تتمثل المساهمة الأساسية لهذه الدراسة في تقديم مجموعة نادرة من المواد الأرشيفية العربية، في سياق تحليلي. وتتصل هذه الوثائق بتشكيل القيادة العامة لجيش التحرير الفلسطيني (ج.ت.ف.) ووحداته القتالية في قطاع غزة الخاضع للإدارة المصرية، في السنوات 1964 – 1967. وهي تتألف من محاضر الاجتماعات بين قادة منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) وجيش التحرير الفلسطيني، من جهة، وقيادة الجيش المصري من جهة أُخرى، ومن المراسلات والاتفاقات الرسمية بين الطرفين. لم تكن هذه الوثائق متاحة للباحثين من قبل، لكن جرى التدقيق فيها خلال عدد من الزيارات لمقرّ قيادة ج. ت. ف. في القاهرة بين نيسان/أبريل 1993 وأيار/مايو 1994. ولمّا كانت المحاضر أُعدت من قبَل طرف واحد فقط، هو قيادة ج. ت. ف.، أي أنها غير متفق عليها من الجانبين، فقد لا تمثل بصدقية كاملة وجهة نظر المحاورين المصريين. لكن المراسلات والاتفاقات تشكل مواد مكمّلة مهمة، إذ إنها تقدّم سجلاً معتمداً للعلاقة الثنائية.
وبعد، فإن السجل الوثائقي للعلاقة بين مصر وج.ت.ف. يضفي صدقية على التفسير غير التصعيدي للنيات المصرية طوال معظم الفترة ذات الصلة. إنه يؤكد، على الأقل، عزم عبد الناصر على تجنب حرب مع إسرائيل، مهما كانت قناعاته المفترضة تجاه مواصلة الصراع في المنظور البعيد. هذا، ويجب التشديد على أن هذه الدراسة لا تنطلق من فرضيات مسبقة بشأن صحة المطلب الفلسطيني بحرية البناء والعمل العسكري في قطاع غزة، أو بشأن صواب تطلعات قيادتي م.ت.ف. وج.ت.ف. فيما يتعلق بحجم القدرات العسكرية ومدى الاستقلالية الإدارية التي يمكن الحصول عليها في الواقع. إن الدراسة لا تقيس السياسة المصرية بذلك المقياس، وإنما تهدف فقط إلى فحص وإثبات الخطوط والتوجهات الرئيسية لتلك السياسة. وقد ظهرت معالم تلك السياسة من خلال الجدالات الصعبة التي جرت بين مصر وم.ت.ف. طوال عامين ونصف عام، بشأن قوة ج. ت. ف. وتركيبته، وبشأن تشكيله والسيطرة عليه، وأركانه وقيادته الميدانية، وبشأن تسليحه، والمجالات العسكرية ذات الأبعاد السياسية. وقبل معالجة هذه المسائل، على التوالي، يجدر تناول الظروف التي أُنشىء فيها هذا الجيش.
إنشاء جيش التحرير الفلسطيني
إن احتراس مصر تجاه ج. ت. ف. كان وليد التجربة المؤلمة التي رافقت إقامة تشكيلات مماثلة في العقد السابق. إذ بعد أن كانت القيادة المصرية قد شكّلت في البداية كتيبة فلسطينية من شرطة الحدود في سنة 1952، لمنع التسلل من غزة، فإن تلك القيادة وجدت نفسها تشكّل في سنة 1954 مجموعة أكبر وأفضل تسليحاً، هي حرس الحدود الفلسطيني، كوسيلة لمقاومة العمليات الانتقامية الإسرائيلية، وإثبات عزمها على ردع اعتداءات أوسع. لكن ذلك أدى إلى نتائج عكسية، لأنه غذّى الشكوك الإسرائيلية في نيّات مصر. فانتقال مصر إلى ردع أكثر فعالية، من خلال إيجادها الفدائيين الفلسطينيين، ورعاية نشاط حرب العصابات من الضفة الغربية سنة 1955، أديا إلى ازدياد عزم إسرائيل على توجيه ضربة وقائية حاسمة إلى مصدر التهديد، الأمر الذي ساهم في اندلاع حرب السويس سنة 1956. وقد تلا ذلك إعادة تجميع وحدات حرس الحدود الفلسطيني في سيناء، بعيداً جداً عن خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل. لكن أعيد حرس الحدود إلى غزة بعد قيام الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم بإلقاء قفاز التحدي في وجه عبد الناصر، عبر دعوته، سنة 1959، إلى إقامة جمهورية فلسطينية في غزة والضفة الغربية، وتشكيله "فوج التحرير الفلسطيني" المنافس سنة 1960. وكان هذا دليلاً على فعالية "الورقة" الفلسطينية كأداة للتنافس العربي، وخصوصاً حين استُخدمت في تحدّي منزلة مصر كقوة عربية قائدة.
واجهت مصر درسين: أولهما أن النزعة الوطنية الفلسطينية يمكنها أن تخرق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وتعرّض الأمن الوطني المصري للخطر إذا تُركت من دون ضبط واحتواء. وثانيهما أنه على الرغم من أن التوظيف الفعّال للقوات الفلسطينية غير النظامية ضد إسرائيل في وسط عقد الخمسينات قد\ أدّى إلى نتائج عكسية، فإن التدابير ذات الأهمية السياسية والرمزية بالنسبة إلى الفلسطينيين وذات المردود العملي الضعيف (كتشكيل وحدات نظامية متواضعة بإمرة ضباط مصريين)، يمكنها أن تتيح احتواء الروح القتالية الشعبية، وتخفّف الأثر الاستفزازي للتحديات العربية. وهذان الدرسان وجّها السياسة المصرية، بعد أن أعاد العراق فتح النقاش بدعوته جامعة الدول العربية، في أيلول/ سبتمبر 1963، إلى تشكيل مجلس وطني فلسطيني منتخب، وإلى إقامة حكومة فلسطينية تتمتع بعلاقات رسمية بالدول العربية، وتشكّل جيشاً لتحرير فلسطين. وقد ناقش رؤساء الدول العربية هذا الموضوع في أثناء مؤتمر قمّتهم الأول، الذي عقد بدعوة من عبد الناصر في كانون الثاني/يناير 1964، لكن استحال عليهم الاتفاق مرة أُخرى. فالرئيس السوري أمين الحافظ، مثلاً، طالب أنداده، بأسلوب استفزازي، بوضع الضفة الغربية وغزة تحت سيطرة "الكيان" الفلسطيني المقترح، بينما كان العاهل الأردني، الملك حسين، صارماً في معارضته أية مبادرة تضعف شرعية تمثيله لفلسطينيي المملكة.
وخلافاً لما هو شائع في الأدبيات المعنية، فإن مؤتمر القمة لم يوافق على إيجاد م.ت.ف.، فكيف بتشكيل ج.ت.ف. وبقي القادة العرب غير قادرين على الاتفاق على إقامة كيان فلسطيني، فأرجأوا الموضوع، ووجّهوا تعليمات غامضة بـ"أن يستمر السيد أحمد الشقيري ممثل فلسطين لدى جامعة الدول العربية في اتصالاته بالدول الأعضاء والشعب الفلسطيني بغية الوصول إلى إقامة القواعد السليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره." ولم يقم عبد الناصر، من جهته، بأية محاولة لإحياء الاتحاد القومي الفلسطيني، أو لتفعيل المجلس التشريعي في غزة، اللذين كانا أُنشئا بناء على تعليماته في سنة 1961، وما زالا موجودَين. ويلاحظ أن مذكرات محمود رياض، الذي أصبح وزير خارجية مصر في نيسان/أبريل 1964، تتجاهل تأسيس م.ت.ف. بعد ذلك بشهر واحد، وهو ما يعني أن هذا الأمر كان مسألة هامشية بالنسبة إلى اهتماماته آنذاك.
وفي خطوة جريئة، عقد الشقيري اجتماعاً رسمياً (في القدس الشرقية)، وأعلن ولادة م. ت. ف. في أواخر أيار/مايو. وقام المندوبون المعيّنون بإعادة تشكيل أنفسهم كمجلس وطني فلسطيني، وأقرّوا مجموعة من السلطات التشريعية والتنفيذية، وعدداً من الدوائر والهيئات، ووضعوا اللوائح الإجرائية والأنظمة الأساسية التي أضفت على م.ت.ف. صفة شبيهة بالدولة، واختاروا الشقيري رئيساً للجنتها التنفيذية. كما قرّر المجلس الوطني الفلسطيني فرض التدريب العسكري الإلزامي على كل الذكور والإناث الفلسطينيين القادرين على حمل السلاح، وتشكيل كتائب نظامية وغير نظامية مجهزة بمختلف الأسلحة الحديثة، وتعيين ممثلين فلسطينيين في جهاز خاص، اقتُرح تشكيله في إطار القيادة العربية الموحّدة (أنشئت في مؤتمر القمة بتوصية من عبد الناصر) للإشراف على التعبئة الفلسطينية. وكان الغرض من ه1ه التحضيرات، كما ورد في ميثاق تأسيس م. ت. ف.، تدمير إسرائيل كلياً واستعادة فلسطين العربية.
