Symposium on Zionism, Post-Zionism, and Anti-Zionism
Keywords: 
إسرائيل
الدولة اليهودية الصهيونية
ما بعد الصهيونية
القومية
الاستعمار
الحرب الإسرائيلية - العربية 1948-1949
قانون العودة الإسرائيلي
Full text: 

أدار النقاش في هذه الندوة دان مرغليت، وشارك فيها كل من: البروفسور أمنون روبنشتاين، أستاذ في القانون، ووزير التربية والتعليم سابقاً؛ د. بِني موريس، مؤرخ، ومؤلف كتاب "ولادة مشكلة اللاجئين 1947 - 1949"؛ البروفسور يوسف غورني، رئيس معهد حاييم وايزمن لدراسة الصهيونية في جامعة تل أبيب؛ د. إيلان بابِهْ، محاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، ورئيس معهد دراسات السلام في غفعات حفيفا؛ الحاخام آفي غيسر، حاخام مستعمرة عوفرا؛ توم سيغف، مؤرخ وصحافي، مؤلف كتاب "المليون السابع"؛ البروسور يوآف غلبر، رئيس معهد هيرتسل لدراسة الصهيونية في جامعة حيفا.

  • دان مرغليت: أرجو أن يقول لنا كل واحد من المشاركين ببضع كلمات ماذا تعني له ظاهرة "ما بعد الصهيونية" (Post-Zionism

أمنون روبنشتاين: بحسب انطباعاتي، ظاهرة "ما بعد الصهيونية" هي مقاربة تعتبر الصهيونية حركة كولونيالية؛ مقاربة تقول إن الصهيونية صماء تجاه الظلم الذي أُلحق بعرب إسرائيل. إن الكتّاب "ما بعد الصهيونيين" يتحدثون عن الصهيونية بـ "أل" التعريف: الصهيونية تلاعبت بالكارثة التي حلت باليهود على يد النازية؛ الصهيونية لم تأبه لمصير يهود أوروبا؛ الصهيونية استغلت يهود أوروبا لأغراضها الخاصة؛... إلخ. الصهيونية، في رأيي، حتى بمعيار القيم الإنسانية، كانت محقة وأيضاً انتصرت.

  • إذا كنت فهمتك جيداً، فإن ظاهرة "ما بعد الصهيونية" هي، في رأيك، نظرة ترى في إقامة دولة إسرائيل خطيئة.

روبنشتاين: نعم. الادعاء هو أن الصهيونية وُلدت بخطيئة استعمارية.

توم سيغف: أنا لا أعرف ما هو [الشيء المسمى] "ما بعد الصهيونية". وفي نظري، إنه في المحصلة شتيمة موجهة إلى شخص تختلف مقاربته للصهيونية عن مقاربة من شتمه. لا معنى للتظاهر بأن ما يجري الحديث عنه هو نقاش في شأن كتابة التاريخ، لأن النقاش مع المؤرخين الجدد نقاش سياسي بشأن ما يحدث الآن وما ينبغي أن يحدث غداً.

  • هل يجري هذا النقاش داخل الصهيونية أم خارجها؟

سيغف: إنه يجري بأجمعه داخل الصهيونية؛ فمع الشيوعيين أو مع الأورثوذكسية الدينية، مثلاً، لا يمكن أن يجري نقاش كهذا. من يعرِّف نفسه بأنه غير صهيوني أو ضد الصهيونية هو خارج النقاش.

يوسف غورني: أعتقد أن هناك غاية أيديولوجية وراء مفهوم "ما بعد الصهيونية". والغاية المتسترة خلفه معادية للصهيونية.

بِني موريس: مفهوم "ما بعد الصهيونية" لم يخترعه المعارضون له، وإنما اخترعه المؤيدون؛ لذلك فهو ليس شتيمة. في نظري، "ما بعد الصهيونية" هو ضرورة أن يعيد الثوريون تشكيل حياتهم بعد أن انتهت الثورة. في الماضي كنا نحكم على كل شيء بمعيار وحيد: إذا كان مفيداً للصهيونية، أو مسيئاً لها. لقد نظمت الصهيونية لنا عالم قيمنا. و"ما بعد الصهيونيين" يريدون أن تكف الصهيونية عن أن تكون الأب والأم الفكريين لنظرتهم إلى العالم.

آفي غيسر: يدعي "ما بعد الصهيونيين" أن الصهيونية أنهت مهمتها، وأننا وصلنا إلى حقبة "ما بعد الصهيونية". شخصياً، أعتقد أننا ما زلنا في مرحلة تاريخية أبكر من أن تسمح بالحديث عن "ما بعد الصهيونية".

يوآف غلبر: متى تتحول الصهيونية إلى عداء للصهيونية؟ عندما لا نقبل الصهيونية كحركة قومية ونقول إنها حركة كولونيالية. فهذا، في الحقيقة، ما يدعيه العرب منذ سنة 1919. الصهيونية، في نظري، هي الزيّ العصري للقومية اليهودية التي تحققت، وما زالت مستمرة في التحقق. والتحدث عن "ما بعد الصهيونية" هو مثل التحدث عن ما بعد الفرنسية، أو ما بعد الإسبانية.

