مشكلات إقامة نظام للأمن ومراقبة التسلح في الشرق الأوسط
Keywords: 
الأمن الإقليمي
الشرق الأوسط
أزمة الخليج
حرب الخليج العربي 1991
تسوية النزاعات
الأسلحة التقليدية
الحد من الأسلحة
سباق التسلح
الإرهاب|
Full text: 

أولاً: النتائج المحتملة

للحرب في الخليج الفارسي

إن نهاية الحرب في الخليج الفارسي لا تعني أن الوضع في الشرق الأوسط سيستقر. فقد أدى الحل العسكري لهذه الأزمة، التي نشأت عن عدوان العراق على الكويت، إلى خلق تغيير جذري في الميزان العسكري في الشرق الأوسط. وهذا قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في التوترات الحالية، الأمر الذي قد يمنح دفعاً جديداً للنزاعات الإقليمية التي خمدت مؤخراً.

ومن المتوقع أن "فراغ القوة"، الناجم عن تدمير قدرة العراق العسكرية، قد يسدّه بعض الدول الأخرى التي تسعى للهيمنة الإقليمية. وهذا بدوره قد يؤدي إلى تدهور جديد في النزاع العربي – الإسرائيلي، وخصوصاً إذا لم يحظ الموضوع الفلسطيني بتسوية سياسية.

كذلك، فإن الوضع في الشرق الأوسط قد يتأثر سلباً بمعاهدة باريس في أوروبا، التي تفرج عن كمية هائلة من الأسلحة (أكثر من 100,000 من الدبابات وعربات القتال المدرعة والنظم المدفعية)، وقدرات صناعية دفاعية عظيمة. وفي الإمكان أن يعاد تهيئة هذه الأسلحة للتصدير إلى العالم الثالث، وخصوصاً إلى الشرق الأوسط، بحيث تمتص عائدات النفط. وحتى الآن، فإن مصر والسعودية، كما بعض الدول الأخرى، قد طالبت بأسلحة تفوق قيمتها 17 مليار دولار.

إن هذا الأمر من شأنه أن يخلق سباقاً للتسلح لا رادع له في الشرق الأوسط، حيث أن إدخال الأسلحة التقليدية البالغة التطور قد يواكبه انتشار للقدرات النووية والكيماوية والبيولوجية. وإذا لم يوضع حد له، فإن هذا السباق قد يجرّ، في غضون بضعة أعوام، نزاعاً مسلحاً لا تُعرف عواقبه.

من جهة أخرى، ثمة بعض النتائج المهمة والإيجابية لحرب الخليج الفارسي، والتي تخلق "نافذة لانتهاز الفرص" نحو الاستقرار السياسي والعسكري في الشرق الأوسط. وهذا التنبؤ يستند موضوعياً إلى خلق تحالف دولي واسع ضد العدوان العراقي يضم أغلبية دول الأسرة العالمية والدول الإقليمية.

ولهذا التحالف دائرة خارجية ودائرة داخلية.

وقد وقف الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة، وأوروبا، والصين، واليابان، ومعظم دول العالم الثالث، إلى جانب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق. وفي الوقت ذاته، فإن الدول العربية، في معظمها، بما فيها مصر والسعودية وسوريا، برهنت عن مقدار غير مألوف من الوحدة حيال موضوع لا يمت بصلة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي. كذلك، فإن هذا التحالف الذي لا مثيل له يضم إسرائيل، التي كثيراً ما تجد نفسها معزولة على مستوى المنطقة ومستوى الأمم المتحدة معاً. ويرجع هذا الأمر، أيضاً، إلى أن جهود العراق خلال الحرب لإعادة تركيز الاهتمام العربي صوب إسرائيل قد فشلت.

إن انتهاء الحرب الباردة والتنافس بين الدول العظمى قد برهن أن ثمة مشكلات خطرة تتصل بالانتقال من التجاذب المتعدد الأطراف، وذلك في غياب ترتيبات أمنية موثوق بها على المستويين الإقليمي والعالمي. فالصراع بين الشرق والغرب قد يتبعه صراع بين الجنوب والجنوب، وبين الجنوب والشمال. وإذا لم تشمل إجراءات التقارب السياسي والعسكري مناطق أخرى، فقد يدخل العالم فترة تتسم بالمزيد من القلاقل. وتكمن المشكلة في كيفية تعزيز الاستقرار العسكري من دون إعاقة التغيير السياسي الضروري، أو في كيفية تشجيع مثل هذا التغيير من دون المساس بالاستقرار العسكري.

إن التحالف الدولي الجديد الذي نشأ للوقوف في وجه العدوان العراقي، يخلق فرص استخدام النتائج الإيجابية للنزاع من أجل البدء بعملية تؤدي إلى منع وقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط. وإذا انفرط عقد هذا التحالف ضاعت فرصة تاريخية لإحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وخلال محادثات 15 آذار/مارس 1991، قدّم الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف إلى وزير خارجية الولايات المتحدة، جيمس بيكر، وثيقة بعنوان "آراء الاتحاد السوفياتي بشأن أسس التسوية في الخليج الفارسي بعد انتهاء الأزمة". ومما ورد في هذه الوثيقة "أن الاتفاقيات في المستقبل يجب أن تستند إلى مبادىء القانون الدولي الأساسية، أي: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ عدم اللجوء إلى القوة أو التهديد بها؛ تسوية النزاعات بالطرق السلمية؛ الاعتراف بحق جميع دول المنطقة في السيادة والسلامة الإقليمية."

ويؤدي هذا إلى طرح السؤال عن نوعية مراقبة التسلح، والإجراءات الأمنية التي يجب أن تواكب مثل هذه الاتفاقيات.

ولا جدال في أن على الدول الإقليمية أن تقوم بالدور الأساسي. كما أن على التسوية أن تمنع تقسيماً جديداً للشرق الأوسط، وخلق التكتلات العسكرية الجديدة كافة، لكن تجارب الماضي تبرهن أن من الصعوبة بمكان التوصل إلى تسوية كهذه بالنسبة إلى دول الدائرة الداخلية. وهذا العمل قد يقوم به تفاعلٌ بين الدوائر الخارجية (الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة، أوروبا، الصين، اليابان، الهند، إلخ.)، والداخلية (الدول العربية، إسرائيل، ولربما إيران). ومن المرجّح أن القوة الدافعة إلى الشروع في هذه العملية ستأتي من الخارج.

وقد يكون للأطراف الخارجية تأثيرات في المنطقة، إمّا لمصلحة الاستقرار وإما لعدمه. لكن الأمر الأهم هو ذاك الوضع الجديد، وهو أن السوفيات والأميركيين والأوروبيين يملكون خبرات كبيرة بقضايا مراقبة التسلح وإجراءات دعم الثقة والأمن، وهذه أمور يفتقدها الشرق الأوسط. وبعض هذه التجارب ليس صالحاً للتطبيق في مناطق أخرى، لكن للبعض الآخر طابعاً أكثر عالميةً، وقد يُطبّق بنجاح إذا تم تطويره كما يجب ليلائم أوضاع الشرق الأوسط. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن التصرف اللامسؤول للأطراف الخارجية، قد يشعل فتيل سباق التسلح، ويؤجج التوتر في المنطقة.

