الهجرة اليهودية الراهنة في موازنة التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي في إسرائيل
Keywords: 
هجرة اليهود السوفيات
العوامل الديمغرافية
المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية
الضفة الغربية
قطاع غزة
الاقتصاد الفلسطيني
Full text: 

مقدمة 

منذ نكبة الشعب العربي الفلسطيني سنة 1948 وقيام إسرائيل (وقبل ذلك أيضاً)، تُعتبر الهجرة اليهودية وتدفق رأس المال الأجنبي من المصادر الأساسية الفعّالة لتنمية وبلورة الطاقة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، ولتغذية سياسة التوسع الكولونيالي على حساب أراضي وحقوق الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية المحيطة بإسرائيل.

وبين موجات الهجرة إلى إسرائيل، تكتسب الهجرة اليهودية الواسعة من الاتحاد السوفياتي، منذ أواسط سنة 1989، أهمية خاصة. فمن حيث الطابع والأهداف، تتسم هذه الهجرة بمواصفات متميّزة تحتضن العديد من المخاطر الجدية على مختلف الجبهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها؛ فهذه الهجرة ترتبط عضوياً بالمخطط الاستراتيجي الأميركي لإقامة "نظام إقليمي جديد" في الشرق الأوسط، يدين بالولاء للسياسة الأميركية. ومنذ بداية الهجرة الواسعة، قبل أكثر من عامين، رفضنا الادعاء الصهيوني باعتبار الهجرة الراهنة مجرد قضية إنسانية تتعلق بحرية الفرد أو المجموعة في التنقل والسكن أينما يريد، كما تنص المواثيق الدولية واتفاقية هلسنكي في شأن حقوق الإنسان.

إننا نعتبر قضية الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي، في الأوضاع الراهنة من التطور والصراع، قضية سياسية من الدرجة الأولى؛ قضية لها أبعادها ومدلولاتها الاستراتيجية والسياسية والاجتماعية، ولها إسقاطاتها على مجرى ومصير الصراع والتطور في الشرق الأوسط وفي إسرائيل.

وننطلق في تقويمنا هذا من حقيقتين أساسيتين أثبتتهما مدلولات هذه الهجرة المنظمة خلال العامين الماضيين: الأولى، أنه في الوقت الذي أعلن الاتحاد السوفياتي التزامه وثيقة هلسنكي وفتح أبوابه للهجرة، أُغلقت أمام هؤلاء المهاجرين جميع البوابات الأميركية والكندية والأوسترالية وغيرها، ولم يُعطوا سوى خيار الهجرة إلى إسرائيل؛ والثانية، أن مواثيق هلسنكي وغيرها، التي تدعو إلى توفير حرية الفرد والمجموعة في التنقل والسكن، لا تعني أبداً أن يكون ذلك على حساب نهب حرية شعب آخر وتهديد كيانه ووجوده ومستقبله، أو تهديد إمكان تطور الشعب الذي سيقيمون بين ظهرانيه. وما حدث خلال العامين الماضيين، ان الدوائر الحاكمة الإسرائيلية والاحتلال الكولونيالي الإسرائيلي يستغلان موجات الهجرة الواسعة لتكثيف الاستيطان الكولونيالي، وإيجاد موازنة ديموغرافية جديدة في دولة فلسطين المحتلة تساعدهما في تمرير سياسة الأمر الواقع ونسف الحقوق القومية الفلسطينية في التحرر والسيادة. كما أنهما يستغلان هذه الهجرة لتهديد حاضر ومستقبل تطور ووجود الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل، في وطنها (موجات مصادرة الأراضي العربية، وتشغيل المهاجرين الجدد مكان العاملين العرب). هذا، بالإضافة إلى تأثير الهجرة في زيادة حدّة التقاطب الاجتماعي في إسرائيل، وتسعير حدّة الأزمة الاقتصادية والتوتر الاجتماعي. وهذا البند الأخير، سيكون المحور الذي سنسلط الضوء عليه.

 أولاً: التأثير اقتصادياً

بدأت موجات الهجرة الواسعة في ظل حالة الركود الاقتصادي العميق، وفي وقت تضرب الانتفاضة الفلسطينية بمطارقها المؤثرة الوضع الاقتصادي في إسرائيل.

في الماضي غير البعيد، اعتدنا التشديد على أن أحد الأسباب الأساسية للتدهور الاقتصادي وللظواهر المزمنة التي ترافق التطور الاقتصادي (العجز المتراكم في ميزان المدفوعات والميزانية الحكومية، الزيادة المستمرة في وتيرة التضخم، الدين القومي المتراكم، إلخ) يكمن في التناقض الصارخ بين الطاقة الاقتصادية والمالية المحدودة للاقتصاد الإسرائيلي، وبين النفقات العسكرية الهائلة على سباق التسلح وعلى تمويل آلة الاحتلال الكولونيالي. اليوم، ومنذ بداية الهجرة الواسعة، هناك ضرورة لأن يضاف إلى ذلك أيضاً التناقض الجديد بين المقاييس الكبيرة للهجرة وتكلفتها، وبين قدرة الدولة والاقتصاد على تمويلها واستيعابها. ويوجِد هذا التناقض على أرض الواقع قضايا ملتهبة في مجال الاستيعاب وتجنيد الأموال والعمل والتعليم، إلخ، كما يعكس تأثيره على طابع تطور البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إسرائيل.

أ -  قضية الاستيعاب (التمويل)

باعتراف وزير الاستيعاب يتسحاق بيرتس وصل إلى إسرائيل، منذ أواسط سنة 1989 حتى نهاية أيلول/سبتمبر 1991، نحو 367 ألف مهاجر جديد.[1]  وباعتراف رئيس الوكالة اليهودية، سيمحا دينتس، يخطط لـ"استقبال" 1,2 مليون مهاجر جديد خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.[2] 

لا ريب في أن لمثل هذه الزيادة غير الطبيعية، في تعداد سكان إسرائيل، أثره الكبير  في زيادة المخزون الاحتياطي للطاقة العسكرية والاقتصادية والعلمية في إسرائيل. وهذا ما تجسّده معطيات البنية الهيكلية المهنية لهذه الهجرة؛ فوفقاً لمعلومات عوزي غدور، مدير قسم خدمات الاستيعاب في وزارة الاستيعاب، فإنه منذ بداية الهجرة الواسعة (سنة 1989) حتى نهاية سنة 1991، يكون في إسرائيل بين المهاجرين الجدد: "10 آلاف عالم، 87 ألف مهندس، 45 ألف هندسي وتقني، 38 ألف معلّم، 21 ألف طبيب، 18 ألفاً من رجال الفن، 20 ألف أكاديمي في العلوم الاجتماعية."[3]  وبحسب الأستاذ يرمياهو برنوبر، من جامعة تل أبيب ورئيس قسم الأبحاث الإسرائيلي في مجال الطاقة، فإن "20% من المهاجرين الجدد هم من حَمَلة الشهادات المهنية العالية في مجالات الهندسة والفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا. وفي إمكان طاقة كهذه أن تحوّل إسرائيل إلى ما يشبه اليابان من الناحية التكنولوجية."[4]

إن إحدى القضايا الملتهبة والبارزة، التي تلقي بظلها على مسار وطابع التطور الاقتصادي – الاجتماعي، تتمحور حول مشكلة تجنيد مصادر تمويل استيعاب الهجرة الجماهيرية الواسعة. فوفقاً لمعلومات شركة الأبحاث "موديلم كلكلييم" (نماذج اقتصادية) بإدارة الدكتور يعقوب شاين، تضمن التقرير الذي أُعد بتوصية من الحكومة، "أن استيعاب 200 ألف مهاجر جديد يكلف 20 – 22 مليار دولار."[5]   والسؤال هو: هل في إمكان الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل الأزمة، تمويل هذا العبء؟ ومن أين؟

