إن واحدة من أبرز المشكلات التي يواجهها التجمع اليهودي في فلسطين هي مسألة الهوية اليهودية. والسؤال الأبرز الذي لا يكف عن الحضور في الأوساط الفكرية الصهيونية هو: "من هو اليهودي؟" وثمة أسئلة أُخرى كثيرة أمثال: هل توجد هوية يهودية محددة ومميزة وثابتة، أم أن ثمة هويات متعددة؟ هل هناك شخصية يهودية خالصة أم أن لليهود شخصيات عدة بحسب المجتمعات التي عاشوا فيها واكتسبوا ملامحها وثقافتها ومؤثراتها التكوينية؟
حاولت الصهيونية أن تنكر تعددية الجماعات اليهودية في العالم، وقدمت نموذجاً اختزالياً لليهودي وللشخصية اليهودية، وطوّرت مصطلحات عامة مثل "يهود المنفى" و"الدياسبورا" و"الشعب اليهودي"، وهي مصطلحات تفترض التوحد والتجانس، وتخفي التعدد والاختلاف. والحال أن اليهود شديدو الانقسام حتى في مسألة تعريف اليهودي؛ هل هو اليهودي الإثني أم اليهودي المؤمن أم اليهودي العلماني؟ وإذا كانت الجماعات اليهودية اكتسبت، بسبب انفصالها النسبي عن محيطها، هويات متميزة، فإن ذلك لا يعني وجود هوية يهودية عالمية وشاملة، وإنما هويات كثيرة بعدد المجتمعات التي عاش اليهود فيها. فيهود شرق أوروبا كانوا يكتسبون هويتهم من خلال الييديشية، والسفاراد الإسبان من خلال اللادينو. لكن الييديشية كانت معزولة تماماً عن اللادينو، بل متصادمة معها، حتى عندما اجتمعتا في إسرائيل نفسها.
يحاول هذا الكتاب أن يتناول هذه المسألة من منظار تاريخي واجتماعي وسياسي وديني، فينقض الفكرة الصهيونية التي ترى أن اليهود شعب واحد مميز وأن الصهيونية هي القومية اليهودية بالذات. ولدحض الآراء الصهيونية في هذا الحقل يعرض الكاتب للواقع الإثني للمستوطنين وللأصول العرقية ليهود العالم، ويقدم براهينه الثاقبة التي تتحدى الأطروحات الصهيونية المعروفة وتبين طبيعتها الاختزالية وزيفها وادعاءاتها.