ومن الضروري أيضاً إعادة النظر في دور الأمم المتحدة، في هذه العملية. فالاعتبار الجديد الذي اكتسبه مجلس الأمن، من خلال قراراته في إبان النزاع، يبيّن أن من الممكن تحقيق إمكانات ميثاق الأمم المتحدة. إن انتهاء الحرب الباردة يتيح للأمم المتحدة التغلب على الشلل، واكتساب سلطة الحفاظ على السلام والأمن العالميين كما تصورهما ميثاقها. فقد قام مجلس الأمن بدور في تنظيم ردة الفعل الجماعية على العدوان، وقد يقوم بدور الضامن في اتفاقيات مستقبلية.

ثانياً: أهداف نظام أمني

في الشرق الأوسط

              يبدو أن المشكلة قد تُحلّ من خلال إقامة إطار (أو عدة أطر متشابكة) للأمن الإقليمي، مع وجود نظام للضمانات المشتركة. وهذا المنحى يجب ألا يركز على تسوية سياسية فورية للنزاع في الشرق الأوسط، بل على منع تصاعد التوترات والأزمات، وخلق إجراءات دعم الثقة، وتخفيض المواجهة العسكرية وسباق التسلح، وتهيئة الأوضاع السياسية للتسوية السلمية. ويجب ألا تُرى، بأي حال من الأحوال، أنها بديل من الحلول السياسية؛ فتعزيز الأمن يجب أن يمهّد السبيل للتنازلات السياسية التي هي ضرورية للتسوية السلمية.

              وكما برهنت أزمة الخليج الفارسي، فإن غياب الإجراءات لمنع الأزمات وللتخفيض من حدّتها، وغياب الضمانات الأمنية لدول المنطقة، هما أهم المنابع المباشرة لعدم الاستقرار. من هنا، ثمة الآن لحظة يوجد فيها اعتراف موقت ببعض المصالح المشتركة، تشارك فيها الدول العربية وإسرائيل التي هي بحاجة إلى مثل هذه الأطر. وهذا، بدوره، قد يؤدي إلى رغبة أكبر لدى دول الشرق الأوسط للقبول ببعض الوسائل المحدودة لمراقبة التسلح، الأمر الذي لم تفعله قط من قبل بصورة عملية. وإذا نجحت، فإن هذه الإجراءات الأولية لدعم الثقة والأمن ستخفف من التوترات، وتمنح المشاركين فيها خبرتهم الأولى في مجال مراقبة التسلح.

              إن الاعتراف بالمعنى السياسي لا التقني فقط، لمثل هذا النوع من التفاعل بين "الأعداء"، من شأنه أن يغيّر تغييراً جذرياً المواقف من صراعات سياسية (قومية وجغرافية ودينية) دامت أجيالاً في المنطقة، لا على المستوى العربي – الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً على مستوى العلاقات بين الدول العربية. ويتيح هذا الأمر للعملية أن تتجذّر، وتصبح مدفوعة تلقائياً، وأقل اعتماداً على العون الخارجي. وفي المراحل اللاحقة، فإن هذا المنحى قد يؤدي إلى تسوية أكثر أهمية للنزاعات الإقليمية.

              إن إجراءات مراقبة التسلح ودعم الثقة في الشرق الأوسط (كما في أرجاء أخرى من العالم الثالث)، قد تختلف اختلافاً كبيراً عن أنظمة الأمن المتنامية، السوفياتية – الأميركية والأوروبية.

              أولاً: قبل أن تبدأ عملية خفض واسع النطاق للأسلحة وفك ارتباط عسكري في أوروبا، عرف الأوروبيون أكثر من أربعة عقود من السلام، بينما يعيش معظم المشاركين في النزاع العربي – الإسرائيلي أوضاعاً من الهدنة الموقتة في أحسن الأحوال. كذلك، هناك توتر شديد بين عدد من الدول العربية، كثيراً ما يؤدي إلى نزاعات مسلحة مباشرة؛ وما عدوان العراق على الكويت سوى مثال واحد. من هنا، فإن الهدف الأساسي للعملية في الشرق الأوسط سيتطلب إنهاء الحرب "الحارة" أو "الساخنة".

              ثانياً: ثمة حدود دولية في الشرق  الأوسط لا يُعترف بها دولياً، وفي العديد من الدول نزاعات بشأن الحدود. وليس الموضوع الفلسطيني، الذي يقوم بدور رئيسي في المجابهة العربية – الإسرائيلية، إلا نزاعاً واحداً من نزاعات كثيرة لها أبعاد تتعلق بالأراضي.

              ثالثاً: إن الوضع السائد في أوروبا ينفي إمكان حدوث "انتصار" عسكري، وليس للحلول السياسية بديل عسكري، بينما القوة العسكرية في الشرق الأوسط ما زالت السبيل الفعّال لإنجاز بعض الأهداف السياسية، أو المتصلة بالأرض، من خلال "انتصار"

عسكري.

رابعاً: وبالإضافة إلى النزاع "الرئيسي"، فإن العديد من دول المنطقة متورط أيضاً في بعض النزاعات "الهامشية". وهناك دوماً احتمال نشوب حرب إقليمية كبيرة من جراء تصعيد مثل هذه النزاعات الثانوية. وقد يكون لهذه العوامل "الهامشية" وقع سلبي للغاية على الموضوعات "الرئيسية" في الشرق الأوسط.

أخيراً: لا ننسى أن ليس ثمة من ميزان وحيد للقوة العسكرية في الشرق الأوسط. إن التدبير المتزامن لعدة موازين للقوى العسكرية في المنطقة، يمثّل تحدياً جدّياً يستعصي على الحلول السهلة. لذا، فإن إطار الثقة والأمن في هذه المنطقة لا يمكن أن يُؤسَّس كأنه نسخة طبق الأصل عن نظام الأمن الأوروبي المتنامي.

إن الأهداف الكبرى لنظام أمن ومراقبة تسلح في الشرق الأوسط، قد يشمل ما يلي:

  • منع انتشار واستخدام الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، والصواريخ المستعملة لإيصالها؛
  • اعتماد إجراءات لدعم الثقة وخلق "شفافيّة" [أي عدم القدرة على اتخاذ التدابير المفاجئة] في الحقل العسكري لمنع حدوث هجوم مباغت؛
  • تعزيز المناخ الأمني في المنطقة من أجل تخفيف حدة التوترات العسكرية؛
  • الحد من سباق التسلح، كمّاً ونوعاً، من أجل الحد من إمكانات نشوب نزاع عسكري واسع المدى؛
  • منع تصعيد النزاع الإقليمي والاشتباكات الحدودية؛
  • تخفيف وقع النزاعات السياسية الداخلية على العلاقات بين الدول؛
  • خلق الشروط اللازمة للتسويات السياسية.

وعلى الصعيد العملي، فإن نظام الأمن الإقليمي قد يمثّل إطاراً سياسياً فيه نوعان من المشاركة: الدول الإقليمية والأطراف الخارجية، وهذه الأخيرة تؤدي دور المسهّل والضامن للعملية.

