجت في صفحتين ونصف صفحة فقط، وليس بينها غير خمسة بنود فقط هي منشورات عقائدية أو سياسية رسمية للجبهة الشعبية. وللإنصاف نقول إن كيوبرت يعتمد، إلى درجة كبيرة، على مجلة "الهدف" الأسبوعية للجبهة، إلا إنه يشوّه ذلك، من ناحية، بأن يذكر كل مقال ويقدم عينة انتقائية من البلاغات العسكرية للجبهة الشعبية (بالكاد تشكل مصدراً رئيسياً)، ويهمل كلياً من ناحية أُخرى، أية إشارة إلى "الحرية"، وهي المجلة الأسبوعية للجبهة الشعبية حتى سنة 1969، ولا يشير إلى أية نشرة (باستثناء واحدة فقط) من منشورات حركة القوميين العرب (التي تأسست سنة 1951) ومنها تطورت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1967. إن كيوبرت في وضع مشكوك فيه حتى بالنسبة إلى المصادر الثانوية. فهو يستخدم المؤلفات الكلاسيكية التي وضعها الكبيسي وقزّيها بشأن حركة القوميين العرب، لكنه يتجاهل الدراسات المشهورة التي وضعها أمنون كوهين وآفيبلاسكوف، وزياد أبو عمرو، في وقت لاحق، بالإضافة إلى المقالات العلمية التي تظهر في منشورات يتضح مستواها الأكاديمي فوراً مثل Middle East Journal وJournal of Palestine Studies، حتى إنهما غير مدرجتين بين مصادره. كما ليس هناك أي ذكر، في كتاب يتناول الفكر السياسي الفلسطيني والقومية واليسار، للدراسات التفصيلية، باللغة العربية، لهذه الموضوعات لمؤلفين أمثال فيصل حوراني وماهر الشريف وناجي علوش وعبد الوهاب الكيالي. ومما يثير الحيرة في هذا الإطار عدم ذكر العنصر الأساسي الذي يتناول دراسات م.ت.ف.، أي مجلة "شؤون فلسطينية" الشهرية.

يُفترض أن كيوبرت شعر بأن النقص في المصادر الأولية يقف عقبة فيما يتعلق بالتحليل، لأن الجبهة الشعبية لم تتغير إلى درجة مهمة، بأية ناحية، خلال الأعوام الثلاثين الماضية. على أن هذه النظرة التي لها ما يبرّرها من جهة، تخفي العجز عن كشف نهجين وثيقي الصلة بالبحث: 1) التوترات الأيديولوجية والانتفاضات التنظيمية وعدم الاستقرار في القيادة التي تسبب بها عدم التغير السياسي؛ 2) البنى والأجهزة الداخلية التي بفضلها حافظ حبش ورفاقه على قيادتهم في وجه الإخفاق السياسي والعسكري، وانهيار المرجعية المعيارية (في البداية قومية عربية ناصرية، ثم عداء للإمبريالية بقيادة سوفياتية)، والتوتر المستمر بين الغطاء الماركسي والجوهر القومي. والحقيقة، هي أن الكتاب لم يأت بجديد، لا من حيث المفهوم ولا من حيث التجربة العلمية. وباعتباره مسحاً لموضوع ذي أهمية آنية، فإن فكرته الأساسية والإثباتات الداعمة لها يمكن أن يتضمنها مقال. إذ ليس هناك ما يكفي ليستحق بناء أطروحة، فكم بالحري وضع كتاب. إن قدرة كيوبرت كمؤلف هي أن النتيجة التي توصل إليها تصلح مقدمة للقارئ العادي، لا مساهمة علمية، فكيف بنتيجة تقدم شرحاً حقيقياً.

 

Author biography: 

يزيد صايغ: مدير مساعد للدراسات في مركز الدراسات الدولية في جامعة كمبردج.