في شأن هذا السؤال، يجري في إسرائيل نقاش حاد بين مختلف الأوساط، وعلى مختلف الصُعد. مثلاً، الأستاذة روث كلينوف، من الجامعة العبرية، تقول: "لا أستطيع أن أرى كيف يمكن للاقتصاد الإسرائيلي الحصول على 5 – 7 مليارات من الدولارات في الأعوام القريبة لتمويل الهجرة."[6]   ويقترح الأستاذ حاييم بركائي،[7]   من الجامعة العبرية، أن يكون تمويل الهجرة على حساب إلغاء الدعم الحكومي للحاجات الضرورية، وإلغاء علاوة الغلاء المستحقة للعاملين،  وتخفيض 1% من الناتج القومي أو ما يساوي 2% من الدخل القومي، على أساس تقليص النفقات الشعبية والمدنية (الصحة، التعليم، إلخ)، واتباع إصلاح بعيد المدى في مجال الصحة، لأنه هناك- على حد تعبيره – "يتم إنفاق أموال طائلة." ويقترح تحويل ملكية القطاع الصحي العام (الحكومي) إلى ملكية القطاع الخاص. وهذا ما يحدث اليوم.

هنالك من يدعو صراحة إلى تنظيم الهجرة تنظيماً يلائم قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على الاستيعاب. ومن هؤلاء أفيطال عنبار[8]   الذي كتب محذراً: "يجب أن تبدأ الدولة، قبل فوات الأوان، بتنظيم الهجرة وفقاً لإمكانات الاستيعاب: ملاءمة تدفق الهجرة للمقاييس التي يستطيع الاقتصاد أن يتحملها." ودعا إلى عدم استبدال البقرة المقدسة التقليدية، "الأمن"، ببقرة مقدسة جديدة، "الهجرة والاستيعاب". وطالب بـ"القليل من الشجاعة القومية. يجب ضبط الهجرة، من أجل منع توقفها المطلق، كعملية وقائية من الانتحار القومي."

وفي مقابلة أجرتها "إذاعة الجيش الإسرائيلي" مع وزير الاستيعاب يتسحاق بيرتس، بتاريخ 30 تموز/يوليو 1990، صرّح أن إسرائيل لا تستطيع، في أية حال، استقبال أعداد كبيرة من المهاجرين. وعلى حكومة إسرائيل أن تسعى، من منطلقات إنسانية، لتوفير مأوى للمهاجرين اليهود في الولايات المتحدة الأميركية. كما عليها أن تتوجه إلى الإدارة الأميركية بطلب فتح أبواب الولايات المتحدة أمام المهاجرين.[9]

وعلى الرغم من كل ذلك، فعلى ماذا ارتكزت السياسة الاقتصادية للحكومة في مجال تجنيد المصادر لتمويل الهجرة خلال العامين الماضيين؟

اعتماداً على المعلومات الواردة في الميزانية العامة للعامين 1991 و1992،[10]  لجأت الحكومة إلى مصادر التمويل التالية:

  • زيادة العجز المبرمج في الميزانية العامة للإنفاق على استيعاب المهاجرين الجدد.
  • ارتفاع العجز المبرمج من 6,3 مليارات شيكل عام 1989 (4,3 مليارات شيكل عام 1988) إلى 8,5 مليارات شيكل عام 1990، وإلى 11,1 مليار شيكل عام 1991. وفي مشروع الميزانية للعام 1992، وضعت الحكومة الميزانية على أساس زيادة العجز المخطط من 5,5% من الناتج القومي الإجمالي عام 1991 (8,5% العجز العام الذي يشمل القروض أيضاً) إلى 6,5% من الناتج القومي لعام 1992 (10,6% العجز العام).

وهذه الزيادة في العجز أدت، في ظل الركود الاقتصادي، إلى زيادة وتيرة التضخم من 17% عام 1990 إلى نحو 25% - 30% النسبة المرتقبة لهذا العام.

  • زيادة الضرائب وإرهاق أوساط واسعة بالعبء الضريبي. فقياساً بعام 1990، ازدادت الضرائب بنسبة 17,3% عام 1991. هذا، بالإضافة إلى زيادة ضريبة القيمة الإضافية الشرائية من 16% عام 1990 إلى 18% عام 1991.
  • تجنيد قروض ورؤوس أموال أجنبية. فبالإضافة إلى المساعدة الأميركية (الهبة) العسكرية والاقتصادية السنوية، البالغة 3 مليارات دولار، يزداد مبلغ القروض من خارج البلد هذا العام – وقياساً بعام 1990 – بنسبة 12% (من 3,5 مليارات دولار إلى 3,9 مليارات دولار). وسيؤدي هذا إلى زيادة حجم الدين القومي الخارجي الذي يبلغ اليوم 31,4 مليار دولار (يبلغ الدين الخارجي الصافي 24,3 مليار دولار). ووفقاً لبرنامج الحكومة، سيزداد الدين الخارجي في الأعوام الثلاثة المقبلة 18 – 20 مليار دولار.

وفي باب المداخيل في الميزانية الجديدة للعام 1992،[11]  تعتمد الحكومة على مشاركة أميركية في تمويل الميزانية بمقدار 8 – 9 مليارات دولار (هي عبارة عن مجموع 3 مليارات دولار قيمة المساعدة العسكرية والاقتصادية السنوية، و2 مليار دولار قيمة الضمانة الأميركية لدى المؤسسات المصرفية لتمويل الهجرة، و1 مليار دولار تسهيلات في الضريبة على سندات "البوندس" المتداولة في البورصة الأميركية، و2 – 3 مليارات دولار "تعويضات" لإسرائيل جراء حرب الخليج).

  • بيع شركات القطاع العام المربحة للقطاع الخاص.
  • تجنيد قروض داخلية من الجمهور – سندات دين حكومية. وتبرمج الحكومة لتجنيد مبلغ 21 مليار شيكل يؤلف زيادة 84% بالنسبة إلى عام 1990. وبهذا تزداد القروض الصافية 144%. وقد أدت زيادة الطلب للقروض إلى رفع سعر الفائدة المصرفية وسعر القروض من 14,6% سنوياً عام 1989 إلى 16,0% عام 1990، وإلى 20% - 21% اليوم. وهذا يؤلف عاملاً إضافياً سلبياً في المجال التنموي (وخصوصاً أنه يوجِد صعوبات في مجال النشاط الاقتصادي للمصالح المتورطة والصغيرة، تؤدي حتى إلى إفلاس بعضها). كما أنه يزيد في وتيرة التضخم.

ب الهجرة والعمل (المجال التشغيلي)

              منذ أن بدأت الهجرة اليهودية الواسعة تحولت قضية توفير فرص العمل إلى القضية الأولى، وإلى الظاهرة البارزة في إطار الجمود الاقتصادي. فالبطالة الواسعة والمتزايدة أصبحت ظاهرة مزمنة تحتد كل عام. وباعتراف المسؤولين الرسميين، فإنه يجب التعايش مع هذه الظاهرة، وكأن لا مفر منها، في الأعوام المقبلة أيضاً.

وبحسب المعلومات الرسمية،[12]   فقد ازدادت نسبة البطالة من 6,5% عام 1988 إلى 8,9% عام 1989، وإلى 9,8% عام 1990. ويتوقع أن تصل إلى 11% - 12% هذا العام (تبلغ حالياً 10,8%).

ووفقاً للتقرير الجديد لـ"بنك إسرائيل"، [13]   سيكون هناك في الأعوام المقبلة، إذا لم يتم التوصل إلى حل أساسي لقضية العمل، أكثر من 450 ألف عاطل عن العمل، وسيصل عددهم في نهاية العام الحالي إلى 250 ألف عاطل عن العمل (يبلغ عددهم حالياً أكثر من 160 ألف عاطل عن العمل).

