طوال معظم عقدي السبعينات والثمانينات، ركزت الأدبيات الأكاديمية التي تناولت الصراع العربي - الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة. ولم يكن يسيراً الإشارة إلى دراسة أكاديمية واحدة عن القدس خلال هذه الفترة. فقد نزعت الأبحاث إلى التركيز على انتشار المستعمرات الإسرائيلية، وقضية حقوق الإنسان، وتطبيق القانون الدولي، ومحاولات إسرائيل إيجاد أو انتقاء النخب الفلسطينية، وكذلك طبعاً أسباب اندلاع الانتفاضة وتطورها. وإذا وضعنا جانباً الكتب السياحية، والصور التذكارية، والكتب التوراتية الشائعة، نجد أن عدد الأعمال الرصينة عن القدس، منذ سنة 1967، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وتعكس هذه الندرة، إلى حدّ ما، افتقاراً عاماً إلى الاهتمام السياسي بهذه المدينة. فمسألة القدس، بدءاً بغياب المناقشات في الأمم المتحدة، وصولاً إلى انعدام التحرك في مواقف إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والعرب تجاه مستقبل المدينة، لم تجر مقاربتها. وفي أي حال، فقد تدفق سيل المنشورات عقب مؤتمر مدريد واتفاقي أوسلو عندما ارتُقي بـ "قضية" القدس إلى مستوى مفاوضات الوضع النهائي. إذ لم يكد يمضي ثمانية عشر شهراً حتى ظهر نحو اثني عشر كتاباً جديداً عن القدس.
وفي ضوء السياسة الحالية للحكومة الإسرائيلية لاستباق نتيجة المفاوضات المتعلقة بالوضع النهائي من خلال مصادرة الأراضي، واعتماد برنامج ذي وتيرة متسارعة لبناء المستعمرات، ومنع الفلسطينيين من الإقامة بالقدس أو الوصول إليها، فإن الديناميات القائمة اكتسبت تعبيراً يُطلق عليه: "معركة القدس." وفي الواقع، إنها معركة تحتدم عشية وقف محتمل لإطلاق النار إذ تناور الأطراف المتعارضة يائسةً للحصول، على نحو مجازي وواقعي، على أكبر قدر ممكن من الموقع المميّز واليد الطولى قبل توقف الحرب. إنّ الاطلاع على هذه الكتب في هذا السياق المحموم والانفعالي قد لا يتعدى كونه مقاربة من زاوية ضيقة، وتوقّع تفسيرات وأفكار لم يعمد الكتّاب قط إلى تضمينها مؤلفاتهم. وفي الوقت نفسه، فإن هذا السياق هو الذي حثّ على هذه الكتابات، كما يجب أن يتقبل الكتّاب أنفسهم فكرة أن تُقرأ أعمالهم وتقوَّم وفقاً لهذه الخلفية.
إن دراسة القدس، والحال هذه، ليست فرعاً معرفياً أكاديمياً جزئياً، إذ إنها تنطوي على فروع معرفية متداخلة تجعل في الإمكان مقاربتها من زوايا متعددة: تاريخيّة وأدبية ودينية وإدارية وسياسية. إن الكتب التي في قيد المراجعة يتضمّن كل منها مقاربته الخاصة به، الأمر الذي يجعل أي مقابلة بينها خرقاء، وغير ملائمة، أحياناً. ومهما يكن، يمكن التمييز بين فئتين أساسيتين منها والقيام بمقارنات محددة بينهما: الكتب "غير السياسية"، وتشتمل على كتابي كارين آرمسترونغ وأندرو سنكلير؛ والكتب "السياسية" وتشتمل على العناوين الخمسة الأُخرى.