أما مهمّات الدائرة الخارجية، فقد تشمل ما يلي:

  • توفير الضمانات الأمنية لجميع دول المنطقة، على أساس قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛
  • توفير خدمات المراقبة للإشراف على الوضع العسكري في المنطقة؛
  • ضبط صادرات الأسلحة، ومبيعات التكنولوجيا العسكرية إلى الشرق الأوسط؛
  • توفير العون التقني والدبلوماسي للعملية الإقليمية الهادفة إلى دعم الثقة والأمن؛
  • الإشراف على تنفيذ الترتيبات التي تتعدى في نطاقها حدود منطقة الشرق الأوسط؛
  • دعم تثبيت قوات متعددة الجنسيات تحت سيطرة الأمم المتحدة، إذا كان وجودها في الشرق الأوسط يُعتبر ضرورياً من جانب دول المنطقة.

وفيما يختص بالوجود العسكري الخارجي، يجب تفادي التركيز الدائم لقوات تابعة للدول العظمى (أو إقامة تسهيلات لها). ويُستحسن توفير قوات متعددة الجنسيات، توفّرها الدول العربية (لمنطقة الخليج الفارسي)، أو الدول المحايدة (في المنطقة العربية – الإسرائيلية). إن المشاركة الفعّالة للأمم المتحدة في المنطقة ستستدعي، على الأرجح، إعادة النشاط إلى لجنة الأركان العسكرية التابعة للأمم المتحدة وخلق هيكلية لها، بما في ذلك تخصيص بعض القوات الوطنية بصورة رسمية لتصبح تحت سيطرتها استناداً إلى قرار يصدر عن مجلس الأمن إذا طرأ طارىء.

ويجب أن تقتصر المشاركة السوفياتية والأميركية على الدعم اللوجستي والإداري. لكن يجب أن يتضح، على المستوى السياسي، أن في إمكان القوات المتعددة الجنسيات أن تستند إلى القوة الكاملة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إذا حاول معتد ما الاشتباك معها. ولا يستلزم مثل هذا الدور التحذيري تثبيت قوات كبيرة في المنطقة، لكن انسحابها لا يتم إلا بموافقة جميع الأطراف الإقليميين المشاركين في النظام الأمني.

ومن الممكن أيضاً تصور إنشاء قوة بحرية صغيرة متعددة الجنسيات، تحت علم الأمم المتحدة، لضمان حرية الملاحة في المنطقة. وفي حالة كهذه، فإن المشاركة الأميركية والسوفياتية قد تكون أكبر.

ولتوفير الدفع الأوّلي لعملية السلام في الشرق الأوسط، ينبغي للأطراف الخارجية أن تعزز التفاعل بين دول المنطقة. وهنا قد يكون للدور السوفياتي والأميركي أهمية خاصة فيما يتعلق بحظر التصدير اللامحدود للسلاح ومبيعات التكنولوجيا العسكرية، بينما يمكن لدول أوروبا الغربية واليابان أن تساهم مالياً في تكلفة نظام الأمن في الشرق الأوسط.

إن الحديث عن دور المشاركين في الدائرة الداخلية مستحيل من دون التحديد الجغرافي للمنطقة. ويبدو أن الدول التي تُعتبر في العادة من دول الشرق الأوسط، قد تُصنَّف ثلاث مجموعات متشابكة ومتداخلة.

1-  المجموعة الوسطى، وتضم الأطراف الرئيسية في الصراع العربي – الإسرائيلي، وبينها إسرائيل ومصر وسوريا والأردن ولبنان والفلسطينيون والعراق والسعودية، ولربما ليبيا وإيران.

2- مجموعة الخليج الفارسي.

3- مجموعة الشمال الإفريقي.

من المستبعد جداً أن تشارك هذه المجموعات الثلاث، في وقت واحد، في عملية الأمن ومراقبة التسلّح. فالوضع الأكثر إلحاحاً اليوم يقوم ضمن المجموعتين الأولى والثانية، ويرتبط بالعراق الذي يقوم بالدور الأبرز ضمن الموازين العسكرية في المجموعتين الوسطى والخليجية. أما السعودية، ففي إمكانها هي أيضاً أن تشكّل رابطة استراتيجية.

ولهذا السبب يمكن تصور بعض الإجراءات المتوازية فيما يختص بالمجموعتين الأولى والثانية والذي، وبسبب هذا الترابط، قد يؤدي إلى إدخال نظامين إقليميّين صغيرين ضمن إطار أوسع للأمن ومراقبة التسلّح. وقد حدث بعض التطورات المهمة في كلا المجموعتين بعد حرب الخليج؛ فهناك، من جهة، مسعى لفرض بعض التخفيض على قدرة العراق العسكرية، مع توفير أمن إضافي للكويت المحررة وللدول الخليجية النفطية الأخرى. ومن جهة أخرى، هناك بعض المناورات الهادفة إلى تنظيم مؤتمر بشأن المسائل العربية – الإسرائيلية، بما فيها الفلسطينيون ومشكلات مراقبة التسلّح.

ثالثاً: أنواع ومراحل الإجراءات

لتخفيض التوترات العسكرية

ودعم الثقة والأمن

              على الرغم من أن التسوية المبكرة والأكثر شمولية هي المرغوب فيها، فإن العملية يجب أن تمر، في واقع الأمر، خلال عدة مراحل، الأمر الذي يتيح – وبالتدريج – تنفيذ أنماط مختلفة من الإجراءات تؤدي إلى المزيد من الأمن للأطراف جميعاً.

ومن المبكر تقديم خطة مفصّلة لنظام الأمن المستقبلي في الشرق الأوسط، لكن، ومن أجل تسهيل المناقشات بين الأطراف المعنية كافة، اقترحنا عدة أفكار للمناقشة والنقد. ويمكن تصنيف كل الإجراءات الممكنة ثلاث مجموعات رئيسية:

1-  إجراءات ذات طبيعة سياسية ونفسية لا تستدعي تغييرات جذرية في البنى العسكرية القائمة، ولا في المواقف السياسية الخارجية.

وفي المرحلة الأولى، يصعب تصور تخفيضات كبيرة في الجيوش، أو خلق "شفافيّة" شاملة. فالأمر الضروري هو التخفيف من حدة التوترات القائمة، والشروع في الاتصالات المباشرة التي قد تؤدي إلى بعض التغييرات في المواقف المعلنة. وقد تشمل هذه الإجراءات وضع حد لحالة الحرب، (وفي أفضل الأحوال) اتفاقية بشأن المبادىء العامة لمعاهدات السلام المقبلة.

2- إجراءات تغيِّر البُنى العسكرية تغييراً جزئياً، فتجمّدها أو تحدد تناميها.

وقد يكون مثل هذه الإجراءات أعمق في الجوهر، ويؤدي إلى تأسيس أوّلي لمكوّنات الأمن المشترك للأطراف الإقليميين، وذلك من خلال التخفيف من التهديدات المتبادلة، وخلق بعض الثقة المتبادلة، وإقامة عملية إجرائية للتغلب على المجابهة.

3- إجراءات تخلق تغييرات جذرية في المواقف العسكرية وفي أنظمة السياسة الخارجية.

يجب أن تغير هذه الخطوات العلاقة، من تدبير التنافس والسيطرة عليه إلى التعاون في المجال الأمني، وتواكبها تخفيضات كبيرة في الأسلحة والقوات المسلحة، ونظام تحقُّق فعال. ويتشابك تنفيذ هذه الإجراءات مع التسوية السياسية للمسائل الإقليمية الأكثر إثارة للانقسام، وتطوير علاقات اقتصادية وثقافية متنوعة بين الأطراف الإقليمية.

