[....] وجد أمَنونَ روبنشتاين أن من الصواب التمييز بين المقاربات المتعددة لمن يوصفون بأنهم "ما بعد صهيونيين"، لكنه فيما كان لا يزال في وارد تصنيفهم فئات، وعلى نحو أشد لاحقاً في السياق، تخلى عن التمييز بين الفوارق وانجرف في سلسلة من التعميمات: "ما بعد الصهيونيين" تبنوا "الرواية التاريخية الفلسطينية"؛ المؤرخون والسوسيولوجيون الجدد... يعتبرون القومية اليهودية اختراعاً صهيونياً مصطنعاً؛ وأخيراً، "ما بعد الصهيونية" مماثلة لمعاداة الصهيونية أو لـ "دعاية معادية للصهيونية".
إن روبنشتاين مخطئ ومضلل في المماثلة التي ابتدعها بين "المؤرخين الجدد/السوسيولوجيين الانتقاديين" وبين المصطلح "ما بعد الصهيونية" [....].
[.......]
وبحسب علمي، ليس ثمة بين المؤرخين الجدد الوضعيين من يصف نفسه بأنه "ما بعد صهيوني"، أو بأنه "معاد للصهيونية". فأنا، مثلاً، أعتبر نفسي، بالتحديد، مواطناً وصهيونياً. وأعتقد أن من حق كل شعب أن تكون له دولة، بما في ذلك الشعب اليهودي، وأؤيد قيام الدولة اليهودية، على الرغم من الظلم الشديد الذي لحق بالفلسطينيين من جراء ذلك، وأؤمن باستمرارية هذه الدولة كدولة يهودية.
وبصفتي مؤرخاً آمل بأن تكون مؤلفاتي، التي كشفت عن الوجه المخبوء - المظلم للصهيونية، ساهمت في إغناء البحث في الحركة والدولة التي أنشأتها. وبصفتي مؤرخاً، هذا هو واجبي (ولا أفهم كيف يخلط شخص جدي مثل روبنشتاين بين كتابة تاريخية جدية وموضوعية وبين "ما بعد الصهيونية") [....].
لذلك يمكن القول إنني أعتبر دراساتي "عملاً صهيونياً". وإضافة إلى ذلك، إذا كانت الصهيونية ليست حركة تحرير يهودية - قومية فقط، بل أيضاً تعرّف نفسها بأنها حركة تنادي بقيم إنسانية، وإذا كنت ساهمت بدراساتي في زيادة الوعي بوجود "الشعب الآخر" ومعاناته (التي نجمت جزئياً عن أفعاله هو بالذات، وجزئياً عن أفعالنا نحن)، فإنني أيضاً أكون بذلك قمت، من ناحيتي، بـ "عمل صهيوني".
[....] لا أعتقد وجود تماثل بين "ما بعد الصهيونية" و"معاداة الصهيونية"، وبالتأكيد لا يوجد تماثل بين هذين وبين "التاريخ الجديد" [....].
أنا لا أعرِّف نفسي بأنني "ما بعد صهيوني". لكنْ كمؤرخ، يبدو لي أن دولة إسرائيل دخلت، في الأعوام الأخيرة، حقبة ما بعد أيديولوجية، أي "ما بعد صهيونية"، بدأت فيها المصالح والقيم الخاصة والفردية تطغى على قيم الجماعة بكاملها. ويبدو لي أن الإحساس بالازدحام الشديد في الدولة (الذي ينعكس يومياً في شوارع المدن وعلى أرصفتها) بدأ يحتل مكاناً ما في وعي إسرائيليين كثيرين - وهذا أمر من الممكن، ومن الضروري، أن يؤدي إلى تقييد الهجرة في المستقبل غير البعيد، لأسباب "عملية" لا أيديولوجية (خطوة "ما بعد صهيونية" أيضاً).
إن الكشف عن أعمال الطرد ومجازر ضد العرب في سنة 1948، وأعمال إسرائيل على امتداد الحدود في الخمسينات، وعدم استعداد إسرائيل للقيام بتنازلات من أجل السلام مع دول عربية (الأردن وسورية) بعد سنة 1948، ليس "دعاية معادية للصهيونية"، كما يدعي روبنشتاين، وإنما هو إضاءة لجانب من مسارات تاريخية مهمة، عتَّمت عليه عمداً طوال عشرات من الأعوام المؤسسة الإسرائيلية - بمن في ذلك الباحثون والصحافة - خدمة للحكومة وللأيديولوجيا السائدة.
[.......]
يكتب روبنشتاين عن "الشجاعة" المطلوبة اليوم لكتابة "تاريخ قديم". والحقيقة هي أن الكتابة التاريخية القديمة لا تزال إلى اليوم مسيطرة على العالم الأكاديمي في البلد. فإلى جانب المحاضرين القليلين الذين ينتجون كتابة تاريخية جديدة، هناك كثيرون مستمرون في الكتابة القديمة، وفي تعاطي المادة بالأساليب القديمة نفسها، كما لو أن الوثائق لم تكشف، وكما لو أنهم ما زالوا يعيشون نفسياً في الخمسينات. ومن الصحيح أيضاً أن ثمة كثيرين بين من يكتبون تاريخاً "جديداً" يخافون أن يتماثلوا علناً مع الموجة الجديدة، كي لا يُظلَموا في الترقيات المهنية، والمنح المخصصة للأبحاث، وما شابه ذلك.
[.......]
وللأسف، على الرغم من ادعاء روبنشتاين أن المرء "في إسرائيل لا يحتاج إلى شجاعة عامة كي يفعل ذلك (تحطيم الأساطير. ب. م.)"، فإنني شخصياً اضطررت إلى دفع ثمن فادح متمثل في أعوام أمضيتها خارج النطاق الأكاديمي (بما في ذلك خلال فترة تولي روبنشتاين وزارة التعليم) بسبب كتابة تاريخية غير منسجمة مع روحية المؤسسة. ولست الوحيد [الذي دفع مثل هذا الثمن].