وتنطلق الخطة الخمسية الحكومية، 1990 – 1995، من أنه للمحافظة على نسبة بطالة في حدود 10% من قوة العمل الإسرائيلية، خلال الأعوام المقبلة، يجب توفير 540 ألف فرصة عمل! ويعني تحقيق مثل هذا الهدف توفير الشروط، من استثمارات وغيرها، لزيادة النشاط الاقتصادي وزيادة وتيرة النمو الاقتصادي.

ويقدم الدكتور روبي نتانزون[14]  (من معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية) معلومات يؤكد من خلالها أنه "من أجل الوصول إلى هدف إيجاد عمل للجميع، في إطار المحافظة على نسبة بطالة في حدود 10% وإحراز نمو اقتصادي في فترة استقبال موجات الهجرة، يجب أن يزداد الإنتاج القومي الإجمالي بنسبة 12% - 14% سنوياً، على الأقل، وخلال كل عام من الأعوام الخمسة القريبة." وهذا إمكان بعيد المنال في ظل السياسة الاقتصادية القائمة، التي تهدر أكثر من ثلثي الميزانية على الإنفاق العسكري والكولونيالي.

ووفقاً لدراسات عديدة، ليس هناك في الأمد القريب أية آفاق لمواجهة قضية العاطلين عن العمل، أو لمواجهة زيادة البطالة. وهذا ما تجسده الدراسة التي أعدها معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية؛ فقد رسم المعهد،[15]   بحسب تقديراته، نموذجاً مصغّراً لآفاق التطور استناداً إلى واقع التطور خلال العامين الأخيرين، واستناداً إلى موجات الهجرة المرتقبة بحسب الخطة الخمسية الحكومية.

 آفاق تطور

الإنتاج القومي والبطالة

العام

الزيادة السكانية (النسبة المئوية للتغيير قياساً بالعام السابق)

زيادة الناتج القومي الإجمالي (النسبة المئوية للتغيير قياساً بالعام السابق)

زيادة الناتج القومي للفرد (النسبة المئوية للتغيير قياساً بالعام السابق)

نسبة البطالة إلى قوة العمل الإسرائيلية

1990

3,1

4,6

1,5

9,8

1991

8,0

9,2

1,1

10,5

1992

8,0

10,0

1,9

12,5

1993

5,0

8

2,9

16,5

1994

2,0

7,0

4,9

18,5

1995

2,0

7,0

2,9

18,2

 

المصدر: روبي نتانزون، "تطورات اقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي"، "كلكلاه فعفوداه"، العدد 7، آذار/مارس 1991، ص 8؛ معهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، "الميزانية والهجرة"، أيلول/ سبتمبر 1990، ص 11 – 12. 

              تشير هذه المعطيات إلى أن نسبة البطالة ستزداد خلال الأعوام المقبلة أيضاً. فمن أجل توفير فرص العمل للسكان المحليين، وللمهاجرين الجدد أيضاً، يجب أن يزداد الناتج القومي للفرد بنسبة 5% - 7% سنوياً. وكي يصبح هذا الهدف ممكناً، لا بد من إجراء تغيير جذري في السياسة القائمة؛ سياسة ترتكز على: أولاً: ضمان الاستقرار السياسي في المنطقة وفي إسرائيل. ففي غياب الاستقرار السياسي لا أمل بتوفير الاستقرار ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي وزخم الانتفاضة الفلسطينية، لن يهرع أصحاب رؤوس الأموال إلى الاستثمار في إسرائيل. ولا يمكن تحقيق الاستقرار إلا بالسلام العادل المبني على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة منذ سنة 1967، والاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني في التحرر وفي إقامة دولته المستقلة إلى جانب إسرائيل. وهذا ما يفتح آفاقاً جديدة أمام التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي، ويفسح المجال لمواجهة الأزمة؛ ثانياً: تحرير الأموال الهائلة من الخدمة العسكرية والكولونيالية، وتوجيهها إلى قنوات الاستثمار والتنمية الاقتصادية.

هناك أوساط مسؤولة، حتى في الحكومة الإسرائيلية، تشك في قدرة الحكومة على توفير العمل واستيعاب الهجرة في ظل البنية المشوهة للميزانية. فنائب وزير العمل والرفاه الاجتماعي، الحاخام بورش، تساؤل في أثناء مناقشة للميزانية الجديدة:[16]    "إذا أنفقت الحكومة 10 مليارات شيكل في مجال البناء [حصة الأسد للاستيطان الكولونيالي]، و3 – 4 مليارات شيكل تسهيلات ضريبة للقطاع التشغيلي، و7,5 مليارات شيكل تخفيض حصة ما يدفعه أرباب العمل لمصلحة التأمين الوطني، ونحو 1 مليار شيكل تعويض بطالة، فماذا يبقى لمساهمة الحكومة في توسيع دائرة التشغيل؟" ولهذا، يتوقع بورش أن تصل البطالة عام 1992 إلى 300 ألف عاطل عن العمل. وبحسب التوقعات الرسمية،[17]  سينضم إلى سوق العمل نحو 376 ألف شخص خلال 1992 – 1994، يستوعب منهم 74% فقط؛ أي أن كل واحد من أربعة أشخاص يبقى عاطلاً عن العمل.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو النهج الذي تتبعه الحكومة ووزارة المال لـ"التخفيف" من حدة ظاهرة البطالة وضائقة العمل؟

بحجة استيعاب المهاجرين الجدد، وتوفير فرص العمل لهم، تلجأ الحكومة إلى الوسائل التالية:

  • تخفيض مستوى الأجور والمعيشة تحت ستار تخفيض تكلفة العمل، كعامل وكمحفز تشجيعي لأرباب العمل على زيادة الاستثمارات وزيادة وتيرة النمو الاقتصادي. ففي سنة 1990، انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 3%، وانخفضت هذه السنة (1991) بنسبة 6,4%. وتؤكد خبرة السنتين الماضيتين أنه على الرغم من تخفيض الأجور واستغلال البطالة الواسعة كمطرقة، فقد ازدادت البطالة ولم ينخفض عدد العاطلين عن العمل. ويتهم وزير الاستيعاب، يتسحاق بيرتس، الحكومة بالتقصير في مجال توفير العمل للمهاجرين، إذ إنه "وصل إلى إسرائيل 367 ألف مهاجر خلال السنتين الماضيتين، ولم تنشىء الحكومة حتى ولا مصنعاً جديداً واحداً."[18]
  • استغلال نسبة الأكاديميين المئوية العالية بين المهاجرين الجدد، للضغط من أجل تخفيض الأجور في القطاع العام المدني. فعلى سبيل المثال، يبلغ معدل راتب المهندس الإسرائيلي 2500 شيكل شهرياً، بينما يبلغ راتب المهندس المهاجر من الاتحاد السوفياتي 1400 شيكل.[19]
  • التوجه العنصري الرسمي لتخفيف حدة البطالة بين المهاجرين الجدد، عن طريق زيادة حدة البطالة بين العرب. فمنذ بداية الهجرة الواسعة برز من جديد، وبصورة سافرة، العمل بموجب المبدأ الصهيوني العنصري، "العمل العبري"، الذي يعني تسريح العمال العرب وتشغيل عمال يهود بدلاً منهم؛ فخلال زيارة الوزير أريئيل شارون إلى موسكو، في أيلول/سبتمبر 1990، قال في حديث له مع مجموعة من اليهود السوفيات: "نحن بحاجة إلى عدد كبير من عمال البناء اليهود؛ فهناك اليوم الكثيرون من العمال العرب الذين يعملون في البناء. وعندما يكون عدد عمال البناء اليهود أكبر، فسيكون عدد العمال العرب أقل. وإذا جاء كثيرون جداً، فلن يكون هناك سوى عمال بناء يهود."[20]