إيلان بابِهْ: "ما بعد الصهيونية"، في رأيي، هو نظرة جديدة إلى الصهيونية. على سبيل المثال، يريد "ما بعد الصهيونيين" أن يحولوا إسرائيل إلى دولة جميع مواطنيها. وهناك بين "ما بعد الصهيونيين" من يريدون إلغاء قانون العودة، وهناك من يقولون إن مواطني الدولة، اليهود والعرب، هم من يجب أن يقرروا بشأن مستقبل هذا القانون. إن "ما بعد الصهيونيين" يتطلعون إلى ماضي الصهيونية بنظرة انتقادية وكئيبة، وإلى المستقبل بنظرة غير صهيونية.

  • هل إسرائيل، بحسب رأيك د. بابِهْ، وُلدت بخطيئة؟

بابِهْ: من وجهة نظر فلسطينية، تمت ولادة دولة إسرائيل بخطيئة. وفي رأيي تمت الولادة، في جوانب معينة منها، بخطيئة. لكن كان هناك مسارات أنتجت هذه الخطيئة. الأشخاص لم يأتوا إلى هنا كخطاة، ولم يأتوا بنية ارتكاب خطيئة. لكن تحركاتهم، منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولّدت سلسلة من المآسي - مع أنهم جاؤوا من أجل حل مآس أُخرى.

سيغف: المسألة، في نظري، سياسية أكثر مما هي خلقية. يجب أن نعي أن الأعوام الأولى لإقامة الدولة كانت مقترنة بالتسبب بمعاناة كبيرة. وأعتقد أن عملية السلام تعبّر عن إدراك أننا مدينون بشيء ما للفلسطينيين. وبالمناسبة، سببت الصهيونية معاناة للمهاجرين الجدد أيضاً.

موريس: يجب أن يجاب عن السؤال هل أن إسرائيل وُلدت بخطيئة بما يلي: إذا كان دخول منطقة معينة والسيطرة على سكانها وإزاحتهم والحلول مكانهم - سواء عن طريق دفع تعويضات أو عن طريق الطرد - فإن كل هذا يعتبر خطيئة، وتكون إسرائيل بالتالي وُلدت بخطيئة. أعتقد أن الكارثة التي حلت باليهود على يد النازية كانت خطيئة أكبر من الخطيئة التي اقترفت بحق الفلسطينيين، ويمكن القول إننا باستيطاننا هنا جنّبنا اليهود كوارث كبرى أُخرى. من الممكن تبرير الظلم الذي أُلحق بالعرب على هذا الأساس.

  • وهذا ما تفعله أنت؟

موريس: هذا ما أفعله أنا.

روبنشتاين: ليس هناك لغة أيديولوجية مشتركة بيني وبين من يقول مثل هذا الكلام. أنا لست شخصاً محايداً، لأنني يهودي ولأنني صهيوني. وأنا لست مستعداً لمقارنة الظلم الذي أُلحق بعرب إسرائيل بإبادة يهود أوروبا. أنا أشجب فرضياتكم الأساسية من ألفها إلى يائها.

موريس: عمن تتكلم بصيغة الجمع - "فرضياتكم"؟

روبنشتاين: عن كل أولئك الذين يتحدثون عن علم اجتماع "ما بعد صهيوني"، أو عن أيديولوجيا "ما بعد صهيونية". أنا لا أفهم على الإطلاق ماذا يعني مصطلح "ما بعد حداثي" (post-modernist). بحسب رأيي، هذه لملمة مذاهب تافهة أو ترهات احتيالية. أنا أقول إن الصهيونية ليست حركة استعمارية، وإن اليهود لم ترسلهم دولة غنية إلى البلد لتستفيد من ذلك مادياً. لا توجد لهذا الشعب أرض أُخرى، ومن لا يعتبر الصهيونية حركة تحرر قومي كمن يقول إن اليهود ليسوا شعباً، وليس لهم الحق في كيان ذي سيادة.

غلبر: أوافق على أن جوهر النقاش هو بين القومية والاستعمار. كل من يدعي أن إسرائيل ولدت بخطيئة يدعي عملياً أن الصهيونية هي استعمار.

سيغف: لكن من في الواقع يقول ذلك؟

  • ما يقصده توم سيغف هو أن من يعتبر الصهيونية حركة قومية محقة وشرعية، وليست حركة استعمارية، يستطيع أيضاً أن يقول إن الصهيونية تسببت بإلحاق ظلم [بالفلسطينيين].

غلبر: بماذا الحركة الصهيونية استعمارية؟ أذكروا لي حركة استعمارية أُخرى رجعت إلى الماضي؛ أذكروا لي حركة استعمارية أُخرى اشترت الأراضي بالمال؛ أذكروا لي حركة استعمارية أُخرى نافست أبناء البلد في سوق العمل؛ أذكروا لي حركة استعمارية أُخرى قطعت صلتها ببلد الأصل وأنشأت ثقافة جديدة.

بابِهْ: أيضاً البوير في جنوب إفريقيا اشتروا أراضي، وتنافسوا في سوق العمل.

غلبر: لا يوجد ما هو باطل أكثر من الادعاء أن الفلسطينيين هم ضحايا ساذجة.