يقارب كل من سنكلير وآرمسترونغ المدينة من خلال منظور من المعطيات لا تتعلق مباشرة بالقضايا السياسية الراهنة. فسنكلير يعتمد في إبداء ملاحظاته على مصادر أدبية وتاريخية، بينما تعتمد آرمسترونغ، في دراستها، على غنى المادة الدينية المتعلقة بالمدينة. وبين الاثنين، يُعتبر سنكلير الأقلّ إرضاءً نظراً إلى غياب فكرة رئيسية واحدة في الكتاب، إضافة إلى إشاراته الممجوجة إلى المفارقات والتفسيرات الخلقية، على نحو مثير للسخط. كما أن تعليقاته على المشهد الدولي بعد الحرب الباردة، تستند إلى كليشيهات من وسائل الإعلام عن المخاطر الناجمة عن تجدّد الجهاد الإسلامي (ص 256)؛ واستنتاجه أنّ الاحتفالات الإسرائيلية بمرور ثلاثة آلاف عام على المدينة تظهر "الحق الأصلي والثابت" لإسرائيل في المدينة، أمر ينطوي على قراءة مبسطة للوضع المعاصر.
في المقابل، فإن كتاب آرمسترونغ عمل بحثي رصين وحساس ويبعث على التأمل. كما يُعتبر، في الوقت نفسه، مرجعياً وجذاباً. إنه دراسة عن القدس ومعناها في الديانات الإبراهيمية الثلاث؛ لذلك فهي تُعتبر دراسةً في هذه الديانات وفي الكيفية التي أضفت هذه الأخيرة، بفعل إحساسها بالقداسة، معنى على الأمكنة الدينية في القدس. وأسوة بسنكلير، تعتمد آرمسترونغ على مقاربة تاريخية أساسية بدءاً بالمرحلة ما قبل التوراتية، مروراً بالإسرائيلية والمسيحية والإسلامية المبكّرة والصليبية، وصولاً إلى المراحل الإسلامية المتأخرة. في أي حال، وخلافاً لمؤرخين غربيين وإسرائيليين كثيرين، تعالج آرمسترونغ المرحلتين الإسلاميتين على نحو كامل، إذ إنها تُفرد لهما أربعة فصول كاملة، على الأقل. وهي لا تقارب الدين على قاعدة أنه "متغيّر تابع"، وإنما تقلب المعادلة رأساً على عقب لتجعل من الأداء الإنساني ذلك المتغيّر التابع للإيمان؛ ومن شأن مقاربة كهذه أن تضفي انتباهاً وأهمية ملائمين على دور الأسطورة والرمز والإيمان في فهم التطور السياسي للمدينة. ولا تخشى آرمسترونغ المغامرة خارج "منطقتها" في اتجاه الوضع السياسي الراهن؛ وهي إذ تفعل ذلك فباطّلاع وثقة.
ويمكن الحكم على الكتب "السياسية" الخمسة من خلال ما تضيفه إلى فهمنا بشأن المأزق الذي يخيّم على القدس. والأقل إفادةً، على هذا الصعيد، هو كتاب إيرا شارانسكي Governing Jerusalem؛ وهذا أمر مخجل جداً إذ إن أعمق هوة، في الأدبيات عن القدس تتمثل في الكيفية التي حُكمت بها المدينة. فالبلدية الإسرائيلية ومكتب المحافظ هما أشهر من أن يُعرّفا، غير أن الأمور المتعلقة بطبيعة أعمالهما وجبايتهما الموارد، ومسؤولياتهما على صعيد التخطيط، ونوعية العلاقة التي تربطهما بالحكومة المركزية، لا تزال تفتقر كثيراً إلى مزيد من الاستقصاءات المفصلة. ولا ينطوي هذا الكتاب، في حقيقة الأمر، على دراسة، فهو مملوء بالملاحظات والاستطرادات الذاتية التي تفتقر إلى الاكتمال والإثبات، إضافة إلى اختلاطه بعبارات النفي والتكرار؛ فهو يبدو كقطع متناثرة جُمع فيما بينها من دون رابط محكمٍ بينها.