ومثل هذا التوجه العنصري عرضه عضو الكنيست ميخائيل كلاينر، رئيس لجنة الاستيعاب في الكنيست؛ فقد صرّح أن هناك ضرورة لـ"إيجاد جو جديد في البلد. هنالك اتجاه واضح إلى تفضيل العمل العبري. وقريباً، سيضطر كل من يشغّل عرباً إلى أن يشرح لجيرانه ولأصدقائه وللأشخاص الذين تربطه بهم علاقات عمل سبب أنهم، اليهود، ما زالوا يفضلون تشغيل عرب بدلاً من إعطاء اليهود مصدر رزق. لا بد من توفير 12 ألف فرصة عمل لـ 100 ألف يهودي. إننا لم نوقع اتفاقاً ينص على ضرورة تقديم المساعدة للعرب بأي ثمن."[21] 

إن هذا التوجه العنصري على أساس العمل بمبدأ "العمل العبري" أو تهويد فرص العمل، لم يبق في إطار التصريحات، بل شرع في ممارسته على أرض الواقع. ففي نهاية سنة 1990 قامت "دائرة التشغيل" الحكومية بإدخال تعديلات على قانون التشغيل. وبموجب هذه التعديلات،[22]   قدمت محفزات وتسهيلات وامتيازات لكل من يشغّل مهاجراً جديداً أو جندياً مسرّحاً؛ وهو ما يعني استبعاد العرب لاحتلال أماكن عملهم. فمن ضمن الامتيازات التي تقدم لأرباب العمل في مقابل تشغيل المهاجرين الجدد، تقديم تسهيلات في مجال ضريبة الدخل، وما يدفعه رب العمل لمصلحة التأمين الوطني عن العاملين، وتوفير التغطية المالية لتدريب العاملين الجدد مهنياً. هذا، بالإضافة إلى دفع 500 شيكل زيادة على معدل الأجور للعامل المهاجر الجديد لجذبه إلى فرع البناء.

وتحت شعار "قانون سلطة التشغيل" بادر وزير التخطيط، دافيد ماغين، إلى وضع أنظمة تعديلية جديدة لقانون التشغيل، بهدف طرد العمال العرب من الأراضي المحتلة وتشغيل المهاجرين الجدد مكانهم. وبموجب هذه التعديلات، يطرد العمال غير المنظمين، الذين لم يحصلوا على رخصة عمل خاصة للعمل في إسرائيل. ففي فرع البناء، مثلاً، 80% من العاملين هم عرب من الأراضي المحتلة، 10% منهم فقط منظمون. ولهذا، يتمحور هدف الوزير ماغين حول طرد ما لا يقل عن 58 ألف عامل عربي من الأراضي المحتلة، وتشغيل المهاجرين اليهود مكانهم.[23]

  • العمل على تخفيف البطالة بين المهاجرين الجدد على حساب توسيعها بين العاملين القدامى، اليهود والعرب. فمثلاً، يقدم 50% من قيمة الراتب من خزانة الدولة عن كل عامل جديد، مهاجر جديد، يشغّله رب العمل. هذا، بالإضافة إلى تخفيض حصة ما يدفعه أرباب العمل عن العاملين لمصلحة التأمين الوطني (تقدر هذه التخفيضات بـ 7,5 مليارات شيكل لعام 1992).
  • على الرغم من هذه الوسائل كافة، فإن نسبة البطالة ازدادت بصورة عامة، وفي أوساط المهاجرين الجدد بصورة خاصة. فبحسب المعلومات التي قدمها وزير الاستيعاب بيرتس، في مؤتمر صحافي عقد في 31 تموز/يوليو 1991، "هناك في الدولة اليوم 120 ألف مهاجر جديد من طالبي العمل، 30 ألفاً منهم يتعلمون اللغة العبرية في دورات خاصة، و10 آلاف يتدربون في دورات مهنية خاصة، و 60 ألفاً يقومون بأعمال متقطعة، و20 ألفاً من العاطلين عن العمل."[24] وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1991، أكد الوزير نفسه "أن الهجرة من الاتحاد السوفياتي هذه السنة، أدت إلى زيادة البطالة إلى 10,8% قياساً بالفترة نفسها من السنة الماضية. ويبلغ عدد العاطلين عن العمل بين المهاجرين الجدد 33 ألف شخص، تبلغ نسة البطالة بينهم 38%، أي أربعة أضعاف المعدل العام في الاقتصاد."[25]

ج الهجرة والسكن

              زادت الهجرة الواسعة خلال السنتين الأخيرتين في حدة أزمة السكن في إسرائيل. فعشرات الألوف من الناس لا يستطيعون ضمان سقف لعائلاتهم. ووفقاً لمعلومات وزارة المال،[26]   يُتوقع أن تستمر أزمة السكن في السنتين المقبلتين، وأن تجد 70 ألف عائلة تقريباً نفسها من دون سكن في إسرائيل.

لقد أدى الطلب الكبير للشقق السكنية، بسبب الهجرة الواسعة، إلى ارتفاع هائل في أسعارها وفي قيمة بدلات الإيجار. ففي حين ارتفع مؤشر الغلاء 18% عام 1990، ارتفع مؤشر السكن 36%.[27]

وتستغل الحكومة أزمة السكن وارتفاع قيمة بدلات الإيجار وأسعار الشقق السكنية، وسيلةً "موضوعية" لتكثيف الاستيطان الكولونيالي في الأراضي المحتلة. وتجري عملية توجيه المهاجرين وغيرهم إلى الاستيطان الكولونيالي في دولة فلسطين المحتلة بصورة منهجية، ووفق خطة تهدف إلى تجسيد "شعار أرض إسرائيل الكبرى"، وإيجاد حقائق ناجزة لإفشال أي حل عادل قائم على الاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة إلى جانب إسرائيل. وقد اكتشفت مجلة Newsweek الأميركية هذه الحقيقة مؤخراً؛ فقد ذكرت "أن إسرائيل تعد برنامجاً لتوطين 60 ألف يهودي في قطاع غزة خلال عشرة أعوام. ويتضمن البرنامج إقامة فنادق، وصناعات خفيفة، ومراكز سياحية. ووُضع في تصرف المستوطنين مساكن بقروض لمدة ثلاثين عاماً، ومن دون فائدة مصرفية... وفي رأي إسرائيل أن الزيادة في عدد اليهود في المنطقة تؤدي إلى عرقلة إنجاز مبدأ الأرض في مقابل السلام."[28]  

ووفقاً لتقرير أعده عضوا الكنيست حاييم أورون ودافيد تسوكر،[29]   تستخدم وزارتا الإسكان والاستيعاب، وبتأييد وتغطية من حكومة شمير، آلية قروض السكن والعديد من التسهيلات محفزاً للمستوطنين على التوجه إلى دولة فلسطين المحتلة. وقد جاء في التقرير أن معدل القروض السكنية (المشكنتا) المقدمة للمستوطنين في الأراضي المحتلة، للعام الماضي 1990/1991، بلغ ضعفي القروض السكنية المقدمة لمناطق التطوير في إسرائيل، وأكثر بنسبة 50% من قروض السكن للأزواج الشابة داخل "الخط الأخضر". فبحسب المعلومات الواردة في التقرير، صُرف من ميزانية العام المنصرم 440 مليون شيكل جديد على شكل قروض إسكان لـ 10,500 ساكن في بلدات التطوير، بينما صُرف 190 مليون شيكل جديد لـ 2250 مستوطناً كولونيالياً في الأراضي المحتلة؛ أي أنه صُرف لكل ساكن في بلدات التطوير مبلغ 42,380 شيكلاً جديداً، في مقابل مبلغ 84,400 شيكل جديد لكل مستوطن كولونيالي.

