إسرائيل والتسوية السياسية
Keywords: 
الحكومة الإسرائيلية
مفاوضات السلام
تسوية النزاعات
الأردن
سورية
حزب العمل الإسرائيلي
Full text: 

إن كل من يتتبع مسار المحادثات التي شهدتها المنطقة مؤخراً، في مجال التسوية السياسية للنزاع العربي – الإسرائيلي، يجد نفسه أمام عدد من التساؤلات الأساسية: أصحيح أن حرب الخليج أوجدت الأوضاع المؤاتية للبدء بمفاوضات سياسية لحل نزاع مر عليه حتى الآن أكثر من أربعة عقود؟ وإلى أي حد يشكل انتصار دول التحالف على العراق "فرصة تاريخية" لتسوية هذا النزاع؟ وربما السؤال الأهم هو: هل إسرائيل مستعدة فعلاً لسلام حقيقي وعادل ودائم مع العرب والفلسطينيين؟

تجري مساعي التسوية التي ترعاها الولايات المتحدة في ظل تعارض مبدئي في المواقف بين إسرائيل وحليفتها. ويمكننا القول إن التفاهم الذي كان قائماً بين الدولتين بشأن أهداف الحرب ضد العراق وغاياتها، لم يعد موجوداً اليوم فيما يتعلق بالموقف من التسوية السياسية.

إلى جانب هذا التعارض بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي، لا بد من التوقف أمام جملة معطيات أساسية تتحكم في الوضع داخل إسرائيل، وتؤثر بالتالي في مسارات الحديث عن التسوية، من أهمها:

1-  وقوع الحكومة الحالية في أَسْر التوجهات المتطرفة لليمين المتمثل فيها، والرافض لأية تنازلات أو انسحابات.

2- غياب معارضة سياسية جدية وقوية.

3- وضعية الجمهور الإسرائيلي: تظهر نتائج استفتاءات الرأي العام اتجاهاً نحو المزيد من التطرف؛ إذ يظهر من استفتاء أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب أن 88% يؤيدون استخدام إسرائيل للسلاح الذري اليوم، في مقابل 53 % سنة 1987، و36 % سنة 1986. ويزعم ثلث الذين شملهم الاستفتاء أن مواقفهم من الموضوعات الأمنية والسياسية تبدلت بعد حرب الخليج. فنصفهم يعتقد أن هدف العرب هو تدمير إسرائيل وقتل اليهود، وهذه نسبة كبيرة إذا ما قيست بنسبة 33 % خلال 1986 – 1988. ويعتقد 23 % فقط أن العرب يريدون مهاجمة إسرائيل لاستعادة الأراضي التي خسروها سنة 1976.[1]

أولاً: الحكومة الإسرائيلية والتسوية

عقب انتهاء المعارك في الخليج وإعلان بيكر بدء جولته في المنطقة، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى كسر الجمود الذي دخلته مساعي التسوية السياسية منذ آب/أغسطس 1990، وإعادة إحياء المبادرة التي سبق أن أطلقتها في أيار/مايو 1989. وبناء على نصائح سفيرها في واشنطن بضرورة تحضير أفكار جديدة وإدخالها في المبادرة قبيل وصول وزير الخارجية الأميركي، أعلنت الحكومة أول تعديل لما ورد سابقاً في مبادرتها، وذلك بالإعراب عن استعدادها للتفاوض مع وفد فلسطيني من الأراضي المحتلة من دون انتخابات، شرط ألا يكون بينهم ممثلون من الشتات الفلسطيني، أو مطرودون، أو ممثلون من سكان القدس الشرقية.

أما بنود المبادرة الحكومية التي شكلت نقطة البداية في المفاوضات مع وزير الخارجية، فيمكن تلخيصها في النقطتين التاليتين:[2]

1-  في الموضوع الفلسطيني: تعارض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة والضفة، كما تعارض أي تفاوض مع منظمة التحرير وأي تغيير في وضع الضفة والقطاع لا ينسجم مع الخطوط الأساسية للحكومة. وتقوم المبادرة على مرحتلين: أ) مرحلة أولى، فترة انتقالية لاتفاق موقت؛ ب) مرحلة ثانية، حل دائم. والعلاقة بين المرحلتين هي الجدول الزمني الذي بنيت الخطة وفقه. ويقوم مسار السلام على قراري 242 و338 اللذين قام عليهما اتفاق كامب ديفيد. ويوضح أنصار الليكود مغزى ذكر القرار 242 هنا. فالمقصود ليس "المناطق"، وإنما "مناطق" كثيرة أُعيدت إلى مصر في إطار كامب ديفيد. وبناء على ذلك، لا يُلزمهم هذا القرار بإعادة مناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة. ونصت المبادرة، في البند د، على أنه من أجل تشجيع مسار المفاوضات السياسية المؤدية إلى السلام، تقترح إسرائيل انتخابات ديمقراطية حرة وسط العرب الفلسطينيين من سكان يهودا والسامرة، في جو بعيد عن العنف والتهديد والإرهاب، يجري خلالها انتخاب مندوبين إلى المفاوضات في شأن الفترة الموقتة للحكم الذاتي، وتشكل أيضاً فترة اختبار للتعايش والتعاون يجري خلالها التحضير لمفاوضات الحل الدائم، والبحث في كل البدائل المطروحة لحل يحقق السلام بين إسرائيل والأردن. وهنا نشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية، ونزولاً عند رغبة أميركية قائلة بصعوبة إجراء انتخابات في الوقت الحاضر، قبلت بتعيين مندوبين فلسطينيين من سكان المناطق وبالشروط المذكورة أعلاه.

2- في موضوع التفاوض مع الدول العربية: يشكل اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر "حجر الزاوية" – وهذا التعبير سيتكرر كثيراً فيما بعد على لسان شمير – لتوسيع دائرة السلام في المنطقة. وتدعو إسرائيل الدول العربية إلى مفاوضات مباشرة معها، شرط أن تعلن إلغاء حالة الحرب معها، وإلغاء المقاطعة والحظر، ووقف النشاطات المعادية في المؤسسات والهيئات الدولية.

وعلى الرغم من كون مبادرة الحكومة للتسوية لم تحمل جديداً عما تضمنته سابقاً، لكنها مع ذلك أحدثت جدلاً ونقاشاً حادين بين أعضاء الحكومة اليمينية الضيقة بشأن تفسير بنودها والمواقف الواجب اتخاذها من المساعي الأميركية. وانقسمت الحكومة إلى ثلاثة معسكرات أساسية: معسكر رئيس الحكومة شمير ويضم وزير الدفاع موشيه آرنس، ووزير الصناعة موشيه نسيم، ووزير الصحة إيهود أولمرت. وهذا الفريق يلتزم بنود مبادرة 1989 من دون أي تغيير، مع القبول بمبدأ تأجيل الانتخابات الحرة في المناطق إلى موعد لاحق؛ المعسكر الثاني يضم أريئيل شارون وزير الإسكان، ورفائيل إيتان (تسومت)، ويوفال نئمان (تحيا)، ورحبعام زئيفي (موليدت). ويعارض هذا المعسكر المبادرة السلمية، ويطالب بالعودة عنها لأنها أُقرت في أوضاع حكومة وطنية وبضغط من المعراخ. وهو ضد إعطاء أية قوة سياسية لسكان الأراضي المحتلة الذين رقصوا على سطوح منازلهم ابتهاجاً بسقوط الصواريخ على إسرائيل.[3]  ويرفض هذا المعسكر أيضاً إعادة الجولان إلى سوريا؛ ففي رأي شارون أن عهد المفاوضات من دون شروط مسبقة قد ولّى ومضي، وأية مفاوضات يجب أن تكون مشروطة بالقضاء على السلاح غير التقليدي وعلى قواعد الإرهاب، ودمقرطة أنظمة الدول العربية؛[4]   أما المعسكر الثالث، فهو معسكر وزير الخارجية دافيد ليفي الذي يحاول الظهور بمظهر الدبلوماسي المرن. وقد عرضته مرونته لانتقادات شديدة من قبل أعضاء الحكومة، ولا سيما عندما أعلن استعداده للتفاوض مع الفلسطينيين ومع الدول العربية من دون شروط مسبقة، وبينها سوريا أيضاً.[5]  ويدعم ليفي داخل الحكومة الوزيرُ آرييه درعي (شاس)، وذلك لاعتبارات طائفية أكثر منها سياسية، فالاثنان ينتميان إلى الطائفة الشرقية السفارادية.