كتاب Jerusalem in the Twentieth Century هو من تأليف مؤرخ معنيّ بالحربين العالميتين الأولى والثانية وبالتاريخ اليهودي أيضاً. ومع ذلك، فإن أي شخص يسعى لتدريس الصراع العربي - الإسرائيلي، بطريقة موضوعية، يستطيع أن يشهد على الأذى الفادح الذي تسبّب به الأطلسان اللذان أعدهما مؤلف الكتاب - مارتن غيلبرت - بشأن الصراع، لجهة الانتقائية المنحازة إلى إسرائيل. ويُذكر أن كاتب هذه السطور توخّى، في مقاربته، منحى حذراً. وفي الأساس فإن صفحات الكتاب الثلاثمئة والثلاث والستين تشتمل على سلسلة متواصلة من الصيغ المختصرة التي تعطي رواية مهتزة وغير متماسكة لم يكن ممكناً قط تبيّن وجهتها وموضوعاتها الرئيسية لولا عناوين الفصول التي تندرج تحتها. وربما كان في هذا التقويم ظلم كبير لمارتن غيلبرت، لكن كتابه يوحي بأنه ليس أكثر من بطاقات وضعها المؤلف وفقاً لفهرسته الشخصية للمادة التي جمعها عن القدس، ثم قدمها إلى الناشر. وأكثر من ذلك، فإن ما يبعث على الدهشة أن يختار مؤرخ تأليف كتاب تاريخي بأسلوب يبدو عليه طابع "التسلسل الزمني"، مع محاولة محدودة لاعتماد نظرة أشمل، أو مساءلة التوجهات الأساسية، أو وضع الصراع بشأن القدس وسط التجاذب العائد للتأثير الغربي في المنطقة. وربما جاز للقراء أن يبتسموا بسخرية عندما يبلغهم غيلبرت في الكتاب أن عملية السلام التي بدأت في مدريد، كانت "مبادرة من يتسحاق شمير" (ص 348 - 349).
أمّا ميرون بنفنيستي، مؤلف كتاب City of Stone، فهو يعالج، على نحو أوسع، واقع المدينة في الوقت الراهن. يبني المؤلف كتابه على عدد من الموضوعات المركزية منها: الدين؛ السياستان البلدية والإدارية؛ قضايا التخطيط؛ الديموغرافيا. وكون الكتاب عملاً بحثياً، فهو لا يتوخى إثارة العواطف. كما أن محاولات الكاتب لإضفاء إطار تحليلي على عمله (الصفحات 131، 132، 177)، لا تبدو مقنعة كونها شخصية ولا تستند إلى أي تقاليد علمية سوسيولوجية أو سياسية. يُشار، كذلك، إلى أن الأسلوب الاعتباطي الذي يطغى على الكتاب، مثير للسخط، كما هي الحال بالنسبة إلى انعدام المراجع، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بجدال ما مع باحث من دون ذكر اسمه (ص 174). وفي أي حال، فإن أقسى ما يمكن توجيهه من نقد إلى الكتاب هو ذلك الذي يطال، على قدم المساواة، محرري الكتاب الذين تغافلوا عن التكرار المستمر والقفز من موضوع إلى آخر. إن مسألة النزوح المسيحي، مثلاً، تكاد تتكرر حرفياً في الصفحتين 185 و255، وكذلك المعلومات عن المدافن المسيحية التي تَرِدُ مكررةً في الفصل نفسه (أنظر ص 238 و256)، والشيء نفسه يقال في إقصاء الفلسطينيين عن المدينة (أنظر ص 225 - 226) الذي هو مجرد تكرار لما ورد في الفصل عن التخطيط.
وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فإن الكتاب يلفت الانتباه. إن إحدى الأفكار الرئيسية المهمة، على سبيل المثال، تتمثّل في وصف بنفنيستي للقدس كأنها مقلع تُجمع فيه الحجارة للرشق ولبناء الأساطير، سواء بسواء. ويُعتبر الكتاب، أيضاً، عملاً يتضمن شيئاً من التماسك الخلقي؛ فالكاتب لا يبدو مثيراً للحفيظة في تعريته النفاق والخداع المتعلقين بالسياسات الإسرائيلية لضم القدس الشرقية إلى مثيلتها الغربية. ويتميّز الكتاب كونه يتضمن معلومات من الداخل عن عمليات صنع القرار التي تؤثر في القدس، تفوق تلك التي تزعم شارانسكي أن كتابها يشتمل عليها. ويبدو بنفنيستي كاتبَ مقال أكثر من كونه أكاديمياً؛ كما أن تعاطفه مع المحرومين، واطلاعه على تناقضات السياسة الإسرائيلية، وإحساسه العميق بالتاريخ، وخياله الخصب، أمور من شأنها أن تعوِّض بسهولة من عيوب الكتاب. كذلك، فإن الفصل ما قبل الأخير في كتابه، بشأن مقترحات السلام المختلفة منذ بداية الصراع، لا يخلو من إفادة ولو كان في هيئة خلاصة وتقويم من النوع الساخر. ولا بأس في اعتبار الكتاب مؤلَّفاً جيداً يمكن الشروع فيه بغية الحصول على صورة حية ومقنعة وتمهيدية عن القدس.
كتاب To Rule Jerusalem من تأليف فريدلاندر وهيخت؛ عمل مؤثر ومفيد، على نحو مماثل. يشار، في البداية، إلى كثرة المراجع والهوامش في الكتاب. والمؤلفان على الرغم من إقامتهما بكاليفورنيا بالمقلب الآخر من العالم، فهما على معرفة بالمدينة وشخصياتها الأساسية. إذ نجحا في التقاط المعنى المتعلق بوجود "عوالم ضمن عوالم" لدى وصفهما الكثرة الكثيرة من الجوالي الدينية والسياسية على طرفي الخط الفاصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إضافة إلى وصفهما الدقيق للانقسامات الداخلية. الكتاب، والحال هذه، مفعم بالمعلومات؛ وتتكون بنيته الأساسية من جزأين يتناولان التطورات السياسية والدينية داخل الجاليتين الإسرائيلية واليهودية، وجزأين آخرين عن الجوالي الفلسطينية والإسلامية. ويهدف الكتاب إلى إظهار مدى مركزية القدس في الصراع، وإلى أن من شأن التوصل إلى قرار بشأن مستقبلها أن يخفّف التوتر في مجالات أُخرى.
وتوضيحاً لهذه النقاط، يعمد المؤلفان إلى توفير خلفية من المعلومات التوضيحية المكثفة، مترافقة مع استطرادات مطولة ومكررة بشأن تاريخ الصراع، وتطور الإسلام السياسي، وعرض للمعتقدات الدينية الحريدية، ودور حركة المستوطنين في السياسة الإسرائيلية... إلخ. وسط هذه الاستطرادات، تغيب مدينة القدس. ومع ذلك، ينجح الكاتبان في تبيان التأثير الذي تخلفه هذه العناوين العريضة في سياسات القدس المعاصرة، فضلاً عن أنهما أثبتا أمانة وشمولية في غربلة المعلومات؛ إذ جرى الرجوع إلى معظم المصادر المعنية والمتوفرة، كما تمت مقابلة طائفة مثيرة للإعجاب من الأشخاص ذوي العلاقة. غير أن الكتاب يشكو، إلى حد ما، من الأسلوب الذي اعتمده الكاتبان، ومع ذلك فقد اجتهدا في جعل عملهما مستساغاً من قبل القارئ العادي. لكن يبقى القول إن كتابهما هو أقرب إلى مقالة مطولة في مجلة National Geographic، ملآنة بالألوان والقصص، تنتشر حولها مادة الكتاب بجرعات يمكن هضمها.