وعلى الرغم من أن بعض هذه الإجراءات متداخل في بعض منطقياً، فإن تطبيقها فوراً وعلى صورة صفقة كاملة، أمر صعب. ويجب النظر إليها باعتبارها عملية تستغرق بعض الوقت. لكن من المهم أن تبدأ هذه العملية الآن، على الرغم من المشكلات والصعوبات البيّنة.

المرحلة الأولى

الهدف، في هذه المرحلة، خلق الأوضاع الملائمة للمفاوضات المستقبلية في شأن تفاصيل وسبل مراقبة التسلّح، وإجراءات دعم الثقة والأمن، وإعداد الحوافز لهذه العملية. ويصعب جداً أن نتصور أن تأتي المبادرات الكبرى، في هذه المرحلة، من الأطراف الإقليميين أنفسهم. فالموقف الأوّلي سيستند، على الأرجح، إلى الإقناع الذي تمارسه الدائرة الخارجية من المشاركين. والدور الأهم يمكن أن تقوم به الدول العظمى، التي قد تطور الأفكار في بعض الأحيان لاقتراحها على الأطراف الإقليمية، فتساعدهم في الإلمام بجوهر مراقبة التسلّح.

ويبدو من الضروري والممكن، في هذه المرحلة الأولى، منع العودة من جديد إلى التنافس بين الدول العظمى في الشرق الأوسط، والحد من تدفق الأسلحة إلى المنطقة، وتخفيف خطر الهجوم المباغت الجديد في المنطقة، وتحضير الأساس لنظام مستقبلي للضمانات الدولية في الشرق الأوسط.

أما مكوّنات هذه المرحلة، فقد تشمل:

أ)  محادثات سوفياتية أميركية مكثّفة في شأن مشكلات الأمن ومراقبة التسلّح في الشرق الأوسط؛

ب) محادثات واسعة النطاق بشأن سياسات عدم المجابهة في الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة، يشترك فيها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، وبعض الدول الأخرى، كاليابان وألمانيا والهند وغيرها. ويجب ألا تعطي تفاصيل التسويات السياسية، بل أن تركّز على إجراءات محتملة لدعم الثقة والأمن والضمانات الأمنية؛

ج) استعمال الحوافز السياسية والاقتصادية المختلفة من أجل القبول بنظام لمراقبة التسلّح والأمن في الشرق الأوسط؛

د) اتفاقية تابعة لمباحثات الحد من الأسلحة التقليدية على الساحة الأوروبية – الاتفاق الأول، لخلق تحكّم ما في صادرات السلاح إلى الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم الثالث (تشمل 85% من مصدّري السلاح في العالم)، يواكبه اهتمام خاص بتكنولوجيا الصواريخ البالستية كروز، وبالتكنولوجيا العسكرية غير التقليدية؛

هـ) إقامة نظام مراقبة للوضع العسكري في الشرق الأوسط يسمح لبعض دول المنطقة بالحصول على بعض أنماط المعلومات؛

و) تفويض من مجلس الأمن بتشكيل قوة لحفظ السلام متعددة الجنسيات للشرق الأوسط؛

ز) الدعوة إلى مؤتمر دولي بشأن الأمن ومراقبة التسلّح في الشرق الأوسط تحت الرئاسة المشتركة للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

المرحلة الثانية

إن الهدف، من هذه المرحلة، هو حمل الدول الإقليمية على المشاركة بنشاط في الجهود الرامية إلى المزيد من الأمن ومراقبة التسلّح، من خلال تنفيذ خطوات عملية تهدف إلى تخفيف التوترات العسكرية، وفك الارتباط مع المواجهة المسلحة، وإقامة بنى إقليمية لدعم الثقة ومراقبة التسلّح.

وفي هذه المرحلة، يمكن للدول الإقليمية أن تتفق على الإحراءات التي تتماشى مع الإنجازات التي كانت الدائرة الخارجية قد شرعت فيها. وقد تشمل هذه الإجراءات:

  • اتفاقيات إقليمية لحظر الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية؛
  • التفاهم فيما يتعلق بالحد من استيراد بعض أنواع الأسلحة التقليدية؛
  • خلق مناطق فك الارتباط ومناطق فيها وجود عسكري محدود؛
  • إنشاء بُنى إقليمية لـ المراقبة والتثبّت؛
  • تطوير سياسات متفق عليها، ترمي إلى تخفيضات محتملة للقوات المسلحة والأسلحة الهجومية، نزولاً إلى مستويات متفق عليها.

ويجب أن يواكب هذه الإجراءات تقدم ملموس في ردم الهوة بين المسائل السياسية وتسوية النزاعات بشأن الأرض. لكن من المتوقع ألاّ تُنجز الحلول السياسية سوى في وقت لاحق. لذا، فإن الخطر العسكري لن ينقشع عن المنطقة نهائياً إلا في المراحل اللاحقة لعملية مراقبة التسلّح وبناء الأمن في الشرق الأوسط. أما تخفيف الخطر العسكري ودعم الثقة المتبادلة فيسهّلان التنازلات في المسائل السياسية، بينما يسهّل التعاون السياسي المزيد من مراقبة التسلّح وإجراءات الأمن المشتركة.

وعلى النظام المقبل للأمن ومراقبة التسلّح في الشرق الأوسط أن يشمل، على الأقل، المكوّنات الخمسة الرئيسية التالية:

  • السيطرة على واردات السلاح إلى المنطقة؛
  • عدم انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية ووسائل إيصالها؛
  • إجراءات لتخفيف التوترات العسكرية والحد من سباق التسلح في المنطقة؛
  • خلق نظام "شفافية" شاملة وتبادل للمعلومات؛
  • منع المزيد من التدهور في مشكلة الإرهاب الدولي.

دعنا نبحث في بعض المناحي المبدئية لهذه المكوّنات.

رابعاً: الحد من واردات السلاح

إلى الشرق الأوسط

              إن سباق التسلّح في الشرق الأوسط، كغيره في مناطق أخرى من العالم الثالث تغذّيه في الغالب صفقات الأسلحة الواردة من الدول المتطورة. وعلى الرغم من وجود صناعة عسكرية متنامية في المنطقة، فإنه حتى إسرائيل لا يمكنها أن تصبح مستقلة تماماً في بعض أنواع الأسلحة البالغة الأهمية. من هنا، فإن منع حدوث سباق للتسلح لا حدود له في الشرق الأوسط، هو مهمّة ذات وجهين: قيام نظام عالمي لتصدير السلاح، والتحفّظ من جانب دول الشرق الأوسط في مجال استيراد الأسلحة.

إن من شأن حرب الخليج أن تزيد، وبسرعة كبيرة، في حدّة سباق التسلح؛ إذ تحاول جميع الدول الكبرى الحصول على كميات ضخمة من الأسلحة الأكثر تطوراً. فقد أدّت معاهدة باريس، والتخفيضات في الميزانيات، إلى انخفاض كبير في الحصول على السلاح لدى المتنافسين السابقين في الحرب الباردة (على سبيل المثال: أوقفت الولايات المتحدة إنتاج الدبابات وعربات القتال المدرعة، بينما خفّض الاتحاد السوفياتي حصوله على الأسلحة بنسبة تتعدى الستين في المائة). فقد استعاد الاتحاد السوفياتي نحو ستين ألف قطعة سلاح من أوروبا، ووضعها وراء جبال الأورال حفاظاً عليها من التدمير، بينما عمدت دول حلف ناتو، التي ليست مُلزمة رسمياً بتخفيض العديد من أسلحتها، إلى تخفيض قواتها في أوروبا إلى أبعد من الحدود الواردة في معاهدة باريس. وهذا الأمر قد أدى إلى طلبات هائلة من مصر والسعودية وسوريا، لاقت قبولاً متحمساً لدى بعض الصناعات الدفاعية التي تجد نفسها على شفير الإفلاس.