ما كان للشقيري أن يتجاوز التفويض العربي لينشىء م.ت.ف. لولا الدعم المصري. لكن إنشاء ج.ت.ف. مسألة مختلفة، ولم يكن هناك أي جهد مصري فعلي لتطبيق قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في الأشهر التالية. وحين قدمت م.ت.ف.، في النهاية، اقتراحاً في أواخر آب/أغسطس، يدعو إلى تشكيل خمسة ألوية وستّ كتائب مغاوير، مجموع عددها 16,100 رجل – وإلى تشكيل قوة احتياطية كبرى تجنِّد سنوياً 56,000 عنصر – عارض ذلك الاقتراح القائد العام المصري للقيادة العربية الموحّدة، علي عامر. وفي اقتراح مضاد، قُدم إلى مؤتمر القمة العربي الثاني في 9 أيلول/ سبتمبر، أوصت القيادة العربية الموحّدة بتشكيل عشر كتائب مغاوير فقط في البداية، يبلغ عددها الأقصى 5000 عنصر. ومن دلائل القلق المصري في هذا الشأن، التوصية بوجود ثلاث كتائب فقط في قطاع غزة – وبعبارة أُخرى، العدد نفسه لوحدات حرس الحدود الفلسطيني الموجودة هناك أساساً – بينما تتمركز بقية الكتائب السبع في الأردن وسورية. وفيما يتصل بتشكيل مجموعات الألوية والوحدات الاحتياطية، اقتصرت القيادة العربية الموحّدة على اقتراح البحث في هذا الأمر "في مرحلة لاحقة."
يبدو أن عبد الناصر اضطر، في أثناء مؤتمر القمة، إلى أن يذهب إلى أبعد مما كان يتصور. فقد وافق زعماء الدول العربية على قرار م.ت.ف. إنشاء ج.ت.ف. "وفقاً لمضمون تقرير القائد العام [للقيادة العربية الموحّدة] بشأن الموضوع." لكنهم افترضوا، عملياً، أ، تركيبة ج.ت.ف. ستعتمد بنود الاقتراح الأصلي لـِـ م.ت.ف.، ورصدوا ميزانيته على هذا الأساس. ويبدو أن "المزايدة" العربية لوت ذراع مصر، وأن عبد الناصر سعى لسحب الورقة الفلسطينية من أيدي خصومه بين الحكام العرب، إذ إنه بلّغ القمة موافقته التامة على إنشاء الجيش الفلسطيني، و"وضع سيناء وقطاع غزة تحت تصرف م.ت.ف. لتشكيل ذلك الجيش." ولتجنّب الحرج، دعم الرئيس السوري، أمين الحافظ، ووفده إنشاء هذا الجيش بحماسة أثّرت في باقي القادة العرب، وفق ما ذكر الشقيري لاحقاً. كما قام رئيس م.ت.ف. بدور مهم في تأمين الدعم الحاسم من عاهل المملكة العربية السعودية، الملك فيصل، الذي سعى عبد الناصر لمصالحته، كوسيلة لتخفيف الصراع اليمني الذي اعتُبر الهم الأكبر لعبد الناصر آنذاك.
تشجعت م.ت.ف. بما كان للقمة من نتائج. فقامت، فوراً، بتعيين وجيه المدني – ضابط فلسطيني تدرّب على أيدي البريطانيين، ويرئس الحرس الشخصي لأمير الكويت، وقع عليه الاختيار بسبب فقدانه أي لون سياسي أو عقائدي، أكثر من قوة شخصيته – قائداً عاماً لجيش التحرير، وتمت ترقيته بين عشية وضحاها من رتبة مقدّم إلى رتبة لواء. وانضمّ المدني على التو إلى اللجنة العسكرية التي ألّفتها م.ت.ف. – برئاسة المدعي العسكري الأكثر حزماً، قُصي العبادله، الذي تدّرب في مصر، والذي ترأس أيضاً الدائرة العسكرية في م.ت.ف. – للتفاوض مع القيادة العربية الموحّدة والحكومات المضيفة في شأن التفصيلات النهائية المتصلة بإنشاء ج.ت.ف. وقد دعت الخطة المعدَّلة التي قُدّمت إلى القيادة العربية الموحدة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، مرة أُخرى، إلى إنشاء ستة ألوية مشاة وعشر كتائب مغاوير "على الأقل"، منها أربعة ألوية وثلاث كتائب تنتشر في قطاع غزة، ومع وحدات مدرعة ومدفعية ووحدات دعم قتالية اُخرى. فقام علي عامر، ورئيس الأركان في القيادة العربية الموحّد\ة عبد المنعم رياض، بإقناع اللجنة العسكرية المنبثقة من م.ت.ف. بأن هذا الحجم من القوات لا يمكن بلوغه فوراً. ولذا، اتفق الطرفان على تشكيل لواءين وكتيبة واحدة في غزة في أواخر سنة 1965، على أن يبدأ تشكيل بقية الوحدات سنة 1966، وتكتمل التشكيلات سنة 1968.
أيّاً كانت التحفظات لديها، فإن القيادة العربية الموحّدة بزعامة مصرية، أظهرت رغبتها الظاهرية في فسح المجال أمام م.ت.ف. بشأن مسائل معينة، مثل تشكيل وحدات مدرعة، ومدفعية، وغيرهما من وحداث الإسناد القتالية في ج. ت. ف. التي كانت القمة العربية قد رصدت لها ميزانيتها. في الواقع، أرجأ علي عامر هذا الأمر كما فعل بأمور أُخرى، لعلمه أنها مثيرة للخلاف، واشترط أن تقوم م.ت.ف. بمناقشة تفصيلات التنفيذ مع السلطات في الدول العربية المضيفة والمعنية مباشرة. وهكذا، بقيت مصر في وضع يتيح لها فرض قيود صارمة على وتيرة التنفيذ وحجمه، ويمكّنها من ضبط وحدات ج.ت.ف. في غزة. وكانت مسألة من يمارس السيطرة الفعلية هي في جوهر المفاوضات المطوّلة التي بدأت حينئذ بين اللجنة العسكرية لـِ م.ت.ف. والأركان العامة المصرية بشأن الوسائل والجداول الزمنية لتشكيل وحدات ج.ت.ف. في غزة.
التشكيل والسيطرة
طمحت م.ت.ف.، منذ البداية، إلى أن تمارس سيطرة مستمرة وفعّالة على ج.ت.ف.، وسلّمت خطّتها الأصلية بأن القيادة العملياتية ومسائل الإمداد بالطعام والذخائر والوقود في أوقات الحرب ستكون مسؤولية القيادة العربية الموحّدة أو القيادات العربية المعنية. لكن، في مقابل ذلك، أصرت م.ت.ف. على أن تتولى مباشرة كل المسائل المتصلة بالتمويل والتجهيز والتسليح، فضلاً عن تعيين الضباط وترقيتهم أو تسريحهم وكانت القيادة العربية الموحّدة قد أشارت في اقتراحها الأولي في أيلول/ سبتمبر، إلى أنها لا تعارض سيطرة م.ت.ف. على التمويل والتسليح، على أن يُترك وضع الضباط القانوني والسياسي لمزيد من البحث مع جامعة الدول العربية والأقطار المضيفة. ولم تفرض القمة العربية أية قيود رسمية على ممارسة م.ت.ف. لسلطتها على جيشها، إلاّ فيما يتصل بانتشاره في الدول المضيفة وبالعمليات القتالية.
وكان لدى القيادة المصرية وجهة نظر معاكسة تماماً، لم تقتصر على مرحلة التشكيل الأولى لـِ ج.ت.ف. فقط، بل امتدت أيضاً، كما ظهر لاحقاً، لتشمل السيطرة على جيش المنظمة على المدى البعيد. وكان الشخص البارز في المفاوضات عن الجانب المصري رئيس الأركان محمد فوزي، وهو ضابط من المدرسة القديمة، ذو هيبة ووقار وحذر كبير، الأمر الذي جعله يعود بصورة مستمرة إلى وزير الدفاع، شمس بدران، في كل المسائل التي يمكن أن يكون لها انعكاسات سياسية. وقد قدّم فوزي خطّته التأسيسية إلى القائد العام لـِ ج.ت.ف.، وجيه المدني، في 15 كانون الأول/ ديسمبر 1964. وأصرّ في خطته على أن يكمل الجيش المصري تشكيل ج.ت.ف. من دون أية مشاركة من اللجنة العسكرية لـِ م.ت.ف.، أو من القيادة حديثة النشأة لـِ ج.ت.ف.، الأمر الذي أثار قلقاً شديداً لدى الجانب الفلسطيني. وكان ذلك يعني استبعاد هاتين الهيئتين عن أي دور في تعيينات الضباط وترقياتهم، وتوزيع الرواتب والنفقات الأُخرى، والإشراف على استلام الأسلحة وتوزيعها، واستدعاء المجنّدين، وإعلان عطاءات بناء المنشآت لـِ ج.ت.ف. كما رفض محمد فوزي طلباً من قيادة ج.ت.ف. لتولّي السيطرة بالتدريج على وحداتها، لدى إنشائها خلال سنة 1965. واعترض كذلك على محضر الاجتماع المكتوب الذي قدّمته إليه م.ت.ف. في اليوم التالي، وبقي على رفضه إقرار محاضر سلسلة الاجتماعات التي عقدت في الأشهر التالية.
وكما أظهرت تلك الاجتماعات، فإن الخلاف في شأن مسؤولية تشكيل ج.ت.ف. أخفى وراءه الخلاف الجوهري بشأن الجهة التي ستكون صاحبة السيطرة الحقيقية. ووصلت الأمور إلى ذروتها في 28 كانون الأول/ ديسمبر، الأمر الذي حث اللجنة العسكرية لـِ م.ت.ف. على مطالبة الشقيري بأن يحضر الجولة المقبلة من المحادثات. وكان لدى رئيس المنظمة فكرة عن الموقف المصري، لأنه كان قد ناقش مسألة السيطرة مع القائد العام للقيادة العربية الموحدة، علي عامر، خلال المحادثات في شأن خطة إنشاء ج.ت.ف. فأوضح الشقيري أنه كان يتوقع وضع الجيش بإمرة قيادة عربية لغرض العمليات القتالية، على أن يبقى مستقلاً في جميع الجوانب الأخرى، وأن يخضع لسلطة م.ت.ف.، مثلما تخضع الجيوش العربية لحكوماتها. وكعادته، تخلّص عامر من هذه المسألة بأن حثّ الشقيري على مناقشة الموضوع مباشرة مع رؤساء الأركان العامة العرب المعنيين.