الكتاب الأخير Jerusalem: Final Status Issues عبارة عن كتيّب إذا توخينا الدقة، من تأليف دور غولد؛ وهو جزء من سلسلة منشورات تصدر عن مركز يافي وتتعلق بقضايا مفاوضات الوضع النهائي، وقد وُضع للتأثير في صنع السياسة الإسرائيلية. وواقع أن الكاتب كان، حتى وقت قريب، مستشاراً لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أمر يجعل الكتاب جديراً بالقراءة. ويقرّ غولد، بشجاعة، بأن قضية القدس لا يمكن أن تُحلّ بالتفاوض؛ وهو يرى أن اتفاقي أوسلو ومراسلات بيرس - هولست المصاحبة لهما جعلت إسرائيل في وضع سيئ في المفاوضات بشأن السيادة. ويعتقد أن الحلول الممكنة، سواء الدينية منها أو البلدية أو ما يتعلق بالأراضي، لن تقبل إسرائيل بها. وينتهي إلى استنتاج مفاده أنّ على إسرائيل أن تحصل على أقصى مزايا ممكنة لضمان هيمنتها على القدس. وبالتالي فهو يقترح، بوضوح، العمل على خنق التطلعات الفلسطينية بشأن القدس. ويُذكر أن الكتاب صدر سنة 1995، ومع ذلك ثمة ماي ثير الدهشة تجاه عدد من توصياته التي أصبحت جزءاً من سياسة الحكومة. فمثلاً يقول غولد في الصفحة 36 ما يلي:
.. إذا اقتصرت الدولة الفلسطينية على قطاع غزة، في الوقت الذي تُعدّ في الضفة الغربية ترتيبات للسيطرة المشتركة، عندئذ فإن مدينة غزة قد تظهر عاصمة طبيعية للفلسطينيين... لكن إذا ما أوجد الفلسطينيون دولة في الضفة الغربية، فإن من الطبيعي، والحال هذه، أن يسعوا لجعل أكبر تمركز بشري لهم، القدس الشرقية، عاصمتهم السياسية.
وفي خطوة مفاجئة، يكشف غولد كيف أن الإصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بسيطرة كاملة على القدس، يدفع بسياسات إسرائيل الراهنة في اتجاه الضفة الغربية والسلطة الوطنية الفلسطينية، ويفرض "ترتيبات للسيطرة المشتركة" لا تتلاءم مع اتفاقي أوسلو. وفي أي حال، يُعتبر كتاب غولد مفيداً لمن يرغب في فهم الكيفية التي تتولّى فيها إسرائيل المرحلة الراهنة في معركتها من أجل القدس.
إن مراجعة كهذه لا يمكن أن تُختتم من دون أن يُلفت نظر القارئ إلى غياب الدراسات الفلسطينية الرصينة عن القدس. ولهذا الغياب مدلولات سياسية مهمة؛ والسبب في ذلك، أنه إذا أراد الفلسطينيون أن يتجنبوا الذهاب إلى مفاوضات الوضع النهائي بشأن القدس وهم غير مستعدّين، إطلاقاً، لمهمة كهذه، فينبغي لهم، عندئذ، أن يتزودوا قدراً كبيراً من الأبحاث المطلوبة على هذا الصعيد. ويُشار إلى أن الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية وبيت الشرق في القدس دأبا على بذل جهود متناسقة، ولو متأخرة، في دعم الأبحاث عن القدس من وجهة نظر فلسطينية. لكن في مقابل الجهود التي سبق أن بذلها الجانب الإسرائيلي على هذا الصعيد، فإن الجانب الفلسطيني لا يزال يعاني نقصاً كبيراً في الاستعداد. ومن دون توافر مختلف أنواع المعلومات المطلوبة في هذا السياق، فإنه يتعذر على الجانب الفلسطيني أن يتوصل إلى حل عادل في المفاوضات بشأن القدس. لذلك، يبدو البحث العلمي أمراً مطلوباً بإلحاح؛ مثلاً، فيما يتعلق بالممتلكات الفلسطينية في القدس الغربية وفي الحي اليهودي الموسع، والاتجاهات الديموغرافية في المناطق المتروبوليتانية، والتخطيط والتنظيم الهيكليين، والمؤسسات المسيحية والإسلامية وشبكاتها الدولية، وهذه كلها أمور جوهرية في المفاوضات النهائية؛ غير أنها تتطلب، اليوم، دراسات لتصبح ذات جدوى بالنسبة إلى المفاوضين الفلسطينيين في المستقبل. لذلك، يبدو معيباً، وربما نذيراً، غياب عمل رصين واحد بشأن القدس كتبه فلسطيني ليصار إلى إيراده في هذه المراجعة.