جولة بيكر الأولى

في حصيلة اللقاءات التي عقدها بيكر مع أطراف الحكم والمعارضة الإسرائيليين، والاجتماع الذي أجراه مع وفد من الشخصيات الفلسطينية في القدس الشرقية، تم الاتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي على موضوعين*: الأول تقسيم البحث في النزاع إلى قسمين: نزاع عربي – إسرائيلي، ونزاع فلسطيني – إسرائيلي، وبالتالي العمل على دفع المفاوضات على خطين متوازيين.

طرح الوسيط الأميركي على محاوريه فكرتين، من دون التوصل إلى اتفاق نهائي في شأنهما: فكرة الدعوة إلى مؤتمر إقليمي تحضره الدول العربية وترعاه الدولتان العظميان، وفكرة إقدام الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ خطوات لبث الثقة في نفوس السكان الفلسطينيين والقيام ببوادر طيبة مثل: فتح الجامعات في الضفة، وزيادة حرية انتقال السكان، وإطلاق عدد من المعتقلين الفلسطينيين خلال الانتفاضة والبالغ عددهم 16 ألف معتقل. وكان شمير قد قال في حديث للتلفزة الإسرائيلية إنه ما زال "بعيداً عن المؤتمر الإقليمي أو عن غيره." وذكر أن إسرائيل مستعدة للتفاوض مع أية مجموعة من الدول العربية، شرط الحفاظ على التوازن في الهيئة الجاري نقاشها. ووصف شمير محادثاته مع بيكر بأنها "بداية طيبة" و"أننا بالتأكيد نقترب من السلام."[6] 

تجدر الإشارة إلى أن لقاء بيكر الوفد الفلسطيني في القدس الشرقية كان عاملاً مثيراً للخلافات في وجهات النظر بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية. فقد ندد شمير باجتماع بيكر مع الشخصيات الفلسطينية، واصفاً فيصل الحسيني "بأنه أشد خطراً من عرفات."[7]  

جولة بيكر الثانية

              قبيل وصول وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة، بدأ يبرز تفضيل أميركي لفكرة وفد أردني – فلسطيني مشترك إلى المفاوضات. ونقل السفير الإسرائيلي في واشنطن إلى حكومته أن الولايات المتحدة تؤيد حلاً على صيغة "كوندومينيوم" [Condominium]، أي حكم ثنائي بين إسرائيل والأردن في المناطق، وذلك كمرحلة أولى – عملية  - لحل النزاع. في هذه المرحلة يكون لإسرائيل والأردن مركز متساو في الضفة الغربية، لكن هذا لا يعني تقسيماً متساوياً للمهمات. ويرتبط السكان الفلسطينيون بالأردن، في حين يرتبط المستوطنون بإسرائيل.[8] 

أتت نتائج جولة بيكر الثانية في إسرائيل أكثر بلورة ووضوحاً. ففي نهاية الجولة برزت عدة نقاط ذُكر أنه تم الاتفاق عليها، هي:[9]

1-  الاتفاق على أن منظمة التحرير ليست شريكة في المفاوضات.

2-  الاتفاق على ألا تكون الدولة الفلسطينية النتيجة النهائية للمفاوضات.

3- تسير المفاوضات السياسية على خطين متوازيين كما اقترح وزير الخارجية قبل شهرين.

4- تجري المفاوضات بصورة مباشرة بين إسرائيل وجاراتها، باستثناء اجتماع استهلالي وحيد تشارك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي فيه.

5-  الاتفاق على انضمام الاتحاد السوفياتي إلى المسار السياسي شرط إعادة علاقاته الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل وإعلان موافقته على مبدأ المفاوضات على خطين كما تقترحه الولايات المتحدة.

6-  يجري تعيين الوفد الفلسطيني – لا انتخابه – والاتفاق على ألا يضم هذا الوفد ممثلين من القدس الشرقية ولا مطرودين [تبرر الولايات المتحدة موقفها هذا بأن المفاوضات الدائرة حالياً هي بشأن تسوية موقتة تأخذ طابع السلطة الذاتية، وليس بشأن تسوية دائمة. وهي لا تلتزم عدم انضمام ممثلين فلسطينيين من القدس الشرقية إلى الوفد الذي سيفاوض بشأن الاتفاق الدائم].

7-  المحادثات مع الفلسطينيين هي للتوصل إلى تسوية موقتة تأخذ شكل "الإدارة الذاتية" لا الحكم الذاتي [تعبير مرفوض من جانب العرب].

8-  الاتفاق على وجود تفسيرات مختلفة لمغزى القرارين 242 و338.

إن الطريقة الأفضل لتقدير مدى حظوظ النجاح لهذه النقاط المشتركة، هي مقارنتها بالمبادىء السبعة التي طرحها المصريون في محادثاتهم مع بيكر، والتي ذكروا أن سوريا توافق عليها أيضاً بحسب ما جاء في الصحافة الإسرائيلية. وهذه المبادىء هي:[10]

  • أي مؤتمر لحل النزاع في الشرق الأوسط يجب أن يستمر لا أن يكون حدثاً وحيداً. وليس على هذا المؤتمر أن يفرض أو يملي اتفاقات، وإنما أن يُستخْدَم فقط إطاراً داعماً للمسار منذ بدايته حتى نهايته.
  • إن الهدف الأساسي للمؤتمر وللمفاوضات هو حل المشكلة الفلسطينية والنزاع بين إسرائيل وجاراتها. لذا لا مجال لمشاركة دول عربية لا حدود مباشرة لها مع إسرائيل (وخصوصاً السعودية)؛ فالمشاركون في الاجتماعات الأولى هم الدول المحيطة بإسرائيل، والفلسطينيون، وإسرائيل، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي، وأطراف من هيئة الأمم المتحدة.
  • يجب أن تكون صيغة الاتفاقات في المؤتمر واضحة، وأن تتضمن حقوق الفلسطينيين وقرارات مجلس الأمن، بما في ذلك العنصر الذي يمنح الأمل بتطبيق مبدأ "مناطق في مقابل سلام" الوارد في هذه القرارات. ومن دون هذا المبدأ، لا مجال لمشاركة عربية.
  • يُمنح المشاركون الفلسطينيون حق الكلام عن أنفسهم بصورة عامة. ومن الأكيد أنهم سيوافقون على الانضمام إلى وفد مشترك مع الأردن. لكن في أثناء الاجتماعات – خلال المؤتمر وخلال المفاوضات – يجب أن يمنحوا حق الكلام عن أنفسهم.
  • كل فلسطيني شارك أو سيشارك في لقاءات بيكر مخوّل لتمثيل الفلسطينيين في أثناء المفاوضات (بمن في ذلك مواطنون من القدس الشرقية، مثل فيصل الحسيني). إذ لا يخطر على بال الدول العربية أن يجتمع بيكر دائماً مع شخص مثل فيصل الحسيني ثم يقبل بإبعاده عن المشاركة في عملية السلام.
  • يتفهم الطرف العربي ويبدي استعداده لتأجيل النقاش بشأن مصير القدس إلى فترة لاحقة. لكنه يعارض مبدأ عدم الاعتراف بأن الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية هم جزء من الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال.
  • إن مشاركة سوريا أساسية لإنقاذ المسار. وحقيقة أن سوريا تضع شروطاً مسبقة لا تغير من كون أن إسرائيل تضع شروطاً مسبقة.