اجتمع الشقيري ومحمد فوزي في 12 كانون الثاني/يناير 1965. وكانت حركة "فتح" آنذاك قد بدأت عملياتها العصابية ضد إسرائيل، الأمر الذي اعتبره عبد الناصر غير ملائم، ورأى فيه تهديداً يؤدي إلى فقدان السيطرة على الحوادث وخسارة كبرى. وسرعان ما نفت م.ت.ف. مسؤوليتها عن تلك الأعمال، لكن نشاط "فتح" كان يعزّز المخاوف المصرية من أية أعمال عسكرية غير مقرّرة، يقوم بها الفلسطينيون. وكرّر فوزي للشقيري أنه يجب أن يكون هناك جهة واحدة ذات سلطة على ج.ت.ف.، وعلّل ذلك بقوله: "المركب يللي فيها ريسين بتغرق." إلا إن ملاحظته الإضافية أن من شأن استلام م.ت.ف. المسؤولية المباشرة أن يثير مشكلات تشريعية وإدارية في قطاع غزة، دلت على أن قلق مصر بشأن ازدواجية السيطرة لم يقتصر على ج.ت.ف.، بل أيضاً ممارسات م.ت.ف. للسلطة على العموم. ولم يكن لاحتجاج الشقيري بأن المنظمة لا ترغب في ممارسة سيادة على غزة، أي أثر. وحين اعترض قائلاً إن المنظمة كانت أعدت خطّة عمل لقيادة ج.ت.ف. وأركانه العامة بالاتفاق مع القيادة العربية الموحّدة، ردّ فوزي بصراحة أن القيادة الأخيرة لا تملك أية سلطة في غزة، التي تخضع للسلطة العسكرية المصرية.
وهنا، وسَّع فوزي مطلبه، إذ أصر على أن يتولى الجيش المصري تشكيل قيادة ج.ت.ف. أيضاً، فضلاً عن وحداته الميدانية، ورأى أنه يمكن للقيادة أن توسِّع، بالتدريج، المهمات التي تؤديها، استعداداً لتسلمها امتيازاتها الكاملة في أواخر سنة 1965، من دون أن يوضح ماهية تلك الامتيازات. وحتى ذلك الوقت، لن تكون قيادة م.ت.ف. مخولة أكثر من التعبير عن الرأي أو تقديم النصيحة أو التنبيه للجانب المصري. وأضاف فوزي أنه كان ينفّذ الأوامر بصفته رجلاً عسكرياً، وأنه ينبغي لـِ م.ت.ف. أن ترجع إلى عبد الناصر إذا كانت تريد أكثر من ذلك. لكن المسؤول الوحيد الذي تمكن الشقيري من مقابلته كان وزير الخارجية، عبد المنعم رياض، الذي نصح له الأخذ برأي فوزي. وتبع ذلك مناقشات غاضبة بين أعضاء اللجنة التنفيذية لـِ م.ت.ف. أدّت إلى تسليُّم الشقيري رئاسة اللجنة العسكرية، والحلول محلّ قصي العبادله في رئاسة الدائرة العسكرية. وتوصّل المدني، على مضض شديد، إلى اتفاق أوّلي مع فوزي بشأن تشكيل الوحدات المقترحة لـِ ج.ت.ف.، واستدعاء المجنَّدين، والتسليم والرواتب، خلال اجتماعات عُقدت في 18 شباط/ فبراير و13 آذار/ مارس.
الاتفاق على عدم الاتفاق
ظلت قيادة ج.ت.ف. تأمل بدور مباشر في تشكيل وحداتها، فقدمت مذكرة تتضمن 16 مطلباً تتصل بهذا الأمر وبهموم أُخرى، منها: حق القيادة في الإشراف على وحداتها، وتفقدها، وتوجيهها، وتموينها، وتبادل المراسلات معها، وتعيين قادتها وكبار ضباطها الميدانيين. وجاء ذلك قبل بضعة أيام من الاجتماع المقرَّر عقده مع فوزي في 27 نيسان/أبريل. غير أن الاتفاقية الرسمية التي تمّ التوصل إليها مع فوزي لم تتضمن سوى القليل من طلبات ج.ت.ف.، من دون أن يشمل ذلك أيّاً من الطلبات المهمة. وبات يحق للجيش المصري أن يمضي في إنشاء ج.ت.ف. وفقاً للخطة التي كان أعدّها في 23 شباط/فبراير، وأن يواصل صرف الرواتب وغيرها من النفقات (للطعام والبزات العسكرية والوقود والنقليات والتصليحات والصيانة وسواها)، نيابة عن م.ت.ف. وقد وافق فوزي، في لفتة منه، على أن تقدّم القيادة العربية الموحّدة الأموال إلى مصر، كي تنفقها على ج. ت.ف.، بعد أن تحصل على تفويض من م.ت.ف. للقيام بذلك، على أن تقدّم مصر كشف حساب فصلياً إلى المنظمة. في المقابل، فإن طلب المنظمة عدم إنفاق أية مبالغ قبل الحصول على موافقتها شهرياً لم يلق أُذناً صاغية.
وكانت البنود المحذوفة أو الغائبة من الاتفاقية بأهمية محتوياتها. فمن جهة، اتفق الطرفان، بصورة أولية، على عدد من النقاط، لكنهما لم يأتيا إلى ذكر ذلك في البروتوكول الرسمي، بناء على إصرار مصر كما يبدو. مثلاً، بات في إمكان قيادة ج.ت.ف. أن تتفقد وحداتها، لكن فقط بعد استلامها التعليمات من الأركان العامة المصرية. كما أن في إمكان قيادة الجيش تبادل المراسلات مع وحداتها، لكن فقط من خلال القيادة الشرقية للجيش المصري، وكان في إمكانها أيضاً أن ترشّح بعض الأسماء إلى الأركان العامة المصرية، لكنها لم تكن تستطيع تعيين ضباط. كما كان من الممكن تطبيق الأنظمة العسكرية الصادرة عن م.ت.ف.، شرط أن تتوافق مع الأنظمة المعمول بها في الجيش المصري. ولم تكن للمنظمة أية سلطة قضائية: فالمشكلات التأديبية الصغرى تتولاها داخلياً وحدات ج.ت.ف.، التي تأتمر بقيادة ميدانية مصرية، أمّا الخروقات الأكثر خطورة، فتحكم فيها السلطات المصرية المختصة، ومع ذلك، فإن عدم وجود محضر أو سجل مشترك ومتّفق عليه، حتى بشأن هذه التنازلات الرمزية، جعل تنفيذها موضع شك كبير.
ومن جهة أُخرى، خلا البروتوكول الرسمي تماماً، بطبيعة الحال، من النقاط التي لم يتم التوافق عليها. فقد رفض محمد فوزي نقل كتيبة الفدائيين 141 (أنشئت سنة 1955)، من قيادته إلى ج.ت.ف.، مضيفاً أن مصر عازمة على إنشاء كتيبة أُخرى؛ ومع ذلك طلب من م.ت.ف. أن تغطي تكاليف العناصر الفلسطينيين في كلا الوحدتين. لكن خيبة الأمل الكبرى لدى المنظمة كانت رفض فوزي تحديد كانون الثاني/ يناير 1966 موعداً لتسليمها رسمياً السيطرة على وحدات ج.ت.ف. وتعاظم قلق محاوريه بشدة، حين ردّ على طلبهم تحديد مثل هذا الموعد بطرح السؤال التالي: "ماذا تعنون بتسليم الوحدات؟ إن السيطرة العملياتية ستكون للقيادة [المصرية] في المنطقة [العسكرية] الشرقية. وأقترح أن توضحوا ما تريدونه في هذا الشأن، وسنناقشه في اجتماع آخر."
إن البنود المحذوفة من اتفاقية 27 نيسان/أبريل جعلتها، في أحسن الحالات، اتفاقية جزئية. فهناك مسائل عدة مثيرة للخلاف بقيت من دون حل. وواصلت قيادة ج.ت.ف. ضغوطها، طوال العام، للحصول على دور فاعل في تشكيل وحداتها وإدارتها. وفي آب/ أغسطس، حثّ القائد العام لـِ ج.ت.ف.، وجيه المدني، اللجنة التنفيذية على إثارة الموضوع في مؤتمر القمة العربي الثالث في الشهر التالي. لكن شيئاً لم يتغير، حتى أن المدني كان يشكو بمرارة إلى القيادة العربية الموحّدة، في آذار/مارس 1966، أ،ه لم يستطع إعداد تقرير عن حجم التقدم في تشكيل وحدات ج.ت.ف. فيغزة، لأن قيادته لم تستلم أية معلومات رسمية من نظيرتها المصرية، وأنه اضطر إلى أن يعتمد بدلاً من ذلك على المصادر غير الرسمية، وعلى الاتصالات الشخصية. وحين استلم المعلومات المطلوبة بعد شهرين، تبيّن أن وحدات الجيش في غزة لم تبلغ سوى 60 في المئة من عدد الأفراد المرسوم في خطة الإنشاء؛ أي أنه لم يتغير منذ جولة التجنيد الأولى سنة 1965، وأن الحجم الفعلي لتجهيزاتها وآلياتها أدنى من المطلوب بنسبة 35 في المئة. (ولم ترتفع هاتان النسبتان سوى قليلاً حتى حزيران/يونيو 1967).