موريس: يمكن أن يكونوا أيضاً ضحايا غير ساذجة.

غورني: أذكروا لي حركة قومية واحدة لم تتسبب بظلم لغيرها. لا يوجد شيء كهذا. أنا أعترض على اختزال جوهر الصهيونية بالظلم الذي تسببت به.

روبنشتاين: تقولون أنني أبحث عن عدو وهمي، ومن ثم أهاجمه. لكنني أقرأ ما يكتبه إيلان بابِهْ وباروخ كيمرلنغ، وهناك أيضاً غرشون شافير الذي هو أكثر لذعاً، وأنيتا شابيرا التي تقول إن الصهيونية حالة خاصة في تاريخ الاستعمار لأنها نجحت في إقامة دولة. وأسأل نفسي: لو كنت عربياً وقرأت هذا الكلام، هل كنت أعقد سلاماً مع دولة كهذه؟

بابِهْ: لقد عقدت كينيا سلاماً مع بريطانيا، وسامح السود البيض في جنوب إفريقيا؛ فلماذا لا يستطيع العرب عقد سلام معنا؟ يجب ألاّ يعطي أمنون روبنشتاين، بصفته وزير المعارف، شرعية لادعاءات العرب أنه لا يمكن عقد سلام مع الدولة اليهودية.

روبنشتاين: قلتُ إن هذا ما يمكن أن أقوله لو كنت عربياً.

بابِهْ: إذاً، هل لو كنتُ كينيّاً، أو كنتُ من مواطني جنوب إفريقيا، أو من مواطني آسيا، ما كنت عقدت سلاماً مع الدول العظمى التي كانت في السابق استعمارية؟ أنظر إلى فييتنام.

موريس: العرب سيعقدون سلاماً معنا، لا لأنهم يعتقدون أننا استعماريون أو غير استعماريين، طيبون أو غير طيبين. إنهم سيعقدون السلام معنا لأننا ظاهرة موجودة هنا، وقوية. إنهم سيعقدون سلاماً مع الواقع.

  • هل يمكن أن يكون هناك مصالحة إذا بقي هناك ضغائن؟

موريس: هذه هي واحدة من مشكلات الكتابة التاريخية الجديدة، لأن الكشف عن الماضي - الذي يكتب عنه لا المؤرخون الجدد فحسب بل أيضاً مؤرخون مستقيمون من جميع الأنواع - لا يخدم بالضرورة السلام. أحياناً يمكن أن يقوض وأن ينسف علاقات قائمة بين الإسرائيليين والعرب، كما نرى ذلك حالياً في كشف أمر قتل الأسرى المصريين.

الصهيونية: نهاية الطريق، أم ماذا؟

  • سواء أكانت الصهيونية وُلدت بخطيئة أم لا، سواء أكانت كما يصورها إيلان بابِهْ أو كما يصورها أمنون روبنشتاين، فالسؤال هو: هل كانت وصلت إلى نهاية طريقها؟ هل كان يجب أن نقيم لها حفلة وداع؟ هل نحن، ربما، في ذروة هذه العملية؟

غورني: حققت الصهيونية، خلال المئة عام منذ تأسيسها، معظم أهدافها. وربما تكون حققت أكثر مما أملت به. خمسة ملايين يهودي [في إسرائيل] كان حلماً طوباوياً؛ والآن سيتحقق أيضاً سلام [مع الفلسطينيين والعرب]. لكن مع أن الصهيونية حققت أهدافها فعليها أن تستمر في عملها، لأن من يعتقد أنه يوجد شعب يهودي يعرف أن البقاء اليهودي في العالم ما زال بمثابة مشكلة. ولا أرى ما يمكن أن يحافظ على وحدة الشعب اليهودي في المنفى سوى الأيديولوجيا الصهيونية. وهذا هو مصدر خلافي مع المتدينين. إن الدين، من وجهة نظري، هو قبل كل شيء قومية؛ ومن هذه الناحية، فإن الصهيونية ضرورة اليوم أكثر من السابق.

  • بروفسور غورني، هل ما تقوله هو أننا بعد أن أقمنا ملجأً آمناً للشعب اليهودي، وأصبحت لدينا قوة نووية لضمان منع أي إمكان لإبادة جماعية للشعب اليهودي مرة أُخرى، من جانب واحد - نحن الآن بحاجة إلى أن نحافظ على الصهيونية فقط من أجل المحافظة على وحدة الشعب؟

غورني: المسألة الآن هي استمرار وجود الشعب، واليهود في أرض إسرائيل هم فقط جزء من الشعب. وما دام الشعب اليهودي موجوداً، فيجب أن تظل الصهيونية موجودة كأيديولوجيا، كعقيدة. من الممكن أن يؤدي الاندماج في شعوب أُخرى إلى اختفاء اليهود، وألا يحتاج المتبقون في الشتات إلينا لأن العقيدة الدينية تكفيهم. لكن حتى الآن لم يحدث ذلك.

  • إذاً مهمة الصهيونية حالياً هي الاستمرار في جلب الشعب اليهودي وتجميعه في أرض إسرائيل؟

غورني: كلا. المهمة هي الاستمرار في المحافظة على اليهودي كما هو. من يريد أن يعيش هنا يعيش هنا، ومن لا يريد ذلك يعيش في الشتات.