وفي هذه الأوضاع، فإن مراقبة التسلّح، والحد من صادرات الأسلحة إلى الشرق الأوسط، هما ضرورة ملحة. وهذا الدور قد تقوم الدائرة الخارجية به. وفي الوثيقة التي أعدّها الاتحاد السوفياتي بشأن التسوية بعد انتهاء الأزمة، ورد اقتراح "بأن من الضروري البحث في موضوع تخفيض متوازن لصادرات الأسلحة إلى المنطقة. والأولوية القصوى هي التحفظ إزاء أنواع الأسلحة الهجومية، وخصوصاً الصواريخ وتكنولوجيا الصواريخ."

 والمرجّح أن من المستحيل الكلام بشأن حظر شامل على صادرات السلاح كافة. لكن من الممكن اتخاذ إجراءات أخرى. وكما ورد أعلاه، فإن أطراف معاهدة باريس قد تتفق على الحد من، وحتى على الحظر التام للصادرات إلى الشرق الأوسط لتلك الأسلحة التي ترد ضمن التقييدات الأوروبية الجديدة. وهذا التعهد قد يشمل الأسلحة السوفياتية التي تم نقلها السنة الماضية من الجزء الأوروبي إلى الجزء الآسيوي من أراضي الاتحاد

السوفياتي. وستعزز هذه الخطوة العملية الأوروبية، وتساهم في إبرام معاهدة باريس، بينما تضع حدوداً معينة لتكديس السلاح المحتمل في الشرق الأوسط.

              ومثل هذا الاتفاق يجب أن يستند إلى إجراءات للتثبّت، تحتاج إلى مستوى معين من التأسيس. وهذا الدور قد يقوم به مركز للسيطرة على صادرات السلاح قد يستخدم بعض الوسائل التي استخدمتها هيئة مراقبة انتقال التكنولوجيات إلى دول المنظومة الاشتراكية (سابقاً)، أو قد يندمج في تلك الهيئة، الأمر الذي يساهم في المزيد من التحسن في العلاقات بين الشرق والغرب.

              وهذا الترتيب من صنف "فيينا زائد" يجب أن يسبقه تفاهم سوفياتي – أميركي يؤدي إلى استئناف المشاورات في شأن صادرات السلاح التقليدي. كذلك، فإن المشاورات بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن قد تكون مهمة، فتشمل العملية الصين.

              ومن غير الممكن استبدال الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة والدول الأوروبية، بصورة عامة، في أسواق الشرق الأوسط بمصدّرين آخرين (الصين، كوريا، الأرجنتين، البرازيل) لا يستطيعون إنتاج الكميات والأصناف والنوعية من الأسلحة المتطورة "الذكيّة" التي استُخدمت خلال حرب الخليج، ولا ما استجد منها ليصبح جاهزاً أواسط التسعينات. لكن يجب إقناع المصدّرين الآخرين بتقييدات تصدير الأسلحة، وهي عملية يلزمها اتفاق عالمي بإشراف هيئة الأمم المتحدة. والخطوة الأولى في هذا السبيل، قد تكون سجلاً رسمياً لجميع صادرات الأسلحة، يمكن استخدامه فيما بعد أساساً لـ إجراءات أكثر تقييداً.

ويجب أن يؤدي الاتفاق بين المصدِّرين إلى اتفاق بين المستوردين. وعلى دول الشرق الأوسط أن تقبل علناً بتقييدات المصدّرين، أولاً على صورة بيانات، ثم من خلال ترتيبات أكثر تحديداً. وقد تشمل هذه الترتيبات ما يلي:

1-  إنشاء هيئة إقليمية لواردات السلاح تتوفر لها، في البدء، المعلومات الرسمية عن صفقات الأسلحة، وتحصل لاحقاً على حق تفحُّص هذه المعلومات.

2- وسيلة للإبلاغ المبكر بشأن واردات السلاح المخطط لها، بما في ذلك التوقيت والكمية والمنشأ، وإلى ما هنالك.

3- الامتناع من شراء بعض أنواع الأسلحة الهجومية.

4-  حظر إعادة تصدير بعض أنواع السلاح.

5- الاتفاق على حصص بعض أنواع السلاح.

ولن يكون من السهل إنجاز مثل هذا النظام. والأصعب من ذلك، قد يكون الترتيبات المستقبلية لـ السيطرة على مصانع الإنتاج المحلي في دول الشرق الأوسط نفسها. لكن، من دون الوصول إلى مثل هذه الترتيبات، تبقى القيود على مبيعات الأسلحة محدودة الفعالية. وقد تشمل هذه الترتيبات حظراً على إنتاج بعض أصناف الأسلحة.

خامساً: تعزيز نظام عدم انتشار الأسلحة

النووية والكيماوية والبيولوجية

إن إدخال الأسلحة غير التقليدية إلى الشرق الأوسط، قد يكون له عواقب خطرة جداً في هذه المنطقة. فجغرافية هذه المنطقة لا تسمح بالحد من تأثيرات استخدام مثل هذه الأسلحة. كذلك فإن دول المنطقة لا تملك سوى قدرات محدودة جداً لتطوير "خيار الضربة الثانية". إن انتشار مثل هذه الأسلحة سيخلق الحوافز على القيام بضربة مسبقة تصيب العدو بالشلل. ومع وجود قدرات محدودة للإنذار المبكر، وأنظمة سيطرة واتصالات لا يوثق بها، فإن تطوراً كهذا من شأنه أن يؤدي إلى استخدام مثل هذه الأسلحة عن طريق المصادفة، أو حتى من دون إذن رسمي، حتى في زمن السلم.

ويجب أن ندرك أيضاً أن عدداً من الدول العربية قد وضع في أولويّاته تطوير الأسلحة النووية، بينما تملك إسرائيل قدرة نووية منذ بعض الوقت. ومع ذلك، فإن الوضع لم يفلت بعد من السيطرة تماماً.

ومن أجل منع المزيد من التصعيد، يجب اتخاذ خطوات سريعة لتنفيذ نظام اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية بصورة فعّالة في الشرق الأوسط. وهذا الأمر يتطلب، على الأرجح، فرض العقوبات (من عقوبات اقتصادية وسياسية وغيرها) على الأطراف التي ترفض التخلي عن عزمها على امتلاك سياسة نووية قابلة للتطبيق.

والأصعب من هذا هو مشكلة الأسلحة الكيماوية التي كثيراً ما تُعرّف بأنها "الأسلحة النووية للدول الفقيرة". فقد أضفى صدام حسين "الشرعية" على الخيار الكيماوي. وترتبط المشكلة، أيضاً، بإمكان استخدام الصواريخ لإيصال هذه الأسلحة إلى أهدافها.