أظهرت تطورات السنة التالية أيضاً أن القيادة المصرية لم تكن حريصة على تنفيذ التزامات مهمة معيّنة، كانت تعهّدت بها لـِ م.ت.ف. ويتعلق أحد تلك الالتزامات ببدء المرحلة الثانية من تشكيل ج.ت.ف. فقد أشار محمد فوزي، خلال الاجتماع الذي عقد في 27 نيسان/أبريل 1965، إلى أن إنشاء مجموعتين إضافيتين من ألوية المشاة، وكتيبتين من المغاوير، إضافة إلى كتيبة ثانية من الفدائيين، وثلاثة ألوية من الحرس الوطني بأكثرية فلسطينية تحت قيادة مصرية، سيبدأ سنة 1966. لكن جرى تقليص ذلك إلى قيادة لواء وكتيبتي مغاوير جديدتين لـِ ج.ت.ف.، مع أن مؤتمر القمة العربي الثالث، الذي عقد في أيلول/سبتمبر، كان أوعز إلى القيادة العربية الموحّدة في تقديم ميزانية إضافية قدرها 5,5 ملايين جنيه إسترليني لبدء المرحلة الثانية من تشكيل الجيش. لكن الدول العربية تباطأت في الدفع، وكانت القيادة العربية الموحّدة قد بدأت تسحب من احتياطيها لتغطية النفقات المتكرِّرة دورياً لـ ج.ت.ف. ولا، لم يتم تشكيل أية وحدات جديدة آنذاك، أو في وقت لاحق.
وبقي التزام آخر ذو صلة بموعد عزيز جداً على م.ت.ف. من دون تنفيذ، أي موعد انتقال السيطرة على ج.ت.ف. ولم يحدث تغيير يذكر في قدرة قيادة الجيش على الاتصال بوحداتها، بحسب ما جاء في شكوى المدني في آذار/ مارس 1966. وكانت الاستجابة لتكرار الشكاوى بشأن هذه المسألة وغيرها، كإمدادات السلاح، عقد مباحثات جديدة مع محمد فوزي في 21 آذار/ مارس. لكن الاتفاقية الرسمية التي نجمت عن هذا الاجتماع لم توفر سوى القليل من العزاء، لأنها أعادت تثبيت القيود المفروضة على سلطة قيادة ج.ت.ف. تجاه وحداتها في غزة. وكانت التعزية الوحيدة هي التأكيد المكتوب أن تلك القيادة ستستلم أخيراً السيطرة المنشودة في رأس السنة الجديدة 1967، لكن ثبت لاحقاً أن هذا الموعد أيضاً لم يتم التزامه. وحين اقترحت ج.ت.ف. على نظيرتها المصرية، في أيار/مايو 1966، أن يؤلف الطرفان لجاناً تقوم بالتخطيط لانتقال السيطرة، جاء جواب يؤكد أن ليس في الاتفاقية التي تم التوصل إليها في آذار/ مارس ما يبرّر هذا الطلب. وبعد ذلك تجاهل الجانب المصري كل ما لحق من مراسلات بشأن الموضوع حتى نهاية سنة 1966، بل أيضاً في الشهور الأولى من سنة 1967.
هيئة الأركان والقيادة الميدانية
إن السبب الذي أُعطي في آذار/مارس 1966، لتبرير التأخير في انتقال السيطرة، هو أن قيادة ج.ت.ف. كانت لا تزال غير مكتملة. لكن النقص في عدد الضباط لملء شواغر هيئة الأركان وقيادة الميدان كان، في معظمه، من صنع مصري. وكانت القمة العربية الثانية قد شجعت آمال م.ت.ف. بالتأكيد علناً لحقّها في اختيار "الأفراد والضباط لقواتها من أبناء فلسطين حيثما كانوا." وقد حدّدت المنظمة العدد الكبير من الضباط الفلسطينيين الذين سبق أن خدموا، أو ما زالوا يخدمون في الجيوش السورية والعراقية والأردنية، كمصدر أساسي للتجنيد. وطالبت المنظمة بحقّها في منح الشواغر المراد ملؤها في ج.ت.ف. الترقيات الملائمة، وأعربت عن أملها بأن تستكمل ملء تلك الشواغر كلها سنة 1968.
وسرعان ما اكتشفت م.ت.ف. أن الحرية التي سعت لها في بناء سلك ضباطها، هي من المسائل الأكثر إثارة للخلاف في مباحثاتها. فقد أدّى هذا الأمر إلى مشكلة شديدة التعقيد، من جهة، لأن قيادة ج.ت.ف. مقيمة بالقاهرة، ومن جهة أُخرى لأن النقص الأكبر في عدد الضباط الفلسطينيين كان في الوحدات التي يجري تشكيلها في قطاع غزة. وكان ما مجموعه 50 ضابطاً نظامياً (و20 ضابطاً احتياطياً) قد تخرّجوا من كلّيات حربية مصرية بين سنتي 1955 و1964، وخدموا في حرس الحدود الفلسطيني، الذي كان يضم أيضاً 343 مصرياً بين ضابط وضابط صف في مطلع سنة 1965. وارتفع آنذاك عدد الملتحقين الجدد الفلسطينيين مع دخول 21 عنصراً مدرسة الضباط و25 عنصراً مدرسة الضباط الاحتياط (في مقابل 10 – 15 ضابطاً لكل فئة منذ سنة 1961). لكن هذا بقي أقل كثيراً من العدد المطلوب لإنشاء مجموعتي لواء وكتيبة مغاوير، عدا الوحدات الإضافية المنشودة للمرحلة الثانية.
وكان محمد فوزي صارماً في معارضته نقل الضباط الفلسطينيين من سورية والعراق، إذ يبدو أنه كان يشك في ولائهم، واعتبرهم منغمسين في مكائد السياسات الحزبية. وانطلاقاً من إدراك القيادة العربية الموحّدة للحساسيات العربية اشترطت، في الخطّة النهائية لـِ ج.ت.ف.، ألاّ تتم أية عملية تعيين أو نقل من دولة عربية إلى أُخرى إلاّ بعد موافقة المضيفين. وكان فوزي أكثر صراحة في معارضته عمليات النقل. لكن م.ت.ف. قدّمت، في كانون الأول/ديسمبر 1964 وكانون الثاني/يناير 1965، أسماء 229 ضابطاً، ترغب في استدعائهم من دول عربية أُخرى. وقد أثارت هذا الموضوع تكراراً في الاجتماعات المتعاقبة، وجعلته البند الثاني بين ستة عشر بنداً، أرادت إضافتها إلى البروتوكول الرسمي الذي أُعدّت مسودته مع فوزي خلال 27 – 29 نيسان/أبريل.
حتى ذلك الحين، كان قد سُمِح للمنظمة بأن "تستورد" ضابطاً واحداً فحسب لـِ ج.ت.ف.، هو القائد العام وجيه المدني. كما عيّنت، في تشرين الأول/ أكتوبر 1964، ضابطين مقيمين بسورية، هنا صبحي الجابي ومحمد أبو حجلة، مستشارين عسكريين. لكن لم يُسمح لأي منهما بالإقامة بمصر. وسُمح للمنظمة بتعيين ستة ضباط وثمانية وعشرين عنصراً برتب أُخرى من غزة في مقر قيادة ج.ت.ف. في القاهرة، في مطلع ربيع سنة 1965، لكن فقط بعد أن يدقِّق في شأنهم الحاكم العام المصري يوسف العجرودي. وتساهلت القيادة المصرية مع م.ت.ف. فسمحت بتعيين صبحي الجانبي رئيساً للأركان في تموز/ يوليو، لكنها أخّرت الموافقة على تعيين تسعة ضباط آخرين. وقد قبلت أيضاً 100 طالب جامعي فلسطيني في كلّياتها الحربية في تشرين الأول/أكتوبر، متأثرة، على ما يبدو، بسابقة قامت بها سورية، التي كانت قبلت في كلّياتها العسكرية 70 ضابطاً و100 عنصر من رتبة ضابط صف، لمصلحة ج.ت.ف.، في النصف الأول من سنة 1965، ومتأثرة بما أقدم العراق عليه من تدريب 155 ضابطاً احتياطياً، وثلاثة طيارين مجاناً.
أكد وجيه المدني في تقرير رفعه إل اللجنة التنفيذية لـِ م.ت.ف.، في منتصف آب/أغسطس، أن عدم قدرة قيادة ج.ت.ف. على تعيين الضباط، وعدم قدرتها على نقلهم بين الوحدات في الدول العربية المتعددة، مثال بارز لفقدانها السلطة والصدقية. واعتقد أنه نال أخيراً الموافقة المصرية على نقل 129 ضابطاً من العراق، لكن، في الواقع، تأخر إقرار ذلك. أخيراً، وبعد مزيد من التذكير قامت به قيادة ج.ت.ف.، رفض فوزي الطلب في منتصف كانون الثاني/يناير 1966، من دون أن يوضح الأسباب، الأمر الذي دفع المدني إلى أن يطلب مقابلة القائد العام المصري عبد الحكيم عامر. وحين لم يتلق جواباً، قابل القائد العام للقيادة العربية الموحّدة، علي عامر، ثم قدّم شكوى خطية إلى القيادة العربية الموحّدة في بداية آذار/مارس. وحتى ذلك الحين، كان قيادة ج.ت.ف. تتكوّن من سبعة ضباط و33 عنصراً من رتب أُخرى فقط، بدلاً من 59 ضابطاً و210 عناصر من رُتَب أُخرى، كما جاء في "الجدول لإنشائها". وخشي المدني أن تكون النتيجة انهيار قدرات القيادة ومعنوياتها، وزوال وحدة مجموعات ج.ت.ف.، المبعثرة في ثلاث دول عربية.