  • لا تستطيع حركة ناشطة الاكتفاء بمقاربة فحواها أن من يريد أن يأتي فليأت. ربما يكون من الضروري إقناع [اليهود] بالقدوم.

سيغف: ما دام السلام لم يتحقق فستستمر الأيديولوجيا الصهيونية في كونها الأيديولوجيا الموجهة لدولة إسرائيل. وإلى ذلك الحين لا مجال على الإطلاق لأن نرى أنفسنا في وضع "ما بعد الصهيونية". وهذا، في الواقع، سبب معارضتي لاستخدام هذا المفهوم.

  • لنفترض أن أوسلو ب قاد إلى أوسلو ج.

سيغف: المسألة ليست مسألة هذه الورقة أو تلك. ربما يحدث الأمر بعد أعوام كثيرة عندما نصبح متحررين من الخوف. مع مصر لم نصل بعد إلى وضع كهذا. نستطيع أن نتحدث عن "ما بعد الصهيونية" عندما نتحدث عن ما بعد الحرب. الصهيونية بحسب ما هي موجودة في إسرائيل هي الحرب من أجل إقامة الدولة وحماية الدولة، وأنا أعتبر الصهيونية وحروبها أمراً واحداً. وعندما تنتهي الحروب نسأل أنفسنا: هل كنا نريد العيش من دون صهيونية؟

  • أي أن الإسرائيليين، في اعتقادك، لا يشعرون بعد بأنهم يعيشون في ملجأ آمن، ولذلك فالصهيونية مستمرة.

سيغف: أعتقد أن الإسرائيليين في معظمهم، باستثناء مجموعة صغيرة جداً - وأنا شخصياً أنتمي إليها - لا يشعرون بعد بأن الخطر زال. في الإمكان تأليف كتب، وفي الإمكان طرح أفكار، لكن النقاش ما زال قائماً بشأن مسألة الوجود بالذات؛ بشأن ما إذا كان يجوز لنا أن نكون "ما بعد صهيونيين" والتلهّي بهذه الفكرة، أو أن الوقت لم يحن ذلك بعد. هذا نقاش سياسي في جوهره.

غورني: إذاً، أنت تقول إن الصهيونية مستمرة في الوجود لأن الإسرائيليين بحاجة إليها، وأنا أقول إن اليهود بحاجة إليها.

سيغف: إن الصهيونية ضرورة أمنية.

  • معنى ذلك أنه ما دام هناك حالة حرب فلا مجال أبداً للتحدث عن تغيير قانون العودة.

سيغف: أنا لست مع إلغائه. فليبقَ. في أية حال، اليهود لن يأتوا، ولذلك لا جدوى من كل هذا النقاش المبدئي الكبير المرتبط به.

بابِهْ: إذا تفحصنا نجاح الصهيونية، بمعيار الأهداف التي وضعتها لنفسها، نجد أن الصهيونية لم تنجح. فإذا كانت هدفت إلى أن تكون حركة قومية للشعب اليهودي كله، وإلى أن تحافظ على سلامة هذا الشعب، فإن أغلبية الشعب لم تأت إلى هنا، وإسرائيل هي المكان الوحيد في العالم الذي يُقتل فيه عدد كبير من اليهود. بعد الكارثة [على يد النازية] قالوا إنه لو كان ثمة دولة قبل الكارثة، لكان من الممكن إنقاذ يهود أوروبا. وهذا ادعاء لا يمكن التحقق من صحته؛ إذ كان هناك أيضاً نظرة مختلفة متوطنة في أوساط ليبرالية في الغرب، فحواها أن على اليهود أن يبذلوا جهداً كبيراً في بناء الليبرالية والديمقراطية الغربية، لأن هذا هو أفضل ضمان لعدم وقوع كارثة، [أو] لعدم تكرارها. من ناحية عددية، فإن عدد اليهود الذين تبنوا الخيار الثاني أكثر من عدد اليهود الذين تبنوا خيار الصهيونية؛ والأمر هكذا أيضاً بعد الحرب العالمية الثانية.

غيسر: أرى هنا الأيديولوجيا الحريدية [أيديولوجيا اليهود المتدينين المعادين للصهيونية] تحتفل.

بابِهْ: لم ينته كلامي بعد. ما أقصده هو أننا إذا تفحصنا الصهيونية، كحركة قومية للشعب اليهودي بأسره، نجد أنها فشلت. لكن إذا تفحصنا ما حدث لليهود الذين جاؤوا إلى أرض إسرائيل العثمانية، شأنهم في ذلك شأن حركات هجرة كثيرة في القرن التاسع عشر، نجد أنه بالتأكيد نشأت قومية إقليمية (territorial)، هي قصة نجاح غير اعتيادي. وأنا أخاف على مستقبل هذه القومية الإقليمية في زمن السلام. ماذا سيكون القاسم المشترك بين مجموعات الأشخاص الذين يعيشون هنا معاً؟ هل ستكون هنا صهيونية على غرار صهيونية حاييم رامون؟ ربما تكون التاتشرية الجديدة هذه التي تتطور هنا هي "ما بعد الصهيونية".