ثمة موضوع يثير الجدل والنقاش بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي، وهو موضوع الاستيطان في المناطق، ولا سيما بعد التصريحات الاستفزازية لشارون بشأن الجولان*،  وإعلانه البدء ببناء 13 ألف وحدة سكنية في المناطق. وكان وزير الخارجية الأميركية قد حذر شمير، في أثناء اجتماعاتهما، من أن موضوع المستعمرات قد يتحول إلى حجر عثرة، لا بالنسبة إلى مسار المفاوضات فحسب وإنما بالنسبة إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً.[11] 

جولة بيكر الثالثة

طرح بيكر ثلاثة أسئلة وطلب من شمير أجوبة واضحة عنها:[12]

1-  هل توافق الحكومة الإسرائيلية على استمرار المؤتمر الإقليمي بعد الجلسة الافتتاحية، وعلى إمكان دعوته مجدداً عندما تنشأ صعوبات خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والدول العربية، أو دعوته لمعالجة قضايا أخرى مثل المياه أو نزع السلاح أو اللاجئين؟

2-  هل توافق الحكومة الإسرائيلية على أن يضم الوفد الفلسطيني شخصيات من الضفة الغربية المحتلة تقيم في القدس الشرقية؟

3- هل توافق الحكومة على مشاركة المجموعة الاقتصادية الأوروبية والأمم المتحدة في المؤتمر الإقليمي؟

في جلسة عقدتها الحكومة الإسرائيلية في 20 نيسان/أبريل، لخص شمير الخلافات القائمة في وجهات النظر بأنها تتمحور حول نقطتين: الأولى تتعلق بالتمثيل الفلسطيني لسكان المناطق والقدس الشرقية، والثانية تتعلق بانضمام أوروبا والأمم المتحدة إلى المؤتمر.[13]  وفي الجلسة ذاتها، قدم وزير الخارجية إلى الحكومة تقريراً عن المشكلات التي تم البحث فيها مع بيكر خلال زيارته الأخيرة. واستناداً إلى كلامه، فإن إسرائيل لم توافق على أي من المطالب العربية أو الأميركية، إذ "لا مجال هنا للفرض. ولا أقبل الكلام عن أزمة وضغط. يجب درس كل مرحلة، ما الذي يمكن تحقيقه وما الذي لا يمكن تحقيقه." ولخص موضوعات الخلاف كالآتي:

  • اسم المؤتمر: هل سيسمى مؤتمر السلام كما يطلب العرب، أم لقاء إقليمياً كما تطالب إسرائيل؟
  • استمرارية هيئة المؤتمر: في أية أوضاع تستطيع أن تجتمع، وأن تستمر في الانعقاد، ولأي غرض؟
  • مسألة اشتراك الأوروبيين: الاقتراح المطروح هو بأن يُمنحوا دوراً موضوعياً: أكثر من مراقبين، وأقل من موقع رعاة للمؤتمر.
  • مشاركة الأمم المتحدة: يطالب بيكر بأن تتمثل أمانة سر الأمم المتحدة، لأن النقاشات ستتناول قرارات اتخذتها الأمم المتحدة.
  • التمثيل الفلسطيني: إسرائيل مهتمة بوفد أردني – فلسطيني، من دون ممثلين عن منظمة التحرير وعن سكان القدس الشرقية.
  • مكان انعقاد المؤتمر: تتحفظ إسرائيل من عقد المؤتمر في القاهرة لأنها لا ترى فيها عاصمة حيادية. وهي غير متحمسة لعقده في جنيف كي لا تلصق به صفة "مؤتمر جنيف". إن المكان الذي تفضله إسرائيل هو واشنطن.

هل وصلت المساعي الأميركية إلى طريق مسدود؟

في نهاية جولة بيكر الثالثة، يمكن تلخيص الموقف الإسرائيلي بالتالي:

موضوع المؤتمر الإقليمي: الموافقة على حضور المؤتمر، شرط أن يعقد جلسة افتتاحية يحضرها المشاركون جميعاً، ثم الانتقال إلى المفاوضات المباشرة؛ رفض أي انعقاد جديد لهيئة المؤتمر فيما بعد لمعالجة موضوعات إقليمية عامة، مثل تقليص سباق التسلح والبحث في مشاريع التنمية الاقتصادية – بحسب الاقتراح الأميركي؛ رفض إعطاء الأمم المتحدة أية مهمة أو أي دور في المؤتمر، ومعارضة مشاركتها ولو بصفة مراقب؛ التحفظ من مشاركة مندوب عن السوق الأوروبية المشتركة بذريعة أن دولها ما زالت تقيم حواراً مع منظمة التحرير.[14]  وكان الأميركيون قد اقترحوا أن يجتمع المؤتمر كل ستة أشهر للاستماع إلى تقارير عن سير المفاوضات الثنائية، وإعطاء ضمانات مكتوبة لإسرائيل بأن المؤتمر لن يتدخل لفرض تسويات.

وحتى الآن لم تظهر بوادر موافقة إسرائيلية على ذلك، لكن تعتقد أوساط سياسية أن في الإمكان إزالة هذا العائق بضمانات أميركية تتعهد بألا ينعقد المؤتمر في حالة معارضة أحد الأطراف المشاركين فيه لذلك.[15]

المفاوضات مع الفلسطينيين: تتمحور الخلافات في وجهات النظر في المرحلة الحالية حول تركيبة الوفد الفلسطيني إلى المفاوضات، أكثر مما تتناول موضوع المفاوضات ذاتها. وفي هذا المجال، ترفض إسرائيل مشاركة وفد فلسطيني بصورة منفردة في المؤتمر المزمع عقده، لأن المؤتمر هيئة تحضره وفود تمثل دولاً، والحضور المستقل للوفد الفلسطيني هو بمثابة الاعتراف به ممثلاً لدولة على الطريق.[16]  من هنا الاقتراح بأن يحضر الجلسة الافتتاحية وفد أردن – فلسطيني مشترك. ولا يعارض شمير بعدها البدء بمحادثات ثنائية مع وفد فلسطيني منفصل، شرط ألا يضم الوفد أي مندوب له صلة بالقدس الشرقية. وكان بيكر، في محاولة لتجاوز هذا الرفض، قد تقدم باقتراحين: الأول أن يحضر ممثلون عن القدس الشرقية الجلسة الافتتاحية، شرط ألا يشاركوا في المحادثات الثنائية مع إسرائيل بصدد إنشاء إدارة ذاتية في المناطق. وقال إنه مستعد لاستبعاد شخصيات بارزة من القدس الشرقية، من أمثال فيصل الحسيني وسري نسيبة وحنا سنيورة، والاكتفاء برضوان أبو عياش وزياد أبو زياد اللذين يقطنان في الضفة ويعملان في القدس. أما الاقتراح الثاني، فهو حضور ممثلين عن القدس الشرقية في الوفد الأردني – الفلسطيني المشترك بوصفهم ممثلين عن المملكة الأردنية الهاشمية.[17]

وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن أكثر الأطراف تشدداً في مسألة تمثيل  سكان القدس الشرقية هم شمير وآرنس. وفي المقابل، يتبنى الوزراء دافيد ليفي ودان مريدور (وزير العدل) وإيهود أولمرت (وزير الصحة) اقتراح بيكر ضم أبو عياش إلى الوفد.[18]

الموقف من التفاوض مع الأردن: إن التفاوض مع الأردن، في نظر إسرائيل، يجب أن يجري من خلال الوفد الأردني – الفلسطيني المشترك. وما يفرض ذلك، استناداً إلى كلام شمير، أمران: "الأول أن الأردن دولة لنا معها حدود طويلة مشتركة، والثاني أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين يعيش في الأردن." وعندما سئل شمير عما إذا كان هو من رأي شارون في أن الأردن هو الدولة الفلسطينية، قال "لا أريد أن أدخل في ذلك الآن. فهذا أمر غير مطروح للنقاش. لكن هذه حقيقة. إن كل محاولات حكومات إسرائيل في الماضي لإجراء مفاوضات تتعلق بالنزاع كانت دائماً محاولة لربط الأردن والفلسطينيين الذين يقيمون فيه بالفلسطينيين المقيمين على هذه الضفة من النهر. لذا، نحن نفضل أن نرى في هذه مشكلة واحدة.[19]

الموقف من سوريا: ترفض الحكومة الإسرائيلية البحث في الانسحاب من هضبة الجولان؛ فالهضبة، في نظرها، جزء لا يتجزأ من أراضي إسرائيل، وذلك بموجب القانون الذي أصدرته سنة 1981 والذي ينص على ضم الهضبة. ولقد كان رئيس الحكومة واضحاً، في هذا الصدد، عندما قال إن إسرائيل غير مستعدة لإجراء مفاوضات في شأن مستقبل الهضبة. ولا علاقة، في رأيه، بين قرار مجلس الأمن رقم 242 وبين الجولان.[20]

في بداية التحرك الدبلوماسي، برز اتجاه في أوساط الحكم نحا نحو تأييد إجراء مفاوضات مع سوريا تحت شعار "سوريا أولاً"، انطلاقاً من الاعتقاد أن المجيء بسوريا إلى طاولة المفاوضات سيذلل الكثير من العقبات والصعوبات، وسيدفع في مسار التسوية على خطها العربي المنفصل عن خطها الفلسطيني. ولقد عكس هذا الاتجاه تصريحات وزير الخارجية دافيد ليفي باستعداده للتفاوض مع سوريا من دون شروط مسبقة، وكلام وزير الصحة إيهود أولمرت في واشنطن عن استعداد إسرائيل للبحث في تنازلات إقليمية مع سوريا. وقد أثارت هذه المواقف غضب عدد من الوزراء، على رأسهم شارون كما رأينا سابقاً. من ناحية أخرى، يربط الإسرائيليون التفاوض مع سوريا بموضوع انسحابهم من "الحزام الأمني" في الجنوب اللبناني.