ولم يتغيّر الوضع إلاّ في نيسان/أبريل، بالتزامن مع تدهور علاقات مصر بكل من المملكة العربية السعودية والأردن والولايات المتحدة. فقد وافقت القيادة المصرية حينئذ على نقل نحو اثني عشر ضابطاً فلسطينياً من سورية (التي تحسّنت علاقتها بمصر)، شرط أن يبقوا في مقر قيادة ج.ت.ف. في القاهرة، ويتقيدوا بعدم زيارة وحدات الجيش في غزة. لكن القيادة المصرية لم تستجب لطلب نقل ثلاثة ضباط آخرين في آب/أغسطس، على الرغم من التذكيرات المتعددة، والتي كان آخرها في شباط/فبراير 1967. وحين تطوّر التوتر بين الضباط الشباب من غزة وقدامى الضباط من سورية إلى صراع نفوذ بشأن مبنى مقر القيادة، بعد ذلك بفترة قصيرة، أمرت السلطات المصرية المجموعة الثانية، وضمنها رئيس الأركان صبحي الجابي ورؤساء عدة شُعَب، بالعودة إلى سورية؛ الأمر الذي قسم قيادة ج.ت.ف. إلى نصفين.
في مقابل ذلك، تحسن الوضع في الوحدات القتالية تحسناً ملحوظاً، إذ سُمح لـِ م.ت.ف. بأن تنقل ما بين 45 ضابطاً و80 ضباطاً من العراق إلى غزة في منتصف سنة 1966. وهذا الأمر، مقروناً بتدفق المتخرجين من الكليات الحربية المصرية، رفع نسبة الفلسطينيين في سلك ضباط ج.ت.ف. إلى نحو 90 في المئة بحلول حرب 1967. وعلى الرغم من ذلك، فإن وحدات الجيش كانت لا تزال أقل من القوة المخطّط لها بنسبة الثلث، وهو ما يخفي حقيقة النقص المستمر في عدد الضباط الفلسطينيين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أعلى رتبة توصلوا إليها في الوحدات القتالية هي رتبة نقيب، بينما بقيت رتبة قائد الكتيبة والرتب الأعلى منها في أيدي المصريين؛ وهذا ما غذّى الاستياء بين المرؤوسين الفلسطينيين الذين شعروا بأن طريقهم إلى الترقية مسدود. وكانت العلاقات ودّية على العموم، لكن مسألة توفير الضباط للجيش أظهرت التباين الأساسي في وجهات النظر بين م.ت.ف. والقيادة المصرية. وقد اتّضح ذلك أيضاً من خلال الخلاف في شأن تأمين السلام لـِ ج.ت.ف.
التسليح
على الرغم من أن م.ت.ف. لم تشر صراحة إلى تشكيل وحدات الدروع والمدفعية في حينه، فإن هذا ما كانت تعنيه حين استخدمت مصطلح "مجموعات ألوية" في خطتها الأصلية لإنشاء ج.ت.ف. في آب/أغسطس 1064. والأموال التي خصّصتها القمة العربية الأولى لإنشاء هذا الجيش تبدو محسوبة على هذا الأساس، لأن القيادة العربية الموحّدة لم تعترض حين حدّدت المنظمة أنواع الأسلحة الثقيلة في خطّتها النهائية التي نالت الموافقة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر. فقد سعت المنظمة لتشكيل كتيبتيْ دبابات من طراز "ت – 54"، وكتيبتي مدفعية مجهزتين بمدافع هاوتزر من عيار 122 ملم، وكتيبتين مضادتين للطائرات، وسريتي مدافع مضادة للدبابات من عيار 85 ملم، وسريتي مدفع هاون من عيار 120 ملم. كما أرادت اللجنة العسكرية للمنظمة أن تشكّل في نهاية المطاف وحدات سلاح جو وسلاح بحر في ج.ت.ف.، وسألت عن أسعار المقاتلات من طراز "ميغ" وما شابهها.
لكن م.ت.ف. اكتشفت مرة أُخرى، أن الاتفاق مع القيادة العربية الموحّدة لا يكفل الموافقة المصرية. فقد تساءل فوزي عن الحكمة في امتلاك الدبابات والمدفعية، والأرجح أنه كان يخشى أن يؤثر ذلك في استقرار الهدنة مع إسرائيل. وقد حاول جاهداً أن يخفف أنواع الأسلحة التي سعت اللجنة العسكرية للمنظمة للحصول عليها، فأُدخلت أنواع الأسلحة الأخف في خطة تأسيس ج.ت.ف.، التي اقترحتها القيادة المصرية في شباط/فبراير. هذا، ولم يُخف على م.ت.ف. أن الأسعار المعروضة في مصر أعلى كثيراً من تلك المعروضة في سورية، حيث أُعفيت أيضاً أسلحة ج.ت.ف. من رسوم الجمارك أسوة بالقوات السورية. ومع لك، فإن البروتوكول الرسمي الذي وقعه محمد فوزي ووجيه المدني في 29 نيسان/أبريل، أعطى موافقة أوّلية على اقتناء 44 دبابة من طراز "ت – 34", و24 مدفع هاوتزر من عيار 122 ملم، و12 مدفعاً مضاداً للدبابات من عيار 85 ملم، و12 مدفع هاون من عيار 120 ملم. واتفق على أن تقوم مصر بشراء هذه الأسلحة وكل أسلحة المشاة الأُخرى، مع الذخائر ومعدات الإسناد، وأن تقوم بتوزيعها على وحدات ج.ت.ف. نيابة عن المنظمة.
غير أن تطبيق البروتوكول واجه عقبات، إذ إن مشتريات الأسلحة المحددة في البروتوكول لا تتمّ إلاّ بمصادقة القيادة العربية الموحّدة. وربما امتنعت تلك القيادة من المصادقة، أو راوغت. وأيّاً كانت الحال، فقد استوجب الأمر إعادة التفاوض في شأن الاتفاقية برمتها في آذار/مارس 1966. وأصرت م.ت.ف. مجدداً على شراء دبابات "ت – 54"، لا الدبابات الأقدم "ت – 34". وقد وقّع كلا الطرفين العقد على أساس التفسير الخاص به. وحوّلت القيادة العربية الموحّدة الأموال إلى الخزينة المصرية بناء على طلب المنظمة، لكن تلك الأسلحة لم تظهر، أو ظهر القليل منها فقط. ولم يكن لدى وحدات ج.ت.ف. في غزة سوى الأسلحة الخفيفة التي ورثتها من حرس الحدود الفلسطيني، إضافة إلى أسلحة مشاة تبرّعت بها الصين في تشرين الأول/أكتوبر 1965. ووُزّعت أسلحة خفيفة قديمة من مستودعات الجيش المصري، بدلاً من البنادق الهجومية من طراز "أك – 47" (كلاشنكوف)، التي كانت م.ت.ف. قد دفعت ثمنها، وقدّمت القيادة المصرية التدريب إلى طواقم الأسلحة الثقيلة في ج.ت.ف.، لكنها، في الوقت نفسه، أوقفت شحنة إضافية من الأسلحة الصينية التي وصلت إلى الإسكندرية في أواخر سنة 1966، ولم تسلم سوى بعضها عشية حرب حزيران/يونيو 1967.
في أي حال، لم يكن النقص المؤثر في الأسلحة الخفيفة. وإنما تلقت قيادة ج.ت.ف. المفاجأة القاسية عندما استلمت وحداتها في مطلع سنة 1967 الأسلحة المدفعية التي طال انتظاهرا. فبدلاً من مدافع الهاوتزر السوفياتية التصميم من عيار 122 ملم، الجديدة والحديثة نسبياً، والتي كانت المنظمة دفعت ثمنها، استلك ج.ت.ف. مدافع 25 رطل بريطانية الصنع، متقادمة، من مخلفات الجيش المصري، وذات مدى قصير جداً. وكانت خيبة الأمل الأكبر عند استلام دبابات شيرمان من طراز "م – 4" الأميركية الصنع، بدلاً من الدبابات السوفياتية من طراز "ت – 34" (أو "ت – 54") المتفق عليها في العقد. وكان الجيش المصري قد استخدم تلك الدبابات في التدريب، وعطّل مدافعها قُبيل تسليمها، بفتح ثقوب في منتصفها. وتمكن ج.ت.ف. من إصلاح المدافع بقص نصفها المثقوب، لكن ذلك قلّص مداها إلى النصف، وخفّف قوة اختراقها، وعطّل دقة رمايتها.
السلطة السياسية – العسكرية
مهما كان وضع ج.ت.ف.، فقد كان هناك مظاهر مستمرة من الدعم المصري العام لـِ م.ت.ف. . ففي شباط/فبراير 1965، قام الحاكم العام المصري في غزة بحلِّ الاتحاد القومي الفلسطيني (ناقلاً ممتلكاته إلى المنظمة)، وأقرّ قانون التجنيد الفلسطيني. وجرى بعد ذلك بشهر واحد تسليم برنامج "صوت فلسطين" في إذاعة القاهرة إلى المنظمة. وفي أيار/ مايو، اعترف عبد الناصر علانية بالمنظمة ممثلاً للشعب الفلسطيني، داعماً بذلك موقفها السياسي في وجه التحدّي الناشئ عن حركة "فتح" المدعومة من سورية. كما أنه دعم المنظمة في محاولاتها الحصول على تنازلات سياسية وعسكرية من الأردن بين تشرين الأول/أكتوبر 1965 وآذار/مارس 1966 (علماً بأنها فشلت في النهاية). ومُنحت م.ت.ف. مكانة مرموقة في وسائل الإعلام المصرية من حزيران/يونيو وما بعده، حيث انطلق الشقيري من التدهور الحاد للعلاقات المصرية بالمملكة العربية السعودية والأردن، ليثير خلافه مع الأردن علانية.