غلبر: في رأيي لا يوجد ارتباط بين السلام والمشكلات الحقيقية للصهيونية. الصهيونية أرادت أن تحل مشكلة اليهود ومشكلة اليهودية. وفي نهاية الأمر، جاء يهود فقط من الأقطار التي كان فيها لاسامية ولم يكن فيها مساواة [بين المواطنين]. لقد فشلت الصهيونية في الأقطار التي حدث فيها تحرير [لليهود من القيود المفروضة عليهم/Emancipation]. نحن الآن نَجْرُد قاع دول الاتحاد السوفياتي، وربما نعثر على بضع جماعات يهودية في أصقاع نائية من العالم. الإمكانات استنفدت، والسؤال الآن هو: ماذا بعد؟ هناك اليوم أربعة أنواع من اليهودية: اليهودية الأورثوذكسية التي تخدم نفسها بنفسها؛ اليهودية الإسرائيلية؛ اليهودية المندمجة؛ اليهودية السوقية الأميركية التي هي، كما يبدو، الأكثر انتشاراً.

  • هل تفترض أنه لا يمكن أن ينشأ في الدول الديمقراطية الليبرالية وضع يمكن أن يتسبب بحدوث ضائقة لليهود؟

غلبر: إن إسرائيل هي المكان الأقل أمناً بالنسبة إلى اليهود. لكن وجود دولة إسرائيل بالذات هو الذي، في رأيي، يمكّن اليهود من الازدهار في دول أُخرى.

روبنشتاين: ليتني أستطيع التوصل إلى النتيجة التي فحواها أن التهديد الأمني المتربص بنا زال، وأن من الممكن الجلوس والبحث في كيفية تكوين مجتمع هنا متحرر من الخوف على وجوده. ليتني أستطيع الاعتقاد أن اللاسامية زالت من العالم. لكن، مع ذلك، أقول إنه بعد أن تحل هاتان المشكلتان، فسيبقى هناك أيضاً المعضلة الأيديولوجية الأساسية. شخصياً، أريد أن تقوم هنا دولة يهودية وديمقراطية. لقد كنت أنا من أدخل هذا القانون الأساسي (قانون احترام الإنسان وحريته) في سفر القوانين، وكان قصدي أن تتوفر هنا مساواة كاملة في الحقوق المدنية بين المواطنين جميعاً.

موريس: إن العملية التاريخية المتمثلة في توطين البلد بلغت نهايتها. ملأنا كل المربعات الخالية، وأخلينا عدة مربعات، وأعدنا ملأها. البلد ملآن وطافح بالناس، ولم يعد هناك مكان لهجرات كبيرة. وأعتقد أن قانون العودة سيبطل، في نهاية الأمر، بصورة طبيعية. سيفتح الناس عيونهم ويجدون أنه لم يعد في البلد مكان خال. وستقل الرغبة في استيعاب هجرات أُخرى بمقدار ما يتحسن الوضع الأمني. من الممكن، طبعاً، استقبال لاجئين مهدَّدين بالخطر أو مضطهدين، لكن لا أكثر من ذلك.

  • إذاً أنت ترى هنا مساراً يقوم على حماية مصالح القاطنين في البلد وتقديمها على مصالح المهاجرين؛ مسار كنعنة [اشتقاق من اسم سكان فلسطين القدامى: الكنعانيون].

موريس: نعم، أنا أرى أن هذا هو ما يحدث الآن.

غيسر: عندما كان هنا 700 ألف يهودي، كان هناك أيضاً من قال إنه لم يعد هناك مكان لمزيد من اليهود. البريطانيون قالوا ذلك في الماضي.

هوية الدولة،
والفلسطينيون، والديمقراطية

  • أي نوع من الدولة سيكون هنا؟ هل ستكون دولة يهود، أم دولة لجميع مواطنيها؟

غيسر: موقفي من هذه المسألة نابع من نظرة أساسية شاملة: أنا صهيوني، أنا "ما بعد صهيوني"، والجديد عندي هو إنني أيضاً "ما قبل صهيوني". إن أعوام الصهيونية المئة هي، بالنسبة إلي، الرداء العصري للوجود اليهودي. وحتى بن - غوريون شعر بأن عليه، من أجل بناء دولة صهيونية، أن يرتبط بالتوراة. أنا مسرور لأن الصهيونية ستصل بعد وقت قصير إلى هذا النقاش، الذي سيتفحص ما هو المشترك بين جميع الأشخاص الجالسين في هذه الغرفة. وأنا شخصياً أعرف أنه لو قام الحاخام موسى بن ميمون، أو الحاخام عكيفا، من قبرهما فسيكون لديّ ما أتحدث به معهما وما أناقشه معهما، بينما لو قام أفلاطون من قبره فلن يكون لديّ ما أتحدث به معه. إن التواصل التاريخي والذاكرة التاريخية يستوجبان وجود الصهيونية في هذا الزيّ أو ذاك أيضاً في المستقبل. وهذا أمر لن نتخلص منه إلى الأبد، وأنا مسرور به.

روبنشتاين: أود أن أوضح أنني أريد أن يبقى أيضاً أولادي وأحفادي يهوداً، لكن ليس بأي ثمن: إذا كانت يهوديتهم ستكون أورثوذكسية متعصبة، أو قومية متعصبة، لا تحترم حقوق الآخرين، فإنني إذن لا أريد ذلك.