وثمة اليوم نهجان خطران: تطوير القدرة على تحسين الصواريخ التي تمتلكها الدول الآن (حتى تلك التي لها مدى تكتي)، والتعاون مع فرقاء آخرين داخل المنطقة وخارجها، على تطوير مثل هذه القدرة.

ويبدو أن اتفاقية سنة 1987 للسيطرة على الصواريخ، وتصدير تكنولوجيا الصواريخ من قبل سبع دول متطورة، لا تكفي. وأحد الأسباب أن الاتحاد السوفياتي لم يشارك في هذه الاتفاقية. وسبب آخر يرتبط بالمصدّرين الجدد لتكنولوجيا الصواريخ، وخصوصاً الصين وكوريا والأرجنتين والبرازيل. لذا، فإن الدول العظمى لا يمكنها أن تمنع وحدها انتشار الصواريخ منعاً تاماً.

والخلاصة، إن على دول الدائرة الخارجية، أن تعزز القيود، وتطلب من الآخرين التمثل بها. ويعني هذا أن من الواجب دعوة الاتحاد السوفياتي، وغيره من المصدّرين المحتملين، إلى الاشتراك في معاهدة سنة 1987. ومن جهة أخرى، على دول الشرق الأوسط أن تقبل قبولاً كاملاً باتفاقية عدم انتشار الأسلحة، وبلجان التفتيش الدولية.

ويجب أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل تعيد النظر، منذ فترة قصيرة، في موقفها من حظر الأسلحة النووية، وخصوصاً  الأسلحة الكيماوية. وقد يؤدي هذا الأمر إلى اتفاق إقليمي فيما يتعلق بهذه الأمور. وهذه "الصفقة" المحتملة قد تشمل ما يلي:

أ)  قبول جميع دول الشرق الأوسط بــ اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وبالسيطرة الدولية؛

ب) قبول جميع الأطراف في المنطقة بـ معاهدة الأسلحة الكيماوية المقبلة؛

ج) اتفاق للامتناع من شراء صواريخ جديدة يتعدى مداها الخمسين كيلومتراً، سوى أنظمة من طراز MLRS، وأنظمة الدفاع الجوي؛

د) إنشاء هيئة تنسيق إقليمية للإشراف على السيطرة والتحقُّق فيما يختص بهذه الترتيبات.

سادساً: الحد من سباق التسلح التقليدي

إن الشرق الأوسط يأتي في المرتبة الثانية بعد أوروبا، في مدى تركيز الأسلحة التقليدية. وفي هذا المجال من التسلح، فإن المنطقة العربية – الإسرائيلية قد تُقارت بأوروبا الوسطى في الكمية، وإنْ لم يكن في النوعية. وبعد نهاية الحرب الباردة في أوروبا، قد يصبح الشرق الأوسط أكبر وأخطر مصدر للتوتر العسكري، بما فيه من قوات مسلحة كبيرة على استعداد للقيام بأعمال عسكرية واسعة النطاق فوراً.

ويستحيل إنشاء نظام للأمن ومراقبة التسلح في الشرق الأوسط من دون تخفيضات كبيرة في الأسلحة التقليدية، التي تراكمت لدى الأطراف المتنازعة. ويخلق هذا الأمر تناقضاً خطراً: فالوفاق السياسي يلزمه تخفيض في المجابهة العسكرية، لكن مثل هذا التخفيض لا يتم سوى بعد تخفيف حدة التوتر السياسي.

ومن السابق لأوانه تحديد السقف المحتمل للتسلح التقليدي، أو حتى اقتراح هيئة إشراف للمفاوضات في شأن هذه المسائل. وفي هذا المجال، فإن الدائرة الخارجية لا يمكنها أن تقوم سوى بالقليل القليل لمساعدة الدائرة الداخلية من أجل الشروع في هذه العملية. لكن لنا أن نتصور أن من الممكن معالجة هذه المشكلة على أساس كل بلد على حدة، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات الأمن الخاصة بكل فريق، والتقدم خطوة خطوة.

ففي المرحلة الأولى من العملية، قد نأمل – في أحسن الأحوال – بالوصول إلى تفاهم سياسي، أو إلى إعلان نيات من الأطراف التي تشمل المجموعة الوسطى، ومجموعة الخليج الفارسي في دول الشرق الأوسط. وفي إمكان هذه الأطراف التزام نبذ الأعمال العدوانية ونبذ استخدام القوة ضد جيرانهم.

والخطوة التالية قد تؤدي إلى اتفاق على فك ارتباط القوات المسلحة في المنطقة العربية – الإسرائيلية. ومثل هذه المناطق، التي فيها فك ارتباط، موجود فعلاً في سيناء (وبمعنى أكثر تحديداً) في مرتفعات الجولان. لذا، يمكن توسيع رقعة مثل هذه المناطق.

ومن الممكن تخصيص مناطق جديدة إضافية في المنطقة على أنها مناطق حاجزة، ومنزوعة السلاح كلياً ("فارغة") أو جزئياً ("مملوءة"). ففي المناطق "الفارغة" لا يُسمح بنشر القوات سوى لعدد محدود من حرس الحدود، من دون دبابات ومدفعية ثقيلة وصواريخ. ومن شأن هذا أن يمنع وقوع اشتباكات حدودية خطرة، وأن يبعد فعلاً الهجمات البرّية المباغتة. وفي المناطق "المملوءة" لا يُسمح بالانتشار سوى لوحدات من القوات المتعددة الجنسيات. ويمكن إقامة هذه المناطق على الحدود المعترف بها دولياً، وعلى خطوط وقف إطلاق النار.

ولربما تكون هنالك أيضاً مناطق حيث يُحظّر فيها كلياً، أو يحدّد، نشر الأسلحة الهجومية. ولربما، كذلك، قد تكون هناك مناطق ضمن أراضي الأطراف، حيث يجب فيها منع أو تحديد تحرك القوات. وقد تكون هذه المناطق غير متطابقة، لكنها موجودة لدى الطرفين. أما مركز مراقبة الوضع العسكري، فله أن يراقب التحركات في هذه المناطق.

وبالإضافة إلى تقييد النشاطات العسكرية البرية، من الضروري إقامة مركز لمراقبة المجال الجوي؛ إذ إن كل النزاعات المسلحة، في الزمن الحديث، بدأت بعمليات جوية هجومية هدفها الوصول إلى التفوق الجوي. وقد برهنت حرب الخليج، مجدداً، عن الأهمية الحيوية للقوة الجوية. ويجب أن يعمل في هذا المركز، في البدء، موظفون من الدائرة الخارجية، ولا يُستبدَلوا بموظفين من دول المنطقة إلاّ في زمن لاحق.

أما القيود على الطلعات الجوية للطائرات المقاتلة، فقد تشمل إقامة ممرات خاصة تمنع الطائرات من دخولها. ويجب حظر المناورات الكبرى، ولربما وُضٍع سقف لعدد الطائرات التي يسمح لها بالتحليق في الجو، في آن واحد.

والمرجح أن المرحلة الأولى ستستدعي أيضاً انتشار قوات جديدة متعددة الجنسيات لحفظ السلام بصورة دائمة. وقد تؤلَّف هذه القوات من وحدات عربية في منطقة الخليج، ووحدات من القوى الخارجية في منطقة الصراع العربي – الإسرائيلي.