إلاّ إنه وراء هذه المظاهر لم يكن لدى م.ت.ف. أية سلطة عملية في غزة، حيث كانت القيادة المصرية مصممة على حفظ الهدنة مع إسرائيل. وقد ظهر ذلك في عدم قدرة المنظمة على إثبات أكثر من دور رمزي جداً فيما يتعلق بمسألتين عسكريتين ذواتي صلة مباشرة بموقفها السياسي، هما التجنيد وتشكيل ميليشيا شعبية. فقد شكلت الدعوة إلى التجنيد العام شعاراً تعبوياً موحداً وقوياً بين الفلسطينيين لأعوام كثيرة. ولذا، كان من الطبيعي للمنظمة أن تتبناه كضرورة كبرى لدى تأسيسها في أيار/مايو 1964. وأعلن الشقيري بفخر أن عبد الناصر كلفه، قبل شهرين، إعداد مشروع قانون للتجنيد. وفي الواقع، فإن مكتب الحاكم العام المصري في غزة هو الذي أعدّ القانون في وقت متأخر جداً من السنة. وقد قدم رئيس الدائرة العسكرية في م.ت.ف.، قُصي العبادله، في أواخر كانون الأول/ ديسمبر، إلى الحاكم العام المصري قائمة بالتعديلات التي طلبتها اللجنة العسكرية للمنظمة – في محاولة لإثبات مسؤوليتها المباشرة عن التجنيد – لكنّ تغييرات طفيفة فقط أجريت على مسودة القانون. كما أن تقديم القانون، في منتصف شباط/فبراير 1965، للمصادقة الرمزية في المجلس التشريعي في غزة، بدلاً من المجلس الوطني الفلسطيني، قد أساء أكثر إل المكانة السياسية للمنظمة.
ومع أن التجنيد مسألة عسكرية، فقد اعتُبر امتيازاً للسلطات المدنية. وفي غزة، كان هذا الامتياز يعني مكتب الحاكم المصري (وهو جزء من الإدارة العسكرية في الواقع)، لا م.ت.ف. لذا، فقد واصلت اللجنة العسكرية للمنظمة مساعيها للحصول على دور مباشر، وطالبت بإلحاق دائرة التجنيد في غزة بشعبة التجنيد والسجلات العسكرية في قيادة ج.ت.ف. لكن فوزي رفض ذلك، كما رفض اقتراحاً بتمثيل ج.ت.ف. في الدائرة. ولم يتغير أي شيء حتى موعد الاتفاقية الرسمية في آذار/مارس 1966، حين قبل فوزي أخيراً "مشاركة" ج.ت.ف. في الدائرة. لكن لم يتضح ما إذا كان ممثل ج.ت.ف. سيأتي من قيادة الجيش في القاهرة، أو من القيادة الميدانية بإمرة المصريين في غزة، بل ليس واضحاً ما إذا كان جرى تعيين أحد في الواقع. وفي أية حال، فإن وتيرة التجنيد كانت في هذا الوقت تتراجع بصورة حادة. كان العدد المرغوب في تجنيده سنوياً 3000 عنصر، وفي سنة 1965 تم تجنيد 3500 عنصر. أمّا في سنة 1966، فقد انخفض حجم التجنيد، وظلّت وحدات ج.ت.ف. تعاني نقصاً قدره أكثر من 1400 عنصر حتى منتصف السنة، فضلاً عن 750 مجنداً إضافياً كانوا مطلوبين لتشكيل كتيبتي المغاوير، بحسب اتفاقية م.ت.ف. مع مصر.
ليس هناك سبب واضح للفشل في بلوغ أهداف التجنيد في غزة. فالموارد البشرية متوافرة (وكذلك التمويل)، على الرغم من الإعفاءات والتأجيلات الممنوحة للكثيرين من ذوي المهن وأصحاب الأعمال والتجار والطلبة، وعلى الرغم من الشكاوى المتزايدة من العائلات الفقيرة في مخيمات اللاجئين، التي لا تستطيع تحمُّل خسارة مداخيلها لدى تجنيد أحد أفرادها. ولعل المشكلات الإدارية أدّت إلى بعض التأخيرات، غير أن التردد المصري شكّل العامل الأهم. وهذا ما يمكن استنباطه من الطريقة التي تعاملت بها القيادة المصرية مع برنامج تدريب الميليشيا الشعبية. فالبرنامج لم يُذكر قط في الخطة النهائية لتشكيل ج.ت.ف.، التي وافقت عليها م.ت.ف. والقيادة العربية الموحّدة في تشرين الثاني/نوفمبر 1964، مع أنه كان بارزاً في المقترحات الأولية لدى الطرفين، كما أنه لم يظهر في المباحثات اللاحقة مع فوزي. ومن الواضح أن مسألة الميليشيا اعتُبرت خارج نطاق المباحثات المتصلة بـ ج.ت.ف.، لأنها مسألة تحتاج إلى قرار من السلطات السياسية المعنية.
في ربيع سنة 1965 قرّرت الحكومة المصرية، لأسباب خاصة بها، إحياء برنامج تدريب الميليشيا، الذي كانت بدأته في البلد قبل عدة أعوام. ففي نيسان/ أبريل، اقترحت شعبة التعبئة المصرية على قيادة ج.ت.ف. توسيع هذا البرنامج ليشمل غزة. ورحّبت اللجنة العسكرية للمنظمة بالاقتراح، وأعدت خطة لتدريب نحو 7000 مدني فلسطيني بحلول أواخر السنة. لكن هدف المصريين كان أكثر تواضعاً، إذ أرادوا تدريب 4000 شخص في تلك المرحلة. وظلّت المنظمة تأمل بأن تدرّب 7000 شخص آخرين خلال سنة 1965. غير أن الدلائل تشير إلى أن ذلك لم يحدث، كما لم يحدث أي تدريب آخر في سنتي 1966 و1967. وكذلك لم يتم تسليح المتدربين، أو تشكيل وحدات احتياطية منهم.
غير أن المسألة الأهم هي أن اللواءين الجديدين يجب أن يكونا جزءاً من الحرس الوطني المصري بدلاً من ج.ت.ف.، مع أنه كان من المتوقع أن يدفع الأخير رواتب العناصر الفلسطينية، وغيرها من التكاليف المتكررة دورياً. باختصار، كانت القيادة المصرية مصمّمة على وضع أية قوى بشرية عسكرية إضافية في غزة تحت سلطتها المباشرة. ومع ذلك، لم تتشكّل سوى عناصر مقرّ قيادة أحد اللواءين (اللواء التاسع عشر)، مع أن ج.ت.ف. كان قد فهم من فوزي، في نيسان/أبريل1965، أن الهدف هو تشكيل ثلاثة ألوية للحرس الوطني خلال سنة 1966. لكن شيئاً لم يحدث حتى أواخر شباط/ فبراير 1967، حين تم الاتفاق على خطوات لتقوية اللواء الوحيد الموجود، وعلى تشكيل ثلاث كتائب ميليشيا للمقاومة الشعبي من المتدرّبين الفائضين، إضافة إلى خمس كتائب مماثلة يمكن تشكيلها من خلال توجيه نداء طلباً للمتطوعين. وبموجب هذه الخطّة، تقوم القيادة الميدانية لـِ ج.ت.ف. بدور مباشر في الإشراف على تدريب وحدات الميليشيا وتسليحها (لكن ليس الحرس الوطني).
لكن من الخطأ الاعتقاد أن القيادة ج.ت.ف.، ومن خلالها اللجنة التنفيذية لـِ م.ت.ف.، قد اكتسبت أخيراً بعض الولاية العسكرية في غزة. إذ كانت القيادة المصرية قضت بإنشاء قيادة لواء جديدة ومتكاملة في آذار/مارس 1966، تشرف على جميع الوحدات القتالية لـِ ج.ت.ف. في غزة. وهذه القيادة الميدانية، المسمّاة "قوات عين جالوت"، كانت بإمرة القيادة الشرقية للجيش المصري (سيناء) فحسب. وكان يعني ذلك أنه حين سمحت السلطات المصرية المعنية لـِ ج.ت.ف. بأداء بعض المسؤوليات المتواضعة، فإن قيادة اللواء التي يرئسها ضباط مصريون هي التي كانت تتولاها، لا قيادة ج.ت.ف. في القاهرة. وفي الواقع، جُردت قيادة ج.ت.ف. من صلاحياتها إلى حدّ أنها كانت تطلب من قائد اللواء، وهو اسمياً تابع لها، أن يوافق على مقترحات مقدمة إليها من السلطات المصرية بشأن وحدات ج.ت.ف. في غزة. وأتاح ذلك احتواء الأثر المحتمل لنقل ضباط فلسطينيين من سورية إلى قيادة ج.ت.ف. (وآخرين من العراق إلى الوحدات القتالية في غزة)، في أواسط سنة 1966، سواء كان هذا هو القصد الرئيسي أو لم يكن. ومما زاد الأمور سوءاً طرد ضباط ج.ت.ف.، بمن فيهم رئيس الأركان صبحي الجابي، من مصر في ربيع سنة 1967.
إن الانعكاسات على سلطة م.ت.ف. واضحة. فلجنتها التنفيذية كانت أقرّت عدداً من القوانين المتصلة بشروط الخدمة والترقية في ج.ت.ف. في مطلع سنة 1966، لكن القيادة المصرية رفضتها في أواخر كانون الأول/ديسمبر بعد صمت طويل، كما رفضت معها تعديلات كانت قيادة ج.ت.ف. اقترحتها مؤخراً. وفي هذا الوقت، أدت الخلافات الحادة التي نشبت داخل م.ت.ف. إلى تعطيل قيادة الجيش، في حين حاول الشقيري أن يهزم معارضيه الداخليين بحلّ اللجنة التنفيذية. فقام أخيراً، بسبب الضغط وبعد اقتناعه بعدم استجابة القيادة المصرية لطلباته، بخطوة غير مسبوقة، إذ رفع شكاويه خطياً إلى عبد الناصر في منتصف شباط/ فبراير. ولم يُسجَّل أنه تلقّى رداً، أو أن وضع ج.ت.ف. فقد تغيّر. وسواء أكان لهذا السبب أم بسبب خلافات المنظمة الداخلية، فقط قاطع وجيه المدني مكتبه امتعاضاً لعدة أسابيع في آذار/ مارس – نيسان/ أبريل. ويتبين بوضوح كم تراجعت سلطة المنظمة، وذلك بتولي محمد فوزي صلاحياتها من دون سابق استشارة، أولاً حين عيّن فتحي سعد الدين رئيساً للأركان بالوكالة لـِ ج.ت.ف. (محلّ المنفي صبحي الجابي)، وثانياً حين منح سعد الدين السلطات الإضافية للقائد العام (في غياب المدني).