  • قانون العودة هو قول لا فعل فقط. في زمن قبول العرب بنا، هل سيكون من شأن ما يقوله قانون العودة أن يثقل على قبولهم بوجودنا في الشرق الأوسط؟ ألن يطمئن العرب لو قلنا لهم إن قانون العودة سيزول، أو سيتلاشى، بعد هذا العدد أو ذاك من الأعوام؟

بابِهْ: موقف العالم العربي من إسرائيل ليس مرتبطاً بحق العودة، لكن حق العودة جوهري جداً بالنسبة إلى العلاقات بين اليهود والعرب داخل دولة إسرائيل. إن تعريف الصالح المشترك للمجتمع الإسرائيلي يهودي برمته تقريباً، وليس مدنياً. يجب أن يكون هناك شراكة أكثر مع السكان العرب الإسرائيليين.

  • هل تحبذ السعي لإلغاء قانون العودة؟

بابِهْ: بحسب رأيي، حتى عندما نصل إلى مرحلة لا يعود فيها أي يهودي راغباً في المجيء إلى إسرائيل، فإن الإسرائيليين في معظمهم لن يكونوا مستعدين لإلغاء قانون العودة.

غيسر: لقد انعكس ذلك في كل ما يتصل بهجرة اليهود الإثيوبيين، إذ نجد أنفسنا مضطرين إلى استيعاب أبناء ونسل وأحفاد لم يُعترف بيهوديتهم، ولكننا نفعل ذلك لأن قانون العودة قانون مقدس في الواقع الإسرائيلي.

غلبر: قانون العودة هو نتيجة الكارثة [التي سببتها النازية]، ولا علاقة له بالصراع الإسرائيلي - العربي، وليس هو الذي يقف حاجزاً أمام تحول إسرائيل إلى دولة لجميع مواطنيها. لقد تحدث سيغف عن تيارين معاديين للصهيونية - الأورثوذكسية الدينية، والشيوعية - وأنا أريد أن أتحدث عن تيار ثالث، تيار الاندماج الفردي؛ أي تيار أولئك الذين لا يريدون أية هوية قومية، وإنما يريدون أن يكونوا مثل كل الآخرين، مثل كل الأغيار (الغوييم). ومن الجدير أن نذكر أن البند 116 في الدستور الألماني أكثر تطرفاً من قانون العودة عندنا؛ إنه يجلب إلى ألمانيا أشخاصاً ماضيهم الألماني مثل ماضي كلب رعاة ألماني، لكن لا أحد في ألمانيا يقول إن الأمر يلحق ضرراً بطابع ألمانيا الديمقراطي. وحتى الأتراك لا يطالبون بإلغاء البند 116، وإنما يطالبون بما هو متوفر لعرب إسرائيل، أي مساواة في الحقوق المدنية.

سيغف: كيف يمكن أن تتحدث عن مساواة في الحقوق المدنية للعرب بينما أنت لا تسمح بهجرة عربية؟

غلبر: أنا أقول إن لكل من هو موجود في البلد حالياً حق التمتع بالمساواة في الحقوق.

سيغف: وماذا عن حقه في إحضار جدته إلى هنا؟

غلبر: حق العودة للعرب ليس مرتبطاً بالمساواة في الحقوق المدنية، وإنما هو مرتبط بنيّة تقويض دولة إسرائيل وهدمها من الداخل. سألت مرة مفكراً إنكليزياً لماذا يؤيد حق العودة للعرب ولا يريد حق عودة الألمان إلى إقليم السوديت، فلم يكن لديه أي جواب.

سيغف: الكلام الذي يقوله غلبر هنا هو من النوع الذي يثير نزعة "ما بعد الصهيونية". فهو، من ناحية، يؤيد المساواة المدنية الكاملة للعرب في الحقوق، ومن ناحية أُخرى يعرف أنه لا يمكن أن يكون هناك مساواة كهذه لأن إسرائيل دولة يهودية. سأقول الآن شيئاً منافياً جداً للإنسانية فيما يتعلق بقانون العودة: إن قانون العودة، في رأيي، يجنب إسرائيل موجات الهجرة من دول العالم الثالث. فنحن عندما نقول سلفاً إننا لن نقبل سوى يهود، نكون نجنب أنفسنا صداعاً يشكو منه كثير من الدول الغربية.

روبنشتاين: إن الاتفاقية الدولية لإزالة جميع أشكال التمييز العنصري لا تشتمل على حق الهجرة ومعه حق التجنس في إطار حقوق المواطن...

  • لقد عرض سيغف المسألة بصورة واقعية: إمّا أن نقول بوضوح إننا نريد أن نحضر إلى هنا يهوداً فقط، وإمّا أن نقول إننا معنيون هنا باحترام حقوق المواطن. وهذا يعني إمّا مساواة في الحقوق المدنية، وإمّا تفضيل اليهود. المطلوب هو قول ذلك بوضوح.