واليوم، تعترف حتى أوساط رسمية بأن الإنفاق الهائل على الاستيطان الكولونيالي يُعتبر أحد أسباب الركود الاقتصادي في إسرائيل. فعلى سبيل المثال، يؤكد شمعون بيرس، رئيس الحكومة السابق ورئيس حزب العمل، أن "ليس في البلد أية تنمية، بل هناك ظاهرة زيادة الاستهلاك بسبب الهجرة الواسعة، وبالتالي زيادة العجز. ويكمن الحل في تقليص الإنفاق على الاستيطان، الذي يبلغ أكثر من 3 مليارات شيكل جديد."[30]

وعلى الرغم من ذلك، فإن إسكان المهاجرين يعتبر اليوم من المشكلات الكبيرة التي تعجز الحكومة عن حلها. فآلاف المهاجرين يقيمون في مقطورات (كرافانات)، وهناك من يلتحف السماء في الحدائق العامة وفي الطرقات وفي مداخل المباني.

 

د أدلة اقتصادية

              أدت الهجرة اليهودية الواسعة، بالإضافة إلى الإنفاقين العسكري والكولونيالي، إلى ازدياد حدة الأزمة الاقتصادية في إسرائيل. فإلى جانب ما ذكرنا أعلاه، تبرز الأدلة الاقتصادية التالية:

1)  تراكم العجز في ميزان التجارة والمدفوعات: يكتسب هذا المؤشر أهمية خاصة بصفته مؤشراً شمولياً يعكس، كالمرآة، حصيلة التطور الاقتصادي.

2)  ازدياد حدة الركود الاقتصادي: يواجه التطور الاقتصادي في إسرائيل ظاهرة متناقضة وفريدة في نوعها. فإذا أخذنا معطيات الدالة الاقتصادية الأساسية – وتيرة نمو الناتج القومي – خلال العامين الأخيرين، يظهر كأن إسرائيل تخطت – اقتصادياً – مرحلة الركود واعتلت قطار الانتعاش والنمو. فوفقاً لمعلومات مكتب الإحصاء المركزي الرسمية، كانت وتيرة نمو الناتج القومي سنوياً على النحو التالي: 2,1% عام 1988؛ 1,2% عام 1989؛ 4,8% عام 1990؛ 5% - 6% عام 1991؛ لكن الحقيقة غير ذلك في واقع التطور. فازدياد وتيرة النمو كان نتيجة انتعاش ثلاثة مركبات: (أ) التطور العرضي جراء زيادة الاستثمارات الجديدة والتوظيفات في فرع البناء والاقتصاد القاعدي (كهرباء، طرقات، إلخ) في إسرائيل والأراضي  المحتلة؛ (ب) زيادة الاستهلاك الفردي والشعبي جراء اتساع السوق المحلية بفعل الهجرة الواسعة إلى إسرائيل؛ (ج) الانتقال إلى مرحلة جديدة، وهي عصرنة الإنتاج العسكري وتصعيد وتيرة العسكرة العصرية منذ حرب الخليج. لكنْ في مقابل ذلك تعمقت أزمة فروع الإنتاج المدني الصناعي والزراعي أكثر، وازدادت حدة البطالة. فعلى سبيل المثال، انخفض الإنتاج الصناعي المدني بنسبة 6%، والزراعي بنسبة 4%، في عام 1990. وفي هذا العام (1991)، ينتظر أن ينخفض الإنتاج والتصدير الصناعيان بنسبة 6%.[31]

ميزان المدفوعات

(بمليارات الدولارات وبالأسعار الجارية)

 

1988

1989

1990

1991 (تقدير)

العجز في الميزان التجاري (المدني)

3,2

2,5

3,6

6

الاستيراد العسكري

2,1

1,5

2,6

2,7

العجز في ميزان المدفوعات

5,3

4,0

6,2

8,7

المصدر: أُعد الجدول بناء على المصادر التالية: نتانزون، مصدر سبق ذكره، ص 8؛ "نموذج مصغر للتطور 1991 – 1995"، إصدار معهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، من نشرة خاصة لأعضاء اللجنة التنفيذية للهستدروت، العدد 62، أيلول/سبتمبر 1991، ص 13؛ "عال همشمار"، 15/8/1991.

 

ولعل الجدول التالي يعطي بعض المؤشرات فيما يتعلق بالتطور.

 

أدلة التطور الاقتصادي

1988 1991

(وفقاً لهجرة 400 ألف يهودي إلى إسرائيل)

 

 

1988

1989

1990

1991 (تقدير)

الناتج المحلي الإجمالي

2,1%

1,3%

4,8%

9,8%

الناتج المحلي للقطاع التشغيلي

1,8%

1,6%

5,8%

11,4%

الاستيراد المدني

-

(-1,1%)

10,6%

22,3%

الاستهلاك الفردي

2,8%

(-1,0%)

3,8%

1%

الاستهلاك الشعبي المدني

3,5%

0,4%

1,4%

1,8%

الاستثمارات الإجمالية في الأملاك الثابتة

(أساساً، في البناء)

 

 

0 5%

 

 

-        5,4%

 

 

26,1%

 

 

57,1%

نسبة البطالة

6,5%

8,9%

10%

10,4%

المصدر: نتانزون، مصدر سبق ذكره، ص 8؛ "مِمون"، 29/10/1991.

 

يظهر من المعلومات الواردة في هذا الجدول مصادر الاتساع والنمو في بنود البناء والاستهلاك، في مقابل زيادة مطردة في حجم البطالة ونسبتها.

3)  ازدياد العجز في الميزانية: لقد ازداد هذا العجز من 3,2% من الناتج القومي عام 1988، إلى أكثر من 7% اليوم، وهو ما أدى إلى زيادة مطردة في وتيرة التضخم المالي سنوياً. فعلى سبيل المثال، كانت الزيادة في وتيرة التضخم خلال العام الجاري، على النحو التالي: 1,3% في كانون الثاني/يناير؛ 1,2% في آذار/مارس؛ 2,2% في نيسان/أبريل؛ 1,9% في أيار/مايو؛ 2% في حزيران/يونيو؛ 3% في تموز/يوليو؛ 2,1% في آب/أغسطس؛ 1,6% في أيلول/سبتمبر. وينتظر أن تصل هذه الزيادة إلى 25% - 30% في مقابل 19% عام 1989.[32]

4) عدم الاستقرار المالي وسعر صرف العملة الإسرائيلية: إن معدل تخفيض السعر التبادلي للشيكل الجديد يبلغ، منذ بداية الهجرة الواسعة، 20% - 25% سنوياً، وذلك بالنسبة إلى "سلة العملات" المربوط بها. ويرافق ذلك عدم استقرار في سعر الفائدة المصرفية، وفي أسعار الأوراق المالية في البورصة الإسرائيلية.

