هذه هي الرواية التاسعة في سلسلة أعمال الكاتب الروائي الياس خوري الذي احتل، بجدارة، مكانته المرموقة على خريطة الأدب العربي وعلى خريطة الأدب الروائي بالتحديد. وهذه الرواية "فلسطينية" تماماً من غلافها حتى آخر صفحة فيها، بأشخاصها وأمكنتها وحوادثها ومحتواها العام. واللافت فيها لغتها الجميلة المتوترة والحانية في آن واحد؛ إنها لغة انسيابية ووثابة معاً، لكأن رائحة الجليل تعبق بين الصفحات، أو كأن أزهار الكرمل تكاد تنقف من بين الكلمات. إنها رواية اللجوء الفلسطيني إلى لبنان سنة 1948. وأكاد أتجرأ على القول إن لا أحد قبل الياس خوري، أكان فلسطينياً أم عربياً، كتب رواية عن اللجوء بمثل هذا البهاء والجمال والاكتمال. فجميع من كتبوا روايات في هذا الموضوع، باستثناء غسان كنفاني، ظلت رواياتهم أقرب إلى القصص الطويلة أو إلى مشاريع روايات لم تكتمل.
يشتغل الياس خوري على رواياته بحنكة ودراية ودقة. ولإنجاز هذه الرواية جال في مخيمات برج البراجنة ومار الياس وشاتيلا وعين الحلوة مستمعاً إلى الناس وحكاياتهم وذكرياتهم وأحلامهم، باحثاً عما وراء الكلام وما تخفي العيون وما تطوي الأفئدة، ثم عاد إلى المراجع التاريخية لتوثيق الحوادث والوقائع والشخصيات فجاء عمله جميلاً مثل "أبواب" الأحلام، ساطعاً مثل "الشمس"، هادراً كالرغبة، مدهشاً كطفل متحفز.
ثمة، ولا شك، إمتاع وشجن في هذه الرواية الجميلة. وثمة، أيضاً، إبداع جلي في هذا العمل الأدبي الراقي. وما كان ممكناً أن تأتي هذه الرواية على مثل هذا البهاء لولا "معايشة النمرة" والمكابدة المضنية للكلمات. وربما كان من العسير تماماً، بل من غير اليسير أبداً، ترويض الوقائع الفلسطينية والحوادث والأشخاص وصوغها في بنيان روائي على غرار هذه الرواية.
إن سر الإبداع يكمن هنا بالذات، أي في القدرة على البحث والجمع والبناء. إنه سمو الإبداع وقد اتخذ هذا الشكل من الأدب. وهنا بالتمام يكمن سر هذا الجمال في هذه الرواية الجميلة التي صاغها روائي حاذق ومبدع من عيار الياس خوري.