التحضير للحرب:
انقلاب السياسة المصرية أم استمرارها؟
بقيت القبضة المصرية مشدودة على ج.ت.ف. حتى عشية حرب حزيران/يونيو 1967. فتحضير الخطط لتعبئة الحرب الوطني وإنشاء وحدات جديدة للميليشيا في قطاع غزة، في شباط/فبراير، اعتُبرا تدابير دفاعية. وفي الإجمال، لم يكن لدى ج.ت.ف. سوى 5000 رجل تحت السلاح تقريباً، يدعمهم، في أحسن الحالات، نحو 4000 عنصر خفيف التسليح والتدريب من عناصر الحرس الوطني والميليشيا. والأهم من ذلك أن تسليم الأسلحة الثقيلة إلى ج.ت.ف. تأخر كثيراً. ولم تستلم قيادة ج.ت.ف. سوى جزء يسير من مجموع 300 سلاح مضاد للدبابات و420 سلاحاً متوسطاً كانت في قيد الطلب منذ آذار/مارس 1966، وهذا ما حرمها قدرات دفاعية ضرورية جداً. وحاول وجيه المدني، تكراراً، تأمين الإفراج عن شحنة من أسلحة المشاة، والدبابات من طراز "ت – 54"، وصلت من الصين الشعبية إلى الإسكندرية في أواخر سنة 1966، كما حاول الحصول على أسلحة إضافية لتسليح الميليشيا، لكن القيادة المصرية لم تعطه سوى بعض الأسلحة الخفيفة في النصف الثاني من أيار/مايو 1967، أي عشية الحرب. ولم يستطع الشقيري لقاء عبد الحكيم عامر ليناقش معه أي دور ممكن للوحدات الفلسطينية، إلاّ بعد انسحاب قوات الطوارئ الدولية، بينما أخبره عبد الناصر، في 26 أيار/مايو، أن الحرب ليست في الأفق المنظور. ولم يتم وضع ج.ت.ف. في حالة تأهب إلا قبل اندلاع الحرب بأيام قليلة، بينما صدر الأمر إلى الأفراد الخاضعين لدورات تدريبية في مصر وإلى عناصر القيادة بالذهاب إلى غزة. ومع ذلك كله، لم يتعلق الجيش سوى أوامر عملياتية غامضة في إبان بدء الأعمال العدائية، اقتصرت على الدفاع عن خط الهدنة وإشغال القوات الإسرائيلية على جبهته.
يتبين عند عرض كل ما سبق أنه كان هناك قلق مصري واضح واهتمام خاص بالحدّ من قدرة ج.ت.ف. على الإخلال بالتوازن مع إسرائيل، سواء كان ذلك تصميماً مقصوداً من قيادته، أو استفزازاً متعمّداً من ضباط ذوي ولاء سرّي لخصوم عرب، أو امتلاكاً لأسلحة تجرّ إلى التصعيد أو تجتذب ضربات وقائية. ولم تكن مصر وحيدة في إبقاء ج.ت.ف. مقيّداً بوثاق مشدود – فقط طبّقت سورية نظاماً مماثلاً إلى حد بعيد – لكن المهم هنا هو إثبات أنها فعلت ذلك، وبإصرار لم يتناقص.
يشير عزم وثبات المحاولات المصرية لإبقاء السيطرة على ج.ت.ف.، إضافة إلى افتقار م.ت.ف. تماماً للسلطة في أي مجال عملي في قطاع غزة، إلى أن عبد الناصر لم يرغب أصلاً في أن يكتسب أي من الجسمين (م.ت.ف. وج.ت.ف.) حتى المكانة الرمزية التي اكتسباها فعلاً. والتفسير الأرجح هو أنه بحلول سنة 1964، كانت النزعة الوطنية الفلسطينية تهدّد بالتحوّل إلى قوة مستقلة، تؤدي بالتالي، إلى عدم استقرار الوضع، ويستطيع من خلالها المنافسون العرب، وخصوصاً في سورية، وفي المملكة العربية السعودية أيضاً، توريط مصر في حرب مع إسرائيل قبل موعدها. وفي هذا السياق، كانت من المفيد لعبد الناصر أن يحاصر النشاط الفلسطيني في إطار مؤسساتي مثل م.ت.ف.، كما كان ملائماً له أن يسمح بتشكيل ج.ت.ف. كوسيلة لامتصاص جاذبية القوى الناشطة كحركة "فتح"، التي كانت هجماتها تهدف، بوضوح، إلى استثارة ردة الفعل الإسرائيلية وردة الفعل العربية المضادة، الأمر الذي سيجر الجميع إلى حرب شاملة.
ربما كان عبد الناصر يأمل بتعزيز موقعه الإقليمي من خلال دعم م.ت.ف.، لكن كان التحدي الدائم الذي واجهه حتى سنة 1967، هو كيف يسير بمظاهر التحضيرات ضد إسرائيل لمنع الفلسطينيين من أخذ المبادرة بأيديهم أو التصرف كمخلب القط لمصلحة منافسيه العرب، من دون أن يؤدي ذلك إلى توتر مع إسرائيل يخرج عن سيطرته. وقد رمت هذه الدراسة إلى تقديم الدليل الملموس على أن تشكيل ج.ت.ف. لم يعكس، في حد ذاته، سياسة تصعيدية تجاه الصراع مع إسرائيل.
ملاحظة المؤلف: استطعتُ إجراء البحث العلمي اللازم لهذه الدراسة في القاهرة، بفضل منحة شخصية صغيرة للبحث من الأكاديمية البريطانية. إنني مدين بشكر خاص للواء عبد الحي عبد الواحد، قائد قوات عين جالوت في جيش التحرير الفلسطيني آنذاك، الذي سمح لي بالاطلاع على محفوظات الجيش، إذ لولا ذلك لما كُتبت هذه الدراسة. كما أشكر الأشخاص التالية أسماؤهم، على التعليقات والملاحظات التي تفضلوا بها على المسودات المتعددة من الدراسة: أفنير كوهين، وريكس براينن، وفواز جرجس، وجانيس غروس – ستاين، وإبراهيم كروان، وأحمد خليفة، وروجر أوين، وريتشارد باركر، وموشيه شيمش، وآفي شلايم. وأخيراً، لا بد من الإشارة بالشكر والتقدير إلى الفريق أول محمد فوزي الذي اطلع على مسودة الدراسة، وأيد السجل الوثائقي الوارد فيها.
قائمة المراجع[1]
أولاً: المصادر الأولية
أ) الوثائق
- المذكرة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا تاريخ (نهاية آب/أغسطس 1964).
- مذكرة إلى السكرتاريا العامة، مكتب مساعد الأمين العام للشؤون السياسية، جامعة الدول العربية، من الفريق أول علي عامر، القيادة العربية الموحدة لجيوش الدول العربية، مكتب القائد العام، الملف 142، 4 أيلول/سبتمبر 1964.
- مشروع الخطة العسكرية لتشكيل جيش التحرير الفلسطيني، اللجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1964.
- رسالة من الفريق أول علي عامر، شعبة التنظيم والتعبئة، القيادة العربية الموحدة، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1964، الرقم 99/64/16/1216.
- مذكرة إلى رؤساء أركان مصر والعراق وسورية من الفريق أول علي عامر، شعبة التنظيم والتعبئة، القيادة العربية الموحدة، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1964، الرقم 104/64/16/1216.
- الخطة النهائية لإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، اللجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تشرين الثاني/نوفمبر 1964.
- محضر المباحثات بين اللجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية والجمهورية العربية السورية بتاريخ 6/12/1964.
- ملاحظات اللجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية على مشروع قانون التجنيد العسكري الفلسطيني (مقدمة إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)، 21 كانون الأول/ديسمبر 1964.
- قانون الخدمة الوطنية والعسكرية الذي أقره المجلس التشريعي وصادق عليه الحاكم العام.
- رسالة قيادة جيش التحرير الفلسطيني إلى الأركان العامة المصرية، 31 كانون الأول/ديسمبر 1964، القيد د/2/13/64.
- رسالة قيادة جيش التحرير الفلسطيني إلى الأركان العامة المصرية، 9 كانون الثاني/ يناير 1965، القيد د/2/65/6.
- رسالة قيادة جيش التحرير الفلسطيني إلى الأركان العامة المصرية، 11 كانون الثاني/يناير 1965، القيد د/2/65.
- رسالة اللواء وجيد المدني إلى الفريق أول محمد فوزي، 18 شباط/فبراير 1965، القيد ب/9/65/80.
- تعليمات بشأن التنظيم، شعبة التنظيم والتعبئة، الأركان العامة المصرية، 23 شباط/فبراير 1965، القيد تنظيم/4/عام/1.
- عقد تسليح (إعداد الجانب السوري)، رقم 1/س، 29 آذار/مارس 1965.
- شعبة التعبئة، أركان التنظيم والإدارة في الجمهورية العربية المتحدة، 19 نيسان/أبريل 1965، القيد تعبئة/هـم7/20/1/782.
- رسالة اللواء وجيه المدني إلى الفريق أول محمد فوزي، 24 نيسان/أبريل 1965، القيد ب/659/172.