ففي أثناء جولة بيكر الأولى في إسرائيل، طرح مع شمير موضوع إعادة السيطرة في "الحزام الأمني" إلى الحكومة اللبنانية. كما نقل بيكر رغبة الدول العربية في انضمام لبنان إلى الاتفاقات الجديدة الجاري نقاشها، والعمل على انسحاب جميع الجيوش الأجنبية من أراضيه. وقد ردّ شمير على ذلك بقوله إن ليس لحكومته مطالب إقليمية في لبنان. وأوضح أن السيطرة على "الحزام الأمني" تنبع من ضرورات أمنية فحسب. وشدد على أنه "ما دامت سوريا تسيطر على أجزاء كبيرة من لبنان، فلن تتنازل إسرائيل عن الحزام الأمني الذي يسمح لها بكبح هجمات المخربين.[21]

وفي الواقع، فإن الاعتقاد السائد داخل الحكومة وخارجها هو أن سياسة سوريا لم تتغير إزاء إسرائيل، على الرغم من دورها الأخير في حرب الخليج. ويلخص هذا الموقف رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، إلياهو بن – أليسار (ليكود)، إذ يقول: "إن سياسة سوريا إزاء إسرائيل لم تتغير، وهدف سوريا هو إضعاف إسرائيل وجرها إلى تنازلات إقليمية. إن سوريا لن تتغير ما دام الأسد رئيسها."[22]

تقويم أولي للوساطة والمواقف

              بات واضحاً الآن رفض إسرائيل البحث في الانسحاب من الأراضي التي احتلها سنة 1967. وهي، من جهة أخرى، ترفض أي دور يمكن أن تضطلع به المؤسسات والهيئات الدولية، رافضة بذلك الأخذ بقراراتها أو وضعها موضع التنفيذ، وهو ما يقطع الطريق للتوصل إلى أفق الحل العادل المنشود. بالإضافة إلى هذا كله، تستعدي إسرائيل كل طرف دولي أوروبي يمكن أن يطرح فرصاً لتسوية عادلة، كما هو جار حالياً بالنسبة إلى التعطيل الإسرائيلي للدور الأوروبي عامة، والفرنسي خاصة، وهو ما يحصر المبادرة بين يدي الولايات المتحدة الأميركية في الدرجة الأولى، والاتحاد السوفياتي في الدرجة الثانية، وذلك بعد استيفائه الشروط الإسرائيلية بإعادة علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل.

لكن هناك من جهة أخرى، إلى جانب هذا الموقف الإسرائيلي المتصلب والرافض لأية تنازلات، عدة ثغرات وعيوب في الوساطة الأميركية الحالية. فقد اعتقد الأميركيون، فور انتهاء حرب الخليج، أن ما جرى لا بد من أن يكون قد أقنع الإسرائيليين والعرب، وأن جمع أطراف النزاع في مؤتمر، أو في أي إطار آخر للحوار، كفيل بتذليل العقبات كافة، وبفتح الطريق نحو السلام. وبالتالي، فهم يحاولون اليوم تأجيل الكلام في المسائل الأساسية، وعدم مواجهة عدد من الأسئلة، ظناً منهم أن ذلك يخفف من الخلافات ويقرب بين وجهات النظر. وأبرز مثال لهذا الموقف: تأجيل الأميركيين الكلام على مستقبل القدس والجولان، على الرغم من رفضهم قراري إسرائيل بضمهما إليها؛ وقبول الأميركيين بوجود تفسيرات عديدة لقراري مجلس الأمن 242 و338، مع تمسكهم بالمغزى الأصلي للقرارين.

إن ما لا يعيره الأميركيون الاهتمام الكافي هو أن دور المحفز [Catalyseur] الذي يزعمون القيام به، لا يمكن أن يوجد لدى أطراف نزاع إقليمي حاجة حقيقية إلى حل نزاعهم.

ثانياً: موقف حزب العمل من التسوية

              على الرغم من أن حزب العمل لا يشكل معارضة سياسية جدية وقوية للمواقف الحالية للحكومة من مسألة التسوية السياسية المطروحة، فإن ثمة فارقاً جوهرياً بين يتسحاق شمير وشمعون بيرس، زعيم حزب العمل، في نظرتهما إلى موضوع السلام وضرورته في المرحلة الحالية.

ففي رأي بيرس إن الأمور التي كانت قبل حرب الخليج قد تغيرت بعدها، والمطروح اليوم هو "كيف نعيش مع 250 مليون عربي، بينهم دول قاتلت إلى جانب التحالف؟ وكيف نخرج من العزلة الاقتصادية والسياسية؟" لذا يرى بيرس أن لا مناص من المصالحة التي من دونها "لن يكون هناك سلام. ومن دون سلام دائم سيظل خطر الحرب قائماً. لذا أنا مع المصالحة... إن الصاروخ الذي ينطلق من بغداد أو من دمشق لن يتوقف في قطاع غزة ليطلب إذناً من أجل دخول إسرائيل."[23]  وفي تقدير بيرس أن شمير وحكومته غير قادرين على مواكبة التغيرات واتخاذ القرارات المصيرية المطلوبة في هذه المرحلة، لأن "شمير ارتبط تطوعاً بأكثر الأجنحة تطرفاً في السياسة الإسرائيلية... لذا فهو لا يستطيع أن يتحرك من دون الجناح اليميني – تسومت وموليدت وتحيا – وهو سيحدد مصيرنا."[24]

انطلاقاً من هذا، يؤيد بيرس تسوية إقليمية قائمة على مبدأ مناطق في مقابل سلام. وهو من دعاة التفاوض مع الفلسطينيين أولاً، وتقديم حل المشكلة الفلسطينية على المفاوضات مع الدول العربية فالخسارة التي مُني الأردنيون والفلسطينيون بها ستقوي موقع إسرائيل في التفاوض معهم. يقول بيرس: "أعرف أن هناك من يقترح التوجه إلى السعودية. لكن ماذا تعتقد سيقول السعوديون؟ إنهم سيسألوننا: وماذا بالنسبة إلى القدس؟... وهناك من يقول: لنتوجه إلى سوريا. ماذا سيطرح السوريون على طاولة المفاوضات؟ على الأرجح، وقبل بدء المفاوضات، سيطرحون السؤال: هل أنتم مستعدون لإعادة هضبة الجولان؟ لكن حتى السوريون سيطلبون قبل ذلك جواباً في شأن الموضوع الفلسطيني. حينئذٍ ينبغي لكل واحد منا أن يسأل نفسه: مَن الأفضل بالنسبة إلينا كي نفاوضه في الموضوع الفلسطيني – سوريا أم الأردن."[25]

وفي رأي بيرس لم يبق، في هذه المرحلة، الوقت الكثير للتفاوض؛ "عام كحد أقصى. فإذا لم يتحرك أي شيء فسنعود إلى المبادرات الأوروبية ومجلس الأمن." وهنا ينبه بيرس إلى بعض الثغرات والمطبّات التي قد تقع فيها المساعي التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية، بأن تقدم نفسها أنها مالكة الحل لمشكلات المنطقة. ففي تقدير بيرس "أن كل شيء اليوم ليس مرتبطاً بالولايات المتحدة. فهي، على الرغم من ازدياد قوتها في المنطقة، مرتبطة أيضاً بالتحالف الذي تبلور بعد الحرب. وهي ستصغي إلى الدول العربية الثماني التي قاتلت إلى جانبها، كما ستصغي إلى ما ستقوله حليفاتها من الدول الأوروبية. يقول ميتران: أريد جمع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن. فهل سيرفض بوش؟ إذا لم تستطع الولايات المتحدة تسيير الأمور، فسيضغط العرب والأوروبيون وغيرهم عليها. وسيجري البحث من جديد في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. وأقول للأميركيين منذ الآن: لا أتوقع أن تحلوا مشكلاتنا. فنحن من يجب أن يحلها. ولا توجدوا الأوهام بأنكم تحلّونها. في تقديري ان الأميركيين يظنون أنهم سينجحون في تحريك شمير وزملائه عن موقف: ولا خطوة ولا شبر. هذا وهْم. فشمير مرتبط اليوم بجناحه اليميني، ونحن نعرف مواقفه بالضبط... أنا لا اقترح الاستجابة للضغط الأميركي، وإنما أحاول قبل فوات الأوان الحؤول دون دورة حرب جديدة في الشرق الأوسط."[26]

ولا يرى بيرس أن هناك إمكاناً لحل أو اتفاق في ظل مبادرة الحكومة لسنة 1989. من هنا كان طرحه لمشروعه الخاص البديل في شأن التسوية.