روبنشتاين: حق العودة ليس جزءاً من حقوق المواطن، وإنما هو القانون الذي يحدد طبيعة دولة إسرائيل. دولة إسرائيل دولة يهودية، وكما يقبل اليهود الرموز القومية للدول التي يعيشون فيها، بما في ذلك أناشيد وطنية مسيحية وأعلام مرسوم عليها صلبان، فإنه مما لا يمس حقوق المواطنة لعرب إسرائيل ألاّ يعبر علمهم عن رموزهم.

بابِه: السبب في أننا نجلس في هذه الغرفة ونتحدث عن "ما بعد الصهيونية" هو أن أمراً ما حدث في الأعوام العشرة الأخيرة، وبدأ أشخاص، ليسوا من هوامش المجتمع، يتحدثون عن هوية الدولة، وتميزها من هوية الجماعة القومية. ويدور هذا النقاش بين المؤرخين وفي الجامعات وفي مراكز الثقافة والإعلام، ويستثير ردات فعل متعددة في طابعها العام. هناك ردة فعل من نمط رد أمنون روبنشتاين، الذي يقول إن كل هذا لملمة تافهة. وهناك من يرد قائلاً إن ما يجري هو لاسامية داخلية. وأيضاً هذه الندوة القائمة هنا اليوم هي نوع من ردات الفعل. وأنا أرجو ألاّ نتناقش في تحسين مستوى الحياة الخاصة للعربي الإسرائيلي، كما يفعل روبنشتاين، لأن من الضروري أن نتحدث عن الإحساس بالشراكة لدى العربي الإسرائيلي؛ وهذا أمر مختلف. إنه ينعكس في عَلَم، وفي نشيد وطني، وفي برامج تعليم.

  • ما أراه هو أن إيلان بابِهْ مستعد للاعتراف بحق تقرير المصير لجميع الشعوب ما عدا اليهود. من الصعب فهم لماذا يستطيع يهود أميركا التنازل عن رموزهم القومية كي يعيشوا في الولايات المتحدة، ويهود إنكلترا التنازل عن رموزهم القومية كي يعيشوا في إنكلترا، بينما الفلسطينيون، الذين يعيشون حالياً داخل الخط الأخضر، هم فقط الذين لا ينبغي لهم التنازل والاعتراف بأنهم يعيشون في دولة يهودية؟

سيغف: المشكلة في النقاش الجاري هنا هي أن أحد الطرفين يرفض أن يعرّف الوضع بصدق، ويرفض الاعتراف بأنه في الوضع الصهيوني الحالي لا يستطيع عرب إسرائيل الحصول على مساواة كاملة في الحقوق. يجب الاعتراف بذلك.

غورني: هناك مشكلتان منفصلتان: وجود أقلية قومية تعيش بيننا؛ قانون العودة. قد لا يكون قانون العودة مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بوضع العرب الإسرائيليين، لكنه يعرّف الدولة بأنها دولة يهودية، وأغلبية الجمهور في إسرائيل لا تريد أن تعيش في دولة ثنائية القومية، وإنما في دولة يهودية.

غلبر: في نظري، إذا كان هناك تناقض بين الصهيونية والديمقراطية، فللصهيونية الأولوية.

سيغف: أنا ديمقراطي أكثر مما أنا صهيوني، لأنني أعتقد أن الدولة ليست قيمة وإنما ضرورة. وأعيش مع إحساس قوي بالتوتر بين القيم الإنسانية التي كنت أود أن أراها سائدة في الدولة، وبين المعطيات القائمة. وقد جهدت دائماً لتعزيز القيم الإنسانية.

  • ولو بثمن تعريض الإطار للخطر؟

سيغف: كلا. فأنا لا أريد أن أنتحر. من جهة أُخرى، أنا لا أوافق على أن مجابهة كل أنواع الأساطير والحقائق القديمة تهدد سلامة المجتمع، وإنما أنا أعتقد أن مجابهة كهذه فقط تحول المجتمع إلى مجتمع جدير بأن يحيا المرء فيه.

  • ربما كان ما يضمن الديمقراطية الإسرائيلية هو بالتحديد قانون العودة، لأنه هو الذي يضمن أن تكون هنا أغلبية يهودية كبيرة.

بابِهْ: هذه نظرة تبسيطية إلى مفهوم الديمقراطية. فالديمقراطية ليست ما هو جيد للأغلبية فقط، بل هي أيضاً ما هو جيد للأقلية.

غيسر: أثمن شيء في نظري هو وجود أغلبية يهودية في أرض إسرائيل تضمن الوجود اليهودي السيادي هنا. والأفضلية التي يتمتع اليهود بها هي، في نظري، خلقية وعادلة؛ هذه الأفضلية تضمن وجودنا.

غلبر: لم يكن هناك لدى أحد نية لمنح أقليات قومية مساواة في الحقوق في إسرائيل. وهذا مفهوم مأخوذ من عالم مفاهيم اليهود الذين عاشوا كأقليات في أوروبا، ورغبوا في الانصهار والاندماج. إن هذه الفرضية لا تنطبق على عرب إسرائيل، لأن لهم دائرة ثانية هي فلسطين وراء الخط الأخضر، ودائرة أُخرى هي العالم العربي، وهم لا يعتبرون أنفسهم أقلية وإنما جزءاً من الأغلبية في المنطقة. لا يمكن نقل السوابق الأوروبية كما هي إلى واقعنا؛ هذا الأمر لن ينجح.