- مسودة غير مؤرخة وغير مقَرَّة، بعنوان "محضر اتفاق"، إعداد منظمة التحرير الفلسطينية بعد اجتماع 27 نيسان/أبريل 1965.
- مسودة غير مؤرخة وغير مقَرَّة، بعنوان "محضر اتفاق"، إعداد منظمة التحرير الفلسطينية بعد اجتماع متابعة في 28 أو 29 نيسان/أبريل 1965.
- محضر اتفاق، مكتب رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة [المصرية]، 29 نيسان/أبريل 1965، الملف 4296/.
- مسودة مذكرة أعدتها قيادة جيش التحرير الفلسطيني، لا تاريخ (نيسان/أبريل 1965).
- دراسة مشروع المقاومة الشعبية في قطاع غزة مقدمة من أركان التنظيم والإدارة في الجمهورية العربية المتحدة، أعدته اللجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا تاريخ (نيسان/أبريل 1965).
- عقد تسليح (إعداد الجانب السوري)، رقم 2/س، 5 أيار/مايو 1965.
- عقد تسليح (إعداد الجانب السوري)، رقم 4/س، 16 أيار/مايو 1965.
- التقرير العام المقدم إلى اللجنة التنفيذية عن المدة من 24/8/1964 إلى 22/5/1965، اللجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
- تقرير عن المباحثات مع الجمهورية العربية المتحدة، اللجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا تاريخ (أواخر أيار/مايو 1965).
- تقرير قيادة جيش التحرير الفلسطيني إلى القيادة العربية الموحدة عن الفترة من 18/9/1964 إلى 1/6/1965.
- رسالة شكوى من ممثل م.ت.ف. في قطاع غزة، 24 تموز/يوليو 1965.
- رسالة اللواء وجيه المدني إلى السيد أحمد الشقيري، 29 تموز/يوليو 1965.
- رسالة شكر من السيد أحمد الشقيري إلى رئيس الحكومة الصينية، شو إن – لاي، 7 تشرين الأول/أكتوبر 1965، القيد 9/65/15/.
- تقرير نجاح المرحلة الأولى والمرحلة الثانية من خطة إنشاء جيش التحرير الفلسطيني عن الفترة من 1/9/1965 إلى 1/5/1966، مقدم من اللواء وجيه المدني إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، 30 نيسان/أبريل 1966، القيد 16/س/66/481.
- قرار صادر عن رئيس المجلس الرئاسي، أمين الحافظ، القانون رقم 18، 2 كانون الثاني/يناير 1966.
- رسالة اللواء وجيه المدني إلى مكتب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة المصرية، 18 كانون الثاني/يناير 1966، القيد 4296/766.
- تقرير نجاح المرحلة الأولى والمرحلة الثاني من خطة إنشاء جيش التحرير الفلسطيني عن الفترة من 1/9/1965 إلى 1/3/1966، مقدم من اللواء وجيه المدني إلى شعبة التنظيم والتعبئة، القيادة العربية الموحدة.
- اتفاقية بشأن تشكيل وتسليح جيش التحرير الفلسطيني، مكتب رئيس أركان القوات المسلحة [المصرية]، 22 آذار/مارس 1966، الملف 4296/3764، عام.
- رسالة قيادة جيش التحرير الفلسطيني إلى القيادة العليا المصرية، 1 أيار/مايو 1966، ق ع/1.
- رسالة القيادة العليا المصرية إلى قيادة جيش التحرير الفلسطيني، 3 أيار/مايو 1966، القيد 4266/5102.
- رسالة قيادة جيش التحرير الفلسطيني إلى القيادة العليا المصرية، 4 أيار/مايو 1966، ق ع/2/1.
- مذكرة الفريق أول علي عامر القائد العام، والعميد ركن وحيد صادق الجبوري، رئيس شعبة التنظيم والتعبئة للقيادة العربية الموحدة، إلى اللواء وجيه المدني، 4 شباط/فبراير 1966، القيد 1201/هـ/66/66.
- رسالة قيادة جيش التحرير الفلسطيني إلى الأركان العامة المصرية، 20 آب/أغسطس 1966، القيد د/10/637/114.
- رسالة القيادة العليا للقوات المسلحة المصرية إلى قيادة جيش التحرير الفلسطيني، 28 كانون الأول/ديسمبر 1966، القيد 4296/15662.
- رسالة اللواء وجيه المدني إلى السيد أحمد الشقيري، 4 شباط/فبراير 1967، ق ع/9/1/209.
- رسالة السيد أحمد الشقيري إلى الرئيس جمال عبد الناصر، لا تاريخ (ما بعد 4 شباط/فبراير 1967).
- مذكرة الرائد (احتياط) عبد العزيز سالم إبراهيم، رئيس شعبة التدريب بالإنابة، لا تاريخ (شباط/فبراير 1967).
- رسالة اللواء وجيه المدني إلى السيد أحمد الشقيري، 16 شباط/ فبراير 1967، القيد ن/س/ 25/139.
- المؤتمر المنعقد في منظمة التحرير الفلسطينية، 18 شباط/فبراير 1967.
- مؤتمر المقاومة الشعبية المنعقد في مقر قيادة جيش التحرير الفلسطيني في 22 شباط/فبراير 1967.
- مذكرة اللواء وجيه المدني إلى اللواء علي عبد الخبير، مدير الأركان في القيادة العليا للقوات المسلحة المصرية، 30 آذار/مارس 1967، القيد 4296/3737.
- رسالة اللواء وجيه المدني إلى السيد أحمد الشقيري، 3 أيار/مايو 1967، القيد ق ع/9/1/330/.
ب) الكتب
- "مؤتمر القمة العربي الأول". السكرتاريا العامة، جامعة الدول العربية. القاهرة، لا تاريخ.
- "مؤتمر القمة العربي الثاني". السكرتاريا العامة، جامعة الدول العربية. القاهرة، لا تاريخ.
- "مؤتمر القمة العربي الثالث" السكرتاريا العامة، جامعة الدول العربية. القاهرة، لا تاريخ.
- "الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1965". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1965.
- أحمد الشقيري. "من القمة إلى الهزيمة". بيروت: دار العودة، 1971.
- صلاح الدين الحديدي. "شاهد على حرب 67". القاهرة: مدبولي، 1974.
- راشد حميد. "مقررات المجلس الوطني الفلسطيني، 1964 – 1974". بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1975.
- محمد فوزي. "حرب الثلاث سنوات، 1967/1970، م1كرات الفريق أول محمد فوزي". بيروت: دار الوحدة، 1983.
- محمود رياض. "مذكرات محمود رياض، 1948-1978: البحث عن السلام.. والصراع في الشرق الأوسط". بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، 1985.
ج) المقابلات
- محمود أبو مرزوق، ضابط مدفعية في جيش التحرير آنذاك.
- رمزي بدران، أحد الضباط الفلسطينيين المنقولين من سورية إلى مصر في سنة 1966.
- فايز الترك، رئيس شعبة الاستخبارات في قيادة جيش التحرير آنذاك. من خريجي عام 1955 –
- محمد تمراز، تلميذ ضابط في الكلية الحربية المصرية في سنة 1967.
- إبراهيم الدخاخنة، ضابط في الاستخبارات العسكرية المصرية في قطاع غزة آنذاك.
- طارق شرف، ضابط مصري معار إلى حركة المقاومة الفلسطينية بعد سنة 1967.
- منصور الشريف، ضابط ميداني في وحدات جيش التحرير في قطاع غزة آنذاك. من خريجي عام 1955 –
- فخري شقورة، مدير مكتب القائد العام لجيش التحرير في القاهرة آنذاك. من خريجي عام 1955 –
- راجي صهيون، المدير الأول لبرنامج "صوت فلسطين"، إذاعة القاهرة.
- قصي العبادله، ضابط احتياط ومدعي عام عسكري آنذاك، والرئيس الأول للجنة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
- عبد الله العجرمي، ضابط في وحدات جيش التحرير في قطاع غزة آنذاك.
- محمد فوزي، رئيس الأركان العامة المصرية آنذاك.
- كمال قدومي، ضابط فلسطيني تم نقله من العراق إلى قطاع غزة في سنة 1966.
- عبد الرازق المجايده، ضابط ميداني في وحدات جيش التحرير في قطاع غزة آنذاك. من خريجي عام 1955 –
- عبد الله المحيسن، ضابط صف في حرس حدود فلسطين ثم في جيش التحرير الفلسطيني آنذاك.
- أمين هويدي، رئيس المخابرات العامة، ثم وزير الحرب في مصر بعد سنة 1967.
- فواز ياسين، مذيع في برنامج "صوت فلسطين"، إذاعة القاهرة، آنذاك.
ثانياً: المصادر الثانوية
- عيسى الشعيبي. "الكيانية الفلسطينية: الوعي الذاتي والتطور المؤسساتي، 1947 – 1977". بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1979.
- خيرية قاسمية. "أحمد الشقيري زعيماً فلسطينياً ورائداً عربياً". الكويت: لجنة تخليد ذكرى المناضل أحمد الشقيري؛ بيروت: توزيع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1987.
- محمد\ حسنين هيكل. "حرب الثلاثين سنة: سنوات الغليان". الجزء 1. القاهرة: الأهرام، 1988.
- "حرب الثلاثين سنة: 1967 الانفجار". الجزء 2. القاهرة: الأهرام، 1990.
- Moshe Shemesh. The Palestinian Entity, 1959-1974: Arab Politics and the PLO. London: Frank Cass, 1988.
* المصدر: نص مختصر ومعدّل قليلاً لدراسة نشرت في:
International Journal of Middle East Studies 30 (February 1998), pp. 97-116.
[1] تم حذف الحواشي نظراً إلى ضيق المجال، واستُبدلت بهذه القائمة. وعلى من يرغب في الاطلاع على الحواشي التفصيلية أن يراجع النص الإنكليزي.