"خطة للسلام والأمن الإقليمي"

              شهدت صفوف حزب العمل نقاشاً وجدلاً كبيرين بشأن مقترحات التسوية السلمية المطلوبة، وبرزت أفكار ومشاريع بلغ عددها اثني عشر مشروعاً أربعة منها فقط وصلت إلى مرحلة تصويت مكتب الحزب عليها. فنال مشروع بيرس، الذي عنوانه "خطة للسلام والأمن الإقليمي"، أغلبية الأصوات. وكان بيرس قد أدخل في مشروعه عدداً من التغييرات ليصبح أكثر ملاءمة لمواقف يتسحاق رابين الذي كان له هو أيضاً مشروعه الخاص. وهنا تجدر الإشارة إلى أن من بين المشاريع الأخرى المقترحة، نال مشروع عضوي الكنيست بارعام ورامون من حمائم حزب العمل، الذي ينادي بضرورة إعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، نحو 40% من أصوات أعضاء المكتب السياسي للحزب. [للمزيد من التفاصيل في شأن المشاريع المطروحة في حزب العمل، راجع الجدول التالي].

              في بنود مشروع حزب العمل، وافق بيرس على طلب رابين عدم ذكر المطالبة بمؤتمر جنيف، والاكتفاء برعاية الدولتين العظميين للمؤتمر، شرط أن يطبّع الاتحاد السوفياتي علاقاته بإسرائيل، واعتبار الرعاية الدولية للمفاوضات بمثابة عائق في وجه تدخل مجلس الأمن. وفي رأي بيرس لا شيء يتغير سواء أكان المؤتمر إقليمياً أم دولياً أم مؤتمر سلام، المهم أن يكون إطاراً يساعد الأطراف في التوصل إلى تفاهم من دون فرض أو إملاءات.[27]   وهكذا يلتقي حزب العمل مع الحكومة في رفضهما مبدأ تمثيل الأمم المتحدة في المؤتمر.

مشاريع حزب العمل*

المقترح

الآلية

الفلسطينيون

الإطار

الدول العربية

بيرس

برعاية الدولتين العظميين في جنيف.

ممثلون معتمدون من المناطق. مع احتمال وفد أردني – فلسطيني. احتمال انتخابات.

مفاوضات، على مراحل، في شأن فدرالية أو كونفدرالية تشمل الأردن والضفة الغربية وغزة. تجريد المناطق التي تعاد من السلاح، واعتبار نهر الأردن حدوداً آمنة.

بعد بدء المفاوضات مع الفلسطينيين، يصار إلى دعوة الدول العربية إلى المفاوضات من دون شرط.

رابين

برعاية الولايات المتحدة، مع فتح الباب لمشاركة الاتحاد السوفياتي.

انتخابات في المناطق بالاستناد إلى مبادرة الحكومة في أيار/مايو 1989؛ إمكان مشاركة الأردن.

حكم ذاتي لفترة موقتة. مفاوضات تسوية دائمة بعد 3 أعوام.

محادثات ثنائية تحت مظلة (الولايات المتحدة، وفتح باب المشاركة أمام الاتحاد السوفياتي).

شاحل

برعاية الولايات المتحدة

أي تمثيل فلسطيني يقبل الاعتراف بإسرائيل وبقراري مجلس الأمن 242 و338، ويعارض الإرهاب.

دولة فلسطينية في إطار كونفدرالية مع الأردن، أو مع إسرائيل.

اتفاق إقليمي في إطار لجنة للأمن والتعاون لتحقيق نزع السلاح ومراقبة الترتيبات الأمنية.

يعقوبي

برعاية الولايات المتحدة.

ممثلون عن السكان في المناطق يعترفون بإسرائيل وبحقها في الوجود.

1)     حكم ذاتي في المناطق لفترة 3 – 5 أعوام.

2)     تسوية دائمة تعيد إسرائيل بموجبها معظم المناطق إلى كونفدرالية أردنية – فلسطينية.

مفاوضات في الوقت نفسه مع السعودية وسوريا والأردن.

 

التفاوض مع الفلسطينيين

ومستقبل المناطق

              في موضوع المفاوضات السياسية، يعارض العماليون مبدأ المفاوضات على خطين عربي – إسرائيلي، وفلسطيني -  إسرائيلي. وهم يؤيدون التفاوض مع الفلسطينيين أولاً، وذلك في إطار وفد أردني – فلسطيني مشترك، ويشكل القراران 242 و338 القاعدة لهذه المفاوضات. أما عن طريقة تشكيل الوفد فيعتبر الحزب أن الانتخابات ليست شرطاً ويمكن تجاوزها. ففي رأي بيرس، إنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق بشأن أسلوب الانتخابات ما دام الليكود في السلطة.[28]  لذا يمكن اللجوء إلى تأليف الوفد من عرب فلسطينيين من سكان يهودا والسامرة، ويكون جزءاً من وفد أردني – فلسطيني في حال موافقة الأردن على المشاركة في الوفد*.  ويقترح المشروع خطة للحل تقوم على مرحلتين: المرحلة الأولى اتفاق موقت، والمرحلة الثانية مفاوضات بشأن حل دائم بمشاركة الأردن. أما صورة الحل فيمكن أن تكون في صيغة فدرالية أو كونفدرالية، لكن مع تعهد خطي أُدخل في المشروع بناء على طلب من رابين، بألا يؤدي ذلك إلى قيام دولة ثالثة بين إسرائيل والأردن. من هنا تمييز بيرس وتشديده على أن الحل الجاري الكلام بشأنه، في الوقت الحالي، هو فدرالية. يقول بيرس: "إن المقصود، في هذه المرحلة، هو فدرالية. فالحقيقة هي أن الفلسطينيين يعيشون على ضفتي النهر، ويجب أن نجد لهم حلاً واحداً. لكنني لست قيماً على حل المشكلة الفلسطينية. أنا مكلف تأييد حل للمشكلة الفلسطينية لا يعرض أمن إسرائيل للخطر. إذ إنه مع دولة فلسطينية منفصلة ستنشأ مشكلات معقدة جداً، لأنهم في نهاية الأمر سيطالبون بجيش فلسطيني. في حال قيام فدرالية أردنية – فلسطينية كتلك التي أتوقعها، فستظل المناطق التي نعيدها منزوعة السلاح كما في سيناء؛ وهذا هو الفارق الأساسي من زاوية أمن إسرائيل."[29]  

أما عن كيفية التوفيق بين السلام والانسحاب من المناطق والحاجات الأمنية لإسرائيل، فهذا ما يحدده يتسحاق رابين بصورة أكثر وضوحاً عندما يقول: "نحن لا نضمن بالسلام الدبلوماسي السلام الحقيقي. فالسلام الدبلوماسي هو المدخل نحو مسار قضم الحافز الذي تستند إليه الشكوك المتبادلة، وتراكم الكره نتيجة الحروب الكثيرة التي خبرناها... والمطلوب، للحؤول دون وقوع الحرب، حدود يمكن الدفاع عنها، لا السيطرة على 1,7 مليون فلسطيني وابتلاعهم. وينبغي لنا أن نكون مستعدين للتنازل عن الجزء الأساسي من المناطق التي يسكنها هؤلاء، من دون العودة إلى خطوط سنة 1967، ولا النزول عن هضبة الجولان. أريد حدوداً يمكن الدفاع عنها بحيث أن جوهر وجودها يمنع قيام حرب."[30]