سيغف: لم لا؟ لماذا لا يشبه وضع عرب إسرائيل وضع اليهود في أميركا؟

غيسر: أتفق في الرأي مع توم سيغف بشأن التوتر الموجود باستمرار بين القيم الإنسانية والطموح الصادق والبريء إلى إصلاح العالم، وبين ضرورة المحافظة على الدولة اليهودية. وفي ودّنا جميعاً أن تعيش الدول بموجب القيم الإنسانية، بموجب رؤية يشعياهو لنهاية التاريخ، حين يعيش الذئب والشاة معاً بأمان؛ لكن هذا صعب في أوضاع صراع من أجل البقاء، أمني وثقافي. والتزامنا الأول هو تجاه الوجود اليهودي.

بابِهْ: أعتقد أن الصهيونية حالياً هي بالتأكيد حركة قومية إقليمية (territorial) تمتلك سطوة وشرعية وجدانية عميقة. لكنها، مثل جميع الحركات القومية في العالم، تعيش أزمة تشبه ما يجري في دول الرفاه، أكثر مما يجري في الدول التي تعاني ضائقة. ولأسباب متعددة، فإن الرد اليهودي على هذه الأزمة والرد الاشتراكي التقليدي لم يعودا يستهويان قلوب الناس، و"ما بعد الصهيونية" محاولة لتقديم رد ثالث. هنا، في إسرائيل، من السهل جداً إلصاق هذا المذهب الثالث بالحاخام يسرائيل آيْخلر وإلصاقه بي، لكن المسألة ليست بهذه البساطة. ففي الكيبوتس الموحد يعيد ياريف بن أهرون فتح التابوت المقدس للكيبوتس، وسيتجدد عندنا أيضاً النقاش مرة أُخرى، عندما تقل التوترات الأمنية وتزداد التوترات الداخلية.

خلاصة القول

غلبر: الآن، وقد وصلنا إلى نهاية النقاش، ربما صار من الأسهل عليّ أن أعرّف "ما بعد الصهيونية" كما يبدو الأمر لي. عملياً، ثمة هنا محاولة للانتقال من نمط معين للقومية اليهودية إلى نمط آخر. نحن نعرف النظرة الغربية إلى القومية بصفتها تجمّعاً طوعياً، ونعرف أيضاً النظرة الألمانية إلى القومية العضوية. ولقد تطورت الصهيونية وفقاً للنمط الثاني، الألماني. لكن هناك الآن محاولة لتحويلها إلى النمط التطوعي. وبما أن القومية اليهودية هي، بحسب رأيي، عضوية فإنني أعتقد أن هذه المحاولة لن تنجح.

غورني: لا مجال للتملص من القول إن مغزى "ما بعد الصهيونية"، من الناحية الفكرية، هو إلغاء القومية اليهودية، وإلغاء دولة اليهود، وإلغاء قانون العودة، وإلغاء مفهوم شعب إسرائيل، والانتقال إلى أمة إسرائيلية. هذا فيما يتعلق بالصلة بين الإسرائيليين ويهود العالم. من ناحية ما يجري هنا حالياً، من ناحية الموقف تجاه الأقلية، فإنني آمل بأن تصدقوا أنني لست أقل من توم سيغف إنسانية، وأن انعدام الرحمة يحزنني. من ناحية أُخرى، أعرف أنه يوجد مصلحة قومية وأنها لم تختف. وأنا أحاول بأسلوبي المبائي [نسبة إلى حزب مباي] تفادي الوصول إلى صراع مكشوف بين الديمقراطية والمصلحة القومية.

موريس: أعتقد أننا وصلنا إلى مشارف نهاية حقبة تحقق الصهيونية. وأعتقد أن عملية الانتقال [إلى "ما بعد الصهيونية"] ستزداد زخماً عندما يزداد التعاطف الوجداني بين اليهود والفلسطينيين. وفي الواقع، فإن ما ميز الحركة القومية اليهودية من ناحية، والحركة القومية الفلسطينية من ناحية أُخرى، هو الفقدان المطلق للتعاطف فيما بينهما؛ وهذا في سبيله إلى التغير الآن.

روبنشتاين: لو كنت أعتقد وجود تناقض في الجوهر بين الصهيونية والديمقراطية لكنت وجدت نفسي أمام مشكلة شخصية صعبة. لكني أكرس معظم جهدي من أجل ألا يكون هناك تناقض كهذا. وأريد أن أذكّر من يقول إن الصهيونية كحركة قومية يهودية لم تنجح، بأنها كانت قبل مئة عام شبه بدعة مثيرة للاستغراب، وكان هناك تيارات أقوى منها. كان هناك التيار البوندي، وكان هناك التيار الإقليمي (territorial)، وكان هناك الأورثوذكسية الدينية، وكان هناك أحاد هعام، وكان هناك الذوبان في المجتمعات الأُخرى. أنظروا الآن ماذا تبقى بعد مئة عام - فقط الأورثوذكسية الدينية وإسرائيل. كل التيارات الأُخرى آخذة في الانكماش؛ وهذا معناه أن الصهيونية نجحت.