 ثانياً: الهجرة والمدلولات الاجتماعية

وقضية التوازن الديموغرافي

تطرح الهجرة اليهودية الواسعة العديد من القضايا والمشكلات الاجتماعية المتفجرة. وقد برز خلال العامين الماضيين بعض هذه المدلولات. ففي مقابلة صحافية أجراها ناحوم بارنيع، علق أحد كبار المسؤولين في وزارة المال على الآفاق المرتقبة جراء الهجرة الواسعة إلى إسرائيل، بما يلي: "الناس كلهم يعلمون أن كارثة ستقع، وهم يواصلون حياتهم كالمعتاد. خلال عامين أو ثلاثة أعوام ستتغير هذه الدولة، وسيتغير الاقتصاد والمجتمع والسياسة. لكن، ماذا ينتظر الجميع حتى الآن؟"[33]   وفي هذا الاتجاه، حذر المعلق الصحافي سيفر بلوتسكر[34]   من انهيار اجتماعي بسبب الهجرة الواسعة وصعوبات ومدلولات استيعابها في إسرائيل. وقد فنّد مزاعم إسرائيل الرسمية التي فحواها أن "الهجرة الكبرى" إلى البلد ستجلب معها نمواً اقتصادياً، مشدداً على أن الأرض "ستهتز هنا" وسيدفع المجتمع الإسرائيلي ثمناً باهظاً. وأكد أنه "في الخريف، عندما يصل يومياً إلى مطار اللد 800 – 1000 مهاجر جديد، سيكشف النقص الشديد والخطِر عن أنيابه. ربع مليون مهاجر في السنة: حقاً، ماذا سيجري هنا؟ تضخم مالي فالت من عقاله، بطالة جماعية واسعة، انهيار اجتماعي." وأضاف، مسلطاً الضوء على الأزمة الاجتماعية المقبلة في إسرائيل، "إن هجرة 200 ألف شخص في السنة إلى إسرائيل تعني، إذا ما قيس هذا بالولايات المتحدة الأميركية وبحجم اقتصادنا واقتصادها، 30 مليون مهاجر في السنة إلى الولايات المتحدة. وأن استيعاب نصف مليون مهاجر إلى البلد يساوي، من ناحية العبء الاقتصادي النسبي، استيعاب 75 مليوناً على الأرض الأميركية." وتساءل بسخرية لاذعة: "أي انفجار اقتصادي وسياسي واجتماعي كان سيحدث لواشنطن لو كان عليها استيعاب كل سكان بريطانيا وإيرلندا خلال عامين؟" وأكد أن الهجرة ستؤدي إلى الانفجار الاجتماعي وتعميق الهوة الاجتماعية، وستجلب "المشاغبات والكراهية لأنها تأتي على حساب الإسرائيلي المسحوق"، كما "ستؤدي إلى هزّة اجتماعية واقتصادية لم تشهددها إسرائيل منذ سنة 1948."

وقد بدأت تبرز ملامح بعض الأدلة في هذا المجال بصورة لافتة؛ من ذلك أنه تنتشر في إسرائيل، في الآونة الأخيرة، مظاهر الكره للمهاجرين الجدد والنظرة السلبية إليهم، باعتبارهم "يقشطون" الزبدة عن حليب البلد، فيأخذون امتيازات من شأنها إصلاح وضع سكان إسرائيل الذين أرسوا جذوراً في إسرائيل من عشرات الأعوام.

وتنبع مظاهر الكره هذه من:

  • أولاً: تأثير الهجرة الواسعة، بمدلولاتها الكمية والنوعية في الموازنة الديموغرافية، في طابع التطور في إسرائيل وآفاقه. فوفقاً لنزعة الهجرة وما تخطط الحكومة له سيؤلف المهاجرون الجدد، خلال العامين المقبلين، أكثر من 20% من سكان إسرائيل (إذا وصل 1,2 مليون مهاجر جديد). وهذه الحقيقة أدت إلى ظهور:
  • المهاجر الجديد "مادة مشتبه فيها"، وخصوصاً بالنسبة إلى الفئات المتعصبة دينياً في الشارع اليهودي – الحراديم. ففي تقرير قدمه وزير الاستيعاب، يتسحاق بيرتس،[35] جاء "أ، 25% من العائلات المهاجرة التي تصل البلاد هي زيجات مختلطة." وبحسب التعديل الذي طرأ على "قانون العودة" الصهيوني في سنة 1970، يحق لكل إنسان الهجرة إلى إسرائيل إذا كان والده أو والدته، جده أو جدته، الزوج أو الزوجة، يهودياً. وبحسب تقديرات مدير دائرة التسجيل في وزارة الداخلية، دافيد أفراتي،[36]    فإن الذين يحق لهم الهجرة من الاتحاد السوفياتي إلى إسرائيل، بموجب هذا القانون، يقدرون بـ 7 ملايين شخص." وهذه الحقائق تثير العديد من الزوابع في إسرائيل، فهي تفتح من جديد، وبحدة، الجدل المعهود الذي تثيره الأوساط والأحزاب الدينية في شأن من هو اليهودي؟ ووفقاً لهذه الحقائق، فإن كل مهاجر يعتبر "مادة مشتبه" في أمرها. ومنذ بداية الهجرة المكثفة، تنشر الأحزاب المتعصبة والمتزمتة دينياً الأخبار والتعليقات في شأن "تسلل عشرات الألوف من الكفار إلى البلد."[37]

إن هذه البنية للهجرة الراهنة ستفجر في إسرائيل العديد من القضايا والمشكلات الاجتماعية. فإذا أخذنا في الاعتبار أن الزواج في إسرائيل ليس مدنياً بل يتم وفق الشريعة اليهودية، فإن الزواج المختلط ونسبته العالية بين المهاجرين سيولّدان العديد من المشكلات للمهاجر الجديد. ففي جو التربية العنصرية في المدارس وأماكن السكن والعمل، يواجه أبناء وبنات المهاجرين المضايقات والعزلة، كما يواجهون المشكلات في قضايا الزواج والطلاق والبحث الطويل الأمد في هويتهم المشتبه فيها.

كما أن مثل هذه البنية لـ"المواد المشتبه فيها" يثير التفكير الجدي لدى الكثيرين من العنصريين الذين يخافون من التغييرات الديموغرافية وتأثيرها في "طابع الدولة"، والغوص في هواجس زيادة عدد غير اليهود وأبعادها على آفاق التطور. ولهذا بدأت الأصوات تطالب بـ"تعليق" العمل بقانون العودة، وحتى بإلغائه. فعضو الكنيست ميخائيل كلاينر صرح أنه "إذا ما استمر وصول غير اليهود مع استمرار زيادة الهجرة اليهودية، فربما يصبح من الضروري تغيير قانون العودة."[38]

  • التوتر الاجتماعي جراء موقف عام: المقصود هنا التوتر الاجتماعي بصورة عامة بين أوساط اليهود القدامى، في ظل الأزمة والبطالة، وفي ظل العجز عن استيعاب الهجرة وتحسين أوضاع السكان المعيشية. فالنظرة العامة هي أن هذه الهجرة الواسعة تؤدي إلى تردي أوضاع السكان المعيشية والصحية، وفي مختلف المجالات. وقد عبر عن ذلك تعبيراً جيداً، المعلق الصحافي أفيطال عنبار،[39] إذ قال أنه حالما فُتحت أبواب الاتحاد السوفياتي، في منتصف سنة 1989، أعلنت وزارات الحكومة والوكالة اليهودية أنها ستجند رؤوس أموال ضخمة لاستيعاب الهجرة جنباً إلى جنب مع توجيه ضربة مخططة أخرى لميزانية الرفاه الاجتماعي. وأضاف: "إن أسوأ ما في الأمر، بالنسبة إلى فئات الضائقة الاجتماعية والمحتاجين الذين لا يتعايشون بسلام مع بقرات مقدسة، هو التجند الحماسي لكل القوى والمصادر من أجل المهاجرين، في مقابل اللامبالاة بمصيرهم التعيس، والتسليم بالفقر في بلدنا على أنه قضاء وقدر أو كارثة طبيعية [....] كلما أعطيت أولئك المهاجرين أكثر وتخليت عن هؤلاء، ازدادت الهجرة وترك البؤساء البلد أو تخلوا عن الدولة."

              وتشير المعطيات الرسمية[40]    إلى زيادة حدة التقاطب الاجتماعي منذ بداية الهجرة المكثفة. ففي بداية سنة 1991، بلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 439,500 شخص، أو ما يساوي 15% من السكان، في مقابل 3% - 4% من السكان في أوروبا. وستزداد هذه النسبة بفعل زيادة البطالة والتخفيض المنهجي للأجور. وفي حين بلغت نسبة أطفال الفقر – الأطفال الذين هم تحت خط الفقر – إلى مجمل الأطفال في إسرائيل 9,7% سنة 1979، ارتفعت إلى 18,6% سنة 1988، وإلى 19,5% سنة 1989، وإلى 21,1% سنة 1990.

هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن النسبة العالية لحملة الشهادات الأكاديمية بين المهاجرين (أطباء، ومهندسون، وأصحاب مهن تقنية)، أصبحت أيضاً تثير الشكوك والنظر إلى المهاجرين كمن ينظر إلى مادة مشتبه فيها. وهذا ما أكدته المعلقة الصحافية ليلي غاليلي، إذ تقول "إن الإسرائيليين يعاملون الروس (المهاجرين)، في الأساس، كمادة مشتبه فيها؛ الحسد من كثرة حملة شهادة الدكتوراه والمهندسين والفنانين، والممزوج بالشك الكبير في طابع هذه الجماهير: هل هم يهود؟ هل هم أكاديميون حقيقة؟ وإنْ كانوا كذلك، فما قيمة شهاداتهم، وما هو مستواهم المهني؟ إن كل شخص يحترم نفسه، يبادر أو يخطط لإعادة التثقيف للديمقراطية، مثل حفلة طرد الشياطين من عقول المهاجرين عند مجيئهم إلى حيّزنا الصحي!!."[41]

إن استغلال هذه الفئات الأكاديمية في العمل بأجر زهيد نسبياً، في أوضاع البطالة والركود الاقتصادي، يوجِد لدى الفئات الأكاديمية الإسرائيلية نوعاً من المرارة والكراهية للمهاجرين الذين يشكلون حجر عثرة وعقبة جدية إضافية أمام هذه الفئات لإيجاد العمل الملائم، وبالتالي تقل احتمالات فرص العمل وإيجاد العمل.

  • التوتر الاجتماعي جراء موقف خاص: إن أبناء الطوائف اليهودية الشرقية يتخوفون، أكثر من غيرهم في الوسط اليهودي، من الهجرة اليهودية الجديدة؛ فهم يخشون أن تؤدي الهجرة الواسعة والتغيير الجدي في الموازنة الديموغرافية بين الأشكنازيم (يهود الغرب) والسفاراديم (يهود الشرق والمغرب العربي)، إلى ترسيخ الفوارق والتمييز الطائفي، وإلى ضرب مكانتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع الإسرائيلي. وبسبب التمييز الطائفي ضد اليهود الشرقيين، فإن نسبتهم بين الطلاب والخريجين وحملة الشهادات العالية قليلة؛ وهم خريجو "معابر" الفقر من الخمسينات وسكان أحياء وبلدات الضائقة والفقر اليوم، ويشغلون المرتبة الثانية بعد العرب من حيث نسبة البطالة وعدد العائلات الفقيرة كثيرة الأولاد. وبالتالي، فهم أكثر من يتضرر، بعد العرب، من الهجرة وبنيتها المهنية التي ستعمق أكثر الفوارق الاجتماعية وانعكاساتها على السلم الوظيفي وسلم المداخيل وسلم صنع القرار السياسي في إسرائيل. ولهذا، ظهرت في أوساط اليهود الشرقيين من نشطاء أحياء الفقر ومخيمات معدومي السكن، منظمات تطالب بوقف الهجرة فوراً، ويأخذ كفاحها الشكل المنظم. ومن هذه المنظمات: "حركة يهود الشرق للسلام"، ومنظمات الفهود السود، وغيرها. وتعترف ليلي غاليلي بأنه "تنتشر بين أبناء الطوائف الشرقية اليهودية نظرة سلبية إلى الهجرة والمهاجرين، وهم يدعون إلى تجميد الهجرة إلى أن تُحل ضائقتهم. وتمزج هذه الدعوة بين الاقتصاد والنغمة الطائفية في ضوء موجات 'الأشكنازيم' الذين سينافسونهم في العمل، والسكن، والمكانة في المجتمع الإسرائيلي."[42]

والواقع أننا بدأنا في الآونة الأخيرة نلحظ ظاهرة جديدة لا تزال في بدايتها، ظاهرة تحول النقمة والغليان الاجتماعي جراء مدلولات الهجرة وتأثيراتها الاجتماعية، من ظاهرة "عفوية" الانفجارات الاجتماعية إلى ظاهرة اجتماعية في بداية تنظيمها، تنطمر في رمادها جمرات وقّادة تنذر بأكثر من حريق مع أول هبة ريح. وهذا يقتضي أخذه في الاعتبار، وبكل جدية.

  • ثانياً: المخاطر الجدية التي تواجهها الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل جراء الهجرة الواسعة، والمخاوف الجدية من آفاق المستقبل. فخلال السنتين الماضيتين، واجهت هذه الجماهير خطة منهجية سلطوية، تهدف إلى استيعاب الهجرة على حساب مصادرة ما تبقى من الأراضي العربية، وعلى حساب أماكن عمل العرب. فمنذ أشهر، مثلاً، تناضل الجماهير العربية ومعها القوى الديمقراطية اليهودية ضد اقتلاع أهالي قرية رمية في الجليل من أرضهم. فقد تسلم أهالي القرية أمراً من السلطات والمحكمة بترك أراضيهم وبيوتهم، وذلك من أجل توطين مهاجرين جدد مكانهم. وقد رأت جماهيرنا، وبحق، في الهجمة على رمية ناقوس خطر جدي ينذر ببداية تنفيذ مخطط الترانسفير (الترحيل) بالتدريج. وتنطلق جماهيرنا في تقويمها هذا، من حقيقة أن خريطة توطين المهاجرين الجدد بحسب "خطة الكواكب" التي ينفذها الوزير شارون، تتضمن ثلاث مناطق أساسية يقطنها معظم الجماهير العربية، وهي الجليل ووادي عارة والنقب. هذا، بالإضافة إلى ممارسة مبدأ "العمل العبري" العنصري لطرد العمال العرب، بمختلف الوسائل، وتشغيل اليهود مكانهم. فنهب الأرض من جهة، وإغلاق أبواب العمل من جهة أخرى، يعتبران الخلفية الأساسية لتنفيذ برنامج "الترانسفير الطوعي" الذي يدعو الوزير رحبعام زئيفي إليه صراحة.

إن ما يثير قلق الجماهير العربية هو التوجه العنصري في استغلال المتغيرات الديموغرافية والموازنة الديموغرافية وسيلة قهر جديدة، في يد السلطة، لحشر الجماهير العربية في أسفل درجات سلم الأفضليات والاهتمامات والميزانيات، وحتى تهديد مجرد وجودها. وقد عبر عن هذه الهواجس، التي تشغل – من منطلق آخر – أرباب سياسة القهر القومي، عاموس غلبواع في مقالة جاء فيها أن "عرب إسرائيل قلقون ومتخوفون؛ فهم متخوفون من المس بمصادر رزقهم من جهة، ومتخوفون – من جهة أخرى – من أن تؤدي الهجرة إلى تخفيض مصادر التمويل القليلة التي ترصدها الدولة لهذا القطاع، وإلى الإخلال في الميزان الديموغرافي في غير مصلحة العرب داخل الخط الأخضر. وإذا كانوا قد بنوا الآمال بأن نسبتهم إلى السكان ستصبح بعد خمسة عشر عاماً 25% (اليوم 17%)، وبأنهم يستطيعون إدخال 25 نائباً إلى الكنيست، وأن يكونوا بيضة القبّان المقررة، فإن الهجرة تسحب جميع أورقاهم من أيديهم ولمدة جيلين على الأقل."[43]

وفي يوم دراسي عقد في معهد "فان لير" في القدس تحت عنوان "اليهود والعرب في إسرائيل: إعادة النظر في المشكلة الديموغرافية"، أكد الأستاذ سيرجو دي لافرغولا من الجامعة العبرية في القدس، أن "كل مائة ألف يهودي يهاجرون إلى البلد يؤجلون الموازنة الديموغرافية بين السكان العرب واليهود عاماً واحداً."[44] 

وبصورة أكثر صراحة، يؤكد الأستاذ أرنون سوفير من جامعة حيفا، من خلال مداخلة في يوم دراسي تحت عنوان "طاقة الجليل الاستيعابية" أنه "يوجد في منطقة الجليل، التي كان يفترض أن تتبع الدولة العربية وفق مشروع التقسيم سنة 1947، ما نسبته 22% من سكانها من اليهود. وفي الأعوام الأخيرة، نرى أن هناك خطوات لبناء حكم ذاتي عربي في الجليل!!! والطريقة الوحيدة لمنع هذه الخطوات، التي تبشر بالانفصال عن إسرائيل، هي قذف 120 ألف مهاجر جديد إلى هذه المنطقة في العقد المقبل."[45]

إن مثل هذين "التحذير" و"التخوف" من عروبة الجليل ومن خطر الانفصال عن إسرائيل، ليس بجديد على الجماهير  العربية وعلى أهل الجليل العرب؛ فالجليل كان يؤلف دائماً غطاء ومبرراً لتنفيذ العديد من مشاريع نهب ومصادرة الأراضي العربية فيه، وزرعها بالمستعمرات واليهود (مخطط "تهويد الجليل" ومخطط "تطوير الجليل" وغيرهما من المخططات التي مارستها السلطة لنهب الأرض العربية).

إن مجرد إقران استيعاب الهجرة بقضية الموازنة الديموغرافية في أوضاع الصراع الدائر في بلدنا يحسم، في الواقع، المنطلقات العنصرية ويؤدي إلى تصعيد وتغذية أفكار "الترانسفير" العنصرية ودعاة ترحيل العرب كوسيلة للمحافظة على الموازنة الديموغرافية، ولتطهير الدولة من غير اليهود.

  • ثالثاً: ضرب الخدمات الجماهيرية بسبب الإنفاق الهائل على الهجرة. فخلال العامين الماضيين، تقلصت ميزانيات الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي وغيرها من ميزانيات الخدمات الشعبية بنسبة 3%، ولخدمة عدد أكبر من السكان بسبب الهجرة. وهذا ما أدى إلى تفجير أزمة في المجالين الصحي والتعليمي نتيجة الإساءة إلى أوضاعهما، وجراء زيادة أسعار هذه الخدمات. فعلى سبيل المثال، تخصص الحكومة في ميزانية عام 1992 ما يلي: استيعاب الهجرة، 16,1% من مجمل الميزانية في باب النفقات؛ المصاريف العسكرية المباشرة – "ميزانية وزارة الأمن" 15,6%؛ سداد الديون الخارجية، 34,2% (مع الفوائد). هذا، بالإضافة إلى نفقات الاستيطان الكولونيالي التي تدخل في ميزانيات مختلف الوزارات؛ فماذا بقي للتنمية الاقتصادية وللتوظيف في الصناعة والزراعة والخدمات الشعبية؟ عملياً، أصبح كل من ميزانية استيعاب الهجرة وميزانية "الأمن" أكبر من ميزانية جميع فروع الخدمات الشعبية المدنية مجتمعة.

 خلاصة

              لقد كانت الهجرة اليهودية وما تكلفه من نفقات، في ظل الجمود الاقتصادي، أحد أسباب زيادة حدة التدهور الاقتصادي والاجتماعي. وبسبب هذه  الهجرة، ونتيجة مواصلة سياسة العربدة العدوانية والكولونيالية، فإن لا أمل بتحسين الأوضاع في الأعوام القريبة المقبلة. وهناك احتمال واحد وأساسي في زرع أمل الانتعاش الاقتصادي، يتمحور في انصياع إسرائيل لمقررات الشرعية الدولية، والكف عن سياسة العربدة العدوانية، والانسحاب من الأراضي المحتلة، ومصافحة يد السلام الفلسطينية والعربية الممدودة من أجل التسوية العادلة على أساس الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة، والاعتراف بالحق الفلسطيني المشروع في التحرر والسيادة الوطنية. فقضية الهجرة ومدلولاتها ترتبط عضوياً بقضية الصراع المصيري في المنطقة.

26/10/1991

[1]  "عال همشمار"، 23/10/1991.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  أنظر: "يديعوت أحرونوت"، 3/8/1990.

[6]  أنظر: تسفي زرحيا، "هآرتس"، 25/7/1990.

[7]  المصدر نفسه.

[8]   أفيطال عنبار، "لِيُسَنّ الآن فوراً قانون البقاء – بدلاً من قانون العودة"، "ملحق دافار الأسبوعي"، 31/8/1990، ص 24 – 25.

[9]  نقلاً عن: "الاتحاد" (حيفا)، 1/8/1990.

[10]  معهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، "الميزانية والهجرة"، أيلول/سبتمبر 1990، ص 8-9؛ نشرة خاصة وزعت على أعضاء اللجنة التنفيذية للهستدروت، وقد استُقيت المعلومات الواردة فيها من مشروع الميزانية الذي أعدته وزارة المال للأعوام 1990 – 1995؛ "يديعوت أحرونوت"، 2/9/1991؛ "مِمون"، ملحق "يديعوت أحرونوت" الأسبوعي، 29/10/1991.

[11]  "يديعوت أحرونوت"، 2/9/1991.

[12]  Statistical Yearbook of Israel, No. 40.

[13]  "الدرب" (حيفا)، كانون الثاني/يناير 1991، ص 43 – 44.

[14]  روبي نتانزون، "تطورات اقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي"، "كلكلاه فعفوداه"، العدد 7، آذار/مارس 1991، ص 7 – 8.

[15]  المصدر نفسه.

[16]  "هآرتس"، 4/9/1991.

[17]  "دافار"، 1/9/1991.

[18]  "عال همشمار"، 23/10/1991.

[19]  "يديعوت أحرونوت"، 29/8/1990.

[20]  المصدر نفسه، 11/9/1990.

[21]  "هآرتس"، 25/11/1990.

[22]  "يديعوت أحرونوت"، 15/12/1990.

[23]  "الدرب" (حيفا)، كانون الثاني/ يناير 1991، ص 46.

[24]  أنظر: "عال همشمار"، 23/10/1991.

[25]  المصدر نفسه.

[26]  "مِمون"، ملحق "يديعوت أحرونوت" الاقتصادي، 17/5/1991.

[27]  نتانزون، مصدر سبق ذكره.

[28]  نقلاً عن: "هآرتس"، 1/10/1991.

[29]  "عال همشمار"، 16/5/1991.

[30]  مقابلة متلفزة، 3/9/1991.

[31]  نتانزون، مصدر سبق ذكره، ص 8؛ "مِمون"، 29/10/1991.

[32]  معهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، "معلومات شهرية في موضوعي الاقتصاد والمجتمع"، العدد 27، أيلول/سبتمبر 1991، ص 14؛ المصدر نفسه، العدد 28، تشرين الأول/أكتوبر 1991، ص 3؛ "يديعوت أحرونوت"، 14/7/1991.

[33]  "يديعوت أحرونوت"، 27/7/1991.

[34]  المصدر نفسه، 13/7/1990.

[35]  "الاتحاد" (حيفا)، 13/7/1990.

[36]  "يديعوت أحرونوت"، 27/8/1990.

[37]  "هآرتس"، 10/8/1990.

[38]  المصدر نفسه، 12/7/1990.

[39]  عنبار، مصدر سبق ذكره، ص 24 – 25.

[40]  "حداشوت"، 1/8/1991.

[41]  "هآرتس"، 11/9/1990.

[42]  المصدر نفسه.

[43]  عاموس غلبواس، "الهجرة بالنسبة إلى العرب بمثابة الكارثة الثالثة"، "معاريف"، 9/3/1990.

[44]  "هآرتس"، 28/5/1990.

[45]  المصدر نفسه، 20/8/1990.

Author biography: 

أحمد سعد: مدير معهد إميل توما للأبحاث الاجتماعية والسياسية.