أي مستقبل للمناطق في ضوء مشروع حزب العمل وما هي الخريطة الجديدة لحدود إسرائيل الشرقية؟ يمكننا أن نجد جزءاً من الرد على سؤالنا في كلام عضو الكنيست من المعراخ، ميخا غولدمان، الذي يعتبر أن المشروع الأكثر ملاءمة لإسرائيل من أجل قضية المناطق، هو مشروع آلون. وبالاستناد إلى ذلك وغيره، يرسم غولدمان الصورة التالية: "يشكل الأردن وأغلبية المناطق المحتفظ بها دولة واحدة، أردنية – فلسطينية. نقول أغلبية المناطق لا كلها. وستعمل إسرائيل على إحداث تعديلات في حدودها الشرقية يمكن أن تزيد في أمن الدولة. في حين يبقى قسم من [المستعمرات] التي أُقيمت بالقرب من الخط الأخضر، ضمن حدود إسرائيل. وفي مقابل الموافقة الأردنية – الفلسطينية على هذه التعديلات، تعطى الدولة الأردنية – الفلسطينية إمكان استخدام ميناء حيفا، وإقامة ممر يربط بين الخليل وقطاع غزة. ويتم تجريد أراضي الدولة التي ستقام على الضفة الغربية لنهر الأردن من السلاح تجريداً تاماً. ويحافظ في كل الاتفاقات على وحدة القدس الكبرى. ويشمل ذلك [مستعمرات] مثل: معاليه أدوميم وغفعات زئيف. وحتى [المستعمرات] التي أقيمت في سهل الأردن، فتبقى ضمن حدود إسرائيل. ويُربط بعضها ببعض عن طريق تواصل إقليمي يقام بينها وبين [مستعمرات] شمال البحر الميت والعربة في الجنوب وسهل بيسان وسهل الأردن في الشمال... وخلال الفترة الانتقالية – 5 أعوام – [يستمر خلالها حكم الملك حسين وتجرى في نهايتها  انتخابات لسكان الدولة الموسعة تشكل حلاً لرغبة الفلسطينيين في الاستقلال السياسي]، يتم وضع ترتيبات ملائمة لضمان سلامة وأمن كل سكان المناطق من  اليهود والعرب في آن واحد... وتنضم الدولة الأردنية – الفلسطينية إلى السوق الشرق – الأوسطية التي ستعمل وفق نموذج السوق الأوروبية المشتركة. وستعمل هذه السوق على دفع المصالح المشتركة للدولتين، مثل تخصيص موارد مشتركة لاستغلال الإمكانات السياحية للمنطقة والأماكن المقدسة. وتوقع الدولتان ميثاقاً للحد المتبادل للتسلح. وسيعطى هذا الجانب ضمانات أميركية للأمن المتبادل وللحفاظ على الاستقرار."[31] 

ويلتقي عضو الكنيست موشيه شاحل في نظرته مع ما سبق أعلاه: "يعترف الحل بكيان فلسطيني في إطار كونفدرالية أردنية – فلسطينية، أو في إطار كونفدرالية يمكن أن تشمل إسرائيل أيضاً. وتحل مشكلة الحدود بواسطة تسوية إقليمية على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242، وترتيبات أمنية يحددها مجلس الأمن والتعاون الإقليمي، تتضمن تجريد المناطق التي يجري الانسحاب منها من السلاح الهجومي بأنواعه كافة. وستظل القدس الموحدة في ظل السيادة الإسرائيلية. وفي المجال البلدي، يمنح السكان العرب حق التمثيل في مجلس المدينة، ويُضمن وضع خاص للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية."[32]

الفوارق بين مشروع حزب العمل

ومشروع الحكومة

في الواقع يمكننا أن نشير إلى إجماع الطرفين على ثلاثة مبادىء أساسية: رفض التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية، ورفض الانسحاب الكامل من الأراضي التي تم احتلالها في حزيران/يونيو 1967. أما الفوارق فتبرز في تفاصيل الحل. ففي حين يشدد العماليون على أن تأخذ المرحلة الموقتة للحل شكل فدرالية مع الأردن، يقترح الليكود في مبادرة الحكومة إدارة ذاتية لسكان المناطق في تلك الفترة، يديرون شؤون حياتهم بأنفسهم. وتظل إسرائيل مسؤولة عن الأمن والعلاقات الخارجية وكل ما يتعلق بمواطني إسرائيل في يهودا والسامرة وغزة. أما دور الأردن، فيأتي فيما بعد خلال المرحلة الثانية المخصصة للاتفاق على الحل الدائم. لكن بدا جلياً في أثناء المحادثات الأميركية – الإسرائيلية الرسمية الأخيرة أن الحكومة باتت أقرب في هذه النقطة بالذات من موقف حزب العمل، الأمر الذي يؤدي عملياً إلى إلغاء الاختلافات بين الطرفين.

وفي الواقع، تجدر الإشارة هنا إلى أن موقف حزب العمل هذا يكاد يكون هو الموقف نفسه الذي تتبناه حركة راتس وحزب مابام وحركة شينوي، ويشذ عن هذا الإجماع كل من حداش و"التقدمية" و"الديمقراطية"، وهي جميعها تؤمن بأن الحل هو عن طريق إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل؛ أي إقامة كيان ذي سيادة على جميع الأراضي بحسب الحدود التي كانت قائمة عشية حرب حزيران/يونيو 1967. والمقصود أيضاً سيادة كاملة مع عاصمة هي القدس، وعلم وجيش وقوات أمن وسياسة خارجية مستقلة، مع كل ما يستتبعه الاستقلال السياسي.[33]

موقف حزب العمل من

التفاوض مع سوريا

              منذ إعلان مشروع يغآل آلون سنة 1969، اعتبر العماليون السيطرة على هضبة الجولان ضرورة أمنية. وكان رأي آلون أن هذه الضرورة لا تنبع فقط من أن "الجليل الأعلى والجليل الأسفل وسهل الأردن ستكون مهددة من جهة سوريا، وهذه الأجزاء تشكل قسماً بارزاً من دولة إسرائيل له الحق في الدفاع الكامل، وإنما تنبع هذه الضرورة أيضاً بسبب أن في هذا القطاع من البلد ينابيع المياه الأساسية التي تزود جنوب البلد بالمياه".[34]  ولقد اقترح آلون في مشروعه إمكان التنازل عن ثلث منطقة هضبة الجولان وإعادته إلى سوريا كسبيل للتفاوض معها.

              واليوم أيضاً لم يتبدل الموقف التقليدي لحزب العمل من مرتفعات الجولان؛ فهي "جزء لا يتجزأ من إسرائيل."[35]   أما سوريا فما زالت، في نظر يتسحاق رابين، "الدولة المجاورة الأكثر عداء، والتي ما زالت تتطلع إلى الاستمرار في بناء التوازن الاستراتيجي في مواجهة إسرائيل." والشروط التي يفترض بسوريا أن تلبيها للدخول في المفاوضات هي، في رأيه، "أن تمنع أن يكون هناك في دمشق وعلى أراضيها وفي سهل البقاع وجود لقيادات المنظمات الفلسطينية الأكثر تطرفاً وإرهاباً مثل: أحمد جبريل، وأبو موسى، والصاعقة، وحبش وآخرين. وعليها أن تقول: أوقفنا الإرهاب من الخارج. والأمر الثاني الذي عليها أن تقوله هو: نحن مستعدون للحديث عن السلام في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، برعاية الأميركيين والسوفيات على أساس القرارين 242 و338، بصورة منفصلة عن القضية الفلسطينية وعلى أساس المشكلات الثنائية بين سوريا وإسرائيل." ويستنتج رابين من كل ذلك أمراً واحداً هو "لا للنزول عن هضبة الجولان."[36]

إذا كان رابين جازماً في رفضه الحديث عن انسحاب من الجولان، فإن رئيس حزب العمل يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات أكثر مرونة. فهو، مثلاً، لا يستبعد إمكان تسوية إقليمية مع سوريا في هضبة الجولان تنص على مناطق في مقابل سلام. لكنه شدد على أن المقصود ليس كل المناطق وإنما تسوية يقبل الطرفان بها.[37]

وفي الواقع، وباستثناء أصوات قليلة مغايرة، ثمة إجماع في إسرائيل بين اليمين ومختلف التيارات على ضرورة الاحتفاظ بهضبة الجولان. فرئيس الأركان السابق اللواء دان شومرون، وهو أول من استخلص من حرب الخليج أن مفهوم العمق الاستراتيجي تغير مع الصواريخ العربية البعيدة المدى، ما زال يعتقد أن للوجود الإسرائيلي في الجولان أهمية أمنية. وفي رأيه، لا يكمن التهديد السوري في الصواريخ التي تملكها هذه الدولة فحسب، وإنما يكمن أيضاً في مجمل جهازها الحربي.[38]  وهذا هو رأي اللواء في الاحتياط أوري أوري (معراخ) الذي ينادي بضرورة أن تظل هضبة الجولان تابعة لإسرائيل، ويقترح نزع السلاج من هناك.[39] 

والظاهر أن ثمة تصوراً يجري درسه في هذا المجال، وهو إمكان قيام منطقة عازلة منزوعة السلاح في الجولان على غرار ما هو قائم في سيناء مثلاً. يقترح ألوف هار إيفين، الأستاذ في معهد فان – لير، تحويل الأردن إلى "دولة عازلة" [Etat Tampon]، وهو يقترح الحل ذاته في هضبة الجولان قائلاً: "إذا كانوا يفكرون في حل بالنسبة إلى هضبة الجولان، فسنحتاج في جنوب سوريا إلى قيام منطقة عازلة تفصل بين القوة العسكرية السورية وقوات الجيش الإسرائيلي، مع ترتيبات رقابة وتدخل دولي، وما شابه. وحتى في لبنان... لكن الأمر هناك أكثر تعقيداً. إن من شأن إقامة مناطق عازلة تفصل بين الجيوش مع تدخل دولي، أن تبعد خطر الاشتباكات المباشرة وأن تشكل عنصراً آخر في التسوية السلمية."[40]

يضع يهوشواع ساغي، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، تصوره لهذه المنطقة العازلة كالتالي: "منطقة مجردة من كل وجود عسكري، تمتد حتى مداخل دمشق في الشمال، وحتى الأردن؛ تقليص للقوة العسكرية بحسب نموذج نزع السلاح الذي جرى بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة؛ شرط آخر هو أن يصار إلى تنفيذ الاتفاق على مراحل، وعلى فترة من الزمن كي نتأكد أن المقصود فعلاً هو اتفاق سلام، لا أي اتفاق حيث كل طرف يبحث عن ثغرة كي يخرقه."[41]

ثالثاً: أصوات جديدة تطرح مقترحات للحل

أدت المساعي الجارية حالياً للبحث عن تسوية سلمية إلى بروز أصوات جديدة داخل الجمهور الإسرائيلي. وتعبر هذه الأصوات عن تيارات وحركات غير سياسية وغير ممثلة في الكتل البرلمانية والأحزاب الإسرائيلية. وتكمن أهميتها في أنها تعكس وجهة نظر المثقفين الإسرائيليين، وبالتالي تكشف عن المواقف الأخرى التي لا تخضع لمنطق الاستقطاب السياسي التقليدي بين اليمين واليسار. ويمكن أن تشير إلى مسارات ممكنة أو مرتقبة في المستقبل.

              نتوقف عند ثلاثة اقتراحات للتسوية السلمية. الاقتراح الأول هو لرئيس المنظمة الإسرائيلية للأطباء لمنع الحرب الذرية، أرنستو كاهان.[42]  يعدد كاهان عدة خيارات ستواجهها إسرائيل في ظل النظام السياسي الجديد المقترح في الشرق الأوسط، منها:

  • "الحفاظ على الستاتيكو (الوضع الراهن) في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولهذا الخيار صيغتان: الأولى، توقيع اتفاق سلام مع الدول العربية، سوريا ولبنان مثلاً، على أساس إعادة أجزاء معينة من الجولان والجنوب اللبناني؛ والثانية، الحفاظ على الستاتيكو من دون توقيع أي اتفاق سلام مع أية دولة."
  • "محاولة حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني عن طريق إقامة دولة ذات طابع فلسطيني في الأردن . من المنطقي ألاّ يتضمن مثل هذا الخيار ترحيلاً للسكان الفلسطينيين إلى الدولة الجديدة، لأن ذلك سيكون تسوية غير عملية. وإذا حدث على الرغم من ذلك ترحيل خفي، فسيبقى على أرض إسرائيل نحو مليون ونصف المليون من العرب الفلسطينيين، يعتبرون الانتفاضة جزءاً من حياتهم. وبناء على ذلك، وسواء حدث ترحيل خفي أو لم يحدث، فإن مصير هذا الخيار هو الفشل، ولن تزول الأخطار التي تهدد وجودنا."
  • "حل إسرائيلي – فلسطيني يتضمن ترحيلاً للفلسطينيين عن المناطق التي يقطنونها (أي جزء كبير من يهودا والسامرة وغزة) إلى الأردن، إلى دولة فلسطينية أو كونفدرالية أردنية – فلسطينينة. هذا الحل من شأنه أن يقلص الخطر الديموغرافي داخل إسرائيل، بصورة لا تتجاوز ما يمكن أن يحققه اتفاق للسلام الشامل. لكن خطر الهجوم الشامل على إسرائيل، بما في ذلك استخدام السلاح غير التقليدي، سيظل أكيداً."
  • "... اتفاق شامل للسلام يتكون من أربعة بنود أساسية: سلام مع الدول العربية في منطقتنا؛ سلام مع الشعب الفلسطيني على أساس إعادة مناطق؛ تجريد الشرق الأوسط من السلاح غير التقليدي؛ ضمانات دولية لكل بند من الاتفاق قد تكون مرتبطة بوجود عسكري."

ويخلص كاهان إلى النتيجة الآتية: "إن اتفاقاً كهذا صعب التحقيق. لكنه يعتبر، على الرغم من كل العوائق، الاتفاق الأفضل لإسرائيل، لأنه الوحيد الذي يبعد إلى حد كبير الخطر الأساسي الذي يهدد وجودنا... إن التوقيت الصحيح والفرصة الملائمة هما العنصران الأهم في تحقيق اتفاق مركّب للسلام.... وهذان العنصران متوفران اليوم، ولم يبق لنا سوى استغلالهما لمصلحتنا. إن مسألة ما إذا كانت مفاوضات السلام الشامل يجب أن تجري في مؤتمر دولي أو بصورة مباشرة، هي مسألة مهمة لكن غير أساسية. لدى حكومة إسرائيل الآن فرصة تاريخية نادرة للقيام بخطوة كبيرة من أجل مستقبل الدولة."

أما الاقتراح الثاني فهو خطة تقدم بها المستشرق أفيغدور برونفيتس،[43]  يدعو فيها الرئيس مبارك إلى المبادرة للاجتماع مع رئيس الحكومة من أجل تحقيق تسوية للفلسطينيين عن طريق إقامة كونفدرالية في غزة.

ومما جاء في الاقتراح: تُجرى المحادثات بين وفد إسرائيلي وآخر مصري، يضم ممثلين عن سكان قطاع غزة من أجل بلورة مشروع يخضع للاستفتاء الشعبي في غزة والقدس. ينسحب الجيش الإسرائيلي من القطاع بعد الاتفاق على أن غزة منطقة استراتيجية وحدود أمن لإسرائيل. وتناط المسؤولية عن الأمن في القطاع بهيئتين: لجنة أمنية، وحرس الكونفدرالية، ويوظف في هاتين الهيئتين أشخاص على أساس ثنائي فلسطيني – إسرائيلي متكافىء. يخول الرئيس الإسرائيلي للجنة الأمنية، والقائد الإسرائيلي للحرس، الاستنجاد بقوات الجيش الإسرائيلي عند الضرورة. يُجرى إقرار مشروع إقامة كونفدرالية بين قطاع غزة وإسرائيل في استفتاء يجري في القطاع، وربما في إسرائيل أيضاً. ولا ينفذ إلا إذا حظي بتأييد 50% من أصوات سكان القطاع وبموافقة الكنيست الإسرائيلي. وفي حال إقرار المشروع يصار  إلى إجراء انتخابات للسلطات المحلية، ويشكل الممثلون المنتخبون مجلس نواب – برلماناً محلياً – لقطاع غزة. ومجلس النواب هذا يشكل سلطة محلية لا تلبث أن تختار ممثليها في مجلس نواب الكونفدرالية الذي يضم نواباً إسرائيليين (من الكنيست أو من السلطات المحلية). يشكل هؤلاء المجلس التشريعي الكونفدرالي الإسرائيلي – الغزاوي، ويكون مقر هذا المجلس والسلطة التنفيذية والقضائية للكونفدرالية في القدس، وذلك انطلاقاً من افتراض انضمام قطاعات فلسطينية جديدة إلى الكونفدرالية.

ويمكن أن تشكل الكونفدرالية مع غزة، في رأي المستشرق المذكور، نموذجاً صالحاً لحل مشكلة الأراضي المحتلة كافة.