وفي المرحلة الثانية، يمكن لإسرائيل ودول المجابهة العربية أن تسعى للاتفاق على تخفيض كبير لقواتها، وخصوصاً لأسلحتها الهجومية، والانتقال إلى مواقف ومبادىء عسكرية تنحو نحو الدفاع. والمرجح أن قوات الدول العربية من منطقة الخليج وشمال أفريقيا، لن تُشمل في هذا الترتيب، بينما قد يُؤخذ العراق والسعودية بعين الاعتبار.

أما السقوف العددية، فلا يمكن أن تستند إلى "المساواة" بين إسرائيل والعرب؛ إذ إن هذا يتطلب سياسة أكثر حذقاً، على أساس كل بلد بمفرده. وهذا أمر صعب جداً.

لكن الأمر الأقرب إلى التحقيق هو إمكانات الوصول إلى اتفاق على إجراءات دعم الثقة والأمن، كالقيود على عدد ومدى المناورات العسكرية، وحظر استدعاء الاحتياطيين على مستوى واسع.

إن النجاح في هذه المجالات قد يساهم في تأسيس نظام مراقبة التسلح والأمن، بما في ذلك إنشاء هيئة الشرق الأوسط لمراقبة التسلح، التي تستطيع أن تعمل بالاشتراك مع غيرها من الهيئات (كمركز مراقبة الوضع العسكري و مركز صادرات الأسلحة و مركز مراقبة المجال الجوي)، الأمر الذي يخلق إطاراً أمنياً إقليمياً أكثر شمولاً. وفي المرحلة التالية، يمكن لهذه الهيئة أن تتولى بعض المهمات التي قامت الدائرة الخارجية بها من قبل.

وفيما بعد، قد يصبح من الممكن تخفيض سقوف التسلح، وإقامة تعاون إقليمي أكبر في مختلف مجالات الأمن. وقد يؤدي هذا إلى الوصول إلى سياسات عسكرية ذات منحى دفاعي أكبر، في بعض المراحل اللاحقة.

سابعاً: الشفافية ودعم الثقة

              إن دعم الثقة جزء لا يتجزأ من عملية مراقبة التسلح. وكما تدل التجربة الأوروبية، يستحيل حدوث أي تحول جذري في مجال مراقبة التسلح، من دون إجراءات لدعم الثقة. وأهمية مثل هذه الإجراءات أكبر كثيراً في الشرق الأوسط، حيث الحذر الشديد والمتبادل هو السائد في كل مكان. لكن نقل مثل هذه الإجراءات بحرفيتها، من أوروبا إلى الشرق الأوسط، غير ممكن.

              يمكن إيجاد ثلاثة أنواع من إجراءات الشفافية: منع هجوم مباغت، والتحقق من اتفاقيات معينة، وإقامة علاقات تتصف بالانفتاح الأوسع في المجال العسكري.

              ويبدو أن الخطوات التي يجب أن تُتخذ على طريق الشفافية ترتبط، أساساً، بمهمة منع حدوث هجوم مباغت، ولا تُستخدم إلا لاحقاً لـ التحقق من اتفاقيات مراقبة التسلح.

وفيما يتعلق بالخطوات الأحادية الجانب، أو المتعددة الجوانب، في مجال معايير الانفتاح الدولي، فقد تشمل ما يلي:

  • توفير معلومات مفصّلة عن النفقات العسكرية ومكانها في الميزانيات؛
  • توفير معلومات عن تكوين القوات المسلحة؛
  • توفير معلومات عن نشاطات ومناورات عسكرية مخطط لها، وإلى ما هنالك.

ومثل هذه الخطوات من شأنه أن يضفي قدراً من الاستقرار على الوضع الإقليمي. لكن المرجح أن خطوات الشفافية الأكثر بروزاً لن تكون مقبولة من الجميع، على الأقل في البدء. ومثل هذه الأنواع من الشفافية لا توفره إلا الأطراف الخارجية التي تعمل على شاكلة "وسيط أمين" يوفر المعلومات اللازمة للأطراف الإقليمية كافة. ومن الناحية التقنية، فإن النظام الأساسي قد يستند إلى الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية، تحت نوع من أنواع الإشراف للأمم المتحدة.

أما دول الدائرة الداخلية، فلن تتفق على تبادل المعلومات عن التحركات العسكرية، والمناورات، ومبادىء السيطرة المتبادلة، والتحقق من النشاطات العسكرية، وغيرها من إجراءات دعم الثقة، إلا في مرحلة لاحقة.

والدور الأساسي قد يقوم به مركز مراقبة النشاطات العسكرية، الذي قد يعمل كوسيط و"كصف تمهيدي" لحمل الأطراف على المزيد من التعاون. وقد يعمل المركز أيضاً في المجالات التالية:

  • يعمل كـ"بنك" للمعلومات اللازمة.
  • يدير أقماراً صناعية للمراقبة ومحطات أرضية.
  • يجري تحقيقات على الأرض للنشاطات المشبوهة كافة،
  • يوفر "خطوطاً حامية" للاتصالات المباشرة بين الأطراف،
  • يتخذ الإجراءات السياسية في مجال "الدبلوماسية الوقائية".

وفي إمكان نشاطات هذا المركز أن تمهد السبيل أمام إنشاء هيئة الشرق الأوسط لمراقبة التسلح، وأن تشق الطريق أمام قيام نظام أمني أكثر شمولاً في المنطقة.

ثامناً: التصدي للإرهاب الدولي

              من المعروف جداً أن الإرهاب قد أصبح إحدى آفات الشرق الأوسط. والإرهاب في المنطقة كثيراً ما تسانده الدول، ويرعاه بعض الهيئات الخاصة؛ وهو قد أصبح خطراً عالمياً.

              وتبيّن التجارب أن السعي للسلام في الشرق الأوسط قد يفجر موجة جديدة من الإرهاب على أبشع صوره.

والمرجح أنه، وخلال عملية المرحلة الأولى من مراقبة التسلح، لن يكون من الواقعي تصور أن تتعاون الأطراف في مجال أنشطة مكافحة الإرهاب. لكن الأمر قد يصبح، فيما بعد، أحد أهم جوانب الجهود الرامية إلى تثبيت الأمن في المنطقة.

إن دول الشرق الأوسط كافة تقريباً، بما فيها تلك التي تتعاون هي نفسها مع الإرهابيين، هي ضحية المجموعات الإرهابية التي تهدد أمنها في الداخل. وقد يتيح هذا الأمر لها تنسيق نشاطاتها ضد الإرهاب، حين تصبح إجراءات دعم الثقة والأمن في المنطقة على درجة أعلى من التطور. ومثل هذا التعاون قد يشمل ما يلي:

  • الاتفاق على تعريف المجموعات الإرهابية؛
  • الاتفاق على الامتناع من مساندة الأنشطة الإرهابية (بما فيها توفير التسهيلات للتدريب، والملاذ الآمن لهذه المجموعات)؛
  • الاتفاق على تسليم الإرهابيين للعدالة، وفقاً للإجراءات القانونية؛
  • التحضير لعقد مؤتمر إقليمي في شأن حظر الإرهاب، وخصوصاً خطف الطائرات.

إن التعاون، في هذه الشؤون، يعزز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط تعزيزاً كبيراً جداً.