أما الاقتراح الثالث فتقدم به مؤسس حركة "المستقبل" إيهو بيليغ.[44]  وتقترح هذه الحركة الجديدة حلاً جذرياً يجمع بين وجهتي نظر الليكود وأحزاب اليمين من جهة، وبين المعراخ وأحزاب اليسار من جهة أخرى.

ويقترح بيليغ "إقامة دولة فلسطينية في جزء من أراضي يهودا والسامرة وغزة، وفي الوقت نفسه تعلن السيادة الإسرائيلية في الأقسام الأخرى من المناطق. ويتبنى الحل صورة الوضع القائم: بلدات عربية، و[مستعمرات] يهودية، وأراض واقعة خارج حدود الجهتين. وتطبق السيادة الفلسطينية على أراضي البلدات العربية، بينما تطبق السيادة الإسرائيلية على [المستعمرات] الإسرائيلية. أما الأراضي الواقعة بين الجهتين، فتكون في ظل سيادة مشتركة بين الدولة الإسرائيلية والدولة الفلسطينية. ويُتخذ قرار بشأن هذه الأراضي بالاتفاق بين الدولتين، ويكون كل تغيير على قاعدة مشتركة."

"تجرد يهودا والسامرة وغزة من القوات العسكرية، وتحفظ الأمن قوات من الشرطة الإسرائيلية أو الفلسطينية بحسب البلدة. تبقى القدس موحدة في ظل السيادة الإسرائيلية." ويتضمن المشروع خمس مراحل: "مرحلة أولى، بعد نشر المشروع يُعلن إجراء انتخابات في يهودا والسامرة وغزة. تكون المدة المقترحة عاماً ونصف العام. ويحق أن يرشح نفسه للانتخابات كل من قطع علاقاته بمنظمات الإرهاب، أو لم يكن مرتبطاً بها مدة عام قبل الانتخابات؛ المرحلة الثانية، إجراء انتخابات بمشاركة 70% على الأقل من مجموع السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة وغزة، وانتخاب قيادة فلسطينية؛ المرحلة الثالثة، توقيع اتفاق بين حكومة إسرائيل والزعامة الفلسطينية المنتخبة، لبدء السيادة المشتركة. تعلن الزعامة الفلسطينية المنتخبة، في الاتفاق، إلغاء تلك البنود في الميثاق الفلسطيني التي تدعو إلى تدمير دولة إسرائيل والتي ترفض  الاعتراف بحقوق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل. وتتعهد هذه الزعامة بمنع قيام أي نوع من الإرهاب في إسرائيل؛ المرحلة الرابعة، خروج الجيش الإسرائيلي من البلدات العربية؛ المرحلة الخامسة، بعد ثلاثة أعوام من بدء تطبيق السيادة المشتركة، تخرج قوات الجيش الإسرائيلي من مناطق يهودا والسامرة وقطاع غزة."

خلاصة

              نخرج من هذا العرض للآراء والمواقف الإسرائيلية باستنتاج أساسي، هو أن السبيل الموصل إلى السلام ما زال طويلاً ومملوءاً بالصعوبات. وبالتالي، فإن الأحداث التي استجدّت في المنطقة بعد حرب الخليج، وما تمخضت عنه من نتائج، لا تشكل حافزاً فعلياً وحقيقياً للسلام المنتظر منذ أمد بعيد.

              إن التعنت الذي أظهرته إسرائيل في شأن المفاوضات، ورفضها أي تنازل أو أية صيغة تسوية توفيقية بين المواقف المتعارضة، هما أبرز دليل على أن الحكم في إسرائيل غير مستعد الآن للبحث جدياً في مسألة السلام، وهو غير قادر أيضاً على حسم المسائل الأساسية العالقة، وفي طليعتها: مصير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل سنة 1967، وقضية الشعب الفلسطيني.

                                                                                                                           8/5/1991

 

[1]   "هآرتس"، 15/4/1991.

[2]   تستند المعلومات الواردة أعلاه إلى ما جاء في الوثيقة التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 14/5/1989، ونشرتها "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 1، شتاء 1991، ص 164، وإلى ما جاء في "هآرتس" من توضيحات جديدة للمبادرة، بتاريخ 10/3/1991.

[3]  "هآرتس"، 4/3/1991.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  المصدر نفسه.

*   جميع المعلومات الواردة أعلاه مأخوذ من صحيفتي "هآرتس" و "دافار" في الفترة الواقعة بين 12/3/1991 و 18/3/1991.

[6]  "عال همشمار"، 14/3/1991.

[7]  "هآرتس"، 19/3/1991.

[8]  "عال همشمار"، 29/3/1991.

[9]  كما وردت في صحيفتي "هآرتس"، 10/4/1991، و"دافار"، 10/4/1991.

[10]  كما أوردتها "هآرتس"، 14/4/1991.

*   قال وزير الإسكان في اجتماع الكنيست أن هضبة الجولان جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وذكر أنه يعد مشروعاً للبناء في الجولان من شأنه أن يرفع عدد المستوطنين فيه من 11 ألف نسمة – وهو عددهم الحالي – إلى 20 ألف نسمة، وذلك في وقت قريب ("هآرتس"، 19/3/1991).

[11]  "هآرتس"، 11/4/1991.

[12]  نقلاً عن صحيفة "النهار" (بيروت)، 21/4/1991.

[13]  "هآرتس"، 22/4/1991.

[14]  المصدر نفسه، 21/4/1991.

[15]  المصدر نفسه، 22/4/1991.

[16]  المصدر نفسه.

[17]  المصدر نفسه، 21/4/1991.

[18]   المصدر نفسه، 23/4/1991.

[19]  "عال همشمار"، ملحق خاص بعيد الاستقلال، 18/4/1991.

[20]  "دافار"، 19/3/1991.

[21]  "هآرتس"، 18/3/1991.

[22]  المصدر نفسه، 3/4/1991.

[23]  من مقابلة أجرتها معه صحيفة "عال همشمار"، 1/3/1991.

[24]  المصدر نفسه.

[25]  من مقابلة أجرتها معه صحيفة "دافار"،  8/3/1991.

[26]  المصدر نفسه.

[27]  "هآرتس"، 14/4/1991.

*  نقلاً عن "دافار"، 4/3/1991.

[28]  من مقابلة "عال همشمار" مع بيرس، مصدر سبق ذكره.

*   لا يفصل بيرس في اقتراحه هوية أعضاء الوفد. لكن من المعلوم أن التيار المعتدل في الحزب يوافق على مشاركة فلسطينيين من سكان القدس الشرقية فيه، بالإضافة إلى عضوية مبعد فلسطيني أو أكثر أو فلسطينيين ممن يملكون عناوين مزدوجة في القدس والمناطق. (لمزيد من التفاصيل في شأن هذه النقطة، يمكن العودة إلى مقالة سمير صراص: "الصراع الداخلي في حزب العمل"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 3، صيف 1990، ص 200).

[29]  من مقابلة "عال همشمار" مع بيرس، مصدر سبق ذكره.

[30]  من حديث ليتسحاق رابين نشر في الملحق الخاص بعيد الاستقلال، "عال همشمار"، 18/4/1991.

[31]   ميخا غولدمان، "آن زمن السلم"، "هآرتس"، 28/3/1991.

[32]  موشيه شاحل، "فرصة معقولة للتسوية"، "دافار"، 1/3/1991.

[33]  للمزيد من التفاصيل بشأن الفوارق في وجهات نظر مختلف الكتل السياسية، يمكن العودة إلى مقالة شيفح فايس، "الخطوط الحقيقية"، "دافار"، 4/3/1991.

[34]  رؤوفين فدهتسور، "تسويات لم تتحقق"، "هآرتس"، 29/3/1991.

[35]  موتي غور، "تسويات وقوة وحسم"، "دافار"، 11/3/1991.

[36]  من حديثه في الملحق الخاص بعيد الاستقلال في "عال همشمار"، مصدر سبق ذكره.

[37]  "هآرتس"، 22/3/1991.

[38]  المصدر نفسه.

[39]  "يديعوت أحرونوت"، 22/3/1991.

[40]  من مقابلة أجرتها معه صحيفة "عال همشمار" في ملحق عيد الفصح، 29/3/1991.

[41]  "يديعوت أحرونوت"، 22/3/1991.

[42]  أرنستو كاهان، "السلام والسلام فقط"، "هآرتس"، 26/3/1991.

[43]  أفيغدور برونفيتس، "غزة هي المفتاح"، "هآرتس"، 1/4/1990.

[44]  إيهو بيليغ، "حل للقطبين"، "هآرتس"، 15/4/1991.