تاسعاً: إمكانات التسويات السياسية

              استناداً إلى "آراء الاتحاد السوفياتي فيما يتعلق بأُسس التسوية في منطقة الخليج الفارسي بعد انتهاء الأزمة"، فإن "انتشار التوترات العسكرية في الشرق الأوسط، يستدعي جهوداً حثيثة من أجل إزالة الأسباب السياسية لعدم الاستقرار وللنزاعات. إن مشكلة تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي يجب أن تُعالج بلا إبطاء. والنجاح، في هذا المجال، سيسمح بإدراج النظام الأمني الجديد في الخليج الفارسي ضمن هياكل إقليمية أوسع. ولا ريب في أن هذا سيعزز أمن شعوب الشرقين الأدنى والأوسط."

              ويبدو أن هذا المنحى منطقي، لكن تنفيذه صعب جداً. غير أن الأهم هو ما جاء فيه من إدراك واعتراف بأن النظام الأمني يجب أن يتطور بالتماشي مع الحلول السياسية، لا أن يأتي بعدها. إن التسوية السياسية للنزاع العربي – الإسرائيلي (بما في ذلك القضية الفلسطينية) لن تصبح أقرب إلى الواقع إلا بعد أن ينشأ ويترسخ بعض العناصر الأولية في نظام مراقبة التسلح والأمن في الشرق الأوسط، أي عند الوصول إلى نوع من التحضّر في العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب.

              وعلى امتداد أربعة عقود من الزمن تقريباً، كان يُنظر إلى النزاع العربي – الإسرائيلي على أنه جزء من الصراع العالمي السوفياتي – الأميركي. لكن نهاية الحرب الباردة قد أنهت تنافس القوتين العظميين كعاملٍ سلبي مما يعقّد الوضع الإقليمي. واليوم، في إمكان الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة التعاون (مع غيرهما من الدول الخارجية) على الترويج للسلام والأمن في الشرق الأوسط. ولا يمكنهما طبعاً، ولا ينبغي لهما أن "يفرضا" السلام على العرب وإسرائيل. لكن في إمكانهما تسهيل المفاوضات السياسية، وتفعيل دورهما للمساهمة في توفير مناخ أمني إقليمي إيجابي، على نحو ما وصفناه أعلاه.

              لا يمكن للحكومة الإسرائيلية، بعد اليوم، أن تستغل التناقضات بين الجبّارين. وعليها أيضاً أن تدرك أن الولايات المتحدة بعد الحرب مع العراق، لا يمكن أن تبدو أنها "تميل" نحو إسرائيل، بل عليها أن تبرهن عن عدم تحيّزها. وقد يكون لهذا الأمر تأثير عميق في سياسة إسرائيل الأمنية.

              وفي الوقت ذاته، فإن نتائج حرب الخليج يجب أن تؤثر تأثيراً عميقاً في نظريات إسرائيل العسكرية. فمن جهة، يقوّض إدخال تكنولوجيا الصواريخ أهمية الأراضي المحتلة كـ"حاجز أمني" لإسرائيل. وإذا وقعت حرب أخرى، فمن المستبعد جداً أن تهاجَم إسرائيل براً. والمرجح أن تجري حرب كهذه بواسطة صواريخ بعيدة المدى (بمقاييس الشرق الأوسط)، مسلحة برؤوس غير تقليدية. إن أنظمة الدفاع ضد الصواريخ، المبنية على صواريخ باتريوت وأرو المعترضة، لن تضمن سلامة أرض إسرائيل وسكانها. ومن جهة أخرى، فإن المرحلة الجديدة في سباق التسلح في الشرق الأوسط ستردم الهوة النوعية، بينما لا حظ لإسرائيل في الحفاظ على التوازن عددياً. كما أن الضربة الوقائية لم تعد خياراً واقعياً، إذا أخذنا في الاعتبار التغير الذي طرأ على الوضعين الإقليمي والدولي، والحزم الجديد الصادر عن الأمم المتحدة. وسيكون أكثر صعوبة لأي معتدٍ أن يتجاهل قرارات مجلس الأمن في المناخ السائد بعد حرب الخليج.

وفي هذه الحالة، يتضح التمييز  بين جاحات إسرائيل الأمنية وطموحات اليمين الإسرائيلي إلى ابتلاع الأرض. فأمن إسرائيل في المستقبل لن يعتمد على التمسك بالضفة الغربية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تنازل يستند إلى مبدأ "الأرض في مقابل السلام". إن تطور النظام الجديد لمراقبة التسلح والأمن في الشرق الأوسط، سيسمح لإسرائيل بسحب سيطرتها العسكرية على الأراضي المحتلة. وفي المناخ الاستراتيجي الجديد، فإن مراقبة التسلح هي وحدها ما يوفر "العمق الاستراتيجي" الملائم لإسرائيل ولدول الشرق الأوسط الأخرى. وكلما سارعنا إلى إدراك هذا الأمر بكّر موعد بدء عملية دعم الثقة والأمن ومراقبة التسلح الإقليمي.

إن مراقبة التسلح وعملية دعم الثقة والأمن قد تمهدان السبيل إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية. ومهما يكن شكل هذه التسوية، فإن للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير، وفي أرضه. إن إدخال مراقبة التسلح وإجراءات دعم الثقة والأمن إلى الشرق الأوسط، من شأنه أن يساهم في تحقيق هذه الرغبات. لكن العملية الطويلة للتقارب الفلسطيني – الإسرائيلي يجب ألا تقف حجر عثرة أمام أي تخفيض مبكر للمجابهة العسكرية بين إسرائيل والدول المجاورة. وثمة إمكانات حقيقية لإنجاز اتفاقيات بين إسرائيل وسوريا، من دونها قد تتورط الدولتان في حلقة جديدة من المجابهة. إن نظاماً أمنياً في المنطقة يمكن أن يساهم في حمل إسرائيل على الانسحاب من مرتفعات الجولان، وفي جعل هذه المنطقة خالية من السلاح، وفي غيرهما من الإجراءات التي تخفّض التوترات العسكرية.

ومن دون أن نسعى من أجل اقتراح خطة عملية لـ"تسوية شاملة"، من الممكن أن نستخلص أن المفاوضات الثنائية الناجحة بين الأطراف يجب التمهيد لها من خلال خلق مناخ متعدد الأطراف، بما في ذلك إعطاء دور لـ الدائرة الخارجية. إن الرئاسة المشتركة للاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في مؤتمر للسلام والأمن، تساهم في إطلاق عملية تخطو خطوة فخطوة من دون أن "تترابط" بصورة غير ضرورية، وتروّج لهدف السلام الدائم في الشرق الأوسط. 

*   شارك في إعداد هذا التقرير: د. سيرغي روغوف، مدير دائرة الدراسات العسكرية والسياسية في معهد الولايات المتحدة وكندا في أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي؛ الكولونيل جنرال (متقاعد) جورجي ميخائيلوف، مستشار لجنة العلماء السوفيات للأمن العالمي، والملحق العسكري السوفياتي السابق في الولايات المتحدة؛ اللفتنانت جنرال (متقاعد) ميخائيل ميلتشاين، مستشار لجنة العلماء السوفيات للأمن العالمي، ورئيس دائرة سابقاً في أكاديمية الأركان العامة؛ ديميتري إفستافييف، طالب دراسات عليا، معهد الولايات المتحدة وكندا في أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي؛ د. تاتيانا كوراسوفا، رئيسة